كيف هو وضع الاقتصاد السويسري في الربع الثاني من هذا العام؟
يبدو وضع الاقتصاد السويسري خلال الربع الثاني من العام الجاري ملتبسا إلى حد ما ويختلف الأمر من قطاع إلى آخر: من جهة نمو متعثّر، ومن جهة أخرى قطاع سياحي واعد وساعات فاخرة تلقى رواجا غير مسبوق. في ما يلي تحليلنا لحالة كل قطاع على حدة.
1 – تراجع النمو واستمرار التضخم
أكدت أمانة الدولة للشؤون الاقتصادية (SECO) في منتصف شهر يونيو، التوقعات التي أعلن عنها في شهر مارس الماضي خبراء الكنفدرالية من أن نمو إجمالي الناتج المحلي في البلاد سيكون بنسبة 0.8٪ في عام 2023، وأن هذا النمو سوف يتسارع ليبلغ 1.8٪ العام المقبل. وكانت هذه النسبة قد بلغت 2.1٪، خلال العام الماضي.
وساعد الطلب المحلي، فضلا عن ارتفاع الصادرات الصناعية، على استدامة النمو في النصف الأول من هذا العام، ولكن خبراء الاقتصاد يتوقعون تباطئ الاقتصاد السويسري إلى حد ما في النصف الثاني من هذا العام، ويرجع ذلك على وجه الخصوص إلى السياسات النقدية التقييدية التي تتبعها البنوك المركزية في أوروبا وأمريكا الشمالية، والتي من شأنها أن تضعف الطلب الدولي، وذلك حسب أمانة الدولة للشؤون الاقتصادية.
وقد خفض المصرف الوطني السويسري (BNS) توقعاته الخاصة بالتضخم للعام الحالي من 2.6٪ إلى 2.2٪ حتى الآن. ويفسر هذا التفاؤل النسبي بانخفاض أسعار النفط والغاز، بعد الارتفاع المهول بسبب الحرب في أوكرانيا، فضلا عن ارتفاع قيمة الفرنك مقابل الدولار واليورو، مما يقلل من فاتورة السلع المستوردة.
ومع ذلك، أقدم المصرف الوطني على رفع سعر الفائدة الرئيسي مرة أخرى بمقدار 0.25 نقطة في 22 يونيو، ليبلغ 1.75٪، مشيرا إلى الزيادة الأخيرة في الضغط التضخمي على المدى المتوسط. وكان المصرف الوطني السويسري مسرورا بالمساعدة في التخفيف من ارتفاع الأسعار خلال الأشهر الأخيرة، لكنه لم يستبعد المزيد من رفع أسعار الفائدة لضمان استقرار الأسعار.
المزيد
المصرف الوطني السويسري يرفع أسعار الفائدة في خطوة مفاجئة
2 – صيف واعد بالنسبة للمشتغلين في القطاع السياحة
المشتغلون بالقطاع السياحي متفائلون بشأن موسم الصيف الذي قد بدأ. ووفقا لتحقيق أجرتهرابط خارجيهيئة السياحة السويسريةرابط خارجي، من المتوقع أن يحقق أصحاب الفنادق أرقام مبيعات أعلى بكثير مقارنة بالسنة الماضية، وأن يسجّل هذا القطاع نسبة نمو تزيد عن 27٪ على مستوى الليالي السياحية. وتنعكس الثقة بوضوح في المناطق الجبلية، ولكن أيضا وعلى وجه الخصوص، في المدن السويسرية، التي هُجرت خلال الجائحة.
وسيكون هذا الانتعاش مدفوعا بشكل خاص بالزبائن القادمين من الدول غير الأوروبية (+21٪)، الذين لم يعودوا يعانون من قيود السفر الناجمة عن جائحة كوفيد – 19. لكن مقارنة بصيف عام 2019 الذي شهد أعدادا قياسية، لم نشهد بعد عودة إلى العدد الطبيعي للسياح الأجانب.
ولا يزال عدد المسافرين من الصين على وجه الخصوص متدنيا، وقد قالت ليان بوركارد، المتحدثة باسم هيئة السياحة السويسرية “خلال الفترة من يناير إلى أبريل، لا يزال عدد الليالي المقضاة في الفنادق التي يمضيها الزبائن من “الصين الكبرى” منخفضا بنسبة 70٪ تقريبا مقارنة بما كان عليه الوضع في عام 2019.
المزيد
ما هي أحوال الاقتصاد السويسري؟ تقييم للأداء في الربع الأول من السنة
3 – صناعة الأدوية تستعرض قوتها
أدى الانخفاض الحاد في الطلب على المنتجات المخصصة لمكافحة جائحة كوفيد-19 إلى انخفاض مبيعات شركة روش بنسبة 3٪ في الربع الأول، لكن النمو القوي في أقسام الأدوية والتشخيص فيها ساعد في تعويض بعض الخسائر. وتدعو موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على دواء تجريبي لمرض سرطان الدم العضال إلى بعض التفاؤل، حيث تواجه روش منافسة متزايدة من الشركات المصنعة للأدوية الجنيسة للعديد من علاماتها التجارية.
وارتفعت مبيعات شركة نوفارتيس المنافسة التي تتخذ من بازل مقرا لها بنسبة 8 % في الأشهر الثلاثة الأولى من العام. كما أعلنت هذه الشركة السويسرية العملاقة عن نتائج إيجابية للتجارب السريرية لدواء مهم لعلاج سرطان الثدي، والاستحواذ على شركة أمريكية للتكنولوجيا الحيوية تقدم أدوية بلغت مرحلة متقدمة لعلاج أمراض الكلى. وسيساعد ذلك على تعزيز مكانتها كشركة أدوية مبتكرة في سياق بيع فرع أدويتها الجنيسة ساندوز.
المزيد
مكافحة التزوير: تخصص سويسري تكتنفه السرّية
4 – إدراج مهم في البورصة في الصين واندماج الشركات العملاقة العاملة في مجال العطور
وافق مجلس إدارة بورصة شنغهاي في شهر مايو، على الادراج الذي طال انتظاره لشركة البذور السويسرية العملاقة سينجينتا في البورصة. ومن المرجح أن يصبح هذا الإدراج في البورصة الذي تبلغ قيمته 9 مليارات دولار (8.05 مليار فرنك سويسري) الأكبر في العالم هذا العام، ورابع أكبر إدراج على الإطلاق في الصين. وفي سياق التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين، تناقش العديد من البنوك ما إذا كان بإمكانها أو ينبغي لها المشاركة في العرض.
وتشكل الصين هي أيضا محور تركيز المديرين التنفيذيين في DSM-Firmenich، وهي شركة مواد التغذية والتجميل السويسرية الهولندية التي اندمجت في شهر مايو. ويثقل تدني أسعار الفيتامينات كاهل الشركة، التي تتوقع تحقيق أرباح معدلة في حدود 400 إلى 420 مليون يورو (391-411 مليون فرنك سويسري) في الربع الثاني من عام 2023، مقارنة ب 582 مليون يورو في الربع الثاني من عام 2022. ومن أجل خفض التكاليف، تخطط الشركة لإغلاق مصنع للفيتامينات في الصين، وهو الثاني في البلاد هذا العام.
5- ساعات فاخرة تلاقي رواجا منقطع النظير
خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام، تجاوزت شحنات الساعات السويسرية إلى الخارج حاجز 10 مليارات فرنك وبلغت نسبة 11.3٪ متجاوزة بذلك مستواها في عام 2022، وفق ما صرحت به رابطة صناعة الساعات السويسرية (FH) في نهاية يونيو. وقد تجاوزت هذه النتائج توقعات المحللين. وعلى سبيل المثال، توقعت فونتوبل نموا يتراوح بين 1 و3٪ هذا العام.
ويعلق أوليفييه مولر، مؤسس وكالة لوكس كونسلت luxeconsult الاستشارية “تصمد أكبر سوق للتصدير في الوقت الحالي وهي الولايات المتحدة، بشكل أفضل من المتوقع، ويرجع الفضل في ذلك بشكل خاص إلى الطلب المستمر على الساعات الفاخرة. وفي الوقت نفسه، عادت الصين إلى النمو بعد انتهاء عمليات الإغلاق المرتبطة بالجائحة. وهذا تطور جيد”.
ومع ذلك، من المتوقع أن يتباطأ النمو في الولايات المتحدة في النصف الثاني من العام. لكن لن يمنع ذلك صناعة الساعات السويسرية من تسجيل عام قياسي آخر، كما يتوقع أوليفييه مولر. ويرحب الخبير أيضا بالزيادة في عدد الساعات (حوالي 15٪) المصدرة منذ بداية العام. وهذه علامة على أن الساعات من أول صنف (التي تباع بأقل من 500 فرنك سويسري للساعة) تستعيد بعض الجاذبية في نظر المستهلكين والمستهلكات، بعد انخفاض مطرد لوحظ طيلة أكثر من عقدين.
6 – صدمة القطاع المالي جراء كارثة كريدي سويس
هيمنت على أخبار الساحة المالية السويسرية، تداعيات الاستحواذ القسري على كريدي سويس من قبل أكبر منافسيه يو بي إس UBS والذي تم الانتهاء منه في 12 يونيو.
وتفحص لجنة تحقيق برلمانية ومدعين فدراليين عملية الإنقاذ الطارئة. كما يقاضي حوالي 2500 من حاملي سندات كريدي سويس، السلطة الفدرالية لمراقبة الأسواق المالية لشطبها نوعا خاصا من سندات المستوى الإضافي 1 (AT1) مصممة لمساعدة البنوك المتعثرة على تجنب الإفلاس.
وتركز المناقشة أيضا على اللائحة التنظيمية “أكبر من يُسمح بانهيارها”، والتي تهدف إلى تجنب كارثة على غرار انهيار كريدي سويس. وحتى المصرف الوطني السويسري يعتقد أن هذه اللوائح أثبتت عدم كفايتها.
وبعيدا عن هذه القصة الملحمية بين كريدي سويس ويو بي إس، شهدت البنوك الخاصة السويسرية انخفاض أصولها المدارة بنسبة 11٪ العام الماضي، وفقا لشركة الاستشارات KPMG. وانخفض حجم الأموال الجديدة المودعة من قبل العملاء بشكل كبير مقارنة بعام 2021.
المزيد
هل يتحمل دافعو الضرائب تكلفة شطب سندات كريدي سويس الإضافية
تحرير: فيرجيني مانجان
ترجمة: مصطفى قنفودي
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.