وثائقي يفضح استغلال اللاجئين السوريين في لبنان
فروا من غبار الدمار ونيران الحرب في بلدهم وجاءوا لاجئين فصاروا أشباح مبان لم تعمر وأسرى طواحين الأسمنت، مسموح لهم بإعمار بلد الأرز في قلب النهار ومكتوب عليهم الاختباء في جنح الظلام. إنهم اللاجئون السوريون ضحايا سوق العمالة السوداء في لبنان وأبطال قصة الفيلم الوثائقي "طعم الأسمنت" للمخرج السوري زياد كلثوم.
أنهى لبنان في يناير 2015، سياسة الباب المفتوح أمام السوريين، والتي كانت تسمح لهم بدخول البلاد بشكل عام دون تأشيرة وتجديد إقاماتهم مجانا تقريبا. ووجدت أبحاث هيومن رايتس ووتشرابط خارجي أن شروط الإقامة في لبنان تجعل السوريين عرضة للاستغلال الوظيفي والجنسي من قبل أصحاب العمل، دون القدرة على اللجوء إلى السلطات للحماية. وهناك عشرات التقارير لمنظمات حقوقية تتحدث عن سوء معاملة العمال السوريين.
المخرج السينمائي زياد كلثوم انتقل إلى لبنان هربا من الحرب المستعرة في بلاده حاله كحال آلاف اللاجئين السوريين ، الذي اضطر مئات الآلاف منهم إلى العمل بصورة غير شرعية. في فيلمه الوثائقي “طعم الأسمنت” سعى زياد كلثوم إلى توظيف كاميرته لتصوير مأساة العمال السوريين، “ممن وجدوا أنفسهم في حفرة تحت الأرض في لبنان يعملون تحت ظروف استعبادية غير حضارية وفي ظل منظومة اجتماعية فرضت عقابا على هؤلاء العمال بمنعهم من التجول بعد الساعة السابعة مساءً”، كما يقول.
ففي الوقت الذي يسلط فيه العالم أنظاره إلى فعل القتل والهدم، أراد زياد كلثوم لفت الانتباه إلى فعل البناء ، الذي يقوم به اللاجئ السوري الفار من نيران القصف والذي ذاق طعم بيته المنهار وأنقاضه ووجد نفسه يعمر في مكان آخر بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية. وعبر توظيف صور متضادة من القصف والهدم في الحرب الدائرة في سوريا والبناء والتعمير في لبنان الجديد، يلفت المخرج السينمائي الانتباه إلى “التناقض وهذا الفعل القاسي من تعمير بلد آخر، في الوقت الذي يدمر فيه البيت والوطن ولكن بشروط استعبادية أو غير إنسانية”.
صعوبات في التصوير
موضوع العمالة غير الشرعية في لبنان من الأكثر القضايا الشائكة في هذا البلد الصغير، لذا لم يكن من السهل على زياد كلثوم توثيق هذه القضية بكاميرته. ويوضح كلثوم أنه واجه تحديا في تصوير مواقع البناء وما يحدث فيها، حيث استغرق الأمر حوالي عام للحصول على إذن من صاحب العقار، الذي أخبره أنه يعد فيلما عن الأبنية الجميلة التي شقت سماء لبنان بعد الحرب. بدوره أخبر صاحب العقار فريق العمل بمنع تصوير مكان إقامة العمال ولكنهم نزلوا إلى مسكن العمال تحت الأرض وعاشوا معهم لمدة خمسة أيام حتى اكتشف صاحب العقار وجودهم.
رغم أن المخرج قضى 15 يوما إجمالا مع العمال، إلا أنهم يبقون صامتين خلال الفيلم. ويشرح زياد كلثوم سر هذه المقاربة قائلا ” خلال أول مقابلة أخبرني العمال أنه لا يمكنهم التحدث أمام الكاميرا عن بيوتهم المدمرة في سوريا خوفا من النظام السوري ولا عن ظروف عملهم ومعيشتهم في موقع البناء في لبنان خشية فقدان عملهم. ولا يتجرأون على الخروج من المبني مساءا لأن المجتمع اللبناني والحكومة اللبنانية قررت معاقبة العامل السوري ومنعه من الخروج بعد الساعة السابعة مساءا. في النهاية وجدت نفسي كمخرج أمام مجتمع مقموع ممنوع من التحدث عن أي شيء. إنهم بشر جردهم المجتمع والنظام من إنسانيتهم وحاصرهم وحرمهم حتى من الكلام وحولهم إلى آلات بناء. هذه الحقيقة بنيت عليها الفيلم، الذي لا يتحدث فيه العامل السوري، بل يحكي الصمت المحيط به قصته”.
قطاع البناء، بؤر الاستعباد في العالم العربي
ويوضح زياد أن فيلمه لا يقتصر على العامل السوري فقط فهو يجسد حال مئات الآلاف من العمال في العديد من دول العالم العربي “لدي عرض في شهر إبريل القادم في مدينة الدوحة وسيتم عرض الفيلم أمام الجمهور القطري، الذي هو على تماس مباشر مع هذه القضية بشكل يومي ويعيش مرحلة إعمار ضخمة. بعد مشاهدة المواطن القطري لهذا الفيلم، سيعيد التفكير عندما يمر بأحد مواقع البناء. وهذا هو هدفنا دفع المشاهد إلى إعادة التفكير حتى يغير مجتمعه وواقع الإنسان، الذي يستخدمه”.
قصة اللجوء السوري.. أسوأ كارثة إنسانية
أجبر الصراع المسلح في سوريا أكثر من نصف السكان على مغادرة منازلهم، حيث فر ما يقدر بنحو 4.9 مليون سوري من البلاد، ونزح أكثر من ستة ملايين داخليا. يبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين من قبل الأمم المتحدة في لبنان 997. 905 . أنهت لبنان سياسة الباب المفتوح أمام السوريين في 2015 وتم وضع شروط تقييدية ومكلفة لتجديد الإقامة. أدت الشروط المرهقة الجديدة إلى منع الأغلبية من تجديد تصاريح الإقامة المطلوبة، وفق منظمة هيومن رايتس وواتش.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.