مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سويسرا.. البلد المزدهر بفضل الحـظ والذكـاء

المال وقيمته كانت موضوع النقاش في "اكسبو 2002" (المعرض الوطني السويسري السادس) الذي أقيم من 15 مايو إلى 20 أكتوبر في خمسة مواقع في سويسرا كانت أحدها بازل. RDB

ما الذي يجعل من سويسرا بلداً غنياً مُـزدهراً؟ هذا السؤال وجِّهته swissinfo.ch إلى توبياس شتراومان، أستاذ التاريخ الاقتصادي في جامعتَـيْ زيورخ وبازل، الذي أعاد الأسباب إلى القدر المُـواتي وما تملكه سويسرا من رأس مالٍ تعليمي وثقافي، مع قابليَـتها على تجنّـب الوقوع في أخطاء كبيرة.

ويُقَيّم المؤرِّخ القادم من المنطقة الألمانية في سويسرا ومؤلف مقال منشور في مجلّة “فولكس فيرتشافت” الإقتصادية، الصادرة عن كتابة الدولة السويسرية للشؤون الاقتصادية والإدارة الفدرالية للشؤون الاقتصادية، مصداقية “سويسرا النموذج” وقابليتها التنافسية، بكونها إيجابية للغاية، وهو حال مُستمِـر حتى اليوم.

swissinfo.ch: يُظهر التاريخ الاقتصادي عدم إمكانية تحقيق النّـجاح بدون ظروف مُواتية. ما هي العوامل التي ساعدت سويسرا على تحقيق النجاح الاقتصادي في القرن الماضي؟

توبياس شتراومان: السلام أولاً. ذلك أنَّ سويسرا بقيَـت في مأمَـن من ويْـلات الحربين العالميتين، الأولى والثانية. أمّا العامل الثاني، فيعود إلى موقِـع سويسرا الجُـغرافي في أوروبا الغنية والذي سهَّل اتصالها دائما مع القِـوى الاقتصادية المُـجاورة، المُـتمثِّـلة بألمانيا وفرنسا وشمال إيطاليا. ولم تَخْتَرْ سويسرا هذا العامل، ولكنها كانت مسألة حظٍّ بحتة.

أي وبكلمات أخرى، توفّـر مناطق غنية مع وجود البنك المركزي الألماني عالي الكفاءة؟

توبياس شتراومان: تُعتبر ألمانيا أهَـم شريك تجاري لسويسرا، كما أن السياسة النَقدية لجارة سويسرا الشمالية، مُماثلة لتلك التي تَنتهِـجها سويسرا. وقد ساهم نظام أسعار الصّـرف المرِنة في تحقيق هذا الاستقرار.

واليوم، يقع على عاتِـق البنك المركزي الأوروبي مُتابعة السياسة النقدية لأوروبا برُمّـتها مع اقتصادات مُختلِـفة وشديدة التبايُـن. وعلى الرغم من اتِّـساع المسافة إلى البنك المركزي، غير أنَّ إدخال اليورو ساعد أوروبا، ومن ثمَّ سويسرا أيضاً، على تحقيق المزيد من الاستقرار، لكنَّ الأمور يُمكن أن تتغيّـر بسبب ديُـون اليونان وإسبانيا والبرتغال.

وماذا عن الهجرة؟

توبياس شتراوبمان: للهجرة تقليد طويل جداً. فمنذ عملية الإصلاح البروتستانتي في القرن السادس عشر (والتي كانت تهدِف إلى إصلاح الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا الغربية)، جذبت سويسرا العديد من القوى العاملة الرفيعة وكبار المدراء التنفيذيين. وبدأ ذلك في غرب سويسرا أولا مع كانتون جنيف (الذي أصبح مركزاً للبروتستانتية مع استقرار جون كالفن، المُـصلح الدِّيني ومؤسس المذهب الكالفيني فيها)، وكانتونات لوزان ونوشاتيل، ومن ثَمَّ، شملت الهجرة مناطق سويسرا الناطقة باللغة الألمانية أيضاً. ولولا هؤلاء المهاجرين الذين جاؤوا من فرنسا بشكل أساسي، لَـما كان بإمكان سويسرا أن تُحقِّـق مثل هذا التطوّر الاقتصادي المُثير للإعجاب أبداً.

وقد أحدث هؤلاء اللاجئين ثورة في الاقتصاد السويسري في القرنيْـن السابع والثامن عشر. وبسبب عدم الاستقرار الذي عَـمّ أوروبا في القرنين التاسع عشر والعشرين من ناحية، وجاذبية الاقتصاد السويسري من الناحية الأخرى، استمرّت هذه المواهِـب بالقدوم إلى سويسرا في وقت لاحِـق أيضاً، وهي مِـيزة كبيرة لسويسرا.

تملك سويسرا “مِـيزة” كبيرة أخرى، هي عدم توفّـر المواد الخام.

توبياس شتراومان: يعتمد الهيكل الاقتصادي لأي بلدٍ بشكلٍ كبير، على المواد الخام. وفي القرن التاسع عشر، كان من حُـسن حظ بريطانيا وبلجيكا امتلاكهما لكمية كبيرة من الفحم، غير أن هذا الوضع تغير وأصبح غير مُـواتٍ في القرن العشرين، حيث أعرَبَ البلَـدان عن وجود صعوبة في إجراء تغييرات هيكلية لإنجازِ صناعة حديثة ومُبتكَـرة.

أمّا سويسرا، فتملك المياه “فقط”. وحيث أنها كانت مُضطرة لاستيراد جميع المواد الخام، فقد كان عليها التركيز على صناعة ذات قيمة مُضافة عالية الجودة، من أجل تحقيق النجاح في الأسواق العالمية، كما كان عليها تنويع اقتصادها بقوّة أيضاً.

إذن، فقد حالف الحظّ سويسرا. ولكن الحظّ وحده لا يكفي، حيث يعتمد ازدهار بلدٍ ما على رأسمالها الثقافي. فهل عَرَفت سويسرا كيف ترتقي برأس المال هذا؟

توبياس شتراومان: بالتأكيد. فقد كانت سويسرا مركزا ثقافياً في أوروبا منذ عهْـد الإصلاح، كما أنَّها استفادت من هجرة كبار المثقفين إليها، مثل دسيدريوس ايراسموس (هو فيلسوف هولندي من رواد الحركة الإنسانية في أوروبا)، الذي جاء إلى كانتون بازل، مثلما استفادت أيضا من تقاليدها الخاصة التي تُشجِّـع المُفكِّـرين من ذوي العقلية الإصلاحية.

وتعود التغييرات الأساسية في سويسرا إلى القرن التاسع عشر مع إدخال التعليم الإلزامي وإنشاء الجامعات ومدارس التعليم المِـهني والمعاهد التقنية. وقد كانت هذه الإجراءات نَهجاً تَقَدّمياً للغاية.

كما استفادت سويسرا في هذا الوقت من المُهاجرين الألمان أيضاً، الذين حافظوا على صِـلات دائمة مع المراكز العِـلمية الكبيرة في ألمانيا وفرنسا. واليوم، تعود المعاهد التِقنية الفدرالية العالية في كل من كانتونَـيْ زيورخ ولوزان إلى الأفضل في قارة أوروبا، وهو إرث لأساسٍ قوي يعود إلى القرن التاسع عشر.

قُـلتم كذلك إن سويسرا عرفت كيف تتفادى الأخطاء الكبيرة في مجال السياسة الاقتصادية وبأن سبب نجاحها يعود إلى قيامها بأخطاء أقل من غيرها. ما الذي عنيتموه بذلك؟

توبياس شتراومان: النظام السياسي في سويسرا مُستقِـر للغاية ولا يسمح بالكثير من التغيرات. ويؤدّي وجود الفدرالية والديمقراطية المُباشِـرة إلى حالٍ يُـصبح فيه تطوير وتنفيذ خطة اقتصادية، من الأمور المستحيلة، وهو ما تمّ إثباته في القرن العشرين.

وفي القرن الماضي، لم يكن تَتَبُّع النهْـج السويسري أمراً مثيراً للغاية، ولكن وبالنظر إلى النمو الاقتصادي، فإن التصرف بطريقة مُتحفِّـظة، هو أمر إيجابي. وعلى سبيل المثال، فقد جرّبت دولة مِـثل بريطانيا نفسها مع نماذِج مُختلفة ومرَّت من نقيضٍ إلى آخر ومن الليبرالية إلى التدخّـل، ومِـن ثَمَّ، العودة مرة أخرى.

هذه الحالة من عدم الاستقرار غيْـر مُنتجة ولاسيما بالنسبة لبلدٍ صغير مثل سويسرا. وفي الواقع، فقد ارتكبت مُـعظم البلدان الأوروبية الصغيرة أخطاء أقل من ألمانيا وإيطاليا أو فرنسا.

تقولون إنَّ الشراكة الاجتماعية وانخفاض الدُّيون، قد أسهمت أيضا في عملية الازدهار، ولكن هل ما زالت الأمور تبْـدو بهذه الإيجابية في عام 2010؟

توبياس شتراومان: نعم، حيث تملِـك سويسرا مزايا مؤسسية، يتِـم التعبير عنها في سياساتها الاقتصادية، وهذه قد تكون مُمِلّـة ولكنها فعّالة على ضوء التّـوازن في الأزمة الحالية وقابلية الجذب العالية لكبار المسؤولين التنفيذيين، كما هو حال كانتون زيوريخ مع ألمانيا. ولنفس العوامل أثرها اليوم، كما كان في السابق.

أجرى الحوار: بيتر سيغنتالَر – swissinfo.ch

تحمل سويسرا المرتَـبة الخامسة في العالم للناتج المحلّي الإجمالي للفرد الواحد. كما تحتل المرتبة الثامنة عالمياً، فيما يتعلق بالقوة الشرائية.

كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 56651 دولارا في عام 2007، وهو يزيد بنسبة 49٪ عن المملكة المتحدة و بنسبة 45% عن ألمانيا، كما يزيد بنسبة 40% عن فرنسا.

يأتي حوالي 70٪ من إجمالي الناتج المحلي من قطاع الخدمات، كما تأتي 28٪ من القطاع الصناعي (تصنيع المواد الكيميائية والآلات والمستحضرات الصيدلانية والساعات).

يتّـجه الاقتصاد السويسري للتصدير، ويُـعتبر الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأكبر. (62% من الصادرات و79.5٪ من إجمالي الواردات).

أكثر من 99٪ من الشركات الناشطة في سويسرا، والتي توظّـف أقل من 250 موظفا، هي ضِـمن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

زاد الناتج المحلي الإجمالي السويسري خلال الأعوام من 1920 وإلى 2008 من 53 مليون فرنك إلى 492 مليون فرنك (استناداً إلى أسعار عام 2000)، مما يعني نمُـواً سنوياً مِـقداره 2,5%.

وفي الوقت نفسه، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد من 13,790 إلى 64,357 فرنكا سويسريا (حسب أسعار عام 2000)، وهو يمثل نمُـواً مقداره 1.8٪.

في هذه الأعوام، ارتفع عدد السكان من 3,88 إلى 7,7 مليون نسمة وارتفع عدد العاملين من 1,87 إلى 4,49 مليون فرد.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية