صندوق النقد الدولي: تحديات حقيقية لا تزال تحدق بالاقتصاد العالمي
عبّر وزراء مالية 187 بلدا شاركوا في مؤتمر صندوق النقد الدولي الذي أنهى أشغاله بواشنطن الأحد 17 أبريل 2011 عن بالغ إنشغالهم بسبب "الأخطار الكبيرة" التي لا تزال تهدد انتعاش الإقتصاد العالمي. وقد وجهت سويسرا نداء بهذا الغرض إلى البلدان المتقدمة الأكثر مديونية.
ودعت إيفلين فيدمر شلومبف هذه البلدان إلى اتخاذ “تدابير حازمة لتعزيز قطاعها المالي”، لكن وزيرة المالية السويسرية والأعضاء الآخرين في الوفد المرافق لها يعترفون بأن المصارف الكبيرة وفقاعة سوق العقار تشكل تحديات تواجه الإنتعاش الإقتصادي في سويسرا.
ورغم أن هذا البلد إستطاع قطع أشواط مهمة في النهوض بعد الأزمة الأخيرة مقارنة بالبلدان المتقدمة الأخرى، فإن صندوق النقد الدولي يحذّر بأن الإقتصاد السويسري لا يزال يواجه مشكلات، وبأن “السياسات المتساهلة في منح القروض العقارية” يجب أن تترافق باتخاذ “إجراءات وقائية”.
الفقاعة العقارية
كذلك لا تخفي هذه المؤسسة المالية الدولية انشغالها بسبب “الأخطار التي يمكن ان يتسبب فيها أكبر مصرفيْن في سويسرا”، وهما اتحاد المصارف السويسرية “يو بي إس”، وكريدي سويس. ويدعو في هذا السياق صندوق النقد الدولي إلى “الإقرار السريع” من طرف البرلمان السويسري لمشروع القانون الهادف إلى الحد من تأثير البنوك الكبرى على مجموع الاقتصاد السويسري.
وخلال ندوة صحفية مشتركة على هامش مؤتمر الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن، قدم يوهان شنايدر–أمّان، وزير الإقتصاد السويسري، وفليب هيلدبراند، رئيس البنك الوطني السويسري، كل من جهته ضمانات مختلفة نوعا ما للرد على المخاوف المثارة بشأن “فقاعة” قطاع العقارات في سويسرا.
وأشار شنايدر- أمّان إلى أن: “الحديث عن خطر فقاعة عقارية في سويسرا ليس واقعيا وتنقصه الجدية”، خاصة في ضوء السياسات النقدية المتبعة من طرف البنك الوطني السويسري.
في المقابل، بدا رئيس البنك الوطني السويسري أقل ثقة، وأوضح في حديث إلى swissinfo.ch قائلا: “هل يصل الأمر إلى حد ظهور فقاعة عقارية أم لا؟، المهم هو أن نعمل من أجل عدم وقوع ذلك”.
وتوجد في القطاع العقاري السويسري، بحسب رأيه: “بعض الجيوب ارتفعت فيها الأسعار بشكل كبير. وتعمل المصارف حاليا في جوّ من المنافسة الحادة، وتعتمد معايير إقتراض تعد ميسّرة نسبيا”.
ويشير هيلدبراند إلى أن سويسرا: “لم تشهد في بداية الأزمة فقاعة عقارية كما كان الحال في بلدان أخرى، وسوف يكون من المحزن أن يحصل ذلك الآن”. مع ذلك، يؤكد هيلدبراند على أن “السلطات السويسرية المعنية مصممة على مراقبة الوضع عن قرب، واتخاذ الإجراءات اللازمة عند الضرورة”.
الثورات العربية
وفي ما يتعلق بالإقتصاد العالمي، ضبطت اللجنة المالية التابعة لصندوق النقد الدولي “الأخطار الكبرى”. وقد طغت على النقاشات في المؤتمر السنوي المشترك بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مسألة العجز المالي في القطاع العام، والديون السيادية، وكذلك الآثار الاقتصادية الناجمة عن الثورات التي تشهدها بلدان شمال إفريقيا، ومنطقة الشرق الأوسط.
وتشير هذه الهيئة السياسية المشكلة من وزراء المالية في البلدان الأعضاء في صندوق النقد الدولي إلى أن “إجراءات فعلية قد اتخذت لتسريع التقدم الحاصل بشأن تجاوز التحديات المتعلقة بالإستقرار المالي ولضمان تعزيز الوضع المالي في البلدان الأعضاء”.
وأوضحت إيفلين فيدر- شلومبف وزيرة المالية السويسرية خلال كلمتها أمام أعضاء هذه اللجنة أنه “برغم المؤشرات الإيجابية والقوية بشأن انتعاش الإقتصاد العالمي، فإن الأخطار التي يمكن أن تنحرف بالإقتصاد العالمي عن جادته لا تزال شاخصة في الأفق”.
إضطراب فضاء اليورو
وتعتقد وزيرة المالية السويسرية أن “حالة عدم الإستقرار في منطقة اليورو المحاذية لسويسرا” هي “الخطر الرئيسي” نظرا لما تثيره من مخاوف بشأن القدرة على تحمّل الديون العامة بالنسبة لبعض الإقتصاديات”.
لكن الوزيرة وسّعت من دائرة اهتمامها لتشمل الولايات المتحدة الأمريكية عندما أشارت إلى “الحاجة الملحة بالنسبة للعديد من البلدان المتقدمة بوضع إستراتيجيات فعّالة لتعزيز وضعها المالي”، ولم تقتصر على ذلك بل حذّرت من أنه لن يكون كافيا العودة إلى الوضع الضريبي الذي كان سائدا قبل إندلاع الأزمة، وأيضا الحاجة إلى إزالة كل أشكال العجز الهيكلي”.
وناشد صندوق النقد الدولي الولايات المتحدة الأمريكية إلى العمل بسرعة من أجل الحد من ديونها. وأشارت المؤسسة الدولية إلى أن العجز سوف يصل إلى 10.8% من إجمالي الناتج المحلي في هذا البلد بموفى هذه السنة. وسوف تتقاسم الولايات المتحدة مع إيرلندا “شرف” إمتلاك أعلى نسبة على مستوى العلاقة بين العجز وإجمالي الناتج المحلي مقارنة ببقية البلدان الصناعية.
ولم يتخلف الرد الأمريكي حيث أكد وزير الخزانة الأمريكية تيموثي غيتنار على أن بلاده “بصدد القيام بإصلاحات”، لكنه حاول التهرّب من الإنتقادات بالتأكيد على ضرورة أن تقوم بلدان أخرى أيضا بالإصلاحات الضرورية، من دون أن يذكر صراحة الصين، والحماية التي توفّرها لعملتها (الين)، وقد ألقى باللائمة على “تلك البلدان التي يتوجّب عليها إبداء مرونة أكبر في تحديد أسعار الصرف”.
من أجل نموا أكثر عدلا
في الوقت الذي تتواصل فيه الثورات والانتفاضات الشعبية في شمال إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط، كلّف وزراء مالية البلدان الأعضاء، صندوق النقد الدولي بدراسة انعكاساتها الإقتصادية المحتملة، كما طالبوه ايضا بإنجاز دراسة تقييميه للمساعدات التي تتطلبها عملية التنمية في تلك المنطقة.
وشدد دومينيك ستراوس كان، المدير العام لصندوق النقد الدولي، في سياق حديثه بشأن تونس ومصر: “معا نستطيع أن نبني مستقبلا مشرقا في هذيْن البلديْن”.
كذلك أشار يوهان شنايدر- أمّان، وزير الإقتصاد السويسري من جهته إلى أن “الإضطرابات في شمال إفريقيا والشرق الأوسط” تبرهن على أن النمو الإقتصادي يجب أن ترافقه “عملية إدماج إجتماعية واسعة النطاق”.
وختم وزير الاقتصاد السويسري بالقول: “إنه من الضروري أن يتم تعزيز التطوّرات الإيجابية المسجلة على مستوى التنمية في العديد من المناطق عبر العالم بنمو أكثر عدالة، وأكثر انفتاح على جميع الفئات، خاصة من خلال إتاحة فرصة الوصول والإستفادة من الخدمات الأساسية، والاعتماد على طرق الحوكمة الرشيدة”.
الإقلاع عن “السياسات المتساهلة” في مجال منح القروض العقارية.
إقرار “في أقرب وقت ممكن” القانون الجديد المقترح في مجال تشديد المراقبة على “البنوك ذات الأهمية المؤثرة” على مجمل الإقتصاد السويسري.
تعزيز وتقوية مؤسسات التقنين والمراقبة، وتمكين السلطة الفدرالية لمراقبة الأسواق المالية (FINMA) من الإستفادة من جهود المزيد من الخبراء والموظفين للزيادة في أعمال المراقبة.
البلدان العربية: كُلّف صندوق النقد الدولي بدراسة الآثار الإقتصادية الناجمة عن الثورات في شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
المساعدات: كذلك كُلّف الصندوق بتقييم جدوى المساعدات الإنمائية في تلك البلدان إلى حين قيام الثورات والإنتفاضات الأخيرة.
سبعة بلدان: سيقوم الصندوق كذلك بإنجاز “دراسة عميقة” بشأن الوضع المالي في سبعة بلدان يؤثّر وضع إقتصادها بشكل قوي على مصير الإقتصاد العالمي بشكل عام. وهي الولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة، واليابان، والصين، والهند.
غير ملزمة: على الرغم من أهميتها، تظل التوصيات التي سوف يوجهها صندوق النقد الدولي لهذه البلدان السبعة توصيات غير ملزمة.
(نقله من الفرنسية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.