قسم خاص بوزارة الخارجية لجلب الرفاهية وتحقيق الاستدامة
أصبحت السياسة الخارجية معنية بالرفاهية في سويسرا بصورة متزايدة. كما أصبح الترابط بين السياسة الخارجية والداخلية أكثر أهمية. حتى أنه يُوجد بالفعل قسم خاص بهذه المهمة داخل وزارة الخارجية السويسرية.
منذ قرابة عشرين عاماً، يعمل قسم الرفاهية والاستدامة في وزارة الخارجية على التنسيق بين السياستين الداخلية والخارجية، حتى لا يكون لوزارة الصحة أثناء الجائحة مثلاً موقف مخالف لما يروّج له الدبلوماسيون السويسريون في الخارج. فيما يلي حوار أجريناه مع السيدة أليكساندرا باومان، التي تولت رئاسة هذا القسم مؤخراً.
نشأت أليكساندرا باومان (المولودة عام 1973) في بلدية كرويتسلينغن (كانتون تورغاو) ودرست العلوم السياسية. وهي تعمل منذ عام 2006 كدبلوماسية، حيث شغلت مناصب في كل من السفارة السويسرية في برلين وفي البعثة السويسرية لدى الأمم المتحدة في نيويورك. وهي ترأس منذ سبتمبر 2022 قسم الرفاهية والاستدامة في أمانة الدولة بوزارة الخارجية.
SWI swissinfo.ch: من شأن القسم الذي ترأسينه العمل على التنسيق بين الوزارات، إلا أنه تابع لوزارة الخارجية. فكيف ترى الوزارات الأخرى هذا الأمر؟
أليكساندرا باومان: إننا نُعتبر ممثلي مصالح وزارة الخارجية، نحن عين السياسة الخارجية. لكننا نعمل كتفاً بكتف وفي أغلب الأحوال مع الأقسام الدولية داخل الوزارات الفدرالية الأخرى، على سبيل المثال مع تلك الأقسام في وزارة الصحة، ووزارة الطاقة أو وزارة البيئة. ومن آن لآخر، توجد بعض التباينات حول الهدف، والتي يجب تجاوزها عن طريق النقاش.
على سبيل المثال؟
مسألة العقوبات مثلا. فنحن مفوضون لحماية مصالح الولايات المتحدة في إيران. وهناك سعي لفرض عقوبات على إيران. وهنا تأتي تقديراتنا فيما يخص السياسة الخارجية، والتي تتمثل في عرض المزايا من جهة، والعيوب من جهة أخرى، وكيف يُمكن أن يتأثر تفويضنا بحماية المصالح جرَّاء هذا الوضع. ومن ثمَّ ينبغي التوصل لتقدير بشأن الموقف السياسي، والذي يتخذه دائماً الوزراء المسؤولون عن كل وزارة.
في حال توقيع عقوبات، يكون تعارض المصالح بين السياسة الداخلية والخارجية جلياً. لكن هناك تعارض يظهر أيضاً فيما يتعلق بالاقتصاد، مثلاً حينما ترغب شركة ما في الاستثمار في أحد مشروعات البنية التحتية الكبرى بالخارج. هنا تؤكد السياسة الخارجية على الاستدامة، أما السياسة الداخلية فيهمها في المقام الأول دعم الاقتصاد السويسري. ونحن في سويسرا علينا أن نجد حلاً وسطاً. فلا يجب علينا أن نضع الكثير من العراقيل أمام الشركات، مما يحول بينها وبين الاستحواذ على هذه الصفقة أو تلك، ولكن في نفس الوقت يجب أن يكون اقتصادنا بالخارج ذا مصداقية ويلتزم بمستويات عالية من الاستدامة أيضاً.
هل تتكرر هذه التباينات بين وزارة الخارجية وغيرها من الوزارات كثيرا؟
نعم، هناك الكثير منها. فرؤية السياسة الخارجية كثيراً ما تكون مختلفة عن منظور السياسة الداخلية البحت للوزارات الأخرى. وهنا تأتي الحاجة إلى الحوار. ولحسن الحظ، فإننا ديمقراطية توافقية. لذلك يسوق كل طرف أفضل الحجج، وفي النهاية نصل إلى توافق.
إنتِ ترأسين منذ سبتمبر الماضي قسم الرفاهية والاستدامة. فما هو التحدي الأكبر الذي واجهك في هذه الفترة؟
أعود وأقول من جديد، العقوبات. لقد كانت لدينا دائماً خدمة العقوبات، ولكن منذ أن توليتُ المنصب، تضاعف العمل بصورة متسارعة ـ بالطبع بسبب العقوبات المفروضة على روسيا. وهذه العقوبات تحتاج دائماً إلى تقديرات فيما يخص السياسة الخارجية. كما يجب علينا شرح هذه العقوبات للشعب السويسري.
حيث يعتبر العمل التوضيحي عنصراً هاماً من عناصر عملنا. وتحضرني في هذا السياق أجندة 2030: فالكل يعرف مصطلح “أهداف التنمية المستدامة أو اختصاراً “SDG” (وهي الأهداف التي يجب تحقيقها حتى عام 2030 على مستوى العالم، خاصة من قِبل الدول الأعضاء بالأمم المتحدة، التحرير)، ولكن ما الذي تعنيه هذه الأهداف بالنسبة لكل مواطن ومواطنة، وهنا علينا أن نقوم بمهمة الشرح والتوضيح.
جعل الرفاهية هدفاً من أهداف السياسة الخارجية، ألا يبدو هذا أنانياً؟
كلا، خاصةً إذا ما ربطنا الرفاهية بالاستدامة البيئية والاجتماعية والاقتصادية بمفهومها الذي تضمنته أجندة 2030. فكلا الهدفين، وأعني الرفاهية والاستدامة، ينص عليهما الدستور. كما أنهما يستوجبان بعضهما البعض ويتأثران فيما بينهما. ولهذا فلم يكن من قبيل المصادفة أن تقوم الحكومة الفدرالية عام 2018 بتخصيص واحد من موفديّها لتنفيذ أجندة 2030. حيث يعمل على تحقيق أهداف الاستدامة، ليس فقط فيما يخص التعاون التنموي، بل وفي سياستنا الخارجية بصفة عامة.
المزيد
السياسة الخارجية السويسرية .. نهاية مرحلة وبداية أخرى
إلى أي مدى تتزايد أهمية السياسة الخارجية بالنسبة للرفاهية في سويسرا؟
إننا نُعتبر واحداً من أكثر بلدان العالم عولمةً. فاقتصادنا متشابك للغاية. وهذا التشابك يقوم دائماً على العلاقات الجيّدة. إذن فالعلاقات الثنائية التي أقمناها وحافظنا عليها على مدى سنوات طويلة مع الكثير من البلدان، تساهم في تحقيق الرفاهية لسويسرا. وإنني أسمع مراراً وتكراراً من الشركات السويسرية، العاملة في الخارج، والتي تتوجّه حال حدوث مشاكل أولاً إلى السفارات السويسرية، أن هذه الأخيرة تتمكن من التدخل الداعم. فالسياسة الخارجية يُمكنها أن تكون ذات قيمة مضافة.
وفقاً لرأي بعض الخبراء والخبيرات، فإن المجال الدولي أصبح أكثر صعوبة بالنسبة للسياسة الخارجية السويسرية، حيث أصبحت بعض الحلول السويسرية الخاصة مثل الإجراءات الداعمة أو السر المصرفي هدفاً للانتقاد بصورة متزايدة. فهل تشعرين بهذا أثناء عملك؟
لا أعتقد أنها أصبحت أكثر صعوبة. ولكن لابد من شرح السياسة الخارجية، ربما أكثر مما كنا نفعل في السابق.
بالطبع، فإن علاقاتنا مع الاتحاد الأوروبي ليست سلسة في الوقت الراهن. وهي تحتاج إلى حل طويل الأمد ومتين. لكن مثل هذا الحل ليس في المتناول حالياً. إلا أن كلا الجانبين يتقاربان تدريجياً في إطار عملية لجس النبض.
والأمر في قسمي يتعلق بالعلوم في المقام الأول. فعدم إشراك سويسرا في برنامج “آفاق 2020” “2020 Horizon” للأبحاث العلمية يمثل مشكلةً ـ وهذا بالنسبة للطرفين. لهذا اتخذت سويسرا إجراءات من شأنها الحد من التأثيرات السلبية لهذا الأمر، لكنه يعتبر ثاني أفضل الحلول. كما أن إجراءنا لأجل حماية البنية التحتية للبورصة السويسرية يعمل بصورة جيّدة للغاية، لكنه يُعدُّ كذلك ثاني أفضل الحلول. أما الحل الأمثل فهو أن نصل إلى التكافؤ في جميع تلك المجالات. ونتمنى أن نتمكن من تحقيق ذلك في السنوات القادمة.
فيما يخص تغيّرات السياسة الخارجية في السنوات الأخيرة: هل على سويسرا أن تمثل مصالحها بصورة أكثر صراحةً مما كانت عليه؟
أعتقد أننا ربما أصبحنا نعتمد على شركائنا أكثر مما كنا نفعل في السابق. وأراقب هذا في الإطار متعدد الأطراف. فقد بات من الصعب الحفاظ على الوضع الراهن. إذ لم تعد نتائج المباحثات السابقة هي القاسم المشترك الأصغر. كما أن الضغط الذي تمارسه بعض الدول لإضعاف هذه النتائج يتزايد، بل ربما أصبحت النبرة أكثر حدةً. ولكن هذا الحال صار هو السائد بصفة عامة، ليس فقط في السياسة الخارجية.
ونحن كممثلين أصلاء للدبلوماسية متعددة الأطراف ـ فسويسرا هي البلد المستضيف لثاني أكبر مقرات للأمم المتحدة ـ علينا أن نخلق تحالفات، حتى نواجه القوى العظمى التي تبحث عن تأكيد مراكزها بالقوة وليس بالحق. فالوضع يتطلب وجود تحالفات لاعتدال موازين القوى. وهو ما تُجيد سويسرا القيام به.
تغيّرت العلاقة بين السياسة الداخلية والخارجية جوهرياً في خضم العولمة. ولم يعد هناك مجال من مجالات السياسة الداخلية إلا ولديه بعدٌ قوي في السياسة الخارجية.
حتى تظهر سويسرا أمام الخارج موحدة المواقف، أنشئ قبل قرابة عشرين عاماً قسم الرفاهية والاستدامة داخل وزارة الخارجية. وهذا القسم من شأنه التنسيق بين السياسة الخارجية والداخلية، وتعزيز التبادل بين وزارة الخارجية والوزارات الأخرى. فالقسم يمثل منظور السياسة الخارجية في مجالات الاقتصاد والمالية والطاقة والمناخ والعلوم والسياسة الصحية.
يتكون قسم الرفاهية والاستدامة من أربع قطاعات، إضافة إلى خدمة موفدي الحكومة الفدرالية لتنفيذ أجندة 2030.
تحرير: بالتس ريغندينغر
ترجمة: هالة فرّاج
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.