عندما تتفوّق الفيلة على الروبوتات
ذراع ميكانيكية مُستوحاة من خرطوم فيل؟ هي لا زالت غير موجودة حتى الآن، ولكنها بالفعل قصة تعاون غير متوقعة بين علماء روبوتات إيطاليين وعلماء فيزياء حيوية سويسريين، تحت رعاية صندوق الابتكار الأوروبي.
لقد تصدَّر الإعلان عناوين الصحف في شهر سبتمبر الماضي: قام فريق من جامعة جنيف بدراسة دقيقة لكيفية عمل خرطوم الفيل، للاستيحاء منه في صناعة ذراع آلية. علينا القول بأنَّه مع هذا العضو الزائد، زوَّدت الطبيعة الفيلة الضخمة بأداة مرنة وقوية ومتعددة الاستخدامات إلى درجة كبيرة، بحيث تعجز أي آلة عن تأدية نفس الوظائف. ولكن، كيف تمَّ التوصل إلى هذه الفكرة؟
يروي ميشيل ميلينكوفيتش، الأستاذ في قسم علم الوراثة والتطور في جامعة جنيف قائلاً: «كنا قد قمنا سابقاً بدراسة جلد الفيلة، المجهز بشبكة من القنوات الدقيقة التي تقوم بتنظيم حرارة أجسامها. وقد أثار منشورنارابط خارجي في عام 2018 ضجة كبيرة، حين تحدثت عنه ناشيونال جيوغرافيك والبي بي سي. وبالتالي، فإن الناس الذين يهتمون بالفيلة يعرفوننا».
ثلاث ملايين وخمس مائة ألف يورو من بلجيكا
من بين الأشخاص المهتمين بالفيلة، هناك المعهد الإيطالي للتكنولوجيا، في بونتيديرا، بالقرب من بيزا. قبل ثلاث سنوات، حصل مشروعه لصناعة ذراع روبوتية مستوحاة من جذع الفيل على تمويل بقيمة ثلاثة ونصف مليون يورو في إطار برنامج “أوريزون 2020 (Horizon 2020) الذي ترعاه المفوّضية الأوروبية.
وقبل تقديم ملفهم إلى بروكسل، اتصل الإيطاليون بميشيل ميلينكوفيتش. ويقول هذا الأخير: «حصل ذلك في الوقت المناسب. كانت لدي الفرصة للعمل مع فيلة شبه مُروّضة في إفريقيا الجنوبية، وبالإضافة إلى ذلك، كان لدي أيضاً خرطومين في ثلاجاتي، لأننا على اتصال مع حدائق الحيوانات، التي يمكنها أن تعطينا الأعضاء عندما يموت الحيوان».
كما في فيلم أفاتار
انطلق إذاً البروفسور إلى بريتوريا، مصطحباً معه معدات عادة ما يجدها المرء في حقائب فرقة تصوير هوليوودية. وبالفعل، استخدم باحثوا جامعة جنيف تقنية الرسوم المتحركة المُستخدمة في السينما، من أجل إحياء شعب نافي في فيلم أفاتار أو شخصيات من تان تان من تأليف سبيلبيرغ. إلا أنهم عوضاً عن وضع علامات عاكسة على الوجوه والملابس التي يرتديها الممثلون، يقومون بتوزيعها على عدة نقاط على خرطوم الحيوان. ويلتقطون المسارات بواسطة كاميرات عالية الدقة، وكل شيء يظهر بصور ثلاثية الأبعاد، من أجل إجراء دراسة دقيقة لحركات هذه الأداة المذهلة.
النتيجة التي تم التوصّل إيها كانت مُدهشة: فالفيلة تستخدم حوالي عشرين حركة أساسية بسيطة، تتوحد هذه الحركات فيما بينها من أجل أداء حركات معقدة كنشر الانحناء، وتشكيل مفاصل زائفة أو إطالة وتقصير الخرطوم. بواسطة خرطومه، يستطيع الفيل أيضاً أن يقطف زهرة دون أن يكسرها وأن يرفع جذع شجرة وزنه 300 كيلوغرام، أو امتصاص ولفظ سوائل. كل ذلك دون وجود أي هيكل عظمي فيه.
قام فريق جنيف، بعد عودته إلى سويسرا، بتصوير خراطيم الفيلة الميتة مرة أخرى بحسب طرق التصوير الطبي الكلاسيكية، وذلك لمعرفة أي العضلات تجتمع لتقوم بجميع هذه الحركات. وقد تمَّ نشر النتائجرابط خارجي في شهر أغسطس 2021 في مجلة Current Biologyرابط خارجي.
موجز عن عمل فريق ميشيل ميلينكوفيتش في خمس دقائق (فيديو بالإنجليزية):
الطائرة لا ترفرف بجناحيها
الآن ستبدأ مرحلة التطبيق الروبوتي. حيث يقول ميشيل ميلينكوفيتش موضحاً: «هذه هي الهندسة العكسية. نحن قمنا بوصف وقياس هذه الحركات، وسيحاول علماء الروبوت الإيطاليون تقليدها. ولكن، ليس بالضرورة من خلال نسخها، وإنما بالاستلهام منها». وتوضيحاً لذلك، استشهد بالطائرة، التي لها جناحان شبيهان بجناحيْ الطائر، غير أنها لا ترفرف بجناحيها. وهذا هو السبب الذي يجعلنا نتحدث عن أنظمة مستوحاة من علم الأحياء.
وبنفس الطريقة، مع إدخال محركات في خرطوم اصطناعي، لن يكون من الممكن جعله يعيد العشرين حركة الأساسية التي لوحظت لدى الفيل. وقد تكون خمس أو عشر حركات كافية. فالفكرة هي أن نتوصل إلى صناعة ذراع روبوتية مرنة وقادرة على الرصد والوصول والإمساك والتحكُّم وتحرير سلسلة من أنواع مختلفة من الأجسام. والتطبيقات المحتملة هي عديدة، ابتداء من الروبوت الذي يصنف الأجسام بأحجامها وأشكالها المختلفة إلى مساعدة رجال الإنقاذ في منطقة الكوارث الطبيعية، مروراً بالروبوت المساعد لكبار السن.
الشركات الصناعية تتقرب إلينا
بالنسبة لميشيل ميلينكوفيتش وفريقه، المغامرة لم تنته بعد: «سوف تتم الاستعانة بنا، فلا تزال هناك سلاسل مسار تحتاج إلى نمذجة، وعندما ينتهون من صنع الروبوت، سوف نقوم بإعادة تحليل المسار للمقارنة بين الآلة والخرطوم الحقيقي». وبمجرد الانتهاء من صناعة الذراع، يجب صناعة ملابس لها. نحن نعلم أن مسألة سطح التماس هي مركزية في الروبوتات. كيف يمكن ليد معدنية أن تكون بالنعومة المطلوبة للإمساك بزهرة دون كسرها؟ في هذا المجال، بإمكان الخبرة التي اكتسبها فريق جنيف حول جلد الفيلة أن يخدم علماء الروبوتات الإيطاليين أيضاً.
ويتوقع البروفسور أن: «النموذج الأولي سيكون جاهزاً بعد 18 شهراً تقريباً. والعديد من شركات التصنيع تطرق بابنا من الآن. لا أستطيع أن أعطي الأسماء في هذا الوقت، ولكن يمكنني أن أخبركم بأن هذا الأمر يحظى باهتمام كبير».
جميل للغاية
مع هذين البحثين عن الفيلة، ابتعد ميشيل ميلينكوفيتش بعض الشيء عن مجالات تفوقه المعتادة. ومجرد إلقاء نظرة إلى القائمة الطويلة لمنشوراته يكفي لإقناعنا بذلك: ما هي العلاقة بين الروبوت و(على سبيل المثال) البلورات الضوئية التي تسمح للحرباء بتغيير لونها، والبصمات الوراثية لأجداد الحيتان أو تحليل مجموعات السلاحف العملاقة في جزر غالاباغوس؟
«العلم اليوم مجزأ للغاية. علينا أن نختار تخصصاً، إلا أنَّ هذه الحدود مصطنعة جداً. وفي الواقع، فإن الطبيعة لا تعرف تلك الحدود»
ميشيل ميلينكوفيتش
وذلك لأنه يبدو أن الانتقائية عند هذا المتحمس الواثق (والضالع) بتعددية التخصصات، هي طبيعة ثانية. بالنسبة له، «العلم اليوم مجزأ للغاية. علينا أن نختار تخصصاً، إلا أنَّ هذه الحدود مصطنعة جداً. وفي الواقع، فإن الطبيعة لا تعرف تلك الحدود. المشكلة هي، أن العلماء لا يعرفون في بعض الأحيان، المبادئ الأساسية في المجالات الأخرى. وبالتالي، لو كتبتُ معادلة على السبورة، سيرتبك طلابي، لأنهم ليسوا في درس رياضيات. ولكن يكفي أن نبين لهم أنَّ المعادلة يمكن أن تكون الطريقة الأكثر سهولة لوصف ظاهرة أو علاقة ما».
لذا نعم، الروبوتات المستوحاة من الفيلة، هي «مميزة جداً بالنسبة لما نفعله عادة» يقول ميشيل ميلينكوفيتش. ويتابع حديثه بالقول: «لكن، لم يكن بإمكاني رفض هذا المشروع. لأنه مهم للغاية».
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.