كريدي سويس يلجأ إلى البترودولار لتمويل التحول
المصرف السويسري "كريدي سويس" يلوذ مرّة أخرى بدول الشرق الأوسط لتعزيز موقفه المالي في ظلّ خسائره المتزايدة وميزانيته المتدهورة.
في أعقاب الأزمة المالية العالمية لعام 2008، استحوذ الصندوق السيادي القطري، جهاز قطر للاستثمار، على حصة قدرها 5% في “كريدي سويس”، ثاني أكبر المصارف السويسرية.
واليوم، رحّب البنك الأهلي السعودي بالاستحواذ على 9.9% من أسهم “كريدي سويس” لقاء 1.5 مليار فرنك سويسري (1.5 مليار دولار أمريكي). ومن شأن هذه الصفقة أن تجعل البنك الأهلي السعودي أكبر المساهمين في المصرف.
وفي الوقت الحالي ووفقاً للموقع الإلكتروني الرسمي لكريدي سويس، تعدّ الشركة الاستثمارية الأمريكية هاريس أسوشيتس (Harris Associates) المساهم الأكبر في المصرف بحصة تزيد قليلاً عن 5%. ويندرج تحت كبار المساهمين، الذين يحوزون حصة أكبر قليلاً من 3%، كل من الصندوق السيادي القطري، وتكتل شركات استثمارية لها جذور قوية في السعودية، وهي مجموعة العليان.
ولأن كريدي سويس يرى الشرق الأوسط سوقا مهمة، كان المصرف قد صرّح الشهر الماضي عن نيته بتوسيع عملياته لتشمل دولة قطر بإطلاق مشروع مركز التكنولوجيا والهندسة.
وكان مسؤول تنفيذي في كريدي سويس، لم يُكشف عن اسمه، قد صرّح لصحيفة فاينانشال تايمز قائلاً: “لنا حضور في الشرق الأوسط منذ حوالي 60 عاما، وهي واحدة من المناطق التي ستشهد أقوى معدلات النمو على مدى العقد المقبل، وهو اقليم كُنّا قد ركزنا عليه ونسعى إلى تعزيز حضورنا فيه – خاصة وأن لدينا شركاء أقوياء هناك”.
وإجمال، يُخطط كريدي سويس لجمع 4 مليار فرنك سويسري من خلال استقطاب مساهمين جُدد والسماح للمساهمين الحاليين بشراء أسهم إضافية أصدرها المصرف مؤخّرا. وكان المصرف قد خاطب الصحفيين والصحفيات يوم الخميس الماضي وكشف تفاصيل توجهاته الاستراتيجية الجديدة، إلا أنه رفض الكشف عن تفاصيل هيكل المساهمين.
وفي حديث مع التلفزيون العمومي السويسري الناطق بالألمانية (SRF)، ردّ أكسل ليمان، رئيس مجلس إدارة كريدي سويس، على سؤال يتعلق بالاستثمارات السعودية قائلا: “إنه في غاية الأهمية أن تكون ميزانيتنا على درجة كبيرة من القوّة كي نتمكّن من تنفيذ مشروع التحوّل، كما أن هذا سيوفّر لنا هامشا احتياطيا يُمكّننا من مواجهة التقلبات التي قد تطرأ في بيئة مليئة بالتحدّيات”.
خسائر متراكمة
وكان كريدي سويس قد عانى على مدى السنة المالية السابقة خسائر متراكمة بلغت ذروتها في الربع السابق الذي سجّل خسائر قدرها 4 مليار فرنك سويسري، ويرجع السبب الرئيسي في هذه الخسائر إلى الضريبة التي تُدفع مرّة واحدة وترتبط بإعادة هيكلة المصرف. وفي إطار عملية إعادة الهيكلة، التي ستُكلف 2.9 مليار فرنك سويسري، سيستغني المصرف عن 9 ألف موظف وموظفة على مدى السنوات القادمة.
وسيمنح رأس المال الإضافي مُتنفّسا للمصرف يأتي من بيع أجزاء كبيرة من أعماله المصرفيه الاستثمارية غير المربحة، والتخلّي عن الأصول عالية المخاطر.
وكانت مؤسسة إيثوس، وهي مجموعة ترعى مصالح المساهمين السويسريين تضم أكثر من 120 صندوقا للمعاشات التقاعدية ومؤسسة ذات منفعة عامة، قد أعربت عن خيبة أملها من الطريقة التي استُحدثت بها الأسهم الجديدة والاستئثار في عرضها على جهات تفضيلية.
وفي حديث مع SWI swissinfo.ch، صرّح فينسنت كاوفمان، الرئيس التنفيذي لمؤسسة إيثوس، “ننتقد دخول مساهم إستراتيجي جديد في رأس المال في ظلّ التقييم الحالي للبنك. إذ أن المساهم الجديد سيتحوذ على 10% من رأس المال لقاء 1.5 مليار فرنك سويسري فقط. ونرى أن هذه الخطّة ستؤلّب المساهمين الحاليين الذين سيعانون جرّاء الإضعاف الكبير لحصصهم.”
وتدرس إيثوس خياراتها قبل أن تتخذ قرارها بشأن زيادة رأس المال الذي سيُطرح للتصويت في اجتماعها العام الاستثنائي الشهر المقبل. ومن ناحية أخرى، أعربت المجموعة الاستثمارية عن ارتياحها لقرار كريدي سويس بإجراء تخفيض كبير على عملياته المصرفية الاستثمارية المحفوفة بالمخاطر والتركيز على إدارة الثروات.
التأكيد على الجذور السويسرية
ويرجع السبب في عدد كبير من المشاكل التي واجهت المصرف مؤخراً إلى انهيار استثماراته في صفقات “عالية الأوكتان”، أي في أسهم الشركات سريعة النمو ذات المخاطر العالية والعوائد الضخمة، بعد انهيار شركة جرينسل كابيتال Greensill وشركة أرشيجوس كابيتال لإدارة الأصول وArchegos.
ويرى أندرياس إيتا، الشريك الإداري في شركة أوربيت 36 “Orbit36” للاستشارات الإدارية ومقرّها زيورخ، أن كريدي سويس قد اتخذ قرارات صائبة في مراجعة إستراتيجيته.
وقال إيتا في حديث مع SWI swissinfo.ch “من المنطقي تخفيض الأنشطة المصرفية الاستثمارية. وفي رأينا فليس أمام المصرف العديد من الخيارات العملية الأخرى. ومن المنطقي أن يجمع 4 مليار فرنك سويسري لتغطية تكاليف إعادة الهيكلة؛ فتنفيذ التغييرات دون رأس المال الإضافي سيكون محفوفا بالمخاطر، لأنه سيثير شكوك السوق حول قدرته على تمويل مشروع إعادة الهيكلة.”
وفي يوم الخميس خاطب أكسل ليمان رئيس مجلس إدارة بنك كريدي سويس وسائل الإعلام، مشيرا إلى الأب المؤسس للبنك السويسري ألفريد إيشر. وقال ليمان إن مهمته هي “إعادة بناء كريدي سويس كبنك قوي وفعال بأسس راسخة – صخرة صلبة كجبالنا السويسرية. بنك فخور بجذوره السويسرية وانتشاره العالمي”. وتحقيقا لهذه الغاية، ينتهج كريدي سويس مسلكا يبتعد فيه عن العالم مرتفع المخاطر الذي يعجّ بمضاربين من بورصة وول ستريت في الولايات المتحدة متجهّا نحو شبكة الأمان التي يوفرّها البترودولار في الشرق الأوسط.
ترجمة: ريم حسونة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.