سويسرا.. “الرابح الأكبر” من الضريبة المرتقبة على المعاملات المالية
يتفق الخبراء السويسريون حول ضرورة تعميم العمل بالضريبة على المعاملات المالية أو ما يسمّى "ضريبة توبين" على الساحة الدولية، إذا أريد لها أن تكون خطوة ناجعة، هذا في الوقت الذي توجد فيه هذه الضريبة محور جدل واسع على الساحة الأوروبية حاليا.
ويقول هؤلاء الخبراء إنه إذا ما تمّ فعلا اعتماد مقترح المفوّضية الأوروبية القاضي بفرض ضريبة على الأسهم والسندات ومشتقاتها التجارية، فإن سويسرا سوف تكون المستفيد الأكبر من ذلك، وسوف يدرّ هذا الإجراء عائدات تقدّر بالمليارات بالنسبة للإقتصاديات التي تعاني من الأزمة. لكن هذه الخطوة قوبلت كذلك بانتقادات شديدة.
وقبل أربعين عاما، اقترح جيمس توبين الحائز على جائزة نوبل للإقتصاد فرض ضريبة على المعاملات النقدية للحد من المضاربة، لكن فكرته قوبلت بالتجاهل على نطاق واسع إلى عهد قريب.
وفي هذه الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية في فرنسا (أبريل 2012)، والإنتخابات الألمانية (في عام 2013)، وفي ظل الشكوك واسعة النطاق حول سلوك البنوك بعد الأزمة المالية العاصفة، وجد الرأي الداعي إلى فرض رسوم على المعاملات المالية دعما وزخما كبيريْن.
مع ذلك، يُواجه فرض هذه الضريبة على التداولات المالية عقبات عديدة، وقد تعهدت بريطانيا بشكل خاص بمنع أي ضريبة من هذا القبيل في أنحاء الإتحاد الأوروبي.
وفي سويسرا، أوضح أولفيي لونغشام، من تحالف “إعلان برن” الغير الحكومي في حديث إلى swissinfo.ch أن “”ضريبة توبين” يمكن أن تكون أداة للحصول على موارد مالية من أجل التنمية”، لكنه أقرّ بأن المرور إلى تنفيذه لن يكون بالأمر الهين.
وأضاف: “من الواضح أن القطاع المالي السويسري سوف يحاول أن يبقى مستقلا، في حين يحاول ضمان تطبيق تلك الضريبة في البلدان الأخرى من أجل الإستفادة من تدفق رؤوس الأموال من المراكز المالية الأخرى”.
كذلك عبّر لينغشام عن شكوكه وتخوّفه بشأن احتمال إقدام فرنسا في شهر فبراير القادم على فرض “ضريبة توبين” بشكل منفرد، وقال محذرا: “يجب أن يكون تنفيذ هذه الضريبة (شاملا) على المستوى الدولي حتى نمنع تهرّب المضاربين من دفعها”.
تأثير بالغ
بدوره، قال جون لويس آركوند، أستاذ الإقتصاد الدولي بمعهد الدراسات العليا في جنيف، أن فرض ضريبة على المعاملات قصيرة الأجل يمكن أن يكون له “تأثير بالغ” لأنها تمثّل نسبة كبيرة من عمليات السوق، واستدرك مضيفا “طالما تم تنفيذها في كل آن وحال”.
ولكن، وكما هو معلوم، تحاول الأسواق دائما إيجاد طرق للإلتفاف على القواعد التنظيمية كلما أرادت ذلك، لذلك يشك آركوند في أن “تؤثّر هذه الضريبة في المؤسسات التي وُجدت في الأصل لتطبّق عليها”.
ويضيف هذا الخبير متسائلا: “هل يمكن أن نتصوّر أن ضريبة توبين سوف تحقق التأثير المتوقّع؟ شعوري هنا أن الجواب واضح “لا”!”. وبحسب رأي هذا الأخير فإن “هذه الضريبة سوف تقضي بكل بساطة على الأسواق التي سوف تطبّق عليها، وسوف تساعد بشكل غير مباشر الأسواق التي لم تقم بذلك”.
مبادرات مرفوضة
تواصل السلطات السويسرية مراقبة تطورات هذا الموضوع عن كثب. ورفض البرلمان الفدرالي في عام 2011 مبادرتيْن تقدم بهما نواب عن الحزب الاشتراكي تدعوان إلى اعتماد ضريبة توبين.
وقال ماريو تيور، الناطق الرسمي بإسم كتابة الدولة لشؤون المالية الدولية في تصريح إلى swissinfo.ch: “لن يكون لهذه الضريبة أي جدوى ما لم تعتمد على نطاق دولي. وسيتسبب فرضها في عدد قليل من الدول الأوروبية دون غيرها في انتقال الودائع المالية إلى المراكز والساحات المالية التي تستثنيها”.
ويضيف تيور بأن المفوّضية الأوروبية قد أقرت أيضا بان اعتماد إجراءات أخرى يكون تأثيرها مباشرا على مصدر الأخطار سوف يكون أجدى من فرض ضريبة توبين. وتعارض جمعية المصارف السويسرية كذلك فرض هذه الضريبة.
وفي معرض توضيحها لأسباب هذا الرفض، تقول ريبيكا غارسيا، المسؤولة عن الإتصال بالدائرة الأوروبية: “الضرائب على المعاملات المالية ليست مُجدية، وسوف تأتي بنتائج عكسية لأنها سوف تضع الأسواق الكبرى المعرّضة للإفتقار إلى السيولة في موقف يمكن أن يؤدي في النهاية إلى تقلبات في أسعار صرف العملات الرئيسية”. وقالت في هذا المضمار: “إن الإلتزام الدولي يجب ان يكون شرطا مسبقا لمنع هروب رؤوس الأموال إلى وجهات أخرى”.
وتعتقد غارسيا أن فرض ضريبة على المبادلات المالية قد تردع الجهات المضاربة، لكنها ستؤثّر أيضا على العديد من الشركات التي تقوم بمبادلات تجارية دولية غير مضاربة.
الرابح الاكبر
إذا مضت فرنسا قدما في خطتها باعتماد هذه الضريبة بشكل أحادي، فسوف تكون سويسرا واحدة من أكبر الرابحين من هذه العملية. ويعتقد آركوند أن خطوة مثل تلك: “ستكون بمثابة الكارثة لمؤشر CAC 40 (المعتمد في بورصة باريس) وبالنسبة للأسواق المالية الفرنسية بصفة عامة”. وشدّد على أن “أسواقنا المالية في سويسرا سوف تستفيد كثيرا إذا ما نفّذ أي سوق كبير من أسواق الاتحاد الأوروبي مثل هذه السياسات”.
وأضاف آركوند أنه “بالنظر إلى الحالة السياسية الراهنة في فرنسا، فإنه لن يكون مستغربا أن يحدث هذا، وعندئذ سوف تنتقل كل السيولة إلى زيورخ”.
وقالت المفوّضية الأوروبية، التي سبق أن أعلنت العام الماضي رسميا عن خطط لفرض ضريبة على المعاملات المالية ابتداء من يناير 2014، أن تلك الضريبة – إذا ما نفّذت على نطاق واسع في الإتحاد الاوروبي – يمكن أن تدرّ موارد تقدّر بما يوازي 57 مليار يورو في السنة. وبموجب هذه الخطة المعلنة، سيتم فرض ضرائب على الأسهم والسندات بمعدّل 0.1 % وعلى مشتقاتها التجارية بمعدّل 0.01% .
أما منظمة أوكسفام غير الحكومية فترى أنه “إذا ما تحوّلت هذه الضريبة إلى ضريبة عالمية فإنها يمكن ان توفّر ما يزيد عن 300 مليار دولار سنويا”.
جيمس توبين، اقتصادي أمريكي حائز على جائزة نوبل في مجاله. اقترح في عام 1972، فرض ضريبة على المعاملات المالية. وكان غرضه هو تسريع التدفقات المالية في الأسواق الدولية، وفرض قيود على قدرة الحكومات والبنوك المركزية على اتباع سياسات لا تراعي إلا مصالحها الوطنية.
يوم الإثنين 9 يناير 2012، قالت المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل إن وزراء المالية الأوروبيين يجب أن يضعوا خطة للضريبة التي سوف يتم فرضها على المعاملات المالية بحلول شهر مارس، وجاء ذلك بعد أن تعهدت بريطانيا بمنع اعتماد هذا النوع من الضريبة في أنحاء الإتحاد الاوروبي.
قامت فرنسا وألمانيا بإطلاق فكرة قريبة من مقترح جيمس توبين الأمريكي الحائز على جائزة نوبل في الإقتصاد الذي اقترح قبل أكثر من 40 عاما فرض ضريبة على المعاملات المالية لمحاربة المضاربة، لكن تم التغافل عن مقترحه حتى عهد قريب.
من الممكن ان تتقدم الحكومة الفرنسية بمشروع يفرض ضريبة على المعاملات المالية للموافقة البرلمانية في شهر فبراير المقبل، حتى من دون دعم شركائها الاوروبيين. وقد حذّرت Europlace وهي مجموعة ضغط بالقطاع المالي الفرنسي يوم الجمعة 6 يناير 2012 من ان الإقتصاد الفرنسي سيتضرر إذا انفردت فرنسا من دون بقية البلدان الاوروبية باتخاذ هذه الخطوة.
في ألمانيا، تدعم المستشارة انجيلا ميركل فكرة إقرار “ضريبة توبين” لكن ليس هناك إجماع وطني على ذلك. كذلك تؤيد إيطاليا هذه الفكرة بشرط تطبيقها على المستوى الأوروبي. وتشمل قائمة المؤيدين أيضا: إسبانيا والارجنتين والبرازيل وجنوب إفريقيا والأمم المتحدة، و350 إقتصادي وخبير دولي من بينهم :الأجوزيف ستيغلس، وبول كروغمان، وجيفري ساشس.
يُحذر المعترضون، وخاصة من أصحاب البنوك، من أن مثل هذه الضريبة تخيف ببساطة التجار وأصحاب رؤوس الأموال، وتعد السويد واحدة من أشد المعارضين لهذه الضريبة، لأنها شهدت في الثمانينات كيف أن التجار هاجروا من استوكهولم للإستقرار في لندن بعد أن فرضت السلطات ضريبة مشابهة.
(نقله إلى العربية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.