شراء مستثمرين أجانب لمساحات زراعية شاسعة في البلدان الفقيرة يثير جدلا متزايدا
اتخذت ظاهرة هيمنة أطراف أجنبية على مساحات زراعية في البلدان النامية منعطفا مثيرا للقلق. وفي حين يتحدث البعض عن "مصادرة أراضي"، يفضل البعض الآخر الحديث عن "ملكية عابرة للحدود للمساحات الزراعية".
ورأى خبراء شاركوا في حلقة دراسية، نظمها بالاشتراك كل من “مركز شمال – جنوب” التابع للمعهد الفدرالي التقني العالي بزيورخ، ومركز التنمية والبيئة شمال- جنوب التابع لجامعة برن، أن هذه الظاهرة ليست حديثة، فالاستعمار في القرن التاسع عشر لم يفعل غير ذلك.
تقوم مجموعات غربية نشطة في مجال الاستثمار الزراعي، منذ عدة سنوات باقتناء او تأجير مساحات زراعية في بلدان أخرى. لكن الموضوع اتخذ بعدا آخر منذ سنتيْن بعد أن ظهر مستثمرون جدد على الساحة.
أساليب المرواغة
شرعت العديد من الشركات المتمركزة في كل من الصين والمملكة العربية السعودية وكوريا الجنوبية في الاستثمار في هذا القطاع منذ اندلاع أزمة الغذاء العالمية في عام 2008. وتعود تلك الأزمة إلى القرار الذي اتخذته 25 بلدا منتجا بخفض صادراتها الزراعية.
وقبل عام من تلك الأزمة، أدى ارتفاع أسعار النفط إلى زيادة الإقبال على الوقود الأحيائي، وإلى البحث عن مساحات شاسعة لإنتاج النباتات الضرورية لذلك. واليوم يسعى الباحثون إلى دراسة هذه الظاهرة. وأمر البنك الدولي بإعداد تقرير بهذا الشأن من المنتظر أن يصدر نهاية يونيو 2010.
وفقا للمعلومات التي تم تداولها في الحلقة الدراسة التي نظمت بزيورخ، تستخدم الشركات المستثمرة في المجال الزراعي والغذائي أساليب وتقنيات ملتوية من أجل إقناع أصحاب الأراضي ببيع او تأجير أراضيهم.
ويذكر رالف ليونهارد، من شبكة المعلومات والعمل بشأن أولوية الغذاء: “في كينيا، تعد بعض الجهات بمستقبل واعد، لكن بعد مرور وقت قصير، تتحوّل تلك المزارع إلى خراب”.
دور شركة دايوو لوجستيكس
أدى “اتفاق بشأن استثمار مساحات زراعية”، أبرم بداية عام 2009 بين شركة دايوو لوجستيكس، الكورية الجنوبية، ورئيس مدغشقر مارك رافالومانانا إلى تنحية هذا الأخير عن الحكم. وكان هدف الكوريين زراعة الذرى، ونباتات أخرى لاستخدامها كوقود.
لا يتعلق الأمر هنا بحادث معزول، إذ تذكّر أندريا رايس المسؤولة بالوكالة السويسرية للتنمية والتعاون أن “الموزمبيق قد أوقفت العمل بالاتفاقيات مع المستثمرين الأجانب، وأن العديد من الدول الأخرى بصدد دراسة الموقف”.
وتحث الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون المزارعين المحليين على المشاركة في الحوار الدائر حول هذه القضية. وتضيف رايس: “لا يجب ان يقبل هؤلاء أن تتحدث بإسمهم المنظمات الدولية آو المنظمات غير الحكومية”.
قوانين متطابقة
تكمن المشكلة الأخرى في أن المستثمرين الأجانب يتمتعون بحماية أكبر من تلك التي يتمتع بها السكان المحليون. والحجة التي يتذرّع بها المشرّعون هو أن هؤلاء المستثمرين يعززون النمو على المدى البعيد، وأن السكان المحليين أنفسهم يستفيدون في النهاية من تلك الاستثمارات.
لكن المراقبين والخبراء ومنذ مدة يؤكدان على ان الوضع ليس دائما على هذا الحال. فالامتيازات التي يحصل عليها المستثمرون في مجال استخدام الثروة المائية قد تتعارض مع احتياجات ومصالح السكان المحليين. لقد انقلبت المعادلة، فأصبح المستثمر صاحب حق، والدولة في موضع الدفاع.
من هذا المنطلق، تقول كاتشا غيهن التي تعمل بالمعهد الدولي للتجارة: “لهذا السبب لابد من ان يناضل المجتمع المدني من أجل تحقيق التنمية المستدامة وضمان احترام حقوق الإنسان”. أما زميلتها في العمل إليزابيت بورغي بونانومي، فتشير على أن السكان البسطاء ليس لهم إطلاع كاف على القانون الدولي، وبالتالي لا يستطيعون استخدامه للدفاع عن مصالحهم.
على المستثمرين احترام القواعد المحلية
يجب أن لا ينظر إلى المستثمرين الجدد كالصين والمملكة العربية السعودية على انهم وحدهم “الأشرار”، وان الأوروبيين مثلا “فضلاء”. وبالنسبة لأندريا رايس، لابد من النظر بعين ناقدة إلى الجميع.
وتقول الخبيرة بالوكالة السويسرية للتنمية والتعاون: “في ميدان معولم مثل ميدان الصناعات الغذائية، هناك حاجة ملحة إلى فرض قواعد عمل جديدة. لا بد من اعتماد أسلوب جديد في اتخاذ القرارات التي لا تغفل المصالح المحلية، وكذلك النظم والقوى المتحكمة في السوق”. هذا الأمر لا يمكن تحقيقه إلا على المدى البعيد، تضيف رايس.
تهدف الشركات السعودية والصينية من خلال استثمارها في المساحات الزراعية إلى الحفاظ على استقلالها في مجال الصناعات الإستراتيجية. تماما مثلما تفعل المجموعات الأخرى الناشطة في هذا المجال.
وتعقّب اندريا رايس بالقول: “كانت خطة المستثمرين الأوروبيين بإستمرار التحوّل إلى مستثمرين محليين (بمعنى شراء المساحات الزراعية وليس كرائها فقط)”.
هذا هو ما فعلته شركة نيستليه، العالمية العملاقة التي يوجد مقرها الرئيسي بفيفي بكانتون فو السويسري “لقد سعت هذه الشركة إلى خلق أسواق محلية، وتحكمت في الاحتياجات المحلية”. على نيسلتيه ومثيلاتها، احترام القواعد المعمول بها محليا، وهذا أوّل أمر يجب ان تتعلّمه عندما تحل بمكان ما. وتختم رايس بالقول: “إذا احترمت تلك الشركات المستثمرة قواعد عمل السوق المحلية يمكن ان تكون مساهمتها نافعة ومفيدة”.
جوليا سلاتر – زيورخ – swissinfo.ch
(نقله إلى العربية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
اتجهت العديد من الدول إلى الاستثمار في المساحات الزراعية في بلدان أجنبية منذ ازدهار الزراعات من أجل الوقود الأحيائي، وكذلك بعد تفجّر أزمة الغذاء العالمي سنة 2008.
ويقوم المستثمرون الأجانب باقتناء او اكتراء مساحات شاسعة ويحصلون على حق استعمال الثروات المائية المحلية لري زراعاتهم.
حتى عهد قريب، ظل هذا النوع من العقود طي الكتمان. ولم تشر إلى هذه العقود لا المنظمات الحكومية الدولية ولا المنظمات غير الحكومية. أدى غياب الشفافية على تضاعف مخاطر الفساد خاصة بشأن استخدام الثروات المائية.
لا تستخدم الدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى سوى 2% من ثرواتها المائية لغرض الري. وينظر المستثمرون الأجانب على أن هناك فرصا كبيرة يجب استغلالها.
يوجد إقبال كبير من المستثمرين على البلدان التالية:
إفريقيا: السودان، غانا، ومدغشقر
أمريكا الجنوبية: البرازيل، والأرجنتين، وباراغواي
جنوب شرق آسيا: اندونيسيا، والفلبين، واستراليا.
أما الدول الثلاث الأكثر استثمارا في مجال الزراعة بالخارج، فهي:
الصين، والملكة العربية السعودية، والمملكة المتحدة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.