رعايا كوسوفيون في سويسرا قلقون من تصاعد التوتّر في منطقة البلقان
يشهد شمال كوسوفو توتراً مع اقتراب الموعد النهائي لقرار يفرض على الصرب استبدال لوحات تسجيل المركبات الصادرة عن بلغراد بلوحات أرقام كوسوفية. وأثار قرار حكومة كوسوفو، الذي يبدو قراراً عادياً، استياء صرب كوسوفو. كتيبة عسكرية سويسرية تُشارك في قوات حفظ السلام التابعة لحلف شمال الأطلسي في كوسوفو تراقب هذا الوضع المتوتّر عن كثب خاصة مع اقتراب الموعد النهائي لتنفيذ قرار كوسوفو.
اندلعت احتجاجات عنيفة في شمال كوسوفو هذا الصيف بعد أن حدد رئيس الوزراء هناك، ألبين كورتي، أول موعد نهائي لتغيير لوحات تسجيل المركبات. وكانت مجموعات من الصرب قد أغلقت الطرق ووضعت حواجز، وأطلقت النار على المعابر الحدودية اعتراضاً على بدء تنفيذ القرار. ولتخفيف حدة التوترات، تم تأجيل الموعد النهائي إلى موفى شهر أكتوبر 2022. وفي شمال البلاد، يرفض صرب كوسوفو، وعددهم نحو 70 ألفا، الاعتراف بالمؤسسات الكوسوفية، ويتمسكّون بلوحات التسجيل الصادرة من بلغراد التي يعتبرونها عاصمةً لكل الصرب.
منذ نهاية حرب كوسوفو في عام 1999، تشارك سويسرا في صون السلام في الشمال المضطرب، الذي يعاني أيضاً من ارتفاع معدلات البطالة والجريمة. وكانت سويسرا قد أوفدت كتيبة سويسكوي للمشاركة في قوة حفظ السلام الدولية بقيادة حلف شمال الأطلسي في كوسوفو (KFOR). وتضم هذه الكتيبة 195 بين متطوع ومتطوّعة.
يعمل دافيد أولومنيز قائداً لفريق الاتصال والمراقبة في مدينة ميتروفيتسا التي يشقّها نهر إيبار فاصلاً بين المستوطنات الألبانية والصربية. وتقتضي مهمة أولومنيز أن يتحدّث مع أفراد المجتمعات المحلية، وأن يُقدّم تقارير إلى قوة حفظ السلام عند الضرورة. ويقول أولومنيز إن هذه المجتمعات متوجسة من المستقبل، لأن “الآتي مجهول بالنسبة لها”.
ويقول بيتر بالزلي، مراسل قناة التلفزيون العمومي السويسري الناطقة بالألمانية (SRF) في أوروبا الشرقية، إن زميله المُصوّر الكوسوفيّ الذي يعرفه مِقْداماً، يودّ أن يبقى بعيداً عن الحدود الكوسوفية الصربية في 31 أكتوبر تحسبا لتصاعد التوترات في المنطقة. ويرجّح بيتر بالزلي أن الوضع هناك سيبقى متوتراً لأن كوسوفو، من وجهة نظر الصرب، لا تزال أرضاً صربية.
وأشارت صحيفة “تلغراف” الصربية في 19 أكتوبر، إلى أن 12 مركبة فقط من أصل 9000 مركبة تحمل لوحات تسجيل صربية قد أُعِيد تسجيلها. وفي لقاءٍ أجرته مؤخراً إذاعة كوسوفو مع توماس سونيوغ، رئيس مكتب الاتحاد الأوروبي في بريشتينا، قال هذا الأخير إنه يرغب في تأجيل الموعد النهائي لإعادة تسجيل المركبات.
الاعتراف بكوسوفو والموقف الروسي
في عام 2013 وبوساطةٍ من الاتحاد الأوروبي، التزمت صربيا وكوسوفو بإجراء مفاوضات لتطبيع العلاقات بينهما، إلا أن تلك المفاوضات لم تحقق أي تقدّم يذكر. ومع أن 117 دولة، منها سويسرا، اعترفت بكوسوفو بوصفها دولةً مستقلة؛ يرى عثمان عثماني، اشتراكي ديمقراطي مقيم في سويسرا ومتحدث باسم الشتات الألباني، أن استمرار توتر العلاقات مع صربيا سببه موقف دول الاتحاد الأوروبي من استقلال كوسوفو. فقد رفضت كل من أسبانيا واليونان ورومانيا وسلوفاكيا وقبرص قبول استقلال كوسوفو لأن هذه البلدان تخشى أن تكون كوسوفو مثالاً تقتدي به الحركات الانفصالية فيها.
وترفض روسيا والصين أيضا الاعتراف بكوسوفو دولةً مستقلّة، وتدعم روسيا ادعاءات صربيا المستمرة بحقها في أراضي البلقان. وكانت صربيا قد عرضت إعفاء مواطني بعض الدول من تأشيرة الدخول إذا تراجعت حكومات هذه الدول عن الاعتراف بكوسوفو. وبالفعل، سحبت بعض الدول اعترافها. ويفيد بالزلي، مراسل التلفزيون العمومي السويسري الناطقة بالألمانية (SRF)، أن صربيا أعلنت أنها ستلغي نظام الإعفاء من التأشيرة لمواطني الهند وتونس وبوروندي، وذلك بضغط من الاتحاد الأوروبي.
وبينما تبدو صربيا في الظاهر الحليف الأقرب لروسيا في أوروبا، إلا أن حقيقة الوضع ليست كما تبدو.
وفي هذا الصدد يقول بالزلي: “على الصعيد الخارجي، تتغنى بلغراد بعلاقة الأخوة الأبدية بين روسيا وصريبا، مع أنها تعتمد اعتماداً شبه كامل على الغرب … فحتى الآن، منحت بروكسل مساعدات إنمائية لصربيا بقيمة 4 مليارات يورو [3.9 مليار فرنك سويسري] ، كما أن ثلثيْ صادرات الاقتصاد الصربي تتجه إلى دول الاتحاد الأوروبي”.
ويشير المراسل الصحفي إلى أن سياسة صربيا المتأرجحة بين الولاء لروسيا والسعي إلى توثيق العلاقات مع الاتحاد الأوروبي أصبحت الآن مثاراً للشكّ في بلغراد.
ويتهم عثماني صربيا “باحتجاز الأقلية الصربية في كوسوفو رهينةً ومنعها من الاندماج في دولة متعددة الأعراق”. ويشكك أيضاً في قدرة قوة حفظ السلام الدولية وبعثة الاتحاد الأوروبي المعنية بسيادة القانون في كوسوفو فعلاً على حفظ السلام أو أنهما مستعتدان للقيام بذلك.
ويشرح عثماني وجهة نظره المُشكّكة فيقول: “عندما يحدث أمر جلل في شمال كوسوفو، كإغلاق الطرق لأسباب سياسية مثلاً، تسمح قوات حفظ السلام الدولية لشرطة كوسوفو بالتدخل، ولكن سرعان ما يتم إيقافها… إنها لعبة قذرة تخلو تماماً من الشفافية”.
فر الآلاف من كوسوفو إلى سويسرا خلال حرب عام 1999. وبحسب أرقام عام 2021، يبلغ عدد الكوسوفيين المقيمين في سويسرا 114,755 فرداً. وأظهرت الإحصاءات الرسمية لعام 2020 أن 3.2٪ من سكان سويسرا يتحدثون الألبانية. ويواصل الكوسوفيون في الشتات دعم وطنهم الأصلي بالتحويلات المالية، وشاركوا في انتخابات كوسوفو الأخيرة، التي ساعدت على إيصال رئيس الوزراء ألبين كورتي إلى السلطة.
الطريق أمام كوسوفو
يمكن للإندماج الكامل مع الاتحاد الأوروبي أن يساعد في فتح الطريق أمام كوسوفو. وقال المستشار الألماني أولاف شولتس لزعماء الصرب وكوسوفو خلال زيارة لبرلين في مايو إن التقارب بينهما “مهم للغاية” من أجل قبولهما في الاتحاد الأوروبي. ولا تزال المداولات بشأن انضمام صربيا إلى الاتحاد الأوروبي جارية، وأعلنت كوسوفو أنها تعتزم التقدم بطلب رسمي للانضمام إلى الاتحاد في نهاية هذا العام.
وفي حين أن المحادثات بين كوسوفو وصربيا تحت رعاية مبعوثي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قد أخفقت في حل مشكلة لوحات تسجيل المركبات، إلا أن بلغراد وبريشتينا توصلتا مؤخراً إلى اتفاق بشأن وثائق الهوية الشخصية. إذ وافقت صربيا على إلغاء وثائق الدخول والخروج لحاملي بطاقات الهوية الصادرة من كوسوفو. وفي المقابل، وافقت كوسوفو على عدم فرض مثل هذه الوثائق على حاملي بطاقات الهوية الصربية.
ويرى بالزلي أن كوسوفو تحرز تقدماً لأن حكومة كورتي جادة في مكافحة الفساد وتحظى بدعم من الشتات في سويسرا ومن الكوسوفيين في الخارج. ويعتقد أيضاً أن اقتصاد كوسوفو سينمو إذا ما طُبّقت إجراءات فاعلة للتصدي لظاهرة الفساد.
ويقول: “إذا نجحت كوسوفو، التي يتراوح متوسط دخل الفرد فيها بين 350 و400 يورو، في رفع مستوى الرخاء فوق المستوى في صربيا (حيث يبلغ متوسط دخل الفرد 770 يورو)، عندها ستتغير الأوضاع بين البلدين”.
أمّا عثماني، فيقترح نهجاً آخر لازدهار كوسوفو: “من أجل إعطاء الأعمال والمجتمع فرصة للتطور، نحتاج إلى حرية الحركة والتنمية الاقتصادية والصداقة بين الجانبين والتعاون الاقتصادي والمعاملة بالمثل من كلا الجانبين”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.