سويسرا وعلاقاتها مع إيران.. أسئلة وأجوبة
تطمح سويسرا – على غرار العديد من دول العالم – إلى تعميق علاقاتها التجارية والإستفادة من العديد من الفرص الأخرى الناشئة من إنفتاح السوق الايرانية على العالم مؤخراً. وتأتي زيارة الرئيس السويسري يوهان شنايدر – آمّان للعاصمة طهران موفى الأسبوع الجاري في وقت يتسم بقدر من الخصوصية عقب دخول الإتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية الكبرى حيِّز التنفيذ.
ويهدف هذا الإتفاق التاريخي [الذي أبرِم بين الجمهورية الإسلامية في إيران ومجموعة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا] إلى تقييد البرنامج النووي الإيراني على المدى الطويل مقابل رفع بعض العقوبات الدولية التي شَلَّت إقتصاد البلاد.
في التقرير التالي، تسلط swissinfo.ch الضوء على بعض الفُرَص الجديدة الناشئة من السوق الايرانية المحلية في بلد يقارب عدد سكانه 80 مليون نسمة، وكذلك بعض المخاطر المُحتملة في جمهورية ثيوقراطية إسلامية.
ما هو الغرض من زيارة شنايدر آمان إلى إيران؟
من خلال زيارته هذه، ينضَمُ الرئيس السويسري إلى صف متنام من قادة العالم الذين يسارعون لزيارة طهران بغية تخمين حجم الفُرَص المُتاحة وتوجيه رسالة إيجابية لتشجيع الإستثمارات الجديدة. ومنذ دخول الإتفاق النووي حيِّز التنفيذ، كان الرئيس الصيني شي جينبينغ أول من زار العاصمة الإيرانية في أواخر شهر يناير المُنصرم.
ومن المُتوقع أن يُساهم رفع العقوبات الدولية عن إيران، بالإضافة إلى الإفراج عن الأرصدة الإيرانية المُجمّدة التي تصل بحسب بعض المصادر إلى 100 مليار فرنك كجزء من الاتفاق النووي في إنعاش الإقتصاد الإيراني. ومن جهته، يمثل شنايدَر – آمَان أيضاً محفظة سويسرا المتنامية من المسؤوليات الدبلوماسية المتعلقة بإيران.
ما هي هذه المسؤوليات الدبلوماسية الجديدة؟
أعلنت سويسرا في بداية شهر فبراير الجاري عن موافقتها على تمثيل مصالح المملكة العربية السعودية في إيران، بغية أن يتمكن الإيرانيون من الإستمرار في زيارة المملكة (والأماكن المقدسة بوجه خاص). وبصورة منفصلة، عرضت الكنفدرالية أن تكون الدولة التي تراعي مصالح إيران في المملكة العربية السعودية، متى ما يتم إقرار تمثيل سويسرا للمملكة العربية السعودية بشكل واضح.
وكانت السعودية قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع ايران وطردت الدبلوماسيين الإيرانيين من البلاد في شهر يناير المنقضي في أعقاب إقتحام متظاهرين للسفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مدينة مشهد وإضرام النار فيهما، احتجاجا على إعدام المملكة لرجل دين شيعي سعودي بارز.
وسوف يتمثل الدور السويسري بالأساس بتسهيل إجراءات قدوم الحجاج والمعتمرين الايرانيين إلى المملكة لأداء مناسك الحج والعمرة.
ما هو حجم الفرص المتاحة لسويسرا؟
وفقاً لتقرير صادر عن البنك الدولي في فبراير 2015، تمثل إيران ثاني أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى بعد السعودية. وقدَّر نفس التقرير قيمة الناتج الإقتصادي الإيراني بنحو 406.3 مليار دولار، في بلد بلغ عدد سكانه 78.5 مليون نسمة في عام 2014.
وفي عام 2014 أيضاً، بلغت قيمة الصادرات السويسرية إلى الجمهورة الإسلامية 610 مليون فرنك. ووفقاً لكتابة الدولة السويسرية للشؤون الإقتصاديةرابط خارجي، يمكن أن تتضاعف هذه الصادرات مرتين أو ثلاثة في غضون الأعوام العشر القادمة. مع ذلك، وحتى لو تضاعف هذا الرقم بضعفين أو ثلاثة أضعاف، فلن تزيد قيمة هذه الصادرات عن 1% فقط من مجمل الصادرات السويسرية.
ماهو حجم التحديات؟
شهد الإستثمار السويسري المباشر في إيران زيادة ملحوظة خلال الأعوام القليلة الماضية. وهناك اليوم ثلاث معاهدات إقتصادية سويسرية – إيرانية بالفعل بشأن حماية الاستثمار، والازدواج الضريبي والطيران. ويضاف هذا إلى الدور الذي تلعبه سويسرا كبلد مضيف للحوكمة العالمية في المسائل التجارية.
وحيث أن سويسرا ليست عضوة في الاتحاد الأوروبي [ما أتاح لـ بَرن تجاهل بعض العقوبات الأوروبية التي لا تصُب في صالحها] فقد استخدمت ايران الكنفدرالية كنقطة وسيطة في جهودها لبيع النفط وتمويل عمليات الشراء وتغطية الأنشطة التي لم يكن يُسمح لها بمزاولتها نتيجة العقوبات المفروضة عليها، من خلال مجموعة من الشركات الوسيطة التي يَصعَب تحديدها في بعض الأحيان. وقد إستُشهد بالبيروقراطية وعمليات غسيل الأموال والفساد بوصفها عقبات على نطاق واسع. وكان يمكن للمراكز المالية والمصارف في سويسرا أن تتكبد مخاطر متصلة بسمعتها في محاولتها لتقديم الخدمات إلى إيران.
هل يُمكن العثور على أي “فاكهة سهلة المنال” في إيران؟
بإمكان الشركات السويسرية المُصَنِّعة للساعات والسلع المنزلية، وبعض كبار المنتجين الصناعيين في الكنفدرالية، مثل شركة نستله لإنتاج المواد الغذائية، ومجموعتي نوفارتيس وروش للصناعات الدوائية والصيدلانية، ومجموعة لافارج – هولسيم لمواد البناء، وجميعها شركات عالمية عملاقة، الإستفادة من المستهلكين الإيرانيين – الذين يضمون 55 مليون مُشترك في خدمة الهواتف المحمولة، وهو عدد يقارب حجم المستهلكين في فرنسا أو بريطانيا.
ومن المتوقع أن تكون الشركات السويسرية التي يمكنها أن تقدم تحسينات أوتكنولوجيا فائقة أو ما شابه في مجال الخدمات والصناعة والزراعة أوفر حظاً في الإستفادة من الأوضاع الجديدة. وبشكل أكثر تحديدا، هناك إمكانيات كبيرة في مجالات مثل المواد الغذائية والمنتجات الصحية والأدوية ومستحضرات التجميل والتأمين والبنوك والطيران. ومعروف أن قطاع النفط والغاز وقطاعي الزراعة والخدمات على نطاق صغير هي التي تحكم الإقتصاد الإيراني. ووفقاً لكتابة الدولة السويسرية للشؤون الإقتصادية تنقسم هذه بنسبة 45% لقطاع الخدمات، و44.5% للقطاع الصناعي مع 10.5% للزراعة.
وماذا عن قطاع النفط والغاز؟
تمتلك ايران رابع أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في العالم وثاني أكبر احتياطيات من الغاز. وهناك وجود ملحوظ للقطاع الحكومي في مجال الصناعات التحويلية والخدمات المالية أيضاً. على الجانب الآخر، تقع مقرات بعض أكبر تجار النفط في العالم، مثل ‘فيتول’ (Vitol)، ‘جلينكور’ (Glencore) و‘ترافيغورا، (Trafigura) على الأراضي السويسرية.
وقد أنهى معظم هؤلاء التجار تعاملاتهم مع النفط الإيراني والمنتجات المكررة خلال الأعوام الأربعة الماضية بعد فَرضْ الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوباتهم التي تحظر التعامل مع الخام الايراني. ولكن مع رَفع العديد من هذه العقوبات، تعتزم ايران البدء ببيع 300,000 برميل من النفط إلى السوق الأوروبية يومياً، كما أصبحت شركة ‘غلينكور’ أول شركة غربية تتعامل مع الخام الإيراني.
ما مدى تنافسية سويسرا؟
في الوقت الذي يعكس فيه الإقتصاد العالمي تذبذباً شديداً، تحصل سويسرا – من أصل 140 دولة شملها استطلاع تقرير التنافسية العالمية 2015 – 2016 للمنتدى الاقتصادي العالميرابط خارجي – على أعلى الدرجات من حيث الإبتكار وتطوير بيئة الأعمال وكفاءة سوق العمل. وتأتي كل من سنغافورة والولايات المتحدة وألمانيا وهولندا في المرتبات التالية. بيد أنَّ هذا يمثل مؤشراً صناعياً على التراب السويسري بدرجة أكبر.
بدوره، يمنح التقرير السنوي للتنافسية العالمية الصادر عن مركز التنافسية العالمي التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية في لوزانرابط خارجي [الذي تُقيّم فيه أهم 61 دولة حول العالم من قبل 6000 مدير تنفيذي عالمي] علامات عالية لسويسرا. وفي عام 2014، أطلق قادة الأعمال الإيرانيين والسويسريين غرفة للتجارة رابط خارجيبين البلدين، قامت برعاية حلقات دراسية للأنشطة التجارية المحتملة، بضمنها أحاديث لمسؤولين في الحكومة السويسرية وغيرهم في القطاع الخاص بشأن العقبات التي يُواجهونها.
ما هو وضع العقوبات السويسرية؟
لجأت سويسرا في شهر يناير 2016 إلى رفع بعض العقوبات الإقتصادية التي فُرِضَت على إيران تماشيا مع رفع الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي للعقوبات الإقتصادية والمالية التي كانت مفروضة على البلد.
أما القيود المُتبقية فتستند إلى إجراءات الامم المتحدة والاتحاد الأوروبي للحَد من تجارة الأسلحة وغيرها من المُعدات التي يُمكن أن تُستخدم في قمع المجتمع. وتستهدف قيود أخرى المنتجات النووية والسلع ذات الإستخدام المزدوج المتصلة بالطاقة النووية. علاوة على ذلك، هناك قيود مالية وقيود مفروضة على سفر عدد محدود من الأشخاص والشركات، إلى جانب بعض القيود التي تؤثر على طائرات الشحن الإيرانية.
لماذا تتمتع سويسرا بعلاقة خاصة مع إيران؟
على مدى عقود، كان هناك تدفق مستمر للدبلوماسية السويسرية والأعمال التجارية وغيرها من المصالح المشتركة التي تربط البلدين. وقد عملت سويسرا كجسر لإيران، مما لعب دوراً في مساعدة القوة الإقليمية الغنية بالنفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط على العودة إلى حظيرة المجتمع الدولي.
فضلاً عن ذلك، مثلت سويسرا مصالح الولايات المتحدة في إيران منذ عام 1980، عندما قطعت واشنطن علاقاتها الرسمية مع طهران بعد استيلاء مجموعة من الطلبة الثوريين الإيرانيين على السفارة الأميركية في طهران واحتجازهم 52 رهينة أمريكية طيلة 444 يوما. كما مثلت سويسرا مصالح إيران في مصر منذ قيام الثورة الايرانية التي أطاحت بالحكم الملكي الوراثي لشاه إيران السابق محمد رضا بهلوي في فبراير 1979.
ماذا عن أوضاع حقوق الإنسان في إيران؟
كان على سويسرا توخي الحذر الشديد في تعاملاتها مع إيران للموازنة بين تطوير العلاقات التجارية وحماية حقوق الإنسان والعدالة. ومنذ سنوات، تعقد سويسرا وإيران محادثات منتظمة تُطرح فيها القضايا المتعلقة بشأن حرية التعبير وعقوبة الإعدام في الجمهورية الإسلامية.
وفي هذا السياق، صرح إيف روسييه، كاتب الدولة السويسرى للشؤون الخارجية أن “رغبة إيران بالعودة إلى المجتمع الدولي واضحة، وهي مستعدة لخوض المزيد من المحادثات بشأن هذه الموضوعات، لكن هذه المناقشات سوف تجري في إطار تحسين شامل لحقوق الإنسان.
ما الذي يكمُن وراء التوترات الأخيرة؟
على الرغم من الإتفاق النووي الذي أدى إلى مرحلة جديدة من التهدئة بين الجمهورية الإسلامية والقوى العظمى، إلّا أنَّ الأشهر الأخيرة شهدت المزيد من الإستفزازات بين إيران والغرب، ما يعكس رهانات ضخمة لميزان القوى في منطقة الشرق الأوسط. واليوم، ما تزال العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران معلقة في الهواء. وفي غياب بعثة دبلوماسية للولايات المتحدة في طهران، تواصل السفارة السويسرية في العاصمة الإيرانية تقديم الخدمات القنصلية للمواطنين الأمريكيين الذين يقيمون في إيران أو يسافرون إليها.
وفي السياق ذاته، تناقلت الصحف يوم 13 يناير 2016 خبر إحتجاز إيران لعشرة بحارة أمريكيين كانوا على متن زورقين في مهمة تدريبية في الخليج الفارسي، وبثها لشريط فيديو سجله الحرس الثوري يُظهرالبحارة وهم راكعين على متن قواربهم وأيديهم فوق رؤوسهم، قبل أن تطلق سراحهم في اليوم التالي. على صعيد آخر، لعبت سويسرا دوراً مهما في عملية لتبادل الأسرى تمت مؤخراً بين الولايات المتحدة وإيران أثمرت عن الإفراج عن أربع أمريكيين من أصول إيرانية من بينهم مراسل صحيفة واشنطن بوست جيسون رضائيان وثلاثة سجناء آخرين، في مقابل إفراج السلطات الأمريكية عن سبعة إيرانيين [كانوا قد إعتقلوا وحوكموا بتهمة خرق الحظر التجاري المفروض على إيران].
اتفاق نووي
من المتوقع أن تتعمق العلاقات التجارية السويسرية – الإيرانية في أعقاب الإتفاق النووي الذي تم التوصل إليه بين الجمهورية الإسلامية ومجموعة 5 زائد 1 (الولايات المتحدة وبريطانيا والصين وفرنسا وروسيا – الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن – بالإضافة إلى ألمانيا) والإعلان عن رفع الحظر الإقتصادي عن إيران في وقت سابق من هذا العام.
يهدف الاتفاق الجديد إلى الحَد من برنامج إيران النووي لأكثر من عشر سنوات مقابل التعليق التدريجي للعقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة والولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، والتي كبَّلت الاقتصاد الإيراني وأعاقت التنمية الإقتصادية للدولة بشدة.
كان الإتفاق النووي مع إيران محصلة اثني عشر عاما من المفاوضات، عُقِدَت بعض جولاتها في مدينتي جنيف ولوزان السويسريتين. وتحظى إيران باهتمام خاص من سويسرا، سيما وأنها تمثل مصالح الولايات المتحدة لدى طهران منذ أكثر من 35 عاما.
صفقة لم تر النور
لم تؤتِ صفقة الغاز الإيرانية مع شركة ‘أكسبو’ Axpo السويسرية للتجارة [المُختصة بتوليد واستخدام وبيع وشراء وتبادل وتجارة الطاقة الكهربائية وغيرها وتوفير جميع أنواع الخدمات في مجالات الطاقة والبيئة] التي حَظيت وقتها بدعاية كبيرة ثمارها المرجوة، كما أخبرت شركة ‘أكسبو’ وكالة الأنباء السويسرية يوم الإثنين 22 فبراير 2016.
كان من المفترض أن تغطي الصفقة التي عُقِدَت في عام 2008 بين شركة الكهرباء السويسرية ‘إي جي أل’ (EGL) وهي شركة فرعية من ‘أكسبو’ والشركة الوطنية الإيرانية لتصدير الغاز فترة تستمر 25 عاماً.
وكان من المفترض قيام الشركة الوطنية الإيرانية لتصدير الغاز وبالتعاون مع شركة ‘إي جي أل’ بتوريد 5.5 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً إلى أوروبا عبر خط أنابيب عابر للبحر الأدرياتيكي تعهدت شركة ‘إي جي أل’ بإكمال بنائه في عام 2011.
ومثلما أوضحت ‘أكسبو’ لوكالة الأنباء السويسرية، أدت جملة من الأسباب بضمنها السعر والنقل والعوامل السياسية إلى “دفن” هذه الصفقة بهدوء. واليوم، تحصل شركة ‘أكسبو’ على الغاز الطبيعي من آذربيجان بواسطة خط أنابيب يمر عبر البحر الأدرياتيكي.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.