مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سويسرا بلد رائد في مجال تجارة الذهب

سائل من المعادن الثمينة يُسكب في إناء من الصلب لإعداد سبيكة بأحد المناجم غير بعيد عن إلكو، بولاية نيفادا بالولايات المتحدة يوم 21 مايو 2014. Reuters

عندما نتحدّث عن سويسرا، يذهب بنا الظنّ مباشرة إلى الساعات، والشكولاتة أو المصارف، لكن نادرا ما يخطر على بالنا الذهب. غير أن سويسرا هي أكبر بلد يتاجر في المعدن الأصفر على النطاق العالمي.

 أوقف العمل نهائيا في آخر منجم للذهب بسويسرا منذ أكثر من خمسين عاما، وبالتحديد في عام 1961. فالعرق المعدني (أي المخزون) الذي كان موجودا بين بلدتي أستانو وسيسّا في كانتون تيتشينو الجنوبي، كان قد استنزف. وفي الوقت الحاضر، لم يبق سوى بضعة مئات من الهواة من عمّال المناجم الذين لا زالوا يُحيون هذا التقليد في منطقة ناب (Napf) الواقعة بين كانتونيْ برن ولوتسرن، حيث لا يزال من الممكن العثور على الذهب الطيني.

رغم ذلك لم يمنع نقص أو غياب هذه المادة النفيسة، وكل المواد الأوّلية عموما، في باطن الأراضي السويسرية من أن يصبح هذا البلد قوة حقيقية في مجال التجارة في مادة الذهب، إلى درجة أن سويسرا أصبحت تحتلّ المرتبة الأولى عالميا مع حصّة من السوق تبلغ 15%، وفقا لإحصاءات 2012 المنشورة في قاعدة البيانات التجارية لمركز الدراسات المستقبلية والمعلوماتية الدوليةرابط خارجي، ومرصد المبادلات الإقتصاديةرابط خارجي.

البيانات التي يعيد صياغتها هذان المعهدان الدوليان لكي تتوافق والمنهجيات الإحصائية التي تختلف من بلد إلى آخر، تكون غير مكتملة في بعض الاحيان ولا تعكس بشكل دقيق أهمية سويسرا في مجال المبادلات في هذا الميدان.

في الحقيقة، تبدو الأرقام التي صرّحت بها الإدارة الفدرالية للجماركرابط خارجي أكثر إثارة للإهتمام. ففي عام 2012، سجّلت الواردات 2200 طن بقيمة نقدية بلغت 88 مليار فرنك، وبلغت الصادرات 1500 طن بقيمة مالية قدرها 80 مليار فرنك. وفي عام 2014، حققت الواردات والصادرات من الذهب أرقاما قياسية، وكانت على التوالي 3500طن و3900 طن، وهو ما يفوق الكميات الإجمالية المنتجة من الذهب في السنة في جميع أنحاء العالم، والتي لا تتجاوز 2500 طن. لكن القيمة النقدية لهذه المبادلات انخفضت نسبيا نظرا لانخفاض قيمة الذهب.

وقد شهدت هذه التجارة تطوّرا هائلا خاصة ابتداءً من عام 2007، أي مباشرة بعد اندلاع الأزمة الإقتصادية، حيث أصبح الذهب ملاذا آمنا وجذّابا.

swissinfo.ch

فكيف نجحت سويسرا في أن تتحوّل إلى منصة رائدة لتداول الذّهب؟ تأتي التجربة في مقدمة الأسباب الكامنة وراء ذلك. فقد ظل سوق الذهب في زيورخ مهمّا جدا باستمرار، وقبل بضع سنوات فقط، كانت جنيف تحتضن المقرّ الرئيسي لأكبر مجموعة مصالح في هذا المجال، ممثلا في “المجلس العالمي للذهبرابط خارجي“.

المزيد

ثمّ تأتي لاحقا العوامل المتعلّقة بالأمن والفعالية اللتيْن تتميّز بهما مرافق الخدمات المالية واللوجستية في الكنفدرالية. وأخيرا، وليس بالأمر الهيّن، توجد أربع من أكبر شركات تكرير الذهب في العالم في سويسرا. ومن الناحية العملية، تقوم هذه المؤسسات بتكرير ثلثيْ كميات الذهب في العالم.

لعدة سنوات، كانت السلطات الفدرالية تستبعد التجارة في المعادن الثمينة من إحصائيات التجارة الخارجية لأنها كانت تنظر، وفقا لما ورد في تقريررابط خارجي صادر عن الإدارة الفدرالية للجمارك في شهر نوفمبر 2013، إلى تنقّلات المعادن الثمينة على اعتبار أنها “تمثّل مبادلات لطرق الدفع، التي تعوّض الأوراق المالية، أكثر منها مبادلات للبضائع.

وجهة النظر هذه تم التخلّي عنها في عام 2014، وفي الوقت الحاضر تنشر الإدارة الفدرالية للجمارك إحصاءات وتقارير تشمل أيضا المبادلات التجارية المتعلقة بالمعادن الثمينة والأحجار الكريمة. 

ومنذ بدأ الأخذ في الإعتبار لهذه المعاملات، تغيّر المشهد العام للتجارة الخارجية السويسرية بشكل كامل، وتبيّن أن الذهب يمثّل خُمس إجمالي قيمة التجارة الخارجية للكنفدرالية، متقدما بذلك بفارق كبير عن المنتجات التقليدية مثل الأدوية والساعات.

تغيير آخر في هذه الممارسة حدث قبل بضعة أشهر. فبعد أكثر من ثلاثين عاما، قررت السلطات الفدرالية نشر قائمة البلدان التي تصدّر إليها أو تستورد منها هذه المادة الثمينة.

محتويات خارجية

في عام 1981، كانت الحكومة السويسرية قد اتخذت قرارا بعدم نشر هذه المعلومات على الملأ. وقد سيقت العديد من الأسباب لتبرير ذلك. من ناحية لم تكن هناك رغبة لكشف الكثير من المعلومات التي يمكن أن يستفيد منها المركز المالي بلندن، المنافس الرئيسي لنظيره السويسري في زيورخ. ومن ناحية أخرى، تم العمل بكل جهد من أجل تجنّب تسرّب بيانات حسّاسة مثل واردات الذهب من الإتحاد السوفياتي، أو من جنوب إفريقيا في زمن نظام الميز العنصري، الذي كان يخضع إلى حصار دولي. 

وتشير البيانات الرسمية التي نُشرت في شهر مارس 2015 فعلا إلى أن جنوب افريقيا كانت فعلا المصدّر الرئيسي للذهب إلى سويسرا حتى أوائل التسعينات. 

مع ذلك لا تسمح الإحصاءات بتسليط الضوء بشكل كامل على البلدان، التي تعتبر المصدر الفعلي للذهب، لأن الجمارك السويسرية لا تشير في تقاريرها عمليا إلا إلى آخر بلد في سلسلة المبادلات. وهنا تأتي أهميّة بريطانيا لكون سوق لندن لسبائك الذهبرابط خارجي هو مركز عالمي رائد في مجال تجارة الذهب والفضة. 

هذا الأمر كان مثار انتقاد المنظمات غير الحكومية، لأنه من الصعب في مثل هذه الحالات معرفة ما إذا كان المعدن الأصفر متأتيا من مناطق نزاع أو من مناجم تشتغل بشكل غير قانوني.

swissinfo.ch

تتوجّه صادرات الذّهب من سويسرا نحو أبرز مراكز تجارة الذهب الرئيسية في العالم، مثل هونغ- كونغ، والمملكة المتحدة، وخاصة الهند، أهم بلد “مستهلك” لهذا المعدن على النطاق العالمي. كذلك زادت الصادرات نحو الصين وسنغافورة بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. لكن من المهمّ الإشارة في المقابل أيضا إلى التراجع الكبير للصادرات من الذهب نحو إيطاليا، التي كانت تستوعب – حتى بداية عام 2000 – قرابة 30% من إجمالي الصادرات السويسرية من الذهب (بلغت ذروتها عام 1998 بما يعادل 340 طن)، ولم تتجاوز في عام 2013، 40 طنا. 

swissinfo.ch

(نقله إلى العربية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية