مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الوجه الخفي لأوراق نقدية عالية القيمة

حزمة من الاوراق النقدية السويسرية من فئة ألف فرنك. وقد التقطت هذه الصورة بمقر مصرف كانتون زيورخ يوم 19 اغسطس 2011 Keystone

شهد استخدام العُملة الورقية السويسرية من فئة الألف فرنك، صعودا في الآونة الأخيرة. وبالرغم من شعبيتها الواضحة - حيث تشكِّل واحدة من بين كل عشرة أوراق نقدية سويسرية متداولة تقريباً- إلّا أن استخدامها اليومي محصور في فئة قليلة من الأشخاص.

بلغت القيمة الإجمالية لكافة الأوراق النقدية المُتداولة من فئة الألف فرنك (المعادلة لـ 1,070 دولار أمريكي)، في عام 2012، أكثر من 35 مليار فرنك. ومن إجمالي 55 مليار فرنك تمثل قيمة جميع العملات الورقية السويسرية، ارتفعت حصة هذه الفئة النقدية إلى رقم قياسي وصل إلى 60% في العام الماضي، بعد أن كان 50% في عام 2011.

وبالمقارنة مع العملة الاوروبية، لا يشكّل تداول الفئة العليا من عملة اليورو الورقية المتمثلة بـ 500 يورو (613 فرنك)، سوى ثلث مجموع العملة المتداولة. مع ذلك، دقّت السلطات المختصّة ومنظمات مكافحة الجريمة هذه السنة ناقوس الخطر بالفعل على المستوى الاوروبي. أما في سويسرا، فالقلق حِيال هذا الامر محدود جدا، ولا تثير الجهات الرسمية هذا الامر قط.

ومن المعروف بأن معدّل تداول الأوراق النقدية السويسرية، هو الثاني عالمياً بعد اليابان، كما يزيد عن ضعف ما هو متداول في الولايات المتحدة أو في منطقة اليورو. وترجع سيلفيا أوبلينغر، المتحدثة باسم المصرف الوطني السويسري ذلك، إلى حقيقة أن الأرصدة واستخدام النقود، ما زال يحظى بشعبية في سويسرا، وبأن الكثير من الأشخاص ما زالوا يسحبون النقود من أجل دفع فواتيرهم في مكتب البريد.

وتضيف أوبلينغر قائلة: “الناس يروْن بأن استخدام العملة النقدية مسألة عملية جداً، كما أن الرّغبة في الخصوصية كانت عالية دائماً في سويسرا”،  وبالنسبة إليها: “استخدام النقود لدفع الفواتير، هو أحد مظاهر هذه الحالة. وليس في هذه الشعبية للمدفوعات النقدية، ما يشير إلى الاستخدام غير القانوني”.

المزيد

المزيد

خذ المال وانصرف من دون أن تتردد

تم نشر هذا المحتوى على ولمشاهدة عمليات عدّ الأوراق النقدية، والإحتفاء بها في مناطق مظلمة ومن داخل المخابئ، يمكن العودة إلى أفلام العشرينات من القرن الماضي. (Bilder: AFP/Kobal Collection, cinetext.de)

طالع المزيدخذ المال وانصرف من دون أن تتردد

هيمنة واسعة

مع ذلك، ما زالت عملة الألف فرنك الأرجوانية، الحاملة لصورة جاكوب بوركهارت، مؤرّخ الفن والثقافة في القرن التاسع عشر، هي ثاني أعلى فئة نقدية تداوُلاً في العالم، وهي تأتي مباشرة بعد فئة 10,000 دولار بسنغافورة (7,355 فرنك)، ومتقدّمة على فئة الـ 500 يورو.

ورسميا، لا ينظر إلى التداول العالي لهذه الفئة من العملة السويسرية على أنه مُشكلة . كما لا تتوفّر أي إشارات خاصة لهذه الفئة من العملة في الصفقات التي هي محل تحقيق وِفقاً لمكتب الإبلاغ عن غسيل الأموال (MROS)، التابع للمكتب الفدرالي للشرطة (fedpol).

ووِفقاً لألكسندَر ريخشتاينَر، المتحدث باسم المكتب الفدرالي للشرطة: “ترِد من حين إلى آخر معلومات عن تدفّقات نقدية إلى مكتب الإبلاغ عن غسيل الأموال. لكن الوسطاء الماليين يحدِّدون مجموع المبلغ، وليس الفئة النقدية”. ويضيف قائلاً: “يشعر المكتب الفدرالي للشرطة بالقلق حيال الاقتصاد الأسود بشكل عام؛ ولا تلعب الفئة النقدية دوراً في ذلك”.

مع ذلك، تتيح القيمة الإسمية المرتفعة للفرنك السويسري، إمكانية اكتنازه أو نقل كميات كبيرة منه في مساحة صغيرة، إذ لا تزِن كومة بقيمة مليون فرنك بارتفاع 10 سنتيمترات، سوى كيلوغراماً واحداً فقط، وتشغل حجماً مساويا لـ 1,3 لتر – وهو نصف الحجم الذي يشغله نفس المبلغ بعملة اليورو، وِفقاً لموقع 1,000,000-euro.de. وبالمقارنة، يزن مليون دولار أمريكي 10 كيلوغرامات، في حين يزن مبلغ مليون يورو نحو كيلوغرامين.

وِفقا لقانون مكافحة غسيل الأموال، الصادر في عام 2010، ينبغي على البنوك السويسرية التحقّق من صحة المعلومات التي يقدّمها الحرفاء عند تحويل أي مبلغ يزيد عن 25,000 فرنك سويسري. وفي حالة ارتباط الحريف بنشاط إجرامي، سيؤدّي ذلك إلى إجراء تحقيق، قد يؤدّي بدوره إلى استفسارات بشأن الاحتيال الضريبي أو التداول الداخلي (تداول أوراق مالية أو غيرها لشركة مساهمة عامة من قبل أفراد يملكون إمكانية الوصول إلى بيانات سرية تخص الشركة غير مُتاحة للعامة) أو تمويل الإرهاب.

في عام 2012، تلقّى مكتب الإبلاغ عن غسيل الأموال السويسرية، الذي يشكل جزءاً من الشرطة الفدرالية، تقارير حول أنشطة مريبة بقيمة أكثر 3.2 مليار فرنك سويسري، مع ارتباطات تجارية مشبوهة، تقع بشكل رئيسي في كانتونات زيورخ وجنيف وتيتشينو، على الحدود الإيطالية .

عند قيامهم بصفقة سرية، يختار الأشخاص غالباً أسلوب دفع الأموال نقداً – حيث لا وجود للسجلات – لصعوبة إمكانيات تتبع الأموال، بالمقارنة مع الدفوعات التي تتم بالخصم المباشر أو بطاقات الائتمان.

استخدامات إجرامية

اتفق تجّار الجملة في البنك البريطاني ومكاتب الصرّافة في عام 2010، على وقف عمليات بيع العملة النقدية من فئة 500 يورو، بعد أن كشف تحقيق قامت به وكالة الجريمة المنظمة الخطيرة (SOCA) في بريطانيا، بأن تسعة أوراق نقدية من أصل عشرة من هذه الفئة، كانت قد استُخدِمت من قِبل المُجرمين لأنشطة غير مشروعة، كالرّشوة والتهرّب الضريبي، وغسل الأموال والإرهاب.

وتجتذب الأوراق المالية من تلك الفئة المجرمين في بريطانيا، لأنها تشغل عشر الحيّز الذي تشغله الأوراق الموازية من الإسترليني، مما يُسهِّل عمليات التهريب. وفي تعليقه على هذا الأمر، صرح إيان كروكستون، نائب مدير وكالة الجريمة المنظمة الخطيرة حينئذٍ: “ليس هناك من شكّ في أن الطلب الرئيسي على الأوراق المالية من فئة 500 يورو، يأتي من مجموعات إجرامية منظمة خطيرة”.

في السياق نفسه، توقّف استخدام العُملة الورقية من فئة 1,000 دولار كندي في شهر مايو من عام 2000، كجُزء من محاربة الجريمة المنظمة، بناء على توصية من الشرطة الكندية التي أشارت إلى أن هذه العملة كانت تُستخدَم في الغالب في عمليات تبييض الأموال.

قال مارك فان تيل، النائب السابق لرئيس مكتب الإبلاغ عن غسيل الأموال من جهته بأنه “ينبغي على مكتب الإبلاغ والمكتب الفدرالي للشرطة أن تُمعن النظر أيضاً في هوية مُستخدِمي العُملة الورقية من فئة 1000 فرنك، ولأي غرض. وأضاف: “سوف يكون على السلطات السويسرية التعامل مع مسألة الفئات العالية لهذه العملة الورقية، لأنها أدوات يمكن أن تساعد المجرمين على تحريك الأصول من النقطة “أ” إلى النقطة “ب” بسهولة أكبر”.

وأضاف فان تيل، الذي يشغل أيضاً منصب المدير المؤسس لاستشارية “تي في تي للامتثال في زيورخ: “هناك مسألة الضريبة أيضاً، التي ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار، لأنك باستخدام النقد، يمكن أن تدفع جزءاً من صفقة بشكل سرّي غير مشروع، وتفادي دفع الضريبة بالنتيجة”.

كما أوضح فان تيل بأن المجرمين، ونتيجة لخضوع المعاملات المصرفية لرقابة أشد في سويسرا منذ بضع سنين، وجدوا أنفسهم مضطرين إلى اللجوء لقنوات أخرى أقل تتبعاً، كالدفوعات النقدية – ولاسيما تلك التي هي من الفئة العالية.

وتشكل العملة الورقية من فئة 500 يورو إحدى هذه الفئات النقدية. وكان فيكتور كونستانكي، نائب رئيس البنك المركزي الأوروبي قد أخبر المشرّعين الأوروبيين في 25 أبريل 2013، بأن إلغاء هذه الفئة النقدية “أمر يستحِق المناقشة”، لأنها “غير مُستخدَمة في العادة”.

ازداد مؤخراً استخدام الأشخاص لبطاقات الائتمان والخدمات المصرفية الإلكترونية في سويسرا.

وتحصل متاجر “ميغرو” – ثاني أكبر متاجر التجزئة في البلاد – على دفوعاتها بهذا الشكل، لأكثر من نصف بضائعها من خلال منافذ البيع في منطقة برن، وِفقا للمتحدثة اندريا باور. وتمثل المدفوعات بالخصم المباشر بالفعل، ما يقرب من النصف، في حين يشكِّل استخدام بطاقات الائتمان نحو 7% من المعاملات.

لا يقوم البنك المركزي السويسري بإجراء مسح منهجي حول إستخدام عملاته الورقية. وفي منطقة اليورو، كانت نحو ثلث عملة اليورو الورقية فقط قد استُخدِمت للتعاملات حتى نهاية عام 2008، في حين استُخدم مبلغ 60 مليار يورو، كاحتياطي للمصرف وبين 250 و300 مليون يورو، كمخزن للقيمة في منطقة اليورو.

ووفقا للبنك المركزي الأوروبي، تم إيداع ما بين 20 و25% من العُملة في الخارج.

سيارات وماشية

بدورها، فإن العُملة الورقية من فئة 1000 فرنك والصادرة بقيمة 33 مليون فرنك سويسري، ليست شائعة أيضاً. وعلى الرغم من أن المحلات التجارية مُلزمة بقبولها، أظهر استطلاع سريع أجرته swissinfo.ch في مدينة برن، تردُّد بعض محلات التجزئة الأصغر حجماً بقبولها أو رفضها ببساطة. كما أن سحب هذه الفئة، ليس بالأمر اليسير.

وكما قال هانز بيتر ميرتس، سكرتير مجلس مصرف كانتون برن “لا تقوم مكائن سحب النقود الخاصة بنا بتسليم عملات ورقية من فئة 1000 فرنك”. مضيفاً: “ما زال الناس يسحبون النقود من فئة 1000 فرنك ويدفعون بها فواتيرهم في فروعنا. أما الجزء الرئيسي من هذه العملة، فيُستَخدَم لمُقتنيات أكبر، كالسيارات مثلاً”.

الأمر ذاته، لاحظه المصرف الوطني السويسري أيضاً، الذي لا يجري – على عكس مصرف كانتون برن – مسحاً منهجياً على استخدام عُملاته النقدية. وعند السؤال، أخبر البنك swissinfo.ch بأن العملة من فئة 1000 فرنك ما زالت تستخدم في المعاملات النقدية من قِبَل “تجار السيارات المُستعملة وتجار الماشية”.

وأظهرت دراسة استقصائية قام بها مصرف كانتون برن حول كيفية استخدام نقوده، بأن أكثر من نصف مَن شملهم الاستطلاع، لم يصادفوا عُملة من فئة 500 يورو أبداً، كما قال، ما يقرب من النصف بعدم توفر عملة من فئة 200 يورو بحوزتهم على الإطلاق. وتستخدم غالبية الأشخاص النقود للتعاملات المالية التي تقل عن 100 يورو.

خزان ذو قيمة

مثلما أشار المصرف الوطني السويسري في تقرير له “تشير النسبة العالية للفئات النقدية ذات القيمة المرتفعة، إلى أن استخدامها ليس محصوراً بكونها وسيلة للدفع، ولكن – وإلى حدٍّ كبير – كخزّان ذي قيمة أيضاً”. وبعبارة أخرى: يستخدم الناس العملة الورقية الصّعبة، لجمع النقود في صناديق ودائع آمنة وخزائن شخصية أو تحت فرشهم – وخاصة في أوقات عدم اليقين. وهؤلاء ليسوا مجرمين بالضرورة.

قالت شرطة كانتون زيورخ من جهتها إنها لم تلاحظ استخدام المجرمين لفئات نقدية ذات قيمة كبيرة. وعلى سبيل المثال، يستخدم تجّار المخدرات نقوداً ذات قيمة أدنى على الأغلب، بسبب سرعة التخلّص منها، وِفقاً للشرطة.

ويقول مارك بيسون من شرطة كانتون زيورخ، بأن العملة الورقية من فئة 200 فرنك هي في الواقع أعلى ما ضُبِط فيما يتعلّق بالجرائم. “نحن نصادف العملات من فئة 1000 فرنك فقط، فيما يسمى بـ “حيل المتقاعدين”، وهذه كما يؤكد كريستوف غناغي من شرطة كانتون برن “نادرة للغاية”.

ويعلّق فان تيل قائلاً: “هذا ليس مستغرباً. الأمر لا يتعلَّق بالمُحتالين الصغار في نهاية السلسلة الغذائية، ولكن بأولئك الذين يحرّكون الخيوط”.

حتى الآن، لا تتوفّر سويسرا على مخططات للتحقيق في استخدام العُملة الورقية من فئة 1000 فرنك، ناهيك عن مناقشة إلغائها. كما أن المصارف التجارية، مثل مصرف كانتون برن، تقدِّرها “كفئة متمة مفيدة” لمجموعة العملات المتوفرة الأخرى، وفقاً لميرتس.

من جانبه، أعلن المصرف الوطني السويسري، الذي هو صاحب قرار إصدار الفئات المختلفة للعملة، بأن الورقة النقدية من فئة 1000 فرنك، سوف تكون بالطبع ضمن سلسلة الأوراق النقدية الجديدة التي ستطرح ابتداءً من عام 2015.

تعتبر سويسرا من بين الدول الرئيسية القليلة التي تتوفر فيها عملات مالية بهذه الفئة العالية.

من بين  أعلى قيمة للعملة الورقية في العالم نجد أيضا 50 جنية إسترليني  (72 فرنك) في المملكة المتحدة وفئة 100 دولار (93 فرنك) في الولايات المتحدة.

تحظى عملية تخزين الفرنك السويسري على هيئة نقود، بشعبية كبيرة في الكنفدرالية، لأن الفرنك من العملات التي تمثّل ملاذا آمنا. وتعتبر الأحجار الكريمة والمعادن، خيارات للتخزين أيضا، لكن لا يُمكن صرفها على الفور.

من المستحيل تقريباً تزوير العملة السويسرية. وكان قد تم التعرّف على 134 ورقة نقدية فقط من فئة 1000 فرنك – أو ورقة واحدة من بين مليون – على أنها مزوّرة. ووِفقا للمكتب الفدرالي للشرطة، كانت 11 منها عبارة عن نُسخ ملوَّنة، فيما صنعت البقية بطابعات الحِبر النفاث.

أعلن المكتب الفدرالي للشرطة كذلك، بأن العملة المزوَّرة مثَّـلت “مستوى متدنّيا من التزوير بمعظمها، أنتِجَت بمُعدّات بسيطة ومن السهولة تمييزها كعملة مزورة، لافتقادها إلى ميزات الأمان الموجودة على العملات في العادة”.

ارتفع تداول الأوراق النقدية السويسرية بنسبة 61,578%، من حيث القيمة، منذ مباشرة المصرف الوطني السويسري لأعماله في عام 1907.

أدّى الشعور العام بعدم اليقين، الذي ساد خلال الحرب العالمية الأولى والإنكماش المالي في بداية عقد العشرينيات من القرن الماضي وخلال فترة الكساد العظيم في عقد الثلاثينيات من نفس القرن، إلى حدوث عمليات معيَّنة لاكتناز العملة السويسرية بالفعل، كما لاحظ المصرف الوطني السويسري.

أصبحت تعامُلات الدّفع غير النقدي، أكثر انتشاراً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بفضل التقدم الحاصل في تكنولوجيا دفع الأموال.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية