شاليهات سويسرا لا زالت تجتذب المشترين الأجانب
تؤكد الشركات العقارية المختصة في بيع الشاليهات للأجانب أن القانون الجديد المثير للجدل الذي يُحدّد سقفا لعدد مساكن العطل الثانية لا يؤثر في الواقع على حجم الأعمال التجارية. لمعرفة المزيد، زارت swissinfo.ch قرية غريمينتس الجبلية في مرتفعات كانتون فالي حيث تشكل المنازل الثانوية 81% من مجموع الإقامات فيها.
خيوط الشمس الحارقة تتخلّـل الثغرات بين الأسقف المائلة لخزائن الحبوب المصنوعة من خشب الصنوبر، وسط قرية غريمينتس العتيقة في مرتفعات وادي أنيفيير بكانتون الفالي، ثم ترسم ظلالا بديعة على الأرض المكسوة بالثلوج…
الشاليهات القديمة والجديدة، وتلك الرافعة العُلوية الغريبة التي تتوسطها، تقف مزدحمة على امتداد سفوح شديدة الإنحدار تُطلّ على منتجع جبال الألب الصغير هذا، السريع النمو.
اليوم، يسُـود هدوءٌ عام في القرية التي تستمتع بــالسّكون بعد هرج ومرج عطلة نهاية الأسبوع. في الأثناء، لا يزال المُقاولون والوكلاء العقاريون، المحليون والأجانب، يُحاولون استيــعاب وهضم قرار الناخــبين الذين صوتوا في مارس 2012 لصالح فرض سقف بنسبة 20% لعدد المنازل الثانوية في كافة البلديات الجبلية. القانون الجديد الذي يحمل إسم “ليكس فيبير” (نسبة لصاحب المبادرة، المدافع الشرس عن البيئة فرانتس فيبير، 86 عاما) دخل حيز التطبيق يوم 1 يناير 2013.
هذه التغييرات تؤثر بشكل خاص على البلديات الواقعة في جبال الألب، على غرار قرية غريمينتس التي تشكل فيها المنازل الثانوية نسبة 81% من مجموع الإقامات. كما أنها تثير غضب السكان، إذ “لم يكن أحد ينتظر إقرار القانون”، مثلما يقول ويل هيرينغتون، من شركة الملكية العقارية “مارك وارنر”، التي تدير وتبيع الشاليهات والشقق المتوفرة في المنتجع.
وبالفعل، كانت توجد قيود تُــطبق على الرعايا الأجانب الراغبين في شراء منازل عطل في سويسرا حيث لم يكن يسمح لهم سوى باقتناء مجموع 1500 وحدة سكنية في العام الواحد، ولــكن التقييدات الجديدة التي فرضها قانون فيبير على السويسريين والأجانب معا – وسط مناخ اقتصادي عالمي كئيب وارتفاع الأسعار السويسرية – لا يبدو أنها قد صدّت تدفق المُشترين الأجانب الذين عادت شهيّتهم على ما يــبدو لامـتلاك قطعة في سويسرا.
هيرينغتون، البريطاني الأصل والمقيم مع أسرته في غريمينتس منذ سبعة أعوام، أضاف قائلا: “إن العجلة بدأت تدور، وسجلنا عددا من الطلبات خلال الثلاثة إلى أربعة أشهر الماضية. وبالنظر إلى المساكن المتاحة، فـلن يكون لقانون ليكس فيبير تأثير هام على الأعمال التجارية”.
المزيد
تحول سريع وملفت لمنتجع فيربييه
انعكاسات إيجابية
نفس الانطباع عبّر عنــه مختصون آخرون في مجال الملكية العقارية، إذ قال سايمون مالستر من شركة “الاستثمار العقاري”: “لقد تبين في الواقع أن قانون ليكس فيبر كان مفيدا للأعمال التجارية على المدى القصير، بحيث انتبهنا لوجود عدد كبير من العملاء الذين كانوا يفكرون في شراء عقار في سويسرا أدركوا أن الوقت الآن مناسب للتحرك في ذلك الاتجاه”.
وتُعرف الملكيات في منتجعات التزلج في سويسرا بتكلفتها العالية، بحيث تزيد أسعار الشقق بنسبة 30% مقارنة مع فرنسا، وأكثر من الضعف في النمسا. ولكن امتلاك العقارات السويسرية، يعتبر في نظر العديد من المشترين، استثمارا آمنا على المدى البعيد، ووسيلة للتحوط ضد المخاطر وتقلبات العملة، فضلا عن إمكانية تحويله لمصدر إضافي لإيرادات الإيجار، لاسيما أن معدلات الرهن العقاري جذابة للغاية.
من جانبه، ذكّــر جيريمي رولاسون، المدير التنفيذي لموفر الخدمات العقارية سافيلز بمناطق الألب، أن “الطلب انخفض كثيرا في عامي 2008 و2009، ولكن منذ شهر نوفمبر 2011، حدث تحّول هائل بحيث زاد الاهتمام كثيرا بالإقامات في منتجعات التزلج السويسرية، وظهر مشترون جُــدد”.
ويمتلك الأجانب حوالي خُمــس منازل العطل في سويسرا. وحتى وقت قريب، كان يُهيمن تقليديا على هذه السوق المشترون الألمان، والهولنديون، والإيطاليون، والبريطانيون. ولكن خلال العامين الماضيين، انضم إليهم مستثمرون من روسيا والشرق الأقصى.
أسئلة تنتظر الإجابات
ورغم أن القطاع انتعــش منذ فترة قصيرة، فلاتزال هنالك العديد من الأسئلة العالقة حول العروض المستقبلية من منازل العطل، ومرونة تطبيق القانون الجديد.
في الفترة الممتدة من مارس 2012 إلى 1 يناير 2013، شهدت المناطق السياحية تدفق طلبات التخطيط والتهيئة العمرانية، بحيث قفز المعدل من حوالي 3000 وحدة سكنية إلى 8000 في ظرف عشرة أشهر، أي حتى أكتوبر 2012، بعد أن قدم مالكو الأراضي مشاريع بناء إضافية. وقال هيرينغتون ضمن هذا السياق: “أتصور أن آخر قــطع الأرض المتاحة هنا قد حصلت على ترخيص البناء. لم يتبق أي شيء”.
وبموجب القواعد الجديدة، سيتمكن المقاولون الذين طلبوا تراخيص البناء قبل مارس 2012 أن ينجزوا أعمالهم في غضون ثلاث سنوات من تسلم التصريح ثم بيعها كمنازل ثانوية. ولكن لا يعرف بشكل واضح مصير التراخيص التي طُلبت ما بين مارس وديسمبر من نفس العام والتي وافقت عليها البلديات المعنية. فبعد أن سمحت محاكمتا كانتوني الفالي وغراوبوندن بالمضي قدما في إنجاز تلك المشارك، لازال يتعين على المحكمة الفدرالية الحسم في الطعون التي تقدّمت بها جمعية “هيلفيتسيا نوسترا” (التابعة لمؤسسة فرانتس فيبير، والمعنية بحماية البشر والتراث والطبيعة، وكذا إنشاء وصيانة المدن والمساكن والمناظر الطبيعية التي يطيب العيش فيها).
يوجد في سويسرا تقريبا 500000 من المساكن الثانية. ويتوفر كانتون الفالي على معظمها بحيث يبلغ عدد العقارات التي يتم شغلها من وقت لآخر 62000 وحدة، يليه كانتون غراوبوندن بـ 48000، وكانتون برن بـ 45000، ثم كانتون فو بـ 43000.
يتصدّر غراوبوندن قائمة الكانتونات المتوفرة على أعلى معدل من حيث منازل قضاء العطل بـ 37%، يليه الفالي بـ 36%، وتيتشينو بـ 24% وأوبفالدن بـ 22%.
سُجل في 573 بلدية في سويسرا معدل منازل لقضاء العطل يتجاوز 20%، ومن بينها بلديات تجاوزت فيها النسبة 80% مثل سانت لوك (82,8%) وغريمينتس (81,8%) بكانتون الفالي ولاكس (80,9%) بكانتون غراوبوندن.
معظم المساكن الثانية في المناطق السياحية لا تُستغل لأغراض تجارية، وتُشغل بمعدل 30 إلى 40 يوما في السنة.
(المصدر: المكتب الفدرالي للتنمية الترابية)
سدّ الثغرات
فضلا عن الطلبات العالقة، لا يعلم المقاولون بعدُ إن كانت رخص البناء ستُمنح لمشاريع جديدة كبرى تضم مزيجا من الفنادق والشقق. وفي هذه الحالة، سيُضطر أصحاب الشقق لاستئجارها في الفترات التي لا يستخدمونها لإقامتهم الخاصة، وبالتالي يسدون أي نقص في الأسرّة.
ويبتسم هيرينغتون وهو يذكر بأن منتجع غريمينتس محظوظ بما أنه يتوفر على عدد صغير من المشاريع الكبيرة التي لازال يتعين بناؤها ولكنها حصلت بعُد على الموافقة، مثل مشروع “شاليهات أديلاييد” – الذي يشتمل على إقامة مصعد آليّ (تليفريك) سيربط البلدة بمنتجع زينال المجاور في 2013/2014 ومشروع منتجع صحي – والذي من المفترض أن يشغل عمال البناء والوكلاء العقاريين خلال الأربعة إلى خمسة أعوام القادمة.
وأشار الوكيل في شركة “مارك وارنر” إلى وجود “مجموعة كبيرة من إقامات العطل المعروضة للبيع، من شقق بـ 800000 فرنك إلى شاليهات بحوض سباحة بـ 5 ملايين فرنك. الشيء الوحيد الذي تفتقر له (البلدة) هو توفير قطعة أرض تتاح فيها إمكانية بناء شاليه على المقاس”.
خيارات أقل في المستقبل؟
في ظل التقييدات الجديدة والأسئلة العالقة، تشعر الشركات المختصة ببيع إقامات العطل للأجانب بالقلق من احتمال تقلص هامش الخيارات المتاحة أمامهم في غضون السنوات القليلة القادمة. ويقول رولاسون في هذا الصدد: “إن نوافذ الفرص لازالت قائمة ولكنها تضيق، علما أن مخزون العقارات المتاحة سيكفي فقط لتلبية الحاجيات لمدة عامين أو ثلاثة”.
من جهة أخرى، حذرت الشركة التي يعمل رولاسون لحسابها أن مستويات الطلب في المستقبل ومحدودية العرض قد تؤدي إلى رفع الأسعار. أما بالنسبة لهيرينغتون، فقد أصبح الصورة واضحة إلى حد ما، إذ يقول: “على المدى البعيد، سيتعين علينا الإعتماد بصورة أكبر على إعادة بيع العقارات، ولكن تلك العمليات ستصبح أكثر صعوبة لأنك لن تستطيع البيع إلا بعد امتلاك العقار لمدة خمس سنوات إن كنت أجنبيا، وعشرة أعوام إن كنت سويسريا، وبالتالي لا توجد دورة مبيعات منتظمة وقارة للعقارات المتاحة”.
يتعين على الأجانب (أفرادا وشركات) الراغبين في شراء عقارات سويسرية الحصول أولا على ترخيص من الكانتون المعني بالأمر، علما أن عدد التصاريح من هذا النوع محدود جدا.
في هذا السياق، لا يُعتبر مواطنو الإتحاد الأوروبي، والرابطة الأوروبية للتبادل الحر (إيفتا)، وحاملو ترخيص الإقامة من نوع “C” القاطنون في سويسرا كـ “أشخاص من الخارج”.
تستثنى العقارات التي يتم شراءها بغرض خلق نشاط تجاري دائم، إلا إذا تم الاتجار بها أو استئجارها.
ينبغي على الأجانب الذين يشترون عقارا لاستخدامه كمنزل أن يشغلوه كإقامة رئيسية.
في عام 1961، وضعت القيود على شراء الأجانب للعقارات السويسرية حيث حُدد عدد الطلبات الجديدة بـ 1500 في العام الواحد، وذلك بهدف الوقاية من المستثمرين الأجانب من تشويه سوق الإسكان المحلية.
تم التنصيص على تلك القواعد في القانون عام 1983 قبل تعديلها لاحقا. وقد عُرف القانون إثر ذلك باسم وزير العدل السابق أرنولد كولر. وفي عام 2008، رفض البرلمان الفدرالي اقتراحا حكوميا دعا إلى إلغاء تلك القواعد. وفي ديسمبر 2012، رفض مجلس النواب (الغرفة السفلى في البرلمان الفدرالي) دعوات لإلغاء قانون كولر، فيما تقرر التصويت عليها من قبل مجلس الشيوخ (الغرفة العليا) في ربيع 2013.
(ترجمته من الإنجليزية وعالجته: إصلاح بخات)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.