مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

السرية لا تزال تَكتَنف مسألة التحرش الجنسي في الشركات الكبرى

 في عَصر الحركة النسائية التي تحمل وسم #أنا_أيضاً (أو (#metoo بالإنجليزية)، والمُناهضة للتَحَرُّش وكافة أنواع العُنف الجنسي ضد النساء، يمكن العثور على أمثلة قيادة استثنائية في الشركات التي تحتضنها الكنفدرالية مثل ‘ايكيا’ سويسرا. فهنا، لا تُوَزَّعُ مدونة سلوك الشركة على نطاق واسع بين الموظفين فَحَسب، لكن الشركة العالمية تُقِرُّ حالات التحَرُّش الجنسي علانية أيضاً، كما تتوفر على خطة استباقية للتصدي لمثل هذه الحالات.

لا تزال مسألة التَحَرُّش الجنسي تُناقَش خَلف أبواب مُغلقة في مُعظم الشركات مُتعددِّة الجنسيات في سويسرا. السؤال المطروح إذَن، هل حَدَث هناك أي تغيير في الشركات الكبرى منذ إطلاق وَسم #أنا_أيضاً (أو “مي تو”) على موقع ‘تويتَر’ للتواصل الاجتماعي قبل عامٍ من اليوم؟

قادت الحملة العالمية على وسائل التواصل الاجتماعي المقترنة بوسم #metoo (أنا أيضاً) بعض الشركات للبحث عن ذاتها. وبحسب جوديث فيسّمان لوكيش، وهي مُحامية مُتمرسة، ومؤسِّسة شركة arbeitundkonflikt.chرابط خارجي (أي العمل والصراع باللغة الألمانية) التي تهتم بتقديم المشورة للشركات حول قضايا التمييز والتحقيقات الداخلية: “كانت حركة ‘مي تو’ بمثابة الزلزال في سويسرا. وقد بدأت الشركات تتسأل، هل يمكن أن يحدث هذا لنا أيضاً”؟

وكما توضح المحامية، فإن الأمر لا يتعلق بالمُشتَبَه بهم العاديين فقط، “فالشركات العاملة في مجالات السياحة والتصميم، التي كانت ترى أن هذه الحالات لا يمكن أن تحدث لها، بدأت تطرح الأسئلة هي الأخرى”.

 المسألة التي أوضحتها هذه الحركة على نحوٍ لا لبَسْ فيه، هي عدم إمكانية تجاهُل أو إخفاء ممارسات التحرش الجنسي. لكن، ووفقاً للخبراء، لا يزال الكثيرون يتعاملون مع هذا الأمر باعتباره قضية تتعلق بإدارة المخاطر، ويتجاهلون المشكلة الأساسية المُتَمَثَّلة بثقافة مكان العمل، وعدم المساواة بين الجنسين في المواقع القيادية.

لا يزال من المحرمات

من جانبها، تسارع الشركات الكبيرة إلى الإعلان بأنها كانت تأخذ قضايا التحرش الجنسي على مَحمَل الجد قبل بداية هذه الحركة بزمن طويل. وتقول أليسون تسيمَّرمانّ، المدير التنفيذي لشركة Catalyst Europe، التي تعمل مع أكثر من 480 شركة عالمية بغية تعزيز المساواة بين الجنسين، إن الشركات مُتَعدِّدة الجنسيات أصبحت أكثر وعياً بكثير بمخاطر التحرش الجنسي من ذي قبل. لكنها تضيف: “سوف يكون من الصعب جداً عليك العثور على شركة ترغب في التحدث عن هذه القضية بشكل رسمي.

“لا يزال يُنظر إلى التحرش الجنسي باعتباره خطر يجب التعامل معه، وليس باعتباره جزءاً من تغيير أوسع نحو ثقافة عمل شاملة”. جوديث فيسّمانّ لوكيش من شركة Arbeitundkonflict.ch

 وكما تضيف تسيمَّرمانّ، لا يزال التحدث عن هذا الموضوع  نوعاً من المحرمات. “لقد وضعت هذه الحركة قضية ينبغي النظر إليها تحت المجهر، وهذا أمر جيد. لكن الأمر السلبي في المسألة هو الخوف، الذي يأخذ شكل الغضب وردود الأفعال العنيفة”. (انظر الحاشية).

 ويأتي بعض هذا الخوف من الارتباك وعدم الارتياح بشأن ما يَعنيه مصطلح التحرُّش في الواقع.

 توجد هناك حالات واضحة من الاعتداء. لكن، وكما جاء في صحيفة «زونتاغس تسايتونغ” (الصادرة بالألمانية في زيورخ) قبل بضعة أسابيع، هناك مشكلة حقيقية مع التحيز الجنساني اللفظيرابط خارجي، والذي غالباً ما يتمثل بكلمات ذات مَعنَيَيْن وتلميحات تحدث بشكل مُتكرر. وبحسب تسيمَّرمانّ، تقول بعض الشركات: “نحن بحاجة إلى دليل لمعرفة جميع الأشياء التي يمكننا أو لا يمكننا القيام بها”.

 المصدر الآخر للخوف ينبع من النفوذ الذي تتمتع بها وسائل الإعلام الاجتماعية أيضاً. وكما أفاد موقع swissinfo.ch في العام الماضي، فإن الناس غالباً لا يبلغون عن حالات التحرش بسبب العبء الكبير الذي يقع عليهم لإثبات وقوع هذه الممارسة، وانخفاض احتمالية نجاح مثل هذه القضايا في المحاكم السويسرية. مع ذلك، حققت وسائل الإعلام الاجتماعية ما فشلت القوانين ونظم العدالة بتحقيقه، ألا وهو تدمير سمعة شركة ما من خلال تغريده واحدة فقط، أو مشاركة على إحدى المدونات، وهو ما حدث مع شركة ‘أوبَررابط خارجي’ (المتخصصة في نقل الركاب عن طريق تطبيقها الألكتروني).

 المحاولات التي بذلتها swissinfo.ch للتواصل مع الشركات، أوضح مدى تردد الأخيرة في مشاركة ما هو أكثر من السياسات والإجراءات المكتوبة. إلّا أنَّ هذا لا يعني أن هذه الشركات لا تأخذ هذه القضايا على محمل الجد.

 في هذا السياق، يقول اتحاد المصارف السويسرية، ‘يو بي أس’ إنه لا يستطيع التعليق على تهمة تعود إلى عام 2017، بشأن قيام موظف كبير في المصرف باغتصاب متدربة شابة، لان التحقيق في القضية لا يزال مستمراً. لكنه أعلن عن قيامه مؤخراً بتعزيز برامجه التدريبية الحالية بوحدات جديدة تتعلَّق “بالعمل مع توخي الاحترام” ومسألة “التحيز اللاواعي” لموظفيها في جميع أنحاء العالم. وفي عام 2018، كان مصرف ‘يو بي أس’ المؤسسة السويسرية الأعلى أداءًرابط خارجي في الترتيب العالمي السنوي للشركات الكبرى في ممارسات المساواة بين الجنسين، الذي نشرته مؤسسة ‘أكويليب’ (Equileap) – الرائدة في تقديم البيانات والرؤى حول المساواة بين الجنسين في قطاع الشركات.

على الجانب الآخر، تمت الإشادة بالاستجابة التي أبداها مصرف ‘كريدي سويس’ بشأن قضية تتعلق بسوء السلوك الجنسي تعود إلى عام 2010. وقد تعهد المدير التنفيذي للمصرف تيجاني ثيام بالتحقيق في معالجة المؤسسة للقضية، مما أدى إلى فَصل إثنين من الموظفين. كما قام ثيام أيضاً باستحداث وظيفة جديدة رفيعة المستوى للتعامل مع ادعاءات التحرش الجنسي.

 أنتجت شركة ‘كاتاليست’ (Catalyst) دليلاً للشركات رابط خارجي يتضمن عدّة نقاط لمَنع التحرش الجنسي، وكيفية الاستجابة عند حدوثه. وتؤكد نقطة الانطلاق الأساسية في الدليل على سياسة عدم التسامح الُمطلق [مع مثل هذه الممارسات]، كما يتضمن تدريبات لمكافحة التحرش. ويدعو الدليل أيضاً إلى توفير قنوات رسمية وغير رسمية، تُمَكِّن الأشخاص من تقديم الشكاوى، وإجراء تحقيقات سريعة وعادلة عند حدوث هذه الحالات.

 وتحتاج العديد من هذه الممارسات الفُضلى لأن تُفَصَّل وتُتَرجَم في سياقات عمل تلك الشركة والصناعة تحديداً. وقد أدى ذلك إلى مجموعة من الممارسات، كما في بعض الأمثلة التالية:

 قامت شركات ‘ميكروسوفت’ (Microsoft) و‘أوبَر‘(Uber) و‘ليفت’ (Lyft) بإلغاء اتفاقيات التحكيم الإلزامية (اللجوء إلى التحكيم في حالة الخلاف وليس المحاكم) عند تسوية الدعاوى المتعلقة بالتحرش الجنسي.

  •   تتوفر كل من شركتي ‘غوغل’ و’فيسبوك’ على قواعد حول طلب الخروج في موعد مع أحد زملاء العمل. بدورها، قامت شركات أخرى بتحديد تناول مَشروبَين كحدٍ أقصى خلال أي أحداث تتعلق بالعمل.
  •  أصبحت شيكاغو وسياتل الآن تطالبان الشركات الفندقية الخاضعة لولاياتها القضائية بتثبيت بعض الأجهزة، مثل أزرار الذعررابط خارجي أو الصفارات في غرف الفنادق، بعد أن اتَّهَمَت موظفة في مجال التنظيف دومينيك شتراوس كان، رئيس صندوق النقد الدولي آنذاك بالتحرش الجنسي.

أعراض لمشكلة أكبر

لكن التحرش الجنسي ليس سوى أحد أعراض مشكلة أكبر، تتمثل بديناميكيات القوى غير المتكافئة، والافتقار إلى ثقافة عمل شاملة. وكما تقول تسيمَّرمانّ، “عندما يكون عدد أكبر من النساء في مناصب قيادية، فسوف يُنظَر إليهم باعتبارهن نظيرات وليس فرائس”. وتظهر الدراسات أن الشركات التي يُهيمن عليها الذكور والتنظيم الهرمي، هي أكثر عُرضَة للتَحضرُّش الجنسي وسوء المعاملة.

 لكن مما يؤسف له “لا يزال يُنظر إلى التحرش الجنسي باعتباره خطر يجب التعامل معه، وليس باعتباره جزءاً من تغيير أوسع نحو ثقافة عمل شاملة”، كما توضح فيسّمانّ.

 مع ذلك، توجد هناك بعض الاستثناءات، كما هو الحال مع سيمونا سكارباليغّيا، الرئيسة التنفيذية لشركة ‘إيكيا’ سويسرا. وهذه السيدة هي إحدى النساء القليلات جدا اللواتي يشغلن منصب المدير التنفيذي في سويسرا. وهي تناديرابط خارجي منذ فترة طويلة بزيادة عدد النساء في المناصب القيادية، من خلال معالجة حالة تقلص عدد النساء اللواتي يَترُكن مواقع الإدارة الوسطى عندما يصبح لديهن أطفال.

 وحول هذا الموضوع، قالت إينا رووس، مديرة إدماج التنوع في شركة ‘ايكيا’ سويسرا في مقابلة مع swissinfo.ch  “نحن ننطلق من نقطة أن المساواة هي حق إنساني. انه جزءٌ من حمضنا النووي. لدينا مبادئ توجيهية عالمية وشبكة من الُمدراء الذين يجتمعون سنوياً لإيجاد طرقٍ لتعزيز مسألتي التنوع والشمول”.

 تعد ‘ايكيا‘ سويسرا واحدة من الشركات القليلة في سويسرا التي حققت تمثيلاً جنسياً متساوياً على مستوى المناصب التنفيذية في البلاد. وفي عام 2015، أصبحت أول شركة في العالم تحصل على أعلى شهادة في مجال المساواة بين الجنسينرابط خارجي.

 وكما تقول رووس، تحاول الشركة ان تتبع سياسية الاستباقية عندما يتعلق الأمر بالتَحرش الجنسي. “كانت لدينا حالات من التحرش الجنسي، لكنها لم تكن كثيرة، كما أنها ليست في اتجاه واحد فقط. لقد ركزت حركة ‘مي تو’ على النساء، لكن الرجال يواجهون مضايقات أيضاً”. هي تقول إن  مدونة السلوك الخاصة بالشركة تُحَدِّد الكيفية التي يُتَوَقَّع أن يتصرف بها الموظفون، وأن كل مدير/ة مسؤول/ة عن مناقشة هذا الأمر مع الزملاء سنوياً.

محتويات خارجية

الطريق لا يزال طويلاً

لا يزال أمام سويسرا طريق طويل لتحسين رصيدها في مجال المساواة بين الجنسين في الشركات. وقد احتلت الكنفدرالية المرتبة 15 في مَسح المساواة بين الجنسين، الذي نشرته مؤسسة ‘أكويليب’ (Equileap)، والذي استند على أساس النسبة الإجمالية للشركات العامة التي وصلت إلى مرتبة الشركات الـ 200 الأفضل [في هذه الممارسات]. وجاءت مرتبة الكنفدرالية خلف المملكة المتحدة مباشرة، وقبل إيطاليا. ولم تتمكن سوى خمس شركات سويسرية من الوصول إلى لائحة أفضل 200 شركة.

 كذاك وجدت دراسة استقصائية أخرى أجرتها إحدى الشركات الاستشارية للموارد البشرية، أن 7% فقط من المناصب التنفيذية في أكبر 118 شركة في سويسرا هي من نصيب النساء، وهو ما يقل بنسبة 1% عن العام السابق. كما تَقِّل المُرتبات التي تتقاضاها النساء في سويسرا بنحو 20% عن تلك التي يحصل عليها الرجال. ووفق المكتب الفدرالي للمساواة بين الجنسيْن 42% من الفجوة في الأجور تظل غير مفهومة، وتحتمل على ما يمكن أن ينظر إليه كتمييز بين الجنسيْن.

 في النهاية، قد تصبح الشركات العالمية هي مَن يَضَع المعايير لسويسرا. وفي الوقت الذي وافق فيه البرلمان الفدرالي على رفع إجازة الأبوة في سويسرا من يوم واحد إلى أسبوعين، نرى أن كل من مكاتب ‘ايكيا’ و‘غوغل’ و‘مايكروسوفت’ في سويسرا تقدم للآباء ستة أسابيع إجازة على الأقل عند ولادة طفل. وجدير بالذكر أيضاً أن حصة النساء في مجالس الإدارة في أوروبا هي ضعفي حصتهن في سويسرا.

مخاوف من ردود الأفعال العنيفة واقصاء النساء

لاقت حركة #مي_تو حصة لا بأس بها من المقاومة. ويقول البعض إن الحركة قد بالغت في توجهها لصالح “الأجندة النسائية”، بينما يقول آخرون إن الحركة لم تذهب إلى الحد الكافي، ويجادلون بأن من الطبيعي أن يحاول الموجودون في السلطة إسكات حركةٍ تُهَدِّد الوضع الراهن.

 بدورها، تخشى أليسون تسيمَّرمانّ من شركة ‘كاتاليست’ من ردِّ فعلٍ عكسي قادم لا محالة، قد تكون له عواقب غير مقصودة على النساء. “إن أسوأ ما يمكن أن يحدث في أعقاب هذه اليقظة العالمية بشأن التحرش الجنسي، هو تأثير مُرَوِّع يخشى على إثره الرجال من وتدريب النساء ورعايتهن”.

 في السياق ذاته، وجد استطلاع أجرته مؤسسة leanin.orgرابط خارجي ان عدد المدُراء الذكور الذين لا يشعرون بالراحة في القيام بتدريب النساء قد تضاعف ثلاث مرات من 5% إلى 16% منذ بداية هذه الحركة. وهذا يعني أن واحداً من بين كل 6 مدراء من الذكور قد يترددون الآن في القيام بتدريب النساء.

 مثل هذا الأمر يمكن أن يؤدي إلى حالة من الانفتاح الأقل، وربما حتى إلى إقصاء النساء بدرجة أعلى من ذي قبل كما توضح تسيمَّرمانّ. وهي تشير إلى وجود حالة واحدة معزولة لشركة تفرض وقفاً للرجال والنساء الذين يتواجدون بمفردهم. وعبَّر استطلاع حديث للمواقفرابط خارجي بشأن التحرش الجنسي في موقع العمل عن قلقه من استبعاد النساء من بعض المواقف في العمل بعد حركة مي تو، “لكي يكون بإمكان الرجال حماية أنفسهم”.

 وبرأي تسيمَّرمانّ فأن إحدى أفضل الطرق لمواجهة رَدِّ الفعل العكسي هذا، تكون بإشراك الرجال. “لدى الغالبية العظمى من الرجال في مواقع العمل أفضل النوايا، ونحن بحاجة إلى تمكينهم كأبطال لتسريع عملية التغيير”.

(ترجمته من الإنجليزية وعالجته: ياسمين كنونة)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية