عام 2009 قد لا يشهد اختراقا ملموسا في مجال المناخ
رغم الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية، ستظل مسألة تغيير المناخ على جدول أعمال كوكبنا الأزرق خلال عام 2009. سويس انفو حاولت تسليط الضوء على هذا الملف من خلال مـُحاورة عالم المناخ مارتان بينيستون، والمُعمّم العلمي جاك ميرينوفيتش، وأستاذ علم البيئة الصناعية سورين إِركمان، فجاءت انطباعات الشخصيات الثلاث مزيجا من الآمال والمخاوف والتوقعات...
وتحدث الأخصائيون الثلاثة عن مؤتمر كوبنهاغن 2009، وسياسة المناخ، والرهان الحاسم المتمثل في التكيف مع الأوضاع الجديدة.
دواعـي التفاؤل بشمس مُشرقة
ويأمل مارتان بينيستون أن تكون الأزمة المالية والاقتصادية قصيرة الأمد، وألا تؤدي إلى مسح شامل لسياسات حماية المناخ والتكيـّف مع تغييراته. ويقول في هذا السياق: “إذا ما أصبح الوضع الاقتصادي أقل فوضوية، سوف نعود للاهتمام بالانشغالات على المدى البعيد. ولكن هذا يظل مجرد أمل…”
ولئن لم يكن يرى أيّ داع للتفاؤل، يلاحظ سورين إركمان، على الأقل، وعيا تدريجيا بأن “الرّهان الذي يحظى بالأولوية بحق هو عملية التكيـّف” مع التغييرات المناخية.
فاعتماد تدابير قوية للتأثير على المناخ، إذا ما اعتُمدت بالفعل، ستكون متأخرة جدا بالتأكيد من حيث تأثيراتها، حسب اعتقاد إركمان. بعبارة أخرى، يتعين التكيـّف (مع المُستجدات)؛ كإعادة بناء الجسور المُرتفعة (للتصدي لفيضانات أكثر عنفا)، وتعديل العروض السياحية للتعويض عن قلة الثلوج، إلخ.
ويضيف سورين إركمان: “لقد بدأنا ندرك ونقول بصراحة، حتى خارج الأوساط المطلعة مُباشرة (على مسألة المناخ) التي استوعبت ذلك منذ زمن طويل، أن عملية التكيـُّف ستصبح رهانا رئيسيا لن نستطيع الإفلات منه”.
من جهته، أعرب جاك ميرينوفيتش عن سعادته لإطلاق الموقع الإلكتروني “المناخ بين أيدينا” في عام 2009، الذي يوفر آلة حاسبة تسمح لمواطني سويسرا وفرنسا بالتعرف عن كمية انبعاثاتهم من غازات الدفيئة، وتَلَـقّي تشخيص على مقاس كل فرد. كما يقترح الموقع 18 تحركا فعّالا ومـُحددا مدعوما بدليل عملي.
وأوضح ميرينوفيتش أنه “لن يكون لدينا ردّ مُلائم لمواجهة تحدّي تغيـّر المناخ دون انتهاج سلوكٍ مُواطِن يـُمارس ضغطا على الحكومات لتـَجْرُؤ على اتخاذ التّدابير الضرورية لخفض الانبعاثات بشكل هيكلي”. وبالنسبة لجاك ميرينوفيتش، يمكن للموقع الجديد أن يتيح انطلاق نوع من الدينامية الشخصية الفاضلة التي تدفع لاحقا إلى التحرك على مستوى سياسي أكثر.
ويعتقد رئيس تحرير “المجلة المُستدامة” بأن مؤتمر كوبنهاغن (حول مرحلة ما بعد كيوتو) هو بمثابة مُبرر إضافي للشعور بالأمل، بحيث سيسمح بتركيز الانتباه على التدابير المُقترحة، و”سيكون فرصة للتحلي بالذكاء، وخاصة في مجال مقترحات توفير الطاقة أو استغلال الطاقات المتجددة المحلية”.
دواعي التشاؤم من عبور غيوم سوداء..
وإذا ما لم يُحرَز تقدم وراء الكواليس بعد المؤتمر التحضيري (لكوبنهاغن) بمدينة بوزنان البولندية، فإن مارتان بينيستون يخشى من خطر وصول ملف ما بعد كيوتو إلى طريق مسدود.
وقال في هذا الصدد: “إذا فشل مؤتمر كوبنهاغن، لن يعني ذلك أن كل شيء قد انتهى، لكن سوف يتم تأجيل وضع الآليات – الاقتصادية والتكنولوجية والسياسية – لعدة سنوات، في حين أن الأمر ملح نظرا للجمود الكبير للنظام المناخي”.
ويُذَكر بينيستون أنه كـُلـَّما تأجـَّلت الأمور، كُلـَّما أصبحت جوانب ارتفاع المُحيطات، والتزود بالمياه أو الأمن الغذائي مسائل حرجة ستؤثر على الطبقات الفقيرة من سكان العالم.
وينوه بهذا الشأن إلى أن آخر البيانات التي تم جمعها في القطب الشمالي تشير إلى أن تقديرات فريق خبراء المناخ الحكومي الدولي لعام 2007 كانت محافظة جدا، قائلا: “إن ذوبان الجليد هو أسرع بكثير من المتوقع، على مستوى البحر الجليدي والطبقات الجليدية لجزيرة غرينلاند، وله تأثيرات مباشرة على ارتفاع المحيطات، وبالتالي على المناطق الساحلية واقتصادات المناطق المُشاطئة”.
وفي ميدان العمل، يُعرب جاك ميرينوفيتش عن قلقه إزاء “ضعف رجل السياسة” والافتقار لرؤية سياسية في مجال المناخ. ويقدم دليلا على ذلك عريضة “لا للفحم!” التي أطْلقت لمعارضة عزم الكهربائيين السويسريين الاستثمار في محطات الفحم الألمانية، والتي لم تتلقى سوى دعم سياسي “ضعيف للغاية”.
وعلى مستوى القارة، يُذَكر ميرينوفيتش بأن الرئاسة المُقبلة للاتحاد الأوروبي ستتكفل بها جمهورية التشيك بقيادة فاتسلاف كلاوس الذي يعتبره “ناكرا لمجال المناخ، وهو ليس بالأمر المُطمئن على الإطلاق. فنحن بحاجة لقيادة أوروبا من قبل شخص مثل الأمريكي (آل غور)، ومن قبل قادة سياسيين قادرين على شرح مدى أهمية وذكاء مواجهة هذا التحدي غير المسبوق”.
ويعتقد جاك ميرينوفيتش بأن المشكلة لا توجد فقط في صفوف السياسيين، بل أيضا لدى العلماء الذين “يميلون جدا إلى الاختباء وراء حياد عملهم لتجنب المشاركة كمواطنين”، والمطالبة بتدابير أكثر فعالية لخفض انبعاثات غازات الدفيئة.
من جانبه، لا يـُخفي سورين إركمان حيرته أمام “الحماسة الكبيرة للحُلول الزائفة” المُعارِضة للتغيير المناخي، مثل التعويض عن الكربون الذي يحظى بدعم سويسرا. وأوضح في هذا السياق: “يريدون حـمل الضمير الحي بثمن بخس، لكن ذلك لن يـَحل أي شيء. وبالمعنى الدقيق للكلمة، هم لا يُعوضون أي شيء، بل ذلك مـجرد تلاعب باللغة ونشاط تجاري جديد”.
وبالنسبة لمرحلة ما بعد كيوتو، يلتزم سورين إركمان بقدر من التحفظ حول فرص التوصل إلى اتفاق نهائي في كوبنهاغن، ليس فقط بسبب سوء الإرادة في صفوف الفاعلين، بل أيضا لأن الصعوبة التقنية للتوصل إلى مثل هذا الاتفاق والتمكن من تطبيقه هائلة. ويجب الاتفاق على سـُبل الاحتساب ومنهجيات التقييم وإجراءات المراجعة…
ويضيف إركمان: “إذا ما لم ننجح في كوبنهاغن، فالأمر ليس خطيرا جدا، لأن التوجه قائم الآن. وعلى أيّ حال، لا ينبغي التوهم، فكيوتو (بروتوكول) قولي، ومن المرجح أن تظل مرحلة ما بعد كيوتو قولية نسبيا أيضا”.
ووفقا لأحدث التقديرات، سيؤدي بروتوكول كيوتو إلى تقليص انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة أقصاها 4% بالنسبة لبلدان تُصدر رُبع انبعاثات كوكبنا الأزرق. ويختتم إركمان حديثه بالقول: “يُبذل جهد كبير في هذه المفاوضات حول المناخ، وهو، ما يبدو من الوهلة الأولى، شيء جيد. ولكن لم نرى لحد الآن أية نتائج مُذهلة حقا”.
سويس انفو – بيير-فرانسو بيسون
سورين إركمان مُنَظر في علم البيئة الصناعية وأستاذ في جامعة لوزان. وتهدف الإيكولوجيا الصناعية إلى إعادة تنظيم النظام الصناعي لكي يتطور نحو طريقة عمل متوافقة والمحيط الحيوي ومستدامة على المدى الطويل. ويوفر هذا النهج إطارا مفاهيميا وأدوات لتخطيط التنمية الاقتصادية وسبل الاستخدام الأمثل للموارد المحدودة.
البروفيسور مارتان بينيستون هو أحد نواب رؤساء التقرير الثاني لـ “Giec” (مجموعة الخبراء الحكوميين الدوليين حول المناخ)، وهو يدير في جامعة جنيف فريقا متعدد الاختصاصات حول التغيير المناخي وتأثيراته (تقديرات للاتجاهات الحديثة العهد، والنمذجة العلمية، وصياغة السيناريوهات والحلول).
جاك ميرينوفيتشعالم أحياء ودكتور في علم الأعصاب، وهو من الشخصيات التي ساهمت في دمقرطة الأبحاث. في عام 2002، أنشأ هذا المؤلف “المجلة المستدامة” (La Revue durable)، وهي مجلة تعميمية ناطقة بالفرنسية تحظى بمصداقية عالية في كافة الأمور المتعلقة بعلم البيئة والتنمية المستدامة.
تم التوقيع على بروتـوكول كيوتو في عام 1997، بهدف خفض المستوى العالمي لانبعاث الغازات المتسببة في الاحتباس الحراري حتى عام 2012بأقل من 5% مما كانت عليه في عام 1990. وتعهد إلى اليوم أكثر من 170 بلدا بالمشاركة في بلوغ هذا الهدف.
في سويسرا التي صادقت على بروتوكول كيوتو عام 2003، يمثل ثاني أكسيد الكربون 80% من انبعاثات الغازات الحبيسة. ولاحترام التزاماتها، حددت البلاد في قانونها حول ثاني أكسيد الكربون الذي دخل حيّـز التطبيق يوم 1 مايو 2000 تقليص انبعاثات هذا الغاز بـ10% مقارنة بالوضع الذي كان قائما في عام 1990، وذلك بحلول عام 2010.
يتضمن القانون إجراءات إضافية في صورة عدم التوصل إلى تحقيق الهدف من خلال إجراءات إرادية. وتسعى سويسرا، من خلال القانون المتعلق بثاني أكسيد الكربون، إلى إنجاز الأهداف التي حددها بروتوكول كيوتو، الذي تنتهي صلاحياته في عام 2012.
في شهر أغسطس الماضي، كشف وزير البيئة السويسري موريتس لوينبرغر عن خططه الرامية إلى تقليص الانبعاثات بنسبة 20% (مقارنة بعام 1990) بحلول عام 2020، وستشكِّـل ضريبة على انبعاثات الغازات المتسببة في الاحتباس الحراري، الإجراء الرئيسي في هذه الخُـطط. وقد قررت سويسرا تحقيق نفس الأهداف، التي وضعها الاتحاد الأوروبي في مجال تقليص الانبعاثات الغازية.
نظرا لإدراكها بأن الإجراءات الطوعية لن تكفي، اقترحت الحكومة الفدرالية فرض “ضريبة مناخية” بقيمة سنتيم ونصف على الوقود الذي يدخل إلى سويسرا. وستتولى الدولة جباية تلك الضريبة ثم تحولها إلى مؤسسة خاصة لاستثمارها في مشاريع طاقية للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، كما اقترحت الحكومة إسقاط الضرائب على الوقود البيولوجي.
في أكتوبر الماضي، أعرب المكتب الفدرالي للبيئة عن اعتقاده بأن سويسرا ربما تبلغ الأهداف الوطنية والدولية المنشودة للفترة ما بين 2008 و2012.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.