سيبال أرسلان.. النائبة التي تَحدَّت حَملات وسائل الإعلام
المُفاجأة في بازَل كانت كبيرة. فَعلى الرغم من - أو بِفَضل - الحَملة التي شُنَّت ضدها في وسائل الإعلام بشأن مشاكلها المالية، إستطاعت سيبال أرسلان، العضوة في تحالف الخُضُر في نصف كانتون بازل المدينة، الفوز بِمَقعدٍ في البرلمان الفدرالي. ومن مَوقع عملها الجديد في العاصمة السويسرية، لن تُناضل النائبة الشابة ذات الأصول الكُردية من أجل حقوق المهاجرين فقط، ولكن من أجل حقوق الإنسان والأشخاص الأقل حظاً بالدرجة الأولى.
“سيبال أرسلان؟ – لم أسمَع عنها أبداً”. “الأسم لا يُذكرني بأحد”. مِن بَين أكثر من عشرين من المارة الذين قابَلَتهُم swissinfo.ch على الشُرفة المُقابلة لِمَبنى البرلمان الفدرالي في بَرن، لم يَستَطع أحد التَعَرُّف على النائبة الجديدة إلّا بالكاد. امّا في بازل فالأمر مُختلف تماماً. ذلك ان النائبة في المجلس الكبير [برلمان كانتون بازل المدينة ومدينة بازل] وعضوة تحالف الخُضر [المكون من إندماج حزب الخُضُر في بازل المدينةرابط خارجي وحزب البديل القوي لبازل ‘باستا‘! رابط خارجي (Basta!) الإيكولوجي اليساري] معروفة جيداً في كل أنحاء المدينة.
مشاكل مالية
في عام 2014، وعندما كانت المحامية الشابة ذات الـ 35 عاماً على وشك تَسَلُّم وظيفتها الجديدة كمديرة لإنفاذ العقوبات والتدابير في كانتون ريف بازل المجاور، إمتلأت وسائل الاعلام المحلية ولأسابيع عدّة بتقارير عن “قضية أرسلان”. وبالإستناد على مُستَخْرَج من سِجِل تَحصيل الديون تَضَمَّن المُستحقات الشخصية لِعضوة اليسار الأخضر والتي بلغت قيمتها 60,000 فرنك، طُرِح السؤال حول إمكانية توافُق المشاكل المالية لأرسلان مع هذه الوظيفة الجديدة. بيد أنَّ تقارير وسائل الإعلام لم توضِح في نفس الوقت أن مُستخرج تحصيل الديون يُغطي المُستحقات فقط وليس الديون الفعلية. [كما لم تَذكُر الصُحُف أن أرسلان كانت قد تقدمت بِمُقترح قانوني بشأن دَعوتين قضائيتين تخص هذه الديون، أدّى إلى سَحْب هذه المطالب].
وفي نفس السياق، أضاعت السياسية المنتمية إلى اليسار الأخضر في عام 2013 فُرصة إنتخابها لمجلس مواطني مدينة بازل [الذي يشكل أعضاؤه السبعة السلطة التنفيذية في المدينة]. وحينها أيضاً واجَهَتها الصحافة بِتُهَم المديونية، على الرغم من أن جميع هذه الديون كانت قد سُدِّدَت حينئذِ بالفعل وفقاً لأرسلان. “لقد دَرَست، وعملت ومارست نشاطاً سياسياً ولم أرتكب أي خطأ، ولم تتراكم لدي الديون المالية إلّا بسبب إفتقاري إلى عَمٍّ غني”، كما قالت.
ولم يهدأ الجَدَل العام بشأن ديون أرسلان، الذي نُشِرَت خلاله الكثير من أنصاف الحقائق والأكاذيب، والتي لم يألُ فيها العشرات من كُتّاب رسائل القُرّاء والمُغردين – سواء من المؤيدين أو المُعارضين للمحامية الشابة – جُهداً للتعبير عن آرائهم، إلا عندما تراجَعَ مَجلس الحُكم المُختص – تحت ضغط الرأي العام – عن تعيينها بالرغم من توفرها على عَقد عَمَل. وحيث كانت سيبال أرسلان قد انهَت تعاقدها مع وظيفتها السابقة بالفعل، قدَّم لها الكانتون وظيفة مؤقتة لمدة سنة كمحامية في الأمانة العامة لقسم الشؤون الأمنية. بَيد أن مَسيرتها السياسية بَدَت – آنذاك – أمام طريق مَسدود.
على الجانب الآخر، يبدو أن المكائد السياسية وحملات وسائل الإعلام – وخاصة تلك التقارير الصادرة من صحيفة ‘بازلَر تسايتونغ’ (الصادرة بالألمانية في بازل) – التي يتوفر فيها كريستوف بلوخر، الزعيم التاريخي المفوه لحزب الشعب (يمين شعبوي) على حصة 33 % – قد ساهمت في تعريف الناس بـأرسلان وظهور الكثير من الأصوات المُتعاطفة معها من خارج حزبها أيضاً، وليس عند الناخبين من أصول كُردية أو من اليساريين الخُضُر فقط.
وهكذا، استطاعت أرسلان في يوم الأحد 18 أكتوبر 2015 أن تسجل إنتصاراً بفوزها بمقعد في مجلس النواب، في الوقت الذي جَرَّ فيه خصومها السياسيين ووسائل الإعلام أذيال الهزيمة.
“صريحة لكن وُدودة”
ما من شك في أن فَوز سيبال أرسلان بِمقعدٍ في مجلس النواب يُعتبر نجاحا للجالية الكُردية في سويسرا أيضاً. وعلى الرغم من وجود العديد من السياسيين الذين يَحملون جذوراً كردية في برلمان مدينة بازل، إلّا أنَّ أرسلان هي الأولى التي نَجَحت بتحقيق النَقلة إلى برن.
وكانت المُحامية الشابة التي وُلِدَت في مدينة أرزينجان التركية (التي تسكنها غالبية كردية) في عام 1980، قد جاءَت إلى سويسرا من تركيا في عام 1991 وهي بعمر إحدى عشر عاماً بِرِفقة والدتها وإثنين من إخوانها الأَصغَر سناً، للإلتحاق بوالدها الذي كان قد فَرَّ إلى سويسرا قبل ذلك بستة أعوام. أما قرار الشابة الكردية بالحصول على الجنسية السويسرية، فجاء عندما كانت في المدرسة الثانوية خلال دراستها للحقوق والواجبات السياسية في سويسرا في مادة التربية المدنية.
ولم تَنجَذب أرسلان إلى حزب البديل القوي لبازل (باستا!) بسبب المواضيع السياسية التي يتناولها فقط، ولكن أيضاً لأن المهاجرين كانوا مَوضِع تَرحيب في صفوف هذا الحزب منذ ذلك الوقت. وفي الأثناء، جَمَعَت المُحامية الشابة خِبرة عشرة أعوامٍ كنائبة في برلمان مدينة بازل. كما تزعمت منذ صيف 2015 الكتلة البرلمانية لتحالف الخضر في ‘المجلس الكبير’ [أو برلمان كانتون بازل المدينة ومدينة بازل].
التقدير الجيِّد لِعضوة مجلس النواب الجديدة يأتيها أيضاً من مريام بالّمر، الرئيسة المُشاركة لحزب الخُضر في بازل، على الرغم من عَدَم إنتخابها في البرلمان الفدرالي حيث جاء ترتيبها الثاني بعد أرسلان. “لقد اكتَسَبَتْ خِبرة سياسية واسعة في بازل، وجاءت بقضايا هامة على الساحة السياسية المَرَّة تلو الأخرى، مع إهتمامها بشواغل الأقليات والمحرومين على سبيل المثال”، كما تقول بالّمَر عن زميلتها في التحالف، التي تصفها بالشخص الصريح والودود جداً. “إنها تحافظ على وفائها لنفسها وتبقى كما هي خارج البرلمان أيضا: صريحة وغير أنانية أو مُضَلِلة”. ولم تُعَلِّق بالمَر بشيء على الحملات الإعلامية التي كان على أرسلان مواجهتها.
وبعد كل هذا الضجيج الإعلامي، هل يكون تفاعل أرسلان المَشوب بالحَذَر مع وسائل الإعلام مُستغرباً؟ “إن أسئلتهم سلبية جداً”، كما تشكو عضوة مجلس النواب الجديدة من بازل، التي لا تُفصح عن الكثير حول حياتها الخاصة، وتلجأ في حديثها مع swissinfo.ch إلى َوضع السياسة في الواجهة، مُشددة على عَدَم رَغبتها بِحَصْر دورها بِمُجَرَّد تمثيل الأكراد أو المُهاجرين.
“أود أن أشارك في عمليات اتخاذ القرارات وفي تطوير التشريعات”، كما تقول عند سؤالها عن سَبَب الحاجة إليها في البرلمان السويسري، ثم تضيف: “سوف أعمل على ضمان إحترام الحقوق الأساسية وحماية حقوق الأقليات وعدم إساءة استخدام السلطة”.
بدلاً من توسيع صلاحيات جهاز المخابرات، الذي لا يُمكن مراقبته من قبل أي جهة حكومية، علينا أن نُوَفّر المَزيد من الموارد الضرورية للشرطة والملاحقة القضائية سيبال أرسلان
“وُضِعْتُ تحت المراقبة”
في السياق، تَوَد الخبيرة القانونية أن تَدفَع بشكلٍ خاص ضد تنفيذ القانون الجديد الذي يَمنح المزيد من الموارد لجهاز المخابرات، والذي أطلقت صفوف اليسار إستفتاءً شعبياً بشأنه. “عندما يبدأ جهاز المخابرات بالتجسس على الناس أو الإشتباه بهم، فإن هذا لا يتوافق مع مفهوم القانون الذي تعلمتُه في الجامعة. نحن المواطنون بحاجة إلى الخصوصية، وعلى الدولة احترام ذلك”.
ولكن أليس في هذا التفكير بعض السذاجة على ضوء التهديدات الإرهابية الراهنة؟
“أوَلَيس من السذاجة الإعتقاد بأن بِمَقدور القانون الجديد لجهاز المخابرات أن يُحدِث فَرقاً؟” كما تدافع أرسلان التي تستطرد قائلة: “لم يكن بمقدور جهاز المخابرات في باريس مَنْع هذه الهجمات، على الرغم من وجود تحذيرات بهذا الصدد. ينبغي ان يكون هناك تدخل عند وجود اشتباه معقول. علاوة على ذلك، فإننا نعرف اليوم بأن الإرهابيين المُنتمين إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، يلجأون إلى وسائل أخرى لتبادل المعلومات. وهنا على سبيل المثال، لن تكون لِعَملية اعتراض البريد الإلكتروني أي فعالية”.
في المقابل، ترى أرسلان أن الإرهاب لا يُمكن ان يُواجه عن طريق مُراقبة جميع الناس، وأن هذا يَتطَلَّب حلولاً أخرى. وتؤكد النائبة البرلمانية أنه “بدلاً من توسيع صلاحيات جهاز المخابرات، الذي لا يُمكن مراقبته من قبل أي جهة حكومية، علينا أن نُوَفّر المَزيد من الموارد الضرورية للشرطة والملاحقة القضائية”.
وتضرب أرسلان مثالاُ عن نفسها، لتأثُرها المُباشر من هذا الموضوع. إذ أنها وُضِعَت هي الأخرى تحت المراقبة بعد نَشر إحدى الصحف التابعة للأكراد موضوعاً حول انتخاب أعضاء برلمانات الكانتونات من أصول كردية. “هنا تساءَلتُ مع نفسي عمّا إذا لم يَكُنْ لدى جهاز المخابرات شيء آخر يقوم به. من غير المقبول أن أجهَل كمواطنة أو سياسية أن هناك بيانات تُجمع حولي، أو نوعية هذه البيانات وما الذي سيحدث لها بالنتيجة”.
سيبال أرسلان
وُلِدَت في مدينة أرزينجان (عاصمة محافظة أرزينجان) التركية في عام 1980. وهي تعيش في سويسرا منذ عام 1991.
درست القانون في جامعة بازَل، وتخرَّجت بدرجة الليسانس. وهي تحمل الجنسية السويسرية منذ عام 2004.
تعمل منذ مارس عام 2015 كمحامية في قسم الشؤون الأمنية في كانتون ريف بازل.
إنضَمَّت إلى حِزب البديل القوي لبازل ‘باستا’! (Basta!) في عام 2004. وهي عضوة في المجلس الكبير [أو برلمان كانتون بازل المدينة ومدينة بازل في نفس الوقت] منذ عام 2005.
إنتُخِبَت نائبة في مَجلس النواب (أو الغرفة السفلى في البرلمان الفدرالي) في الإنتخابات الفدرالية التي جَرَت يوم 18 أكتوبر 2015، لتَمنَح بذلك حزب الخضر في كانتون بازل المدينة الذي عَقَدَ تحالفاً مع حزب ‘باستا’ مَقعداً واحداً في البرلمان السويسري.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.