سويسرا تحت الحصار وسط تصاعد الخلاف الضريبي
قد تضطرّ سويسرا مرّة أخرى إلى التراجع إلى موقف دفاعي مع تصاعد الجدل العالمي بشأن التهرّب الضريبي خلال الأيام الأخيرة ، وقد بلغ هذا الجدل ذروته من خلال الدعوات الجديدة للمصارف السويسرية باعتماد التبادل الآلي لبيانات حرفائها من الرعايا الأجانب.
وبعد أن استسلمت بالفعل لطلب الولايات المتحدة الأمريكية للحصول على المعلومات التي تريدها عن حسابات مواطنيها في المؤسسات المالية السويسرية، تعرّضت سويسرا إلى هجوم جديد من قبل الإتحاد الاوروبي الذي يهدد بعزل البلدان التي ترفض الخضوع لإرادته.
ولقد تردى موقف سويسرا أكثر بعد استسلام لكسمبورغ في الأسبوع الماضي لمطالب الإتحاد الأوروبي وتعبيرها عن استعدادها للتبادل التلقائي للبيانات الضريبية. كذلك تتعرّض النمسا لضغوط متواصلة من وزراء مالية الإتحاد الاوروبي – اجتماع دبلن كان يوم السبت- من أجل سلوك مسلك لكسمبورغ، لكنها لا تزال تقاوم إلى حد الآن.
وأوضح ألجيرداس سيميتا، المفوّض الأوروبي للضريبة بعد انتهاء الإجتماع أنه يأمل في تفويض البلدان الأعضاء في الإتحاد الاوروبي لبدء مفاوضات جديّة وصعبة مع سويسرا في المستقبل القريب. والمفاوضات التي استمرت لعدة سنوات قد تلقت دفعة جديدة بسبب “أوف شور ليكس” التي حفلت بها وسائل الإعلام في الأسبوعيْن الماضيين والتي كشفت تفاصيل الكيفية التي تعمل بها ما يسمى “الجنان الضريبية”.
وقد اجتذبت سويسرا ايضا اهتماما لم يرغب فيه أحد بعد الكشف عن فضيحة وزير الميزانية الفرنسي السابق جيروم كاهوزاك المتمثلة في اخفائه لأصول مالية لم تستخلص عنها مستحقاتها الضريبية في حساب مصرفي سرّي في سويسرا.
انقسام الآراء
حتى الآن، رفضت وزيرة المالية السويسرية إفلين فيدمر – شلومبف وجمعية المصرفيين السويسريين الإنصياع لمطالب الإتحاد الاوروبي، ودافع الجانب السويسري عن موقفه مشيرا إلى أن البلاد تستعدّ لتنفيذ سياستها الخاصة للتطهير معاملات مصارفها من الغش الضريبي.
وتبذل سويسرا جهودا يائسة لإنقاذ ما تبقى من السرية المصرفية حيث لجأت إلى تشديد قوانينها لإجبار أصحاب الودائع من الاجانب إمّا على اعلان حساباتهم إلى بلدانهم الأصلية، أو دفع ضرائب على أصولهم المحمية بالسرية المصرفية.
وصرّحت فيدمر –شلومبف إلى صحيفة “لوتون” الناطقة بالفرنسية يوم السبت أنه “من الممكن تصوّر معايير مختلفة لكنها متعايشة”، قبل أن تليّن الموقف في تصريح لاحق إلى “سونتاغ تسايتونغ” وتلوّح بغصن الزيتون إلى الإتحاد الأوروبي. وأضافت: “أنا لم أقل أبدا أن التبادل التلقائي للمعلومات لن يطرح في المستقبل. ولكن لابدّ من طرح السؤال الرئيسي ما هي البيانات التي سيشملها التبادل”.
ولكن موقف فيدمر –شلومبف قوّضه تماما ما نُقِل عن مارتين لاندولت، القيادي بالحزب الديمقراطي المحافظ الذي تنتمي إليه شلومبف نفسها والذي خرق أحد المحرّمات عبر الحديث العلني عن الكيفية المحتملة لتبادل المعلومات تلقائيا في المستقبل على المستوى النظري.
وقال في حديث إلى العدد الأسبوعي من صحيفة “نويه تسوخر تسايتونغ” المحافظة أنه نظرا لكون الدافعين المخلصين للضرائب يكشفون عن معاملاتهم المالية للسلطات المالية السويسرية، فإن هذا النظام بالإمكان توسعته ليسمح بكشف تلك البيانات لسلطات بلدانهم الاصلية.
المزيد
السر المصرفي.. في الكاريكاتور
دقّ الأسفين
لجأ أولي ماورر، وزير الدفاع، والرئيس الدوري للكنفدرالية إلى وسائل الإعلام نهاية هذا الأسبوع لبسط وجهة نظره القائمة على القول أن على سويسرا الصمود أمام الحملات المتتالية ضد ساحتها المالية. وقال في حديث إلى عدد الاحد من صحيفة “لوماتان” الناطقة بالفرنسية: “يجب على الدولة أن تحترم بشكل كامل خصوصيات الافراد. وليس هناك أي مبرر لكي نخضع نحن للتبادل الآلي للبيانات”.
هذه القضية الشائكة المتعلقة بالتبادل التلقائي للمعلومات تواصل تقسيم الرأي العام في سويسرا. فالعاملون في القطاع المالي ومؤيدوهم يرون أن سويسرا قد قدّمت بالفعل ما يكفي منذ أن أدين اتحاد المصارف السويسرية بتشجيع المتهرّبين من دفع الضرائب في الولايات المتحدة منذ 2009.
وسلمت سويسرا بيانات الآلاف من أصحاب الحسابات لدى يو بي إس إلى إدارة الضرائب بالولايات المتحدة الامريكية، ووافقت على التعاون بشكل كامل مع التحقيقات الضريبية في بلدان أخرى، ثم إعادة التفاوض حول العديد من معاهدات الإزدواج الضريبي، واعتماد سياسة “المال النظيف” بالنسبة لساحتها المالية.
هل فقدت الحجة؟
لكن آخرين يشعرون أن السرية المصرفية قد انتهت بالفعل، مما يجعل من العبث رفض التبادل التلقائي للمعلومات.
ويقول دوغلاس هورنينغ، الخبير الضريبي بجنيف متحدثا إلى swissinfo.ch : “في المستقبل يمكن متابعة أي وسيط مالي يساعد على التهرّب الضريبي بتهمة غسل الأموال فقط لعدم كشفه عن هويات الحرفاء او عدم إعلام السلطات. هذه الآن قطب الرحى في أي عمل في هذا المجال. واما الذين يفعلون بعكس ذلك فعليهم الإنتهاء من العمل في هذا المجال”.
كذلك يرى المحامي في المجال الضريبي ماركو بيرناسكوني أن السرية المصرفية لم تعد آمنة نسبيا في الجنان الضريبية كما كان عليه الحال في سنوات خلت. ولقد بات من الصعب جدا الإحتفاظ بسرية المعلومات الآن”. ثم يردف قائلا: “هذا النموذج ينتمي إلى الماضي، لأنه بات اليوم من الصعب جدا التهرّب من الضريبة”.
تعيش سويسرا تحت ضغط شديد تمارسه عليها كل من أوروبا والولايات المتحدة بسبب دورها كملجأ للمتهرّبين من دفع الضرائب وذلك منذ اندلاع الأزمة الإقتصادية سنة 2008.
وفي عام 2009، تم التفطّن إلى ان اتحاد المصارف السويسرية كان يقدّم المساعدة ويحرّض المتهربين من الضرائب من حرفائه الأمريكيين، وقد أجبر في النهاية على دفع غرامة كبيرة.
والأسوأ من ذلك، أن الحكومة السويسرية أجبرت على انتهاك حرمة قوانينها حول السرية المصرفية لتسليم بيانات الآلاف من حرفاء المصارف السويسرية من اصول أمريكية إلى إدارة الضرائب في بلادهم.
وفي عام 2012، أجبر أقدم مصرف سويسري خاص – Wegelin- على حلّ نفسه، بعد أن كشف محققون أمريكيون تورّطه في عمليات تهرّب ضريبي.
وما يزيد عن 13 مصرفا سويسريا لا تزال رهن التحقيق من قبل السلطات الامريكية للإشتباه في مساعدتها مواطنين أمريكيين على ارتكاب عمليات غش ضريبي.
وفي شهر فبراير من هذا العام، أعلنت سويسرا موافقتها رسميا على الالتزام بقانون الالتزام بقواعد الضرائب علي الحسابات الاجنبية (Fatca)، والذي من شانه أن يجبر البنوك السويسرية على تسليم بيانات عملائها الأمريكيين تلقائيا وبشكل آلي.
وعودة إلى أوروبا، حيث كانت قد سرقت العديد من الأقراص المدمجة المتضمّنة لبيانات العملاء من البنوك السويسرية ثم بيعت إلى بلدان اجنبية مثل ألمانيا وفرنسا.
وقد وقّعت سويسرا معاهدات ضريبية مع بريطانيا والنمسا لاقتطاع الضريبة من المصدر من الحسابات التي تعود ملكيتها إلى رعايا تلك البلدان.
أمّا ألمانيا فقد رفضت هذا النوع من المعاملة، واجبرت المصارف السويسرية على وضع عملائها امام خياريْن إما إعلان ثرواتهم للسلطات الألمانية أو غلق حساباتهم.
وفي ابريل من هذا العام كذلك، اعترف وزير الميزانية الفرنسي السابق جيروم كاهوزاك بملكيته لأصول مخفية في حساب سرّي بمصرف سويسري.
(نقله من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.