سويسرا تقرر ترفيعا استثنائيا في مساهمتها لفائدة صندوق النقد الدولي
بعد مجلس الشيوخ، وافق مجلس النواب في البرلمان الفدرالي في غرة مارس الجاري على رفع مساهمة سويسرا في صندوق النقد الدولي بـ 30 مليار فرنك. وستُخصص هذه الأمـوال لمساعدة البلدان التي تجتاز ظروفا صعبة تستدعي الحصول على معونات ملحة.
ويأتي هذا القرار في وقت تبذل فيه الكنفدرالية جهودا كبيرة للاحتفاظ بمقعدها المُهدد في مجلس إدارة الصندوق.
تـضررت دول عديدة من الأزمة المالية والاقتصادية الأخيرة بحيث لجأت بلدان مثل اليونان وأيسلندا وأيرلندا إلى المساعدات المالية الدولية لتجنب الإفلاس. ولمواجهة مثل تلك الأزمات، طلب صندوق النقد الدولي من البلدان المُساهـمة تقديم المزيد من السيولة.
ثلاثة إجراءات
في هذا الإطار، صادق مجلس النواب يوم الثلاثاء على ثلاثة تدابير تبلغ تكلفتها قرابة 30 مليار فرنك. ووافق أعضاء الغرفة السفلى في البرلمان الفدرالي على الترفيع من سقف المساهمة السويسرية في صندوق الأزمات بصندوق النقد الدولي من 2,5 إلى 18 مليار. وستُقرض هذه الأموال للبلدان التي تواجه ظروفا صعبة إن تبيـّن أن المساعدات العادية لصندوق النقد الدولي غير كافية لحل أزمتها.
كما أقر النواب مساهمة استثنائية بقيمة 12,5 مليار تحدّد صرفها في ظرف سنتين فقط، وتهدف إلى الرفع من موارد صندوق النقد الدولي في إطار المساعدات النقدية الدولية.
وأخيرا، وافق أعضاء مجلس النواب على تعهدات ائتمانية بقيمة 950 مليون فرنك في إطار تعزيز إمكانيات “مرفق الحد من الفقر وتحقيق النمو” FRPC التابع لصندوق النقد الدولي والذي يقرض أفقر البلدان.
مقاومة محدودة
وخلال النقاش البرلماني، انحصرت مقاومــة إقرار هذه التدابير الثلاثة بين حزبين: حزب الشعب (يمين شعبوي) وحزب الخضر اليساري.
الحزب الأول يرى أن سويسرا ساهمت بعدُ وإلى حد كبير في الحفاظ على النظام المالي الدولي، ولكن دون الحصول على أي شيء في المقابل، ما عدا الهجمات ضد نظامها المصرفي. وقال عضو الحزب، أولريخ شلوور، بلهجة شاجبة: “نحن نـركض إلى بروكسل ونـــُقدم الوعود ونـــُنفق الأموال التي يملكها الشعب ولا نتفاوض على أي شيء إطلاقا من أجل بلدنا”. لذلك يعتقد حزب الشعب أنه لا يجب بتاتا رفع المساهمة السويسرية في صندوق النقد الدولي في ظل هذه الظروف.
أما الخضر فأعربوا عن اعتقادهم أن هذا الصندوق يظل هيئة لا تُسهم بأي شيء للحد من الفقر في العالم، بل أن أعماله تزيد الضغط على الــفئات المحرومة. وفي هذا السياق، قالت فرانسين جون-كالام، النائبة في الحزب المدافع عن البيئة: “ليس لصندوق النقد الدولي أية إرادة لإحداث تغييرات جوهرية لضمان استقرار مالي أفضل على المدى البعيد ولتقليص الفقر بصورة دائمة”. واستطردت قائلة: “إن الخضر يشُكون في أن تسمح زيادة مساهمتنا في صندوق النقد الدولي ببلوغ الأهداف التي تم تحديدها في هذا الصدد”.
عملية خالية من الأخطار
في المقابل، ذكـــّرت أحزاب اليمين الليبرالي ووزيرة المالية السويسرية إيفلين فيدمر-شلومبف بأن سويسرا كانت مُنخرطة بدرجة عالية في التجارة الدولية، وأن عدم استقرار النظام المالي قد تكون له عواقب خطرة جدا على اقتصادها. وعلاوة على ذلك، تم التنويه إلى أن سويسرا قد تحتاج يوما ما أيضا إلى التضامن الدولي.
وباسم لجنة الحزب الديمقراطي المسيحي في البرلمان (وسط يمين)، صرح لوك بارتاسات: “لا يجب أن ننسى بأن سويسرا، على غرار أيرلندا، كان يمكن ولا يزال ممكنا أن تجد نفسها مضطرة للاعتماد على المساعدة الدولية في حال انهيار مصرفيها الرئيسييْن أو في حال انفجار فقاعة إسكان (في البلاد)”.
وبالنسبة لأنصار الترفيع من قيمة المساعدات السويسرية، مبادرة التضامن هذه هي خطوة أسهل بكثير ولا تشكل تضحية. وقال لوك باتاسات: “نحن لا نعطي 30 مليار فرنك لصندوق النقد الدولي بل نمنح له إمكانية اقتراض 18 مليار فرنك منها 12 مليار ستوضع رهن إشارته على الفور. ولا تُقــــْدِم سويسرا تقريبا على أية مخاطرة بمنحها قروضا لصندوق النقد الدولي، فهذه المؤسسة طالما احترمت تعهداتها، والانضمام الجديد للصين الرهيبة (للصندوق) يؤكد مصداقيتها”.
صندوق النقد الدولي تغــيّر
وصرح النائب في الحزب كارلو سومّاروغا: “اليوم، تمت إعادة النظر في السياسات. لم يحدث بالتأكيد انقلاب جذري في منطق تلك السياسات بل هي عرفت تحسنا كــبيرا، وتشدد على ذلك المنظمات غير الحكومية المنخرطة في إطار سياسة التنمية. وبالتالي نشهد اليوم تغييرا في صندوق النقد الدولي يسمح بالأخذ في عين الاعتبار السياسات الاجتماعية الأساسية التي يجب تنفيذها في بلدان الجنوب والبلدان النامية”.
لكن هنالك اعتبار تاكتيكي أكثر أثــَّر على التصويت الاشتراكي، ويتمثل في الموافقة يوم الإثنين 28 فبراير المنصرم على رفع حجم المساعدات السويسرية المخصصة للتنمية. ولم يُخـــْف كارلو سوماروغا الصلة المباشرة بين الملفين. وصرح بهذا الشأن: “في الأمس، كان أوان التدخل على مستوى السياسة الداعمة للتنمية، واليوم جاء دور التدخل في إطار سياسة الاستقرار المالي الدولي. وهذان جانبان من المسؤولية الدولية التي يتعين على سويسرا أخذها بعين الاعتبار”.
المقعد السويسري مُهــدّد
وتطرق النقاش البرلماني إلى عنصر أخير هو مقعد سويسرا داخل مجلس إدارة صندوق النقد الدولي. ويُذكر في هذا الشأن أن المنظمة، وبدعم من الولايات المتحدة على وجه الخصوص، تريد تقليص عدد مقاعد البلدان الأوروبية بهدف تعزيز دور القوى الاقتصادية الناشئة.
وفي مثل هذا السياق، يواجه المقعد السويسري تهديدا مباشرا، وأي رفض من طرف الكنفدرالية لرفع قيمة مساهماتها في الصندوق لن يحسن وضعها بالتأكيد. ويبقى السؤال في الأخير ما إذا كانت الخطوة التضامنية التي أقدمت عليها سويسرا على المستوى الدولي كافية لكي تميل الكفة لصالحها.
قرر مجلس النواب السويسري (الغرفة السفلى في البرلمان الفدرالي) يوم الإثنين 28 فبراير 2011 رفع المساعدات السويسرية لدعم مشاريع التنمية بـ 640 مليون فرنك خلال عامي 2011 و2012. وكان مجلس الشيوخ (الغرفة العليا) قد وافق على هذا المقترح في شهر ديسمبر الماضي.
وتهدف هذه الزيادة إلى رفع نسبة المساعدات السويسرية المخصصة للتنمية إلى 0,5% من الدخل القومي الإجمالي بحلول عام 2015، بناء على طلب الأمم المتحدة.
ولا تعتبر هذه الزيادة منفصلة عن تلك التي مُنحت لصندوق النقد الدولي، بحيث كان اليسار السويسري قد ربط خلال النقاشات التحضيرية دعمه لصندوق النقد الدولي بزيادة حجم المساعدات التنموية.
وكانت بعض الأطراف، وعلى رأسها حزب الشعب (يمين شعبوي) قد أدانت ما وصفته بالـ “ابتزاز“.
تبلورت فكرة إنشاء صندوق النقد الدولي ـ المشار إليه اختصارا فيما بعد باسم “الصندوق” ـ أثناء مؤتمر عقدته الأمم المتحدة في بريتون وودز بولاية نيوهامبشير الأمريكية بتاريخ يوليو 1944. وكانت الحكومات الـ 45 الممثلة في ذلك المؤتمر تسعى إلى وضع إطار للتعاون الاقتصادي يتجنب تكرار التخفيضات التنافسية لأسعار العملات والتي شكلت حلقة مفرغة ساهمت في حدوث الكساد الكبير في ثلاثينات القرن الماضي.
مسؤوليات الصندوق: يهدف الصندوق في الأساس إلى ضمان استقرار النظام النقدي الدولي ـ أي نظام أسعار الصرف والمدفوعات الدولية الذي يمَكِّن البلدان (ومواطنيها) من إجراء المعاملات فيما بينها ـ وهو نظام ضروري لدعم النمو الاقتصادي القابل للاستمرار، ورفع مستويات المعيشة، والحد من الفقر. ويعمل الصندوق منذ انتهاء الأزمة العالمية الأخيرة على توضيح صلاحياته وتحديثها لتشمل كل سياسات الاقتصاد الكلي والقطاع المالي المؤثرة على الاستقرار العالمي. (المصدر: الموقع الإلكتروني لصندوق النقد الدولي)
في عام 1992، وعلى إثر تصويت شعبي، انضمت سويسرا إلى مؤسسات “بريتون وودز” (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي).
يتعين على الدول الراغبة في الحصول على معقد في مجلسي إدارة هاتين المؤسستين شراء حصص معينة من رأسمالهما، وهو شرط تتغلب عليه بسهولة الدول الكبيرة. أما الدول الصغيرة فتلجأ إلى نوع من التحالف بينها وتعين ممثلا واحدا عنها في المجلسين للدفاع عن مصالحها.
اختارت سويسرا هذا الحل وتحالفت مع مجموعة من البلدان الصغيرة أطلق عليها إسم “هيلفيتيستان” (Helvétistan)، وتمثل سويسرا مصالح المجموعة في مؤسستي بريتون وودس منذ عام 1992، وتضم: بولندا وصربيا والجبل الأسود وأوزبكستان، وقرقيزيا، وطاجكستان، وتركمانستان، وأزربيجان.
بصفتها ممثلة هذه المجموعة، تشغل سويسرا أحد المقاعد الـ24 في مجلسي إدارة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهو ما يمنحها إمكانية التعاون النشط في بلورة سياسة هاتين المؤسستين.
(نقلته من الفرنسية وعالجته إصلاح بخات)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.