قمة بروكسل تُــواجه الأسئلة الصعبة.. وأوروبا تدشّـن “مرحلة حرجة”
تستضيف بروكسيل اجتماعا لرؤساء دول وحكومات الإتحاد الأوروبي يوميْ الخميس والجمعة 8 و9 ديسمبر الجاري، بهدف التوصل إلى اتفاق جديد يمنع تدهور الأوضاع في منطقة اليورو. وفيما يلي نقدّم رؤيتيْن متميّزتيْن لخبيريْن سويسرييْن حول الوضع الحالي.
في صلب هذا الإجتماع يوجد اقتراح “معاهدة أوروبية جديدة” تتضمّن “قاعدة ذهبية” تقضي بإجبار البلدان السبع والعشرين الأعضاء في الإتحاد الأوروبي أو على الأقل تلك التي تشملها منطقة اليورو على أن تدرج في دساتيرها الوطنية فصلا قانونيا يحد من المديونية. وفي حالة الإخلال بتلك القاعدة، تفرض عقوبات على المخالفين.
كما ينتظر أن يدعو المجلس التنفيذي للإتحاد الأوروبي إلى إيجاد حلول للأزمة مثل إصدار سندات اليورو أو إنشاء صناديق جديدة لتمويل خطط الإنقاذ المستقبلية. وتتزامن هذه المحادثات مع تهديد وكالة “ستاندرد آند بورز” بخفض مستوى التصنيفات الإئتمانية لما يزيد عن 15 دولة بمنطقة اليورو. ومن شأن هذا القرار أن يزيد في الضغوط المسلطة على هذه المنطقة والتي زادت في الأسابيع الأخيرة.
رينييه شفوك، أستاذ بالمعهد الأوروبي التابع لجامعة جنيف، ومانفريد غيرتنر، أستاذ وخبير في الشؤون الاوروبية بجامعة سانت غالن يقدمان تحليلاهما للمخاطر الفورية التي تواجه الإتحاد الاوروبي.
swissinfo.ch: تحاول أوروبا العودة إلى سياسات مالية متشددة، وتدعو المانيا وفرنسا إلى إدخال “قاعدة ذهبية” جديدة في الدساتير الوطنية. في الوضع الحالي هل من الممكن الجمع بين الإنهيارات الإقتصادية والأحكام القانونية؟
رينييه شفوك: مقترحات نيكولا ساركوزي وانجيلا ميركل ليست جديدة. وتوقعاتهما أدنى بكثير مما ينتظره المراقبون. فهما لا يقترحان مثلا إجراء محادثات حول سبل تعزيز دور البنك المركزي الأوروبي، ولا إنشاء سندات لليورو، أو أي شيء مواز لذلك، أو منح سلطات رقابية جديدة للمفوّضية الاوروبية.
أما “القاعدة الذهبية”، فهي ليست سوى نسخة أخرى من النقاط المتضمنة في ميثاق الإستقرار. ولكن بتغيير طفيف في مجال العقوبات. فالعقوبات لا تطبّق حاليا إلا إذا وافقت أغلبية موصوفة من أعضاء المجلس الأوروبي. ما يقترحه ساركوزي وميركل هو أن تكون العقوبات آلية، وأن لا تعرقل تنفيذها سوى أغلبية موصوفة من المجلس الأوروبي. هذه المقترحات تسير في الإتجاه الصحيح. ومع ذلك فهي غير كافية لمنع حدوث مشكلات داخل منطقة اليورو في المستقبل.
الهوة تتسع. وتظهر على السطح أكثر فأكثر “أوروبا بسرعتيْن”. ويقول البعض أن “المعاهدة الجديدة” لن تتسع إلى كل البلدان الأعضاء؟
رينيه شفوك: يرغب كل من ساركوزي وميركل أن يكون أي اتفاق جديد جزءً من المعاهدات القائمة، ربما في شكل بروتوكول لا توقعه إلا البلدان الأعضاء في منطقة اليورو. وهذا ما يطلق عليه التعاون الموسّع، وهي الآلية التي تسمح لبعض الدول بإحراز تقدم بشان بعض القضايا المحددة دون مشاركة بلدان أخرى بالضرورة. والشرط الوحيد هو أن الدول التي لا توافق على ذلك تترك للآخرين حرية المضي قدما.
كيف يمكن لدول مثل اليونان وإسبانيا الوفاء بإلتزاماتها بشأن الميزانية، وضمان نموها ورفاهها في نفس الوقت؟
رينيه شفوك: التدابير التي يتم مناقشتها ليست على المدى القصير. ويقينا هي تزيد من أخطار حدوث انكماش اقتصادي في بعض البلدان، لكن الأمل قائم أيضا في أن تقود هذه الإجراءات إلى انتعاش اقتصادي متماسك ومستدام على المدى المتوسط. هذا هو الذي تعلّق عليه الأمال من جهود المحور الألماني – الفرنسي.
هددت وكالة “ستاندرد آند بورز” بخفض مستوى التصنيفات الإئتمانية لما يزيد عن 15 دولة بمنطقة اليورو. ألا يمثل هذا صفعة للإقتصاديات “الهشة” وأيضا للبلدان التي تقدم نفسها “كمنقذ” مثل فرنسا والمانيا؟
مانفريد غيرتنر: لقد عبّرت ستاندرد آند بورز بوضوح عن رغبتها في تصعيد ضغوطها على الساسة في منطقة اليورو. هذه فضيحة في حد ذاتها، ويظهر بالكاشف لمن مازال لديه شك أن لشركات التصنيفات الإئتمانية أجندتها السياسية الخاصة. وهي صفعة على وجه أولئك الذين دافعوا على وكالة موديز بوصفها مجرد مقياس برئ في مجال التصنيفات الإئتمانية. وهو أيضا نداء للساسة الأوروبيين لكي يتخذوا تدابير ضد وكالات التصنيف هذه.
إذا ما نفّذت ستاندرد بورز تهديداتها، ما هي الإنعكاسات الإقتصادية المحتملة لذلك على أوروبا؟
مانفريد غيرتنر: تشير الدراسات الإحصائية إلى أن أي بلد يتم خفض تصنيفه الإئتماني بدرجة ، يزيد معدّل الفائدة الذي يتوجب عليه دفعه على ديونه بنسبة 50 نقطة. فألمانيا على سبيل المثال سوف يتوجّب عليها دفع 10.000 مليون يورو إضافية كل عام كخدمات لديونها . وينضاف إلى ذلك عجز بلغ حتى الآن 80.000 مليون يورو، ومن شان ذلك دفع وكالات التصنيف الإئتماني إلى خفض تصنيف هذا البلد مرة أخرى.
هذه الآلية سوف تتكرر في منطقة اليورو، وتقود إلى دوامة لا فائدة منها في هذه المرحلة، لأن الحكومات مجبرة على الحد أكثر من النفقات العامة في وضع يتميّز بالركود. فالصورة كما تبدو مخيفة.
وكالات التصنيف الإئتماني شهدت صعودا جعلها كالآلهة التي لا يرد لها شأن. ما الذي بالإمكان فعله للتوصل إلى اتفاق حول خطة أنقاد لمنطقة اليورو؟
مانفريد غرتنر: وكالات التصنيف هي موجودة منذ أزيد من قرن، وقد راكمت ثروات كبيرة من خلالها نشاطها، ولكن تقييمها كان منصبا على الشركات الخاصة. أعتقد أنه ليس من الضروري اللجوء إليها لتصنيف السندات الحكومية، ومن باب أولى في الوضع الراهن. ولكن قدرة هذه الوكالات الخاصة تسمح لها بدفع هذه الدولة أو تلك إلى الإفلاس. وهذا مدعاة للقلق حقيقة. توجد شبكة متشكلة من اصحاب المصالح الذين يحققون أرباحا من خلال حركة الصعود والهبوط التي تشهدها هذه الأزمة، والتي تشكل خطرا على الإقتصاد العالمي.
هل ستكون قمة بروكسيل “الموعد الحاسم” الذي يتحدث عنه منذ فترة الساسة الأوروبيون؟
رينيه شفوك: ستكون الأشهر الأولى من عام 2012 حبلى “بالمواعيد الحاسمة”، هذا إذا ما ظل اليورو في خطر، وتمت الموافقة من البرلمان على التعديلات التي اقترحها المجلس الأوروبي على المعاهدة، وحتى قبل إجراء استفتاء عليها.
التقت المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل بالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في باريس يوم الإثنيْن 5 ديسمبر 2011. وقام المسؤولان بصياغة وثيقة تهدف إلى “تعزيز بنية الإتحاد الأوروبي وحل الأزمة على الفور”. وسيعرضان هذه الوثيقة على قمة بروكسيل يوم الخميس 8 ديسمبر والتي سوف تتركز فيها المحادثات على أزمة منطقة اليورو.
من بين القضايا الشائكة المطروحة على طاولة المحادثات في بروكسل: تعديل المعاهدة الأوروبية، وهو أمر تصرّ عليه المانيا وذلك من أجل التنصيص على قيمة الإنضباط الجماعي بما في ذلك “القواعد الذهبية” بشأن توازن الميزانيات الوطنية، والعقوبات المالية ضد أي تراخ من البلدان الأعضاء، وإعطاء الإتحاد الأوروبي المزيد من الصلاحيات للتدخل بشان مشروع الميزانيات الوطنية.
الغرض النهائي من وراء الإجراءات المشار إليها سابقا هو أعطاء كل من ألمانيا والبنك المركزي الأوروبي المزيد من الفرص لحل أزمة الديون. وقد لمّح رئيس البنك المركزي الأوروبي إلى أنه بمقدور هذه المؤسسة فعل ذلك إذا ما تبنت القمة “ميثاقا عاما بشأن الميزانيات” في منطقة اليورو.
من المحاور الخلافية كذلك، سعي بعض البلدان الأعضاء إلى اعتماد تدابير على المدى القصير لحماية الوضع المالي بمنطقة اليورو، والدعوة إلى تعزيز آليات وخطط الإنقاذ ضمن تصور عام للوحدة النقدية.
مانفريد غرتنر: أستاذ كرسي بمعهد الإقتصاد بجامعة سانت غالن، أشرف على ميئات البحوث الإقتصادية خلال السنوات الماضية. ومن ابرز الموضوعات التي تحظى بأهتمامه مسألة الديون السيادية في أوروبا وتأثير المشروعات التي تشكل خطرا على الإقتصاد العالمي.
رينيه شفوك: عضو في مركز جون مونات للتميّز والتكامل الأوروبي، وأستاذ مبرّز بالمعهد الأوروبي بجامعة جنيف، وهو خبير مختص في السياسة والمؤسسات الأوروبية.
(نقله إلى العربية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.