“على مؤتمر بيتسبرغ أن يُشيد بجهود سويسرا في مجال التعاون الضريبي”
حيّا باسكال سانت- أمانس، مسؤول التعاون الدولي والمنافسة الضريبية بمنظمة التعاون والتنمية الإقتصادية الجدية التي تبديها سويسرا في الإلتزام بمطالب المنظمة. وهذه نظرة شاملة على الوضع قبل افتتاح قمة العشرين المتوقعة في غضون أيام في بيتسبرغ بالولايات المتحدة.
لو سُئل باسكال سانت – أمانس، مع أي من الدول أبرمت جزر الكيمان اتفاقيات لمنع الازدواج الضريبي، لأجاب دون أي تردد، وقد يحدد تاريخ وساعة توقيع تلك الاتفاقيات بالضبط، او حتى الوضع المناخي في جورج تاون في تلك الساعة. وهذا أمر بديهي، فهو المجال الذي ينصبّ عليه أكثر اهتمامه.
ويمر باسكال سانت – أمانس بنظاراته، وطريقة تصفيف شعره التي تذكّر بالمصمم الفرنسي المولود بوهران الجزائرية إيف- سانت لوران، دون لفت أنظار، في عالم الصخب والأضواء الباريسية، لكن حضوره قوي، عندما يكون الحديث عن الملف الضريبي وتعقيداته على الساحة الدولية، ناهيك انه المسؤول عن هذا الملف في إطار منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية.
لقد أعادت لكسمبورغ النظر في أكثر من 12 اتفاقية لمنع الإزدواج الضريبي، واستحقت بذلك الخروج من “القائمة الرمادية”، تماما كما اشترطت المعايير التي وضعتها منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية في ربيع 2008. وكذلك فعلت سويسرا “التي اتسم عمل حكومتها بكثير من الجدية، ووقعت اتفاقيات ضريبية جديدة إما مع دول الجوار أو مع شركائها الاقتصاديين، كالولايات المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، وإسبانيا، و…، وهذه البلدان تمثل الفضاء الاقتصادي الأهم الذي تتحرك فيه”.
لكن سانت – امانس يخامره شك وتردد تجاه النمسا، “فمن ضمن 12 اتفاقية أبرمها هذا البلد، ثمانية منها كان مع بلدان متهمة بأنها جنان ضريبية. وهذا، ليس مؤشرا جيدا”، ومع ذلك، التحقت النمسا خلال الأيام القليلة الماضية “بالقائمة البيضاء”، المعتمدة (والمزكاة) من طرف منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.
تقدير الجهد السويسري؟
ويوم الخميس 24 سبتمبر الجاري، تعقد بلدان مجموعة العشرين لقاء لإستعراض نتائج الجهود المبذولة لمكافحة التهرب الضريبي. ولابد من أن يشيد هذا اللقاء بالجهود والتقدم الذي أحرزته سويسرا في هذا السياق. فقد وعد الرئيس السويسري ووزير المالية هانس رودولف – ميرتس بان تلتحق سويسرا بنادي “القائمة البيضاء”، قبل نهاية سنة 2009، طبقا لما نقلته عنه صحيفة “لوتون”، الصادرة بجنيف.
إن مجال تحرك مجموعة العشرين، بحسب باسكال سانت – أمانس، في المجال الضريبي، ضيّق ومحدود، ويتوقّف ذلك على “إعلان الشروع في المرحلة الثانية”، وتقييم التقدّم الجاري في هذا المجال.
ويعتقد سانت- أمانس بأن سويسرا سوف تستفيد من القواعد الجديدة التي ستعتمدها منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية. وفي كلمات بسيطة: تنص القواعد الجديدة على أن تقوم البلدان التسعون الأعضاء في المنتدى الدولي للشفافية وتبادل المعلومات، بتقييم جهود بعضها البعض. وسوف تستعرض السياسة الضريبية لكل دولة عضو في المنتدى على مستوى الثلاث سنوات الأخيرة. وتتكفّل مجموعة مشكلة من ثلاثين دولة بالإشراف على عملية المتابعة المستمرة.
الدائرة الفاضلة
يشير باسكال سانت – امانس إلى تكامل رؤيتيْن ماليتيْن خلال السعي الدولي الحثيث لمكافحة التهرّب الضريبي: من جهة، الخوف من تقلّص دائرة المكلفين (الجهات التي من المفروض أن تدفع الضرائب)، في البلدان التي تشكو اليوم من التهرّب الضريبي، ومن جهة ثانية، منطق التنافس، الذي يدفع بلدان مثل سويسرا إلى لعب دور الحريص الأمين على احترام القواعد التي وضعتها منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية في المجال الضريبي.
دائرة فاضلة، وهذه مسالة مثيرة للضحك (المفتعل) في سويسرا، حيث يسود خوف من ظهور واقع مالي دولي جديد، يظهر فيه منافسون جدد لسويسرا، إلى جانب الأمريكيين والبريطانيين.
الرجل الخبير بالشؤون السويسرية
الرجل الذي سوف يرأس المجموعة المكلفة بتقييم الجهود السويسرية، يعرف جيدا الوضع في هذا البلد.
فقد أقام فرنسوا دوبارت في زيورخ حينما كان عمره يترواح بين 14 و18 سنة. وهناك تابع دراسته الثانوية “ليس في ثانوية روزاي، الدولية المشهورة، بل في مدرسة بسيطة ومغمورة”.
ويعترف دوبارت، الذي شغل منصب وزير سابق في عدة حكومات يمينية بانه “كان أيضا عضوا بنادي كرة القدم بمنطقة غراشهوبّر، من فئة الشباب، من دون أن يترك ذلك ذكريات أو أثرا خاصا”.
لقد اشتكت سويسرا مرات عديدة، بأنها لا تُعامل على قدم المساواة مقارنة ببلدان أخرى، ولكن :”من الآن فصاعدا، يأمل العمدة السابق بلافال، أن تقيّم جهود البلدان المختلفة بعدل وإنصاف، والتقييم المتبادل والمشترك أحد ضمانات لذلك”.
وتتشكل عملية التقييم من مرحلتيْن: في الأولى، النظر في التشريعات المعتمدة في مجال التعاون الضريبي، وفي الثانية، النظر في مدى الإلتزام بتنفيذ تلك التشريعات.
الوقوع في الفخ
إنها سخرية التاريخ: هذه المعايير “العادلة”، كانت الجنان الضريبية تدعو إليها منذ زمن طويل، دعوة لا تخلو من نفاق، على حد تعبير باسكال سانت – أمانس: “كانت الجنان الضريبية تقول: سوف نتخذ خطوات إلى الأمام حين نرى البلدان الكبرى تتخذ خطوات مشابهة”. هذه البلدان تشعر اليوم بأن الفخ قد أطبق عليها.
لقد اُدين السرّ المصرفي، وحُورب التباطؤ في اتخاذ الخطوات اللازمة، ويؤكد سانت – أمانس على أن الساحات المالية الكبرى، كسويسرا، هي التي تملك حظوظا أكبر للإستفادة من هذه الإجراءات”.
طرح غريب
بعض “قوى الضغط” في سويسرا، لا تستبعد رغم ذلك هذه الفكرة. فيوم الخميس الماضي 17 سبتمبر، اقترحت رابطة المصارف السويسرية فرض الضريبة على مبدأ المنشأ (أو استخلاص رسوم مسبقة من المصدر) بالنسبة لمداخيل ثروة العملاء المقيمين في بلدان أجنبية، وإعادة دفع تلك الأموال إلى البلدان المعنية. أو بصيغة أكثر وضوحا: الدعوة إلى الفصل بين السر المصرفي واستخلاص الضريبة.
ويشير سانت- أمانس إلى أن “هذه الفكرة تثير الإستغراب، خاصة وأنها تأتي من بلد حريص ومتمسك جدا بسيادته، لأن الضريبة على مبدأ المنشأ (أو اقتطاع رسوم مُسبقة من المصدر)، سوف تؤدي في النهاية إلى خلق انسجام ضريبي بين سويسرا والبلدان المجاورة لها”.
لماذا إذن اللجوء إلى هذا الخيار؟ يرد باسكال سانت – أمانس: “لأن أشد ما يخشاه السويسريون هو التبادل الآلي للمعطيات، والذي هو ليس مطروحا الآن للنقاش. المطلوب الآن هو التعاون وتبادل المعلومات عند تقدم إحدى البلدان بطلب في هذا المستوى”.
ماثيو فان برشام – swissinfo.ch
(ترجمه من الفرنسية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)
في تقريرها الأخير، أشارت منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية إلى أن “السر المصرفي لن يكون مستقبلا مبررا لإخفاء التهرّب الضريبي”. كما يشير أيضا إلى أن “معايير الشفافية وقواعد تبادل المعلومات، التي بادرت بوضعها منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية، هي اليوم معتمدة في جميع البلدان، وأن تقدّما كبيرا قد حصل على طريق تنفيذها”.
إننا نمرّ “بثورة حقيقية” من خلال مواجهة تحديات الجوانب المظلمة من الأنظمة الضريبية المتبعة في بعض البلدان، وفي إطار الحملة الساعية إلى فرض المزيد من الشفافية الضريبية في العالم.
يمتلك العالم اليوم أطرا مؤسساتية كافية لضمان استمرارية هذه الحملة ونجاحها. وفي كلمة له أخيرا، شدد أنجيل غوريّا، رئيس منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية بأن الرأي العالم العالمي “أمام الأزمة الاقتصادية الحادة، ينتظر الكثير من النجاح في هذا المستوى، ولن يتسامح أبدا مع أي شكل من أشكال التقصير”.
في أعقاب قمة لندن، نشرت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية على موقعها الرسمي على شبكة الإنترنت قائمتين. الأولى “سوداء” وتضم الدول والأقاليم التي لم تلتزم باحترام المعايير الدولية والثانية “رمادية” تشمل البلدان التي أعلنت عن قبولها بمعايير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لكن لم تنفذها رسميا بعدُ.
“القائمة السوداء” (4)
كوستاريكا، وماليزيا (جزيرة لابوان) والفلبين وأوروغواي. واليوم أضحت هذه القائمة خاوية ولا تحتوي على اسم أي دولة بعد ان اتخذت البلدان المذكورة سابقا إجراءات صارمة لمنع التهرب الضريبي.
القائمة الرمادية (39)
وقد تضمنت في البداية كلا من: النمسا، وبلجيكا، وسلطنة بروناي، وشيلي، ولوكسمبورغ، وسنغافورة، وسويسرا، وأندورا، وأنجويلا، وأنتيغا وباربودا، وأروبا، وباهاماس، والبحرين، وبليز، وبرمودا، والجزر العذراء البريطانية، وجزر كايمان، وجزر كوك، ودومينيكا، وجبل طارق، وغرناطة، وليبيريا، وإمارة الليختنشتاين، وجزر مارشال، وموناكو، ومونتسرات، وناورو، وجزر الأنتيل الهولندية، ونييوي، وباناما، وسانت كيتس ونيفيس، وسانت لوسيا-سانت فانسون وغرونادين، وساموا، وسانت مارتان، وجزر تركس وكايكوس، وفانواتو.
لكن عددا من هذه البلدان تمكن بعد ذلك من الإلتحاق بما يسمى “القائمة البيضاء” كالنمسا واللكسمبورغ مثلا. ومن المتوقع أن تلتحق سويسرا بها قبل موفى عام 2009.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.