سويسرا تأمل في أن توفِّـر لأوروبا “الحلقة المفقودة”
ترغب أوروبا في الحدِّ من اعتمادها على إمدادات الغاز الرّوسي، وذلك من خلال خطِّ أنابيب جديد، يُـتيح لها التزوّد من الإحتياطيات الوفيرة الموجودة في بحر قزوين، ويبدو لحدّ الساعة، أن المشروع الذي تقدّمت به إحدى الشركات السويسرية، هو الأوفر حظا في السباق.
في البداية، دخلت أربع شركات، المنافسة. وفي العام الماضي، تمّ اقصاء اثنتين، لتنفرِد بالسِّـباق كل من مجموعة نابوكو (المكوّنة من أربع شركات أوروبية وشركة تركية) وشركة “ترانس أدرياتيك بايب لاين”، (التابعة بشكل رئيسي، للمجموعة السويسرية “أكسبو Axpo” والنرويجية “شتات أويل Statoil”).
وخلال شهر يونيو 2013، سيتحدّد مَن الفائِـز منهما ، لينقل إلى أوروبا الغاز المُستخرج من الطبقات الصخرية الرابضة تحت بحر قزوين، وهو ما سيدر عوائِـد بمليارات الفرنكات، فضلا عن مدّ خط أنابيب جنوبي شرقي لنقل الغاز، يحظى بأهمية استراتيجية بالنِّسبة لسويسرا والإتحاد الأوروبي.
ووِفقا لماريان زوند، المتحدِّثة باسم المكتب الفدرالي للطاقة فإن “خطّ الأنابيب هذا، سيُؤمِّـن لأوروبا إمدادات الغاز على المدى الطويل، وسيُـتيح فرصة إيجاد بديلٍ عن الغاز الروسي”.
مصلحة مشتركة
من جانبه، يرى الإتحاد الأوروبي بأن إنشاء خط أنابيب جديد هو “مشروع ذو اهتمام مشترك”، وبفضله يُمكن تنويع مصادِر إمدادات الغاز، ذلك المَطلَب الذي فرضته أزمة الغاز التي اندلعت في أول يناير 2006 على إثر النِّـزاع الذي نشب بين الحكومتيْـن، الأوكرانية والروسية.
ولمعاقبة أوكرانيا، متَّـهِـمة إياها بضخّ الغاز الروسي بشكل غيْر قانوني، قامت موسكو، وبصورة مُفاجئة، بإغلاق صنابير خطّ الأنابيب الرئيسي، الذي يوصل غازها إلى بلدان أوروبا. وفي غضون ساعات، واجهت العديد من الدول، ومن بينها ألمانيا وفرنسا، تردِّيا في مُعدّل وارداتها من الغاز، بلغت نسبته 25-30٪.
ورغم أن الأزمة لم تلبث أن تراجعت، إلا أنها خلَّفت أثرا سلبيا، ولذلك، يريد الإتحاد الأوروبي حاليا الحدّ من اعتماده على روسيا، بالإستفادة من الإحتياطيات الهائلة التي يزخَـر بها بحر قزوين. وفي مرحلة أولى، سيأتي الغاز، من حقول شاه دنيز في آذربيجان، وربما يصِل المشروع في مرحلة ما إلى التحاق دول أخرى في المنطقة بقائمة المُوردين. وسيتِم نقل الغاز الطبيعي إلى الحدود الأوروبية التركية عبْر “ترانس أناتوليان بايب لاين”، خطِّ الأنابيب العابر لمنطقة الأناضول الذي من المُزمع إنشاؤه بحلول عام 2017.
المزيد
مسارات الغاز الجديدة بين الشرق والغرب
الحلقة المفقودة
والجدير بالذكر، أن المنافسة المحتدِمة بين شركتيْ “ترانس أدرياتيك بايب لاين” و”نابوكو”، تدور حول إنشاءِ ومِن ثمَّ تشغيل في عام 2018، ما بات يُعرَف باسم “الحلَـقة المفقودة”، والتي تتمثَّـل في خط أنابيب للغاز، يصل بين تركيا ودول غرب ووسط شرق أوروبا، حيث تقترح شركة نابوكو خطّا يمُـر عبْـر كلٍّ من بلغاريا ورومانيا والمجَـر، لينتهي في الأراضي النمساوية ويبلغ طوله 1300 كم، بينما تقترح شركة “ترانس أدرياتيك بايب لاين” خطّا طوله 800 كم، يصل شبكة “شمال – جنوب” إيطاليا، مرورا بكلٍّ من اليونان وألبانيا والبحر الأدرياتيكي.
وبالنظر إلى أهمِية المشروع، تدفَـع الشركتان بكامل قِواهما، من أجل الحصول على دعْم الإتحاد الأوروبي والدول المَعنية، وقبل كل شيء، نيل القبول – استنادا إلى التَّـفاهمات الأولية – من طرف شركات النّفط، التي تستغِلّ حقول الغاز في شاه دنيز، وهي التي ستقرر مَـن سيكون صاحب الحظّ السعيد. وقد عرضت عليهم شركة نابوكو في يناير 2013، المشاركة بحِصَّة قدرها 50٪ من رأسمالها، ممّا حدا بشركة “ترانس أدرياتيك بايب لاين” بعدها بأيام، إلى تقديم عرْض مُماثِـل.
في الوقت ذاته، يُحاول كلٌّ من المتنافسَيْـن تسليط الضوء على مَزايا مُقترحه. فبالنسبة لشركة “ترانس أدرياتيك بايب لاين”، طرحت خطّا أقصَـر وذو كفاءة أكبَر بشأن تكاليف نقْل الغاز من تركيا إلى الشبكة الأوروبية، كما أنه “لا يتطلّـب دعما مادِيا من الدول المعنِية” على حدِّ قول ليزا غيفيرت، المتحدِّثة باسم المجموعة التي تتَّخذ من كانتون تسوغ مقرّا لها. وفيما يبدو أنه يتفوَّق نوعا ما على نظيره المنافس، لكنّ ميزان المُفاضلة يتغيّـر بحسب ما يستجِد من تفاهُمات.
دعم الحكومة
تجدر الإشارة إلى أن مبتَـكر المشروع “ترانس أدرياتيك بايب لاين”، هو مجموعة “أكسبو Axpo” السويسرية، التي تقوم منذ سنوات بإدارة عدة مشاريع في إيطاليا، من بينها محطّات لتوليد الكهرباء بالغاز،
ويوضح ريتشارد روجرز، المتحدث باسم “أكسبو Axpo” أن “هدفنا الرّئيسي هو استخدام الغاز الطبيعي القادم من بحر قزوين، في تشغيل محطّات الطاقة الخاصة بنا في إيطاليا، وما يتبقّى يُباع في السوق الأوروبية، كالمصانع مثلا”.
يُشير المراقبون إلى أن خطّ الأنابيب الجديد قد يشكِّـل ضمانا لمُستقبل شركة “أكسبو Axpo” غيْر المُطمئِن. فهذه الشركة، التي تعتبر المُنتِج الأكبر للطاقة النووية في سويسرا، قد تُصبح ضِمن أكبَر الخاسِرين من استراتيجية الطاقة الجديدة المقترحة من قِبَـل الحكومة الفدرالية، والتي تقضي بالتخلّي نهائيا عن استخدام الطاقة النووية بحلوا عام 2035.
ومن المحتمل أن تكون الرغبة في التعويض، هي التي دفعت برن في الآونة الأخيرة، إلى تكثيف الإتِّصالات الرفيعة المستوى مع ممثِّلي الدول المعنِية من أجْل الترويج لخطّ أنابيب الغاز “ترانس أدرياتيك بايب لاين”، الذي من شأنه أن يُعزِّز الوضْع المستقبَلي للشركة السويسرية.
في المقابل، لقِيَ هذا الإهتِمام انتِقادا من دُعاة حماية البيئة في سويسرا، حيث ذكّـر باتريك هوفشتيتر، من فرع سويسرا للصندوق العالمي للطبيعة، أنه “بناءً على القانون الفدرالي بشأن الحدّ من انبِعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون، الذي دخل حيِّز التنفيذ في شهر يناير 2013، والذي تعهَّـدت سويسرا من خلاله بدعم عدم زيادة معدّل الإحتِباس الحراري عن درجتيْن، فإنه من غيْر المقبول أن تدعم الحكومة مشروعا مُعتمدا على الوَقود الأحْفوري، مثل الغاز”. وفي هذا السياق، يعتزم برلمانيون من حزب الخُضر مطالبة الحكومة بتفسير بهذا الخصوص في الدورة البرلمانية المقبلة.
أولا: “ترانس أدرياتيك بايب لاين” أو خط الأنابيب عابِر البحر الأدرياتيكي: مشروع مُشترك تدعمه شركة تقِف وراءها مجموعة “أكسبو Axpo” السويسرية (نسبة رأس مال 42,5٪) ومجموعة “شتات أويل Statoil” النرويجية للنّفط (نسبة رأس مال 42,5٪) وشركة “اي اون رورغاز E.ON Ruhrgas” الألمانية.
سيكون بإمكان خطّ “ترانس أدرياتيك بايب لاين” نقل 10- 20 مليار مِتر مكعَّب من الغاز سنويا، تُقدّر تكلِفتها بنحو 1,5 مليار فرنك سويسري، ويُرجّح أن تكون أعلى من ذلك بكثير.
ثانيا، خط أنابيب الغاز “نابوكو غاز بايب لاين”: مشروع ترعاه مجموعة مكوَّنة من خمس شركات: “او ام في غاز آند باور OMV Gas & Power” النمساوية و”اف جي اس زيد FGSZ” المجرية و”ترانس غاز Transgaz” الرومانية و”البلغارية للطاقة القابضة” و”بوتاس” التركية.
ويمكن لهذا الخط أن ينقل ما يصِل إلى 30 مليار مِتر مكعَّب من الغاز سنويا، ولم تتَّضح التكاليف بعدُ.
استثمارات لا معنى لها
في معرض ردِّها، أكدت ماريان زوند أنه “لن تكون هنالك زيادة في استهلاك الغاز، وإنما مجرّد استمرار ضمان إمدادات الطاقة من هذا المصدر الذي يغطّي 12٪ من الإحتياجات السويسرية، والذي سيستمر ولفترة طويلة، في لعب دور هام في سويسرا وباقي دول أوروبا”.
باتريك هوفشتيتر يرفض هذه الرُّؤية ويقول: “على المستوى السياسي، قد نتفهَّم الرَّغبة في الحدّ من قوّة القبْضة الروسية على قطاع الغاز، لكن ليس من المعقول على مستوى الطاقة والمناخ، أن تستمِرّ الإستثمارات في بُنى تحتية جديدة لاستخراج ونقْل الوقود الأحفوري، لاسيما وأن الإتحاد الأوروبي قد شرع في تنفيذ برنامج طَموح لتطوير الطاقة المتجدِّدة، كما أن سويسرا تتحرّك هي أيضا في ذات الإتِّجاه حاليا”.
يوفِّـر الغاز الطبيعي أكثر من 20٪ من الطاقة المُستهلَكة في جميع أنحاء العالم، وِفقا للوكالة الدولية للطاقة، ومن المتوقّع أن ترتفِع هذه الحِصة إلى 25٪ في غضون عشرين عاما.
في سويسرا، يغطِّي الغاز أكثر من 12٪ من احتياجات الطاقة، ويُستورد أساسا من النرويج وروسيا وألمانيا والجزائر.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.