مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سويسرا في قفص الإتهام مجددا بخصوص الجباية والسر المصرفي

Keystone

يوم الثلاثاء 21 أكتوبر، نظّـمت فرنسا وألمانيا في باريس اجتماعا لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، التي تضُـمّ 17 بلدا، لمناقشة ملفّ الجنان الضريبية.

وفيما يأتي انعقاد هذا الاجتماع في سياق أزمة عالمية، تُـطرح فيها مسألة تطهير النظام النقدي العالمي، وُجِّـهت انتقادات للساحة المالية السويسرية.

أثار تغيُّـب بلدين عن المشاركة في الاجتماع الدولي حول الجنان الضريبية، غضبا شديدا في وزارة الاقتصاد والمالية الفرنسية. فقد رفضت سويسرا واللكسمبورغ الاستجابة للدعوة المشتركة، التي وُجِّـهت إليهما من طرف الوزير الفرنسي للميزانية ونظيره الألماني للمالية.

وعن سبب هذا الغِـياب، يُـذكّـر مصدر دبلوماسي في سفارة سويسرا بباريس أن “النقاشات حول تبادل المعلومات الجبائية، تدور في إطار منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية الصارم. هذا المؤتمر، هو أشبه ما يكون باجتماع للمنظمة. أما السبب الثاني لغياب سويسرا، فهو أنه لم يكُـن بإمكانها الموافقة على النتائج التي تذهب إلى أبعدَ من الإجماع الذي تمّ التوصّـل إليه إلى حدّ الآن”.

الخروف الأسود

ردّ المشاركين الـ 17 على التبريرات السويسرية، جاء في شكل تحذير، يقول نصه: “من المُـفترض أن توضع سويسرا على القائمة السوداء وليس على القائمة الخضراء”، مثلما صرّح بذلك بيير شتاينبروك، وزير المالية الألماني في أعقاب الاجتماع الباريسي.

وتشتمل “القائمة السوداء”، التي يتِـم تحيينها سنويا، على الجنان الضريبية “غير المتعاونة”، وهي تضمّ حاليا ثلاثة بلدان من بين 40 تحمِـل صِـفة “جنة ضريبية”، وهي مقاطعة آندور وإمارتا الليختنشتاين وموناكو.

ومع أن الاتِّـهامات تُـوجَّـه إلى سويسرا، الموصوفة من طرف البعض بـ “الخروف الأسود” والمعتبرة أيضا “رمزا لانحرافات النظام النقدي”، إلا أن واقع الأمور يُـشير إلى أنها كانت من بين البلدان الـ 35 الذين تعهّـدوا بمزيد من الشفافية.

منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية صنّـفت الكنفدرالية باعتبارها “بلدا ذا سرية مصرفية مبالغ فيها”، وهي سرية مصرفية يعتبرها إيريك وورث، وزير الميزانية الفرنسي بدوره “مبالغا فيها”، ويقترح – في انسجام مع نظيره الألماني – توسيع القائمة السوداء لتشمل “جميع البلدان التي تتوفّـر على سر مصرفي مبالغ فيه”، وهو ما يعني أن الجنان الضريبية الموصوفة لحدّ الآن من طرف المنظمة بأنها “متعاونة”، قد أصبحت اليوم في مرمى النار.

رد فعل الحكومة السويسرية لم يتأخر، حيث قررت في اجتماعها الدوري صبيحة الأربعاء 22 أكتوبر تكليف وزيرة الخارجية ميشلين كالمي-ري باستدعاء السفير الألماني إلى مقر الوزارة في برن للتعبير له عن “استياء الحكومة الفدرالية” من التصريحات التي وردت على لسان وزير المالية الألماني وعن “الإستغراب” من التعابير التي استخدمها الوزير بيير شتاينبروك الذي هدد باللجوء إلى “استعمال العصا” ضد البلدان التي تشجع – على غرار سويسرا – التهرب الضريبي مثلما نقلت عنه الصحافة السويسرية.

في هذا السياق، يتعرّض السر المصرفي السويسري للاستهداف الواضح، فهذه الممارسة يحميها قانون فدرالي يعود تاريخه إلى عام 1934، ويضعها في خانة السر المهني، لذلك، فإن المعلومات المتعلقة بعملاء المصارف السويسرية، لا يُـمكن الكشف عنها إلا في حالة ملاحقة جنائية. ونظرا لأن التشريع السويسري يعتبر التهرّب الجبائي مجرّد جُـنحةٍ، فهو لا يخضع تبعا لذلك لمقتضيات القانون الجنائي.

ما بين السيادة والسياسة

التهرّب الجبائي قضية ساخنة جدا بالنسبة لألمانيا، التي اكتشفت في شهر فبراير الماضي فضيحة خطيرة، شملت 1400 دافع ضرائب ألماني يُـشتبه في إقدامهم على التهرّب من جباية بلادهم وتحويل أموالهم خُـفية إلى إمارة الليختنشتاين المجاورة.

بيير شتاينبروك، وزير المالية الألماني، الذي أنحى باللائمة على سويسرا في ختام الاجتماع، حرِص مع ذلك على عدم توتير العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وقال إنه “لا يضع سيادة سويسرا أو الليختنشتاين موضِـع التساؤل، لكن سيادة الجمهورية الفدرالية لألمانيا، هي التي تتعرّض للمسّ بسبب ما توفِّـره بعض البلدان من ظروف”.

وبالإضافة إلى تحدّيات السياسة الداخلية في ألمانيا وبلدان أوروبية أخرى، تحوّلت مكافحة الجنان الضريبية في غضون أسابيع قليلة إلى دليل صارخ على ضرورة إعادة هيكلة النظام النقدي العالمي.

السنوات العجاف

في سياق متّـصل، سبق لرئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فييون Fillon أن صرّح يوم 14 أكتوبر الماضي أمام أعضاء البرلمان “إن الثقوب السوداء من قبيل المراكز (المالية) الواقعة خارج سيادة البلدان Off Shore، لا يجب أن تظل قائمة. إن اختفاءها يجب أن يكون مقدِّمة لإعادة صياغة للنظام النقدي الدولي”.

واستعدادا لإعادة الصياغة هذه، تقوم الدول بضخّ المليارات من أجل دعم مؤسساتها المالية، مثل فرنسا، التي تضع 360 مليار يورو على ذمّـة النظام النقدي، لضمان المزيد من السيولة المالية وضخّـت هذا الأسبوع 10،5 مليار يورو في رأسمال أكبر ستّ مصارف فرنسية خاصة.

كل هذه الأرقام لا تزيد عن قطرة ماء، مقارنة بالأموال التي يُـعتقد أنها أفلتت من الدول المعنية. وطِـبقا لتقديرات الفرع الفرنسي لمنظمة الشفافية الدولية غير الحكومية، التي تُـعنى بملاحقة الفساد، فإن المبالغ التي تُـفلِـت من مصالح الجباية في البلدان المعنية، تُـصيب المرء بالدوّار، حيث تشير المنظمة إلى أن “أكثر من 4000 مصرف وثلثا الصناديق الـ 2000، المتخصصة في المضاربات Hedge Funds وحوالي مليون شركة وهمية، تتّـخذ من هذه الجنان الضريبية مقرا لها، وهي تُـدير، حسب آخر المعلومات المتوفِّـرة، قرابة 10000 مليار من الأصول المالية”.

وبطبيعة الحال، فإن هذه العشرات من المليارات يورو، التي لا تحصُـل عليها الدول، تستحِـثُّ خطى السلطات المعنية للتسريع في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمكافحتها في هذه السنوات العجاف للخزائن العمومية.

سويس انفو – أورايلي بوريس – باريس

كبار المتغيّـبين عن اجتماع باريس: سويسرا والولايات المتحدة وكندا والنمسا واللكسمبورغ.
المشاركون: بريطانيا وبلجيكا وهولندا والنرويج والسويد والدنمرك وإيرلندا وأستراليا وفنلندا وإيسلاندا واليابان وكوريا الجنوبية والمكسيك والسيد أنجيل غورّيا، الأمين العام لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.

اعتبرت الصحف السويسرية الصادرة يوم الأربعاء 22 أكتوبر 2008، أن التهديد بوضع سويسرا على “القائمة السوداء” لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، قد يكون محاولة لإضعاف الساحة المالية السويسرية في سياق يتّـسم بأزمة اقتصادية عالمية.

صحيفة لوتون، اعتبرت أن “جيران سويسرا قد أعلنوا الحرب مجددا عليها”، فيما انتقدت الصحف الصادرة بالألمانية بشدّة وزير المالية الألماني، الذي اعتبر أن سويسرا تستحق أن “تُـدرج على القائمة السوداء”.

وفي افتتاحيتها، اتّـهمت صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ “بعض رجال السياسة، الذين لا يكتفون بمحاولة الظهور بمظهر المنقذين للمصارف من الأزمة المالية، بل يحاولون أيضا القيام بطبختهم السياسية الذاتية”. واعتبرت الصحيفة أن السيد بيير شتاينبروك “ينتمي إلى هذا الصِّـنف من الأشخاص”، مضيفة بأن تهديداته تتعارض مع الاتفاقيات الثنائية القائمة بين سويسرا وألمانيا والاتحاد الأوروبي.

وفيما ذهبت صحيفة لوتون إلى أن سويسرا “التي تتمتّـع بحقّ النقض ضمن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، ليس لديها ما تخشاه من القائمة السوداء الجديدة للجنان الضريبية”، اعتبرت صحيفة 24 ساعة أن هذه القضية قد تضع حدّا للسر المصرفي السويسري “الذي لا يتمتّـع بصفة الخلود”، وحذّرت الصحيفة قائلة: “سيكون من الخطإ أن يعتبر الصيارفة السويسريون أن الهجوم الذي بدأ يوم أمس، مجرّد طلقة إنذار إضافية ستُـنسى في اليوم الموالي”، لأن ذلك سيعني الاستهانة بالأزمة المالية العالمية.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية