مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

رفض سعودي لرسْم مستقبل النظام الإقليمي في المنطقة بمعزل عن المملكة

الرئيس الأمريكي باراك أوباما (على اليمين) والعاهل السعودي الملك سلمان يُؤديان مراسم تحية العلم في مطار الرياض يوم 27 يناير 2015. Keystone

"أمريكا لم تكترِث لشكاوى الدول العربية مِن تدخُّل وعرْبدة الأطراف الإقليمية الثلاثة في شؤونها الداخلية (إيران، تركيا، وإسرائيل). وسواء كان هذا تعبيراً عن تراجُع قوة أمريكا أو انعِكاساً لرغبة دفينة في وضْع العرب تحت "وِصاية" هذه الأطراف، إلا أن تجاهُل العرب في توازُنات المنطقة، لا يعنيان سوى التخطيط المتعمّد لنِزاعات مُستقبَلية لا نهاية لها".

هكذا أطلّ كاتِب عربي مُقرّب من الدوائر الرّسمية السعودية قبل أيام، على الأبعاد الإقليمية والدولية لـ “عاصفة الحزم” في اليمن، التي انتهت إسمياً لكنها لم تتوقّف عمَليا. 

ملك السعودية يُغيّر ولي العهد وولي ولي العهد

الرياض (رويترز) – عين الملك سلمان بن عبد العزيز عاهل السعودية يوم الاربعاء 29 أبريل 2015 ابن شقيقه الامير محمد بن نايف وزير الداخلية وليا للعهد كما عين ابنه الامير محمد بن سلمان وليا لولي العهد وأبقاه وزيرا للدفاع في تعديل واسع النطاق في المملكة أكبر مصدر للنفط في العالم.

وبتعيينه الامير محمد بن نايف (55 عاما) وليا للعهد والامير محمد بن سلمان وليا لولي العهد والذي يعتقد انه في اوائل الثلاثينات حدد العاهل السعودي مسار ولاية العرش في المملكة لعقود قادمة وعزز فرع أسرته في الحكم.

وقال التلفزيون السعودي فجر الاربعاء ان الملك سلمان أعفى أخاه غير الشقيق الامير مقرن بن عبد العزيز من ولاية العهد ومن منصب نائب رئيس الوزراء.

وقال التلفزيون إن الملك سلمان دعا لمبايعة ولي العهد وولي ولي العهد الجديدين في قصر الحكم يوم الاربعاء 29 أبريل بعد صلاة العشاء.

كما أعفى العاهل السعودي وزير الخارجية المخضرم الأمير سعود الفيصل من منصبه الذي يشغله منذ اكتوبر 1975 وعيّن عادل الجبير سفير السعودية لدى الولايات المتحدة وزيرا للخارجية وهو أول شخص من خارج الأسرة الحاكمة يشغل هذا المنصب.

وتجيء هذه التغييرات الواسعة النطاق في وقت اضطرابات غير مسبوقة تشهدها المنطقة بينما تحاول السعودية اجتياز المشهد الفوضوي الذي أعقب انتفاضات الربيع العربي وتخلت عن عقود من الدبلوماسية الهادئة بقيادتها حملة عسكرية في اليمن.

وقال الملك سلمان في المرسوم الذي نقلته وكالات الاعلام الرسمية ان قرار اعفاء أخيه غير الشقيق وتعيين الامير محمد بن نايف خلفه وليا للعهد وتعيين ابنه وليا لولي العهد جاء بموافقة غالبية اعضاء هيئة البيعة.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 29 أبريل 2015)

هي إطلالة دقيقة في الواقع. صحيح أن اليمن يُشكّل عُمقاً للأمن الوطني الإستراتيجي للسعودية، وأن سيْطرة جماعة “أنصار الله” الحوثية المُتحالفة مع إيران عليه، تُـشكّل تهديداً حقيقياً لهذا العُمق، فيما لو استتبّت الأمور لها، خاصة في الجنوب اليمني السُنّي؛ إلا أن الصحيح أيضاً أن إقدام المملكة على هذه العملية الجوية العسكرية الكبرى، والتي تُشبِه في سياقاتها التخطيطية وقُدراتها التكنولوجية، حملة حلف الأطلسي الجوية على صِربيا في 23 مارس 1999، كانت له في الواقِع أهداف أخرى تتخطّى الأسوار اليَمنِية.

رسالة الرياض

فالرياض أرادت أن تُطلِق رسالة قوية وعالِية النّبرة إلى مَن يهُمّهم الأمر في واشنطن وطهران، بأنها لن تقبل هي وحلفاؤها، أن تكون على لائحة طعام المأدُبة الكبرى، التي تتباحث بشأنها الآن الولايات المتحدة مع إيران، وأيضاً من وراء الكواليس مع إسرائيل وتركيا. وهي مستعدّة – من أجل تحقيق هذا الهدف – للذهاب إلى أبعد حدود السلوكيات الحادّة، بما في ذلك شنّ الحروب.

بكلمات أوضح: لقد كانت حرب اليمن، التي اندلعت عشية توصُّل الولايات المتحدة وإيران إلى الاتفاق – الإطار النووي، جُزءاً من سيناريو أكبر تسعى المملكة الآن لاستكماله عبْر إضافة الوزن الثقيل لكلٍّ من مصر (من خلال فكرة قوة التدخل العربية المشتركة) وباكستان والمغرب والأردن إليه، لتصحيح ما تعتبره خللاً خطيراً في التوازنات الإقليمية نجَم عن “الغزل الإستراتيجي” الرّاهن بين واشنطن وطهران. فهل تنجح السعودية في مسعاها هذا؟

أوباما “البارد”

الأمر يعتمِد على كيفية تفاعُل باراك أوباما مع هذا التطور. لكن، يبدو أن الرئيس الأمريكي لم يتأثر كثيراً (حتى الآن على الأقل) بهذا “الصّراخ الإستراتيجي” السعودي والسُنّي، بل قابله بمنطق “الصّبر الإستراتيجي”. ففي مقابلته الشهيرةرابط خارجي مع توماس فريدمان في نيويورك تايمز (5 أبريل 2015)، تحدّث أوباما بصراحة وطلاقة عن رغبته في رؤية ما أسماه “التوزان في منطقة الشرق الأوسط بين السُنّة والشيعة”، وبأن تبدأ السعودية وإيران “بخفض توتّراتهما والتركيز على مكافحة المتطرِّفين، على غِرار داعش، الذين يُمكن أن يحرقوا المنطقة برمّتها إذا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا”.

بيْد أن أوباما لم يكتفِ بإلقاء هذا “الدش البارد” على الرؤوس الحامية السعودية، بل ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، حين قال إن “المخاطر الأكبر على الخليجيين لا تكمن في احتمال حدوث غزو إيراني، بل في التهديدات الداخلية التي يتعرّضون إليها، حيث السكان يشعرون باTغتراب في بعض الأحيان، والشباب عاطِلون عن العمل، وكل ذلك مع وجود أيديولوجيا مدمّرة، ومع غياب مَخارج سياسية تسمح للمواطنين بالتعبير عن تظلّماتهم”.

وبهذه الملاحظات الحادّة، كان الرئيس الأمريكي يُعيد الكُرة إلى الملعب السعودي، وكأنه يقول إن حرب اليمن، وعلى رغم بدء تحويلها للحرب الباردة السعودية مع إيران إلى حروب ساخِنة تضع منطقة الخليج برمّتها على برميل بارود، لن تدفع إدارته إلى وقف تطبيق ما أُطلق عليه “مبدأ أوباما” الذي يستند إلى “الإنخراط الإيجابي مع إيران، مع الحفاظ على المصالِح الإستراتيجية الأمريكية الرئيسية”.

بيْد أن السعودية، وبعد أن قطعت بحربِها الجوية العنيفة في اليمن، مع تاريخ كامل من الإعتماد على الآخرين في تحقيق أمنها الخاص، لن تستطيع التوقُّف، لا في اليمن ولا في غيره، ولن تقبَل أن يتِم رسْم مستقبل النظام الإقليمي في الشرق الأوسط، بمعزل عنها. ولذا، يتوقَّع العديد من المُحللين أن تكون الخُطوة السعودية الثانية، هي استكمال حرب اليمن بتوسيع إطار الحرب ضد إيران في سوريا، وهذا لسبب مُقنع: سوريا تشكّل واسطة العقد في كل منظومة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط… اضرب هذه الحلقة، تتداعى كل حبّات السلسلة الواحدة تِلو الأخرى، من لبنان إلى العراق واليمن، وصولاً إلى غزة. وحينها، ربما تتغيّر طبيعة “الإنخِراط الإيجابي” الأمريكي مع إيران.

ويعتقد دبلوماسيون (مثلما أوردت فايننشيال تايمز اللندنية) أن الرياض بدأت بالفعل توجُّهها السوري الجديد، من خلال تسوية خلافاتها مع تركيا وقطر حِيال مسألة جماعة الإخوان المسلمين السورية، وبعدها بدأت الأطراف الثلاثة في دفع قِوى المعارضة المسلحة السورية التابعة لكل منها، إلى تنسيق عملياتها. وهذا على ما يبدو كان وراء النجاحات الأخيرة التي حقّقتها فصائل المعارضة المسلحة للمرة الأولى، بالتزامن شمالاً وجنوبا.

صراع بقاء من الطراز الأول

إلى أين الآن من هنا؟ ببساطة إلى مُواصلة المجابهات الكبرى في الشرق الأوسط، وعلى كل الأصعدة، العسكرية والإقتصادية والنفطية، والتي تتمحْوَر برمّتها في الواقع، حول الإنقسام بين القوى الإقليمية الكبرى حيال طبيعة ومآلات المفاوضات الإيرانية – الأمريكية.

لماذا؟ لأن هذه القوى تعتقد جازِمة أن مثل هذه المفاوضات ستكون تمهيداً لاستيلاد نظام إقليمي جديد، ربما برأسيْن أساسييْن، أمريكي (وإسرائيلي) وإيراني.

قد تكون هذه القوى مُخطِئة في تقديرها. وقد لا يكون الهدف الأمريكي من الحوار مع إيران، أكثر من عمل “الشيطان الأكبر” على تغيير سلوكيات “الملاك الإيراني” بالإغراءات الإقتصادية والمالية والتكنولوجية. 

لكن التفكير الهادئ والمَنطِقي قد يكون صعباً للغاية هذه الأيام، خاصة وأن ما هو في الميزان لا يقل عن كونه صِراع بقاء من الطِّراز الأول، ليس فقط بالنسبة إلى الأنظمة، بل أيضاً للكيانات السياسية نفسها.

وهذا التحديد ما بدا أن الكاتب العربي المُقرّب من السعودية يُشدّد عليه، حين تحدّث عن رفض “وضع العرب تحت الوصايات”. 

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية