سويسرا.. وأصول الطغاة القذرة المُودعة في مصارفها
لفترة طويلة، كانت سويسرا تُعتبر ملاذاً آمناً لأموال الديكتاتوريين، لأسباب ليس أقلها السرّية المصرفية. وفي عام 2016 فقط، أصدَرَت سويسرا قانوناً بشأن تَجميد الأصول المنهوبة واستردادها. ومنذ ذلك الحين، تُعتَبَر الكنفدرالية رائِدة في مكافحة الأموال غير المشروعة. في هذا التقرير، تعود swissinfo.ch عقوداً إلى الوراء لتلقي نظرة على أهم حالات الأموال المُهَرَّبة إلى المصارف السويسرية.
وفقا لأرقام البنك الدولي، يتم اختلاس ما بين 20 و40 مليار دولار سنوياً من قِبَل قادة بُلدان أو حكومات فاسدين، وإخفائها في حسابات مصرفية في مُختلف أنحاء العالم. ولطالما كانت سويسرا، باعتبارها واحدة من أكبر المراكز المالية الخارجية، وُجهة مُهمة للأموال غير المشروعة. وإدراكاً منها للضَرَر الذي يمكن أن يلحقه ذلك بصورتها، قامت سويسرا منذ عام 1986 باتخاذ تدابير تدريجية ضد الأموال غير المشروعة. وتلعب البلاد اليوم دوراً رائداً في تَجميد وحَجْز وإرجاع هذه الأموال إلى تلك البلاد، وهي العملية التي يُشار إليها باسم إعادة الأصول. مع ذلك، تجد سويسرا نفسها رهينة ماضيها مِراراً وتِكراراً.
في هذا السياق، نَشَرَت وسائل الإعلام الأجنبية مؤخراً أخباراً حول فَضيحة مالية تتعلق بمصرف “كريدي سويس”، ثاني أكبر بنوك سويسرا وأَحَدَ أشهر البنوك العالمية تَحت هاشتاغ “أسرار سويسرا” (#SuisseSecrets). وَيَتَعَلَّق الأمر هنا بِقِيام شخصٍ يَصِف نفسه بالمُبلّغٍ بِتَسريب تفاصيل لِبيانات بشأن حسابات إلى صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” الألمانية. وقد كَشَفت هذه البيانات كيفية قبول البنك أموالاً غير شرعية لِمَسؤولين فاسدين ومُجرمين ومُنتهكي حقوق الإنسان.
في القائِمة التالية (غير الحَصْرية)، نُلقي نَظْرةً على الحالات التي كانت مَعروفة منذ فترة طويلة، والتي توضح كيفية تَطَوّر مُمارَسات سويسرا لإعادة الأصول.
حَكَم رافائيل ليونيداس تروخيو مولينا – الذي يأتي من خلفية مُتواضعة – جمهورية الدومينيكان بِقَبضةٍ من حديد لأكثر من 30 عاماً. وعلى الرغم من تَحقيقه لبعض النَجاحات، مثل خَفْض الديون الخارجية وتحديث البلاد، لكن السنوات الثلاثين التي أمضاها في السلطة تَسَبَبَت في تعذيب وقَتل الآلاف من المَدنيين.
في عام 1961 أُغتيل الديكتاتور من قبل مُتَمَرِّدين. وحينها هَرَب أفراد عائلته إلى مَدريد وحاولوا إيداع أصول تروخيو في أوروبا. وهكذا، قام أشخاص وَهميون [بغية إخفاء هوية المُشتري الحقيقي] بشراء بنكين سويسريين بِجزءٍ من هذا المال. ولَم يَغُضّ كبير المُشرفين على المصارف النَظَر عما يحدث فحسب، بل قام بتلبية دعوات إلى إسبانيا عدّة مرات. بَيد أنَّ الأمر تَكَشَّفَ أخيراً وأسفر عن إقالة الحكومة السويسرية لرئيس اللجنة المصرفية. وقد تَصَدَّرت هذه الفضيحة حينها عناوين الصحف في الخارج.
في عام 1974، حَدَثَ انقلاب عسكري في إثيوبيا. وبعد 44 عاماً من الحُكم، اضطر هيلا سيلاسي إلى التنازل عن العرش، ووُضِع قَيد الإقامة الجَبرية. وفي عام 1975، توفي آخر أباطرة إثيوپيا في ظروف غامضة (قد يكون خُنِق بوسادة أو تم تخديره بالأثير وخنقه لاحقاً)، ودُفِنَت جُثتَه تحت ألواح أرضية في مرحاضٍ في القصر. ولم يتم العثور على رفاته إلا في عام 1992، حيث حُفِظَت جثتُهُ في كنيسةُ بآتا مريم. وفي عام 2000 أقيمت له جنازة فخمة ودُفِنَت بقاياه في كاتدرائية الثالوث المقدس.
وكما زعمت الحكومة العسكرية الجديدة حينها، قام سيلاسي بِجَمع ثروة لنفسه، وأن لديه أصول بقيمة 15 مليار دولار في البنوك السويسرية. لكنها أخفقَت في تقديم دليل على ذلك.
كانت العلاقات التي جَمَعَت بين كل من الشاه محمد رضا بهلوي وسويسرا ذات طابع خاص. فخلال سنوات مراهقته، التحق بمدرسة داخلية في بلدية رول على ضفاف بحيرة ليمان. في وقت لاحق، قَضّى أيام عطلته في سويسرا بصورة مُنتظمة. في عام 1968 اشترى فيلّا في بلدة “سانت موريتس” (كانتون غراوبوندَن)، سرعان ما تحولت إلى نوع من مَقَر الإقامة الشتوي. كما كان لدى آخر شاه لإيران حسابات مصرفية في سويسرا، لكن قيمة الأموال المودَعة فيها غير معروفة.
لكن التَباهي وجُنون العَظَمة التي كان الشاه يَتَّصف بها – حيث قام في عام 1971 بتنظيم احتفال رسمي في مدينة برسيبوليس الأثرية [لإحياء ذكرى 2500 عام على إنشاء مملكة فارس القديمة]، أُنشِأت لها واحة اصطناعية في الصحراء، وتم استيراد 50000 طائر مُغرد من أوروبا – ألَّبَت مشاعر السكان الإيرانيين الجائعين ورجال الدين المُسلمين ضده، وساهَمَت في الأحداث التي بَلَغت ذروتها في الثورة الإيرانية عام 1979، والتي دَفَعَت بالشاه إلى الفرار للخارج.
لم تَكتَفِ الحكومة الإيرانية الجديدة بِمُصادرة أصوله فقط، ولكنها أرادت أيضا “تأميم” أموال الشاه في سويسرا. بَيْد أن سويسرا رَفضت تجميد أصول الشاه بعد سقوطه، وأشارَت على حُكّام طهران الجُدُد بدلاً من ذلك باللجوء إلى العملية المُناسِبة لهذه الحالة من خلال قانون تحصيل الديون. ولا يزال مَنزل الشاه في سانت موريتس بِحَوزة أسرته.
عانى الشعب الفلبيني على مدى عقود من اضطهاد الديكتاتور فرديناند ماركوس، الذي يُعتَبَر واحداً من أكثر الحكام فساداً في العالم، حيث قام مع أفراد من عائلته باختلاس مليارات الدولارات من خزينة الدولة. وعُرِف عن زوجته إيميلدا، وهي ملكة جمال سابقة، امتلاكها لأكثر من ألفِ حذاءٍ من ماركات عالمية (تقول بعض المصادر أنها تزيد عن 3000 حذاء)، وقُرابة مائة مِعطف من فراء حيوان المِنك، ومئات من فساتين السهرة.
في عام 1986 حَدثت انتفاضة شعبية ضد الدكتاتور، أسفَرَت عن هروبه إلى الولايات المتحدة. وعندما هَمَّ بِسَحب أموال من حسابه السويسري، قام البنك بإبلاغ الحكومة السويسرية. وحيث كانت الحكومة السويسرية تَخشى من إلحاق ضَرَرٍ بِسُمعتها في حال تَمَكَّن الحاكم الفاسد السابق من الاستيلاء على الأموال قبل اتخاذ الحكومة الجديدة في الفلبين إجراءات قانونية ضده ومُطالبته بهذه الأموال، قامت بِتَجميد هذه الأصول كإجراء احترازي. وقد مَثَّلت قضية ماركوس نَقلة نوعية بالنسبة لسويسرا التي قامت لاحقاً بإعادة ملايين ماركوس بموجب اتفاق مع الحكومة الفلبينية الجديدة إلى حساب فلبيني مجمد (أو محظور) تمتلك الحكومة الفلبينية سلطة التصرف به.[وكان الاتفاق يكفل استفادة ضحايا نظام ماركوس من جزءٍ من هذه الأموال].
في عام 1957، انتُخِبَ الطبيب فرانسوا دوفالييه الذي لُقِّبَ بـ “بابا دوك” (الأب الطبيب بالفرنسية) رئيساً لهايتي لمدة سَبع سنوات. لكن الوَضْعَ الذي بدأ مُفعماً بالأمل سُرعان ما تَحَوَّل إلى دكتاتورية وَحشية، وأصبح دوفالييه رئيساً مدى الحياة. كما قام “بابا دوك” بإثراء نَفسِهِ على نطاق واسع، حيث كانت أرباح شركة التبغ الحكومية تَتَدَفَّق إلى جيبه مُباشرة. كذلك قامت أجهزته السرّية الخاصة بِقَتل عشرات الآلاف من الأشخاص.
عندما أصيب “بابا دوك” بِمَرضٍ خطير، قام بتغيير الدستور للسماح لابنه أن يَرِثَ منصب الرئاسة من بعده. وفي عام 1971 توفي دكتاتور هايتي، ليصبح جان كلود دوفالييه، “بيبي دوك” الذي كان يبلغ التاسعة عشرة من العمر حينذاك أصغر رئيس دولة في العالم. وقد أدّى حكم الأب والإبن إلى إنهاك الوضع الإقتصادي للبلاد تماماً.
في عام 1986 أجبرت “ثورة الجياع” في الدولة الكاريبية “بيبي دوك” على الفِـرار إلى فرنسا بمساعدة أمريكية. و قد قامت سويسرا حينذاك بِتَجميد أموال دوفالييه بناءً على طلب من هايتي.
وبالنظر إلى عدم استقرار الوضع في هاييتي إلى اليوم، لم يتم اتخاذ أي إجراءات جنائية ضد دوفالييه. وبسبب قانون التقادم، لا يمكن لسويسرا تقديم المساعدة القانونية أو إعادة الأموال، الأمر الذي كان يهدد بحدوث كارثة.
في إجراء عاجل، قامت سويسرا بإقرار قانون يسمح للسلطات بمصادرة الأصول التي يبدو واضحاً أنها غير قانونية حتى بدون إدانة جنائية. وهكذا صودرت ملايين رئيس هايتي السابق جون-كلود دوفالييه، لكن إعادتها للوطن لم تكن ممكنة لسنوات. وتريد سويسرا إرجاع الأموال إلى شعب هاييتي من خلال مشاريع لمنظمة اليونيسف.
تَوَلى موسى تراوري منصب رئيس جمهورية مالي في عام 1968 بفضلِ انقلاب عسكري. خلال عقود حكمه، كان الفساد والتعذيب وقتل أعضاء المعارضة هو النظام السائد. في عام 1991 شاء القدر أن تتم الإطاحة به من خلال إنقلاب عسكري أيضاً.
بدأت مالي منذ عام 1991 تحقيقاً في قضية اختلاس أموال عامة، وقدمت طلباً لسويسرا للحصول على مساعدة قانونية بهذا الخصوص. وفي عام 1992، حكم على تراوري بالإعدام بتهمة قتل أكثر من 300 متظاهر، كما حكم عليه بالإعدام مرة أخرى مع زوجته مريم في 1999 بتهمة ارتكاب جرائم اقتصادية. وقد خُفِّضت العقوبتان إلى السجن مدى الحياة في عام 1999. وفي عام 2002 تم تبرئة كليهما باسم المصالحة الوطنية.
في عام 1997، أعادَت سويسرا مبلغ 3,9 مليون فرنك إلى مالي. ورغم الحَجم المتواضع للمبلغ المُعاد بالمقارنة مع حالات أخرى، لكن تحويله إلى حساب الحكومة المالية كان سابقة تاريخية. وقد دَفَعَت سويسرا للحكومة المالية الجديدة حينذاك تكاليف المكتب القانوني الذي مَثَّل مالي في عملية المساعدة القانونية المتبادلة. وهكذا، ولأول مرة، أمكن إعادة أموال مَنهوبة إلى دولة أفريقية عَبْر القنوات العادية للمساعدة القانونية المتبادَلة.
كان اسم الأخوان ساليناس معروفاً من خلال “حادث” تواجدا فيه منذ سنوات طفولتهما المبكرة: فعندما كانا يبلغان من العمر خمس وثلاث سنوات، عثرا على مُسدس محشو أثناء اللعب مع صبي أكبر منهما. وحينها، انطلقت رصاصة من المسدس لتصيب عاملة المنزل مانويلا البالغة من العمر 12 عاماً، مما أدّى إلى مقتلها.
في عام 1988، أصبح كارلوس ساليناس رئيساً للمكسيك. وفي غضون ذلك، كان شقيقه راؤول يعقد صفقات تجارية مع عصابات لتهريب المخدرات، حقَّق من خلالها مئات الملايين من الدولارات. وقد زُعِم أنه أمَرَ باغتيال الأمين العام للحزب الحاكم – الذي كان صهره – في عام 1995 بغية عدم الكَشف عن هذه الأنشطة الإجرامية.
بينما كان راؤول ساليناس يَقبَع خلف القُضبان في المكسيك، دَخَلَت زوجتُه أحد البنوك في جنيف لِسَحبِ مبلغ كبير من المال. لكن تعليمات بِتَوَخي الحَذَر كانت قد وَصَلَت للبنك مسبقاً، مما Hدى إلى اعتقال زوجة ساليناs ومصادرة هذه الأموال.
وعلى الرغم من تبرئة ساليناس من تهمة القتل العَمَد في عام 2005، إلّا أنَّ جزءاً من الأموال المودعة في سويسرا – وفقاً لتحقيقات سويسرية – ناشِئة عن أنشطة إجرامية. لهذا السبب، سَلَّمت سويسرا المكسيك في عام 2008 مبلغ 74 مليون دولار [من أصل مبلغ أكبر] تم إيداعها من طَرَف راؤول ساليناس.
خلال فترة حُكمه التي استَمَرَّت من عام 1965 وحتى عام 1997، أسَّس موبوتو سيسيكو نظاماً استبدادياً يَحكُمُه الحزب الأوحد في جمهورية الكونغو الديمقراطية (التي غيَّر اسمها إلى زائير في 1971). وبينما كان الجوع والمرض مُتفشياً في زائير، كان الطاغية السابق يُحقق ثروة لنفسه من خلال التجارة بالنحاس والكوبالت والماس والذهب، وكان يستأجر طائرة كونكورد للتسوق في باريس، ويشتري القصور في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك قَصر في سويسرا.
في عام 1997، قَدَّم ممثلون من المعارضة الزائيرية طلَبَ مُساعدة قانونية إلى سويسرا، طالبوا فيه بتجميد جميع أصول موبوتو، الذي يشتبهون بتورطه في قضايا فساد واختلاس من بين أمور أخرى. وعندما أعلن زعيم المعارضة نفسه رئيساً لزائير، جَمَّدَت سويسرا أصول موبوتو وعائلته كإجراء احترازي.
مع ذلك، لم يَنجَح الحُكّام الجُدُد في الكونغو باتخاذ إجراءات جنائية قانونية ضد موبوتو. كما رُفِضَت عروض المساعدة المُقَدَّمة من سويسرا. وفي عام 2009، وبِسَبَب قانون التقادُم، تم الإفراج عن إيداعات مصرفية باسم موبوتو سيسيكو لصالح ورثتة.
حكم ساني أباشا نيجيريا بقبضة من حديد من 1993 إلى 1998. وكان الدكتاتور السابق يُزيح معارضيه من طريقه من خلال إعدامهم. وبحسب التقديرات، قام أباشا والمُقَرَّبين إليه بالاستيلاء على ما بين مليار وخمسة مليارات دولار من عائدات النفط النيجيرية. وقد تَمَّ إخفاء جزء كبير من هذا المبلغ خارج البلاد، وفي سويسرا بوجه خاص. في عام 1998، توفي الديكتاتور السابق بشكل مفاجئ عن عمر يناهز 54 عاماً: فبينما كان الجنرال برفقة ثلاث مومِسات هنديات تم نَقلَهُن جواً من دبي، أُصيب بنوبة قلبية بسبب جرعة زائدة من الفياغرا. وبعد قيام سويسرا بتجميد أكثر من 700 مليون دولار كانت مودعة في مصارفها، قامت ما بين عامي 2004 و2009 بتسليمها إلى السلطات النيجيرية. وهذا هو أعلى مبلغ في العام يتم إرجاعه في إجراءٍ لاسترداد الأصول.
في بداية الأمر بَدا كلُّ شيء جَيّداً عندما قال المُهندس الزراعي ابن المُهاجرين اليابانيين ألبرتو فوجيموري في عام 1990 وهو يترشح للرئاسة في بيرو: “إن تحديث الدولة الذي نَهدف إليه يجب أن يفيد الفقراء في المقام الأول”.
مع ذلك، اتسمت فترة حُكم مونتيسينوس (من 1990 وحتى 2000) بِمَذابح استهدفت المَدَنيين، وانتهاكات حقوق الإنسان وفَضائح الفساد. وحينها، لعب فلاديميرو مونتيسينوس، الذي كان رئيساً لجهاز المخابرات السرّية في بيرو دوراً رئيسياً في ذلك.
في عام 2000، وعندما تم الكَشف عن مُحاولة رَشوة تورط فيها فلاديميرو مونتسسينوس، أعلن فوجيموري من اليابان -عن طريق الفاكس – استقالته. وقد تسببت الفضيحة التي خَرَجَت إلى العَلَن عن طريق تسريب فيديوهات، بهروب مونتيسينوس من البلاد. مع ذلك، تم إلقاء القبض عليه في فنزويلا وتسليمه إلى بيرو لاحقاً.
سويسرا من جانبها قامت بتجميد أموال مونتيسينو للاشتباه بعمليات غسيل أموال. ويتعلَّق الأمر هنا برشاوى بلغت قيمتها حوالي 200 مليون فرنك موزعة على حسابات بنكية مختلفة.
تُعَد بيرو الدولة الأولى التي جعلت استرداد هذه الأموال ممكناً بفضل أمر مصادرة خاص بها. في عام 2002، قامت سويسرا بإعادة الدفعة الأولى من مجموع 77,5 مليون دولار إلى بيرو، تبعتها تحويلات أخرى في عامي 2006 و2017. وفي عام 2020، أبرمت سويسرا اتفاقاً مع بيرو بشأن سداد الملايين الأخيرة المُتبقية وكيفية استخدامها في مشاريع بيروفية لتعزيز سيادة القانون ومكافحة الفساد.
وفي حين أمَرَت المحكمة الدستورية في البيرو يوم 17 مارس الجاري بالإفراج عن ألبرتو فوجيموري الذي حُكم عليه في 2009 بالسجن 25 عاماً بعد إدانته بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وبالفساد، لا يزال مونتيسينوس يمضي عقوبة بالسجن 25 عاماً في سجن بالقرب من العاصمة ليما.
تَوَلّى نور سلطان نزارباييف مَنصِب رئيس جمهورية كازاخستان في الفترة من 1990 إلى 2019. وخلال هذه السنوات، استفاد نزارباييف – الذي يَنحَدِر من خلفية فقيرة وعمل في بداية حياته كعامل صُلب – وكذلك أفراد عائلته وأشخاص مُقَرَّبون منه من الدَخْل المُتأتي من الموارد الطبيعية لهذه الدولة الغنية.
لكن، وكما يبدو، فإن كل هذا لا يجلب السعادة بالضرورة. فحكاية عائلة نزارباييف هي أشبه بالـميلودراما: ففي عام 2020، إدَّعى أيسلطان نزارباييف – وهو حفيد الرئيس السابق – على موقع ‘فيسبوك‘ أنه ليس حفيد نزارباييف فَحَسْب ولكن ابنه أيضاً، وبأن والدته داريغا قد أنجبته من أبيها. إلى جانب ذلك، وَصَفَ عدداً من الشخصيات السياسية وطَبَقة النُخبة في البلاد بـ “اللصوص” و”الفاسدين”. وفي نفس العام، توفي أيسلطان الذي كان مُدمناً للمخدرات نتيجة أزمة قلبية. ولم تكن هذه أول حالة وفاة مأساوية في العائلة؛ ففي عام 2015، تم العثور على والد أيسلطان الشرعي رخات علييف، مشنوقاً في زنزانة في أحد سجون النمسا. أما عشيقته، فقد سقطت بدورها من نافذة شقتها في ظروف غامضة، كما لقي زوجها مَصرَعه في حادث سيارة. القائمة تطول، ونحن نلجأ للاختصار هنا.
قامت سويسرا بِتَجميد حسابات نزارباييف منذ مَطلَع الألفية. وعن طريق الصُدفة، عَثَرَت على رشاوى مزعومة تصل قيمتها إلى 115 مليون دولار. كان هذا يمثل مشكلة لسويسرا: كيف يمكن لسويسرا أن تُعيد الأموال إلى كازاخستان وهل أن نزارباييف لا يزال في منصبه؟
في عام 2007، وبِمُشاركة البنك الدولي، تم إنشاء مؤسسة كازاخستانية مُستقلة لِدَعم الأسر الفقيرة في كازاخستان، وقامت سويسرا بتحويل الأموال إلى هذه المؤسسة. بعد ذلك، ذهبت حصة لاحقة قدرها 48 مليون دولار إلى مشاريع للبنك الدولي تعود بالفائدة على الشعب الكازاخي.
في عام 2019، أعلَنَ الرئيس السابق نور سلطان نزارباييف استقالته من منصبه بشكل مفاجئ، لكنه واصل لعب دَور مهم في صُنع القرار السياسي في البلاد بسبب وَضعه الدستوري كـ”قائد الأمة”. وقد تغير هذا الوضع اعتباراً من يناير 2022، عندما اندلَعت الاحتجاجات في كازاخستان بعد الزيادة الحادة المفاجِئة في أسعار الغاز، الأمر الذي أدّى إلى اختفاء نزارباييف فجأة من المشهد السياسي. وَجدير بالذكر ان عائلة الدكتاتور السابق تمتلك عدّة عقارات في سويسرا.
في نهاية عام 2011، وخلال ما أطلق عليه في وسائل الاعلام الدولية بـ “ثورات الربيع العربي”، نَزَل عشرات الآلاف من الأشخاص إلى الشوارع للتعبير عن عَدم رضاهم عن ظروفهم المعيشية. كما كان المتظاهرون يشتبهون بقيام النُخب السياسية بإثراء أنفسهم على حِساب الشعب.
حينها، رَدَّت الحكومة السويسرية بِتَجميد الأصول المودعة في بنوكها كإجراء احترازي، وقامت من بين أمور أخرى باحتجاز أموال حاشية حسني مبارك وذلك بعد 30 دقيقة من إعلانه تنحيه عن السلطة. في البداية كان الأمر يتعلق بحوالي 410 مليون فرنك، ليرتفع المبلغ لاحقاً إلى حوالي 700 مليون دولار.
لكن الوضع في مصر غير مستقر والمساعدة القانونية فشلت. في عام 2017، تمت تبرئة مبارك من قبل المحكمة العليا في مصر بشكل نهائي. بعد ذلك قامت الحكومة السويسرية برفع الحظر جزئياً عن أموال مبارك.
في المقابل، ما يزال التحقيق الجنائي (*)رابط خارجي حول مشاركة مزعومة في منظمة إجرامية وغسيل الأموال سارياً في مكتب المدعي العام الفدرالي. ويشمل التحقيق خمسة أشخاص من بينهم نجلا الرئيس الراحل حسني مبارك. ويصل مجموع الأموال المجمّدة إلى حوالي 400 مليون فرنك.
(*) تحديث بتاريخ 7 أكتوبر 2022: في غضون ذلك، أسقط مكتب المدعي العام الفدرالي الدعوى ضد الأشخاص الخمسة المرتبطين بمبارك وتم الإفراج عن مبلغ الأربع مائة مليون فرنك.
(*) تعديل في 19 أكتوبر: استجابة لشكوى أحفاد حسني مبارك للجنة التحكيم في SWI swissinfo.ch، تم حذف جملة من المقال.
حَكَم لوران غباغبو جمهورية كوت ديفوار لِمُدة عشر سنوات. وفي عام 2010، رفَضَ الاعتراف بهزيمته في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة في البلاد، وتَسليم المَهام الرَسمية للفائز في الانتخابات الحسن واتارا. وقد أدى ذلك إلى اندلاع الاضطرابات وأعمال العُنف وقَتل حوالي 3000 شخص.
في عام 2011، تم إلقاء القبض على غباغبو، وقامت السلطات السويسرية بتجميد 70 مليون فرنك سويسري ذات صلة برئيس كوت ديفوار السابق وحاشيته.
في العام نفسه، سَلَّمَت جمهورية كوت ديفوار غباغبو إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، ليصبح بذلك أول رئيس دولة سابق يَمثَل أمامها. لكن المحكمة برأته بشكل مفاجيء في 2019. مع ذلك، لم يتم بعد توضيح مسألة مشروعية الأموال الموجودة في سويسرا.
جلنار كريموفا هي الأبنة البكر لرئيس أوزبكستان إسلام كريموف الذي توفي عام 2016. وكانت الدبلوماسية ومُصَمِّمة الأزياء والمغنية تُعتَبَر الخليفة المُعيّنة لوالدها. لكنها في عام 2013 تعرضت إلى سخط عائلتها؛ حيث إتهُّمت بقبول رشاوى بمليار دولار من شركات اتصالات دولية لإصدار تراخيص الهاتف المحمول في أوزبكستان.
قامت سويسرا في وقتٍ مُبكر من عام 2012 بتجميد 800 مليون فرنك سويسري في حسابات تَخُص كريموفا. وهي تريد سَداد 340 مليون فرنك لأوزبكستان بِمُساعدة صندوق ائتماني تابع للأمم المتحدة. وتقوم زارة الشؤون الخارجية حالياً بالتفاوض على اتفاقية بهذا الشأن. من جانبه، يبذل مكتب المدعي العام الفدرالي قصارى جهده لِمَنع استعادة كريموفا جزءاً من الأموال المُجَمَّدة. وتُقضي كريموفا البالغة من العمر 49 عاماً عقوبة سجن طويلة في أوزبكستان.
يُجَسِّد هذا الرجل تاريخ الحرب القائِمة حالياً في أوكرانيا.
في عام 2013، عَلَّقَت الحكومة الموالية لروسيا بقيادة فيكتور يانوكوفيتش اتفاقية الشراكة المُخطط لها مع الاتحاد الأوروبي. وقد أساءَ هذا القرار إلى جزءِ من السكان الراغبين في الارتباط مع الغَرب بشكل أوثق، وأدى بالتالي إلى اندلاع سلسلة من الأحداث العنيفة (عُرِفَت ايضاً بثورة الميدان الأوروبي)، وفرار الرئيس يانوكوفيتش إلى روسيا.
وفي عام 2014، رَدَّت سويسرا بتجميد أموال يانوكوفيتش وابنه وعدد من الوزراء السابقين كإجراء احترازي، حيث تحتفظ البنوك السويسرية بحوالي 70 مليون دولار. وهناك شك بقيام يانوكوفيتش وحاشيته بإثراء أنفسهم على حساب الدولة الأوكرانية.
وكانت صحيفة “أوكراينسكايا برافدا” الأوكرانية قد ذكرت مطلع مارس الجاري أن يانوكوفيتش مُتواجد في مينسك [حيث تتواصل جولات المفاوضات الروسية الأوكرانية]، وأنه يستعد لتعيينه رئيساً جديداً لأوكرانيا من قبل روسيا.
شغل نجيب رزاق منصب رئيس الوزراء السادس لماليزيا من عام 2009 حتى عام 2018. قَدَّم نفسه بصفة “أب للدولة” وقام بتأسيس الصندوق السيادي “1ماليجا ديفلوبمنت برهاد” (1MDB) لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في ماليزيا. وقد تدفقت مليارات الدولارات المحصلة من الضرائب إلى الصندوق الذي بات مُثقلاً بالديون بعد مرور ست سنوات.
في خريف عام 2015، بدأ مكتب المدعي العام الفدرالي السويسري تحقيقاً بشأن هذا الصندوق السيادي، إذ كان جزء من الأموال المزعوم اختلاسها قد تدفقت عَبْر حسابات في بنوك سويسرية.
في عام 2021، حكَمَت محكمة ماليزية على رزاق بالسجن لمدة 12 عاماً بتُهمة الفساد التي جاءت على خلفية اختلاس ملايين الدولارات من الصندوق السيادي الماليزي. من جانبه، استأنف رئيس الوزراء السابق هذا القرار.
على عكس البلدان الأخرى، لم تَقُم سويسرا حتى الآن بإعادة الأموال المُجَمَّدة التي تصل قيمتها إلى ملايين الدولارات إلى ماليزيا.
(المصادر: وزارة الخارجية السويسريةرابط خارجي، ومنظمة “عين الجمهوررابط خارجي” غير الحكومية، وأعمال الصحفي بالتس بروباخر، وكتاب “خزينة الدكتاتوريين”، كيف تتعامل سويسرا مع أصول الطغاة”رابط خارجي، دار نشر: NZZ Libro، 2020).
* تغيير في 19 أكتوبر 2022: رداً على شكوى من أسرة حسني مبارك إلى أمانة الشكاوى في SWI swissinfo.ch ، تم حذف جملة في المقال.
المزيد
مفارقة تدفق رؤوس الأموال.. هل الدول النامية بصدد تمويل الدول الغنية؟
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.