مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

التكنولوجيا المالية السويسرية تقود ثورة في الصيرفة الإفريقية

حقق نظام "إم بيسا" (M-Pesa) لتبادل ودفع النقود عن طريق الهاتف المحمول نجاحا كبيرا في كينيا، ولكن لازال هناك مجال كبير للتوسع. Bloomberg

هل ستحُلّ ثورة رقمية في تونس بعد ثورة الياسمين؟ هذا بالضبط ما تصبو إليه شركة "مونيتاس" السويسرية الناشئة، التي تقول إن تكنولوجياها الجديدة التي تتيح تسديد المدفوعات بواسطة الهاتف المحمول سوف تُغيّر حياة الناس هناك.

لا يُعتبر الدّفع عبر الهاتف المحمول أمرا جديدا؛ فأكثر من نصف سكان كينيا مثلا يستخدمون حاليا نظام “إم – بيسا” لتبادل ودفع النقود بواسطة الهواتف النقالة. ولكن شركة “مونيتاسرابط خارجي” (Monetas) السويسرية تزعم أنها ذهبت إلى أبعد من ذلك من خلال استخدام تكنولوجيا مشابهة لسلسلة الكتل الكاملة “Blockchain” بهدف الخفض من التكاليف بشكل كبير، وتمكين المعاملات عبر الحدود.

وقد دعا البريد الوطني التونسيرابط خارجي الشركة التي يوجد مقرها بكانتون تسوغ إلى اختبار تكنولوجيتها في شهر أكتوبر المقبل بالتعاون مع شركة “DigitUsرابط خارجي” المحلية. وبمجرد الإنتهاء من جميع عمليات التكامل مع نظام “الدينار الإلكتروني” القائم، سيكون نظام “مونيتاس” جاهزا للإستخدام والتداول، وسيستهدف أولا تجار التجزئة قبل الوصول إلى عموم السكان.

بيتكوين و”سلسلة الكُتل”

في عام 2008، تم ابتكار “سلسلة الكتل” أو Blockchain ، وهي عبارة عن برنامج معلوماتي مُشفّر يتصرّف كسجل للمعاملات على الشبكة. فكل مجموعة من المعاملات مرتبطة بسلسلة، ما يمنح المشاركين صورة شاملة عن كل ما يحصل في المنظومة بأكملها.

تم تصميم البرنامج المعلوماتي بطريقة تتسم باللامركزية، ما يسمح بحصول معاملات بين المستخدمين دون الحاجة إلى تدخل أطراف ثالثة كالمصارف أو أنظمة التداول المركزية من قبيل نظام “سويفت” SWIFT المستخدم عالميا على نطاق واسع.

جوهريا، يتصرف كل مستخدم وكأنه مالك لمصرف ذاتي مستقل خال من الإدارة ومن التكاليف المرتبطة بها، كما هو موجود في المؤسسات المالية التقليدية.

وفي تصريح لـ swissinfo.ch، قال فيتوس أمّان، رئيس قسم التسويق في “مونيتاس: “ما نراه هو أن بلدانا مثل تونس – التي مرت بفترة تغيير خلال ثورة الياسمين، يعيدون النظر في بعض المبادئ الأساسية في أسواقها – بحيث أنها تعتبر الرقمنة قاطرة هامة للإدماج المالي”.

نفس الشعور عبّر عنه الرئيس المدير العام للبريد التونسي معز شقشوق الذي وصف “مونيتاس” بـ”العنصر الأساسي” في التوجه نحو “تقوية الإقتصاد الرقمي” الذي يوجد في “قلب جهود الإدماج المالي في تونس”.

ووفقا لمعطيات البنك الدوليرابط خارجي، أكثر من ملياري شخص محرومون من الخدمات المالية الرسمية، ومعظمهم يعيش في البلدان الأكثر فقرا. وفي عام 2014، كان ما يزيد قليلا عن ربع البالغين التونسيين يتوفر على حساب مصرفي أو حساب في البريد الوطني، والعديد من هذه الحسابات كانت غير نشطة لمدة عامين.

إدارة التوقعات

من جانبه، يقول مارتين براون، أستاذ الصيرفة في جامعة سانت غالن: “علينا أن نكون حذرين بشأن التوقعات عن الكيفية التي ستُحدث بها هذه الحلول ثورة في صيرفة البلدان النامية”، مضيفا: “[تلك الحلول] لم تتوسع خارج كينيا مثلما كان مُتوقعا، وحتى في كينيا، يستخدم الناس في الغالب الخدمات المصرفية عبر الهاتف للتحويلات، بينما يفضلون الحسابات البنكية التقليدية لإدخار أموالهم”.

أليس نيغر، المستشارة في منظمة ” CGAPرابط خارجي” غير الحكومية التي يوجد مقرها في البنك الدولي، أجرت تحليلا معمقا للسوق التونسية. وكانت قد لاحظت أن نظم الصيرفة عبر الهواتف المحمولة تكافح من أجل الإنطلاق في بلدان مثل الفلبين. وقالت ضمن هذا السياق: “لكي يعمل نظام الدفع الرقمي، يجب أن يكون قد صُمم بالشكل الصحيح للتكيف مع الأنماط السلوكية للناس في هذه السوق تحديدا، ولتلبية حاجياتهم الخاصة”.

وتعتقد شركة “مونيتاس” أنها توصلت للوصفة المثالية من خلال إبقاء رسوم الإستفادة من الخدمات تحت 1% بحيث يجب دفع 31 سنتيما على كل معاملة. ويقولون إن هذا الأمر بالغ الأهمية لأن معظم المعاملات في البلدان النامية عادة ما تكلف أقل من 5 دولارات. وهي تتوفر أيضا على آلية لصرف العملة تتيح سداد المدفوعات عبر الحدود.

أما العنصر الرئيسي الآخر هو نظام دفتر الحسابات المُشفر الشبيه بـسلسلة الكتل الكاملة “Blockchain” التي تسمح للمستخدمين بتخزين المال على هواتفهم المحمولة بدل إيداعها في حساب مصرفي مركزي. ولكن خلافا لـ “بلوك شين”، لا توزع المعاملات عبر “مونيتاس” في النظام برمته، بحيث تقتصر فقط على الأطراف المعنية بالمعاملة.

التهرب من الرقابة

وهذا يقلل من مخاطر استيلاء الدولة على الأصول لأغراض سياسية، وفقا لأمّان. وبالنظر إلى الإضطرابات التي شهدتها تونس مؤخرا، وبلدان أخرى في المنطقة، قد تكون هذه حجة بيع مغرية.

من ناحيتها، أضافت أليس نيغر أن “الغالبية العظمى من التونسيين لا تزال تستخدم النقد لأنها اعتادت على ذلك. فهو أكثر ملائمة من وسائل الدفع الأخرى، كما أنه يعتبر وسيلة للتهرب من الرقابة. ولكن إذا ما لاحظوا أن الدفع الرقمي سيلبي حاجياتهم، فقد يشرعون في استخدامه”.

وتخطط “مونيتاس” لتوسيع نشاطاتها على نطاق واسع، بحيث بدأت محادثات استكشافية مع 12 بلدا إفريقيا آخر، بساكنة مجتمعة تمثل 300 مليون نسمة. كما أنها تُطور حسابات التوفير، وتتطلع إلى القيام بنشاطات مالية أخرى، مثل القروض الصغيرة.

ويقول أمّان: “إن طموحنا عالمي. فالمستخدم يحصل على فوائد هائلة من مثل هذا النظام في بلدان لا تتمتلك ما يكفي من البنى التحتية المالية، ومن شأن هذا النظام أن يدفع الناس في هذه الأسواق نحو مستقبل مزدهر”.

(ترجمته من الإنجليزية وعالجته: إصلاح بخات)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية