لا يزال لدى المصارف الكثير لتفعله بشأن مسألة التنوع
تشير مقالة في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إلى أن اضطرار الفرنسي - الإيفواري تيدجان تيام إلى الاستقالة من منصب الرئيس التنفيذي لمصرف ‘كريدي سويس’ في بداية العام، له علاقة بالعنصرية أيضاً. وفي الواقع، كان تيام الرئيس الوحيد الداكن البشرة لأحد المصارف السويسرية الكبيرة. السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يتعامل عالم المصارف - وخاصة مصرف كريدي سويس - مع موضوع التنوع؟
تؤكد مُعظم المصارف الكُبرى في تقاريرها السنوية على الأهمية التي توليها للتنوع ودَعم الأقليات. هذه النتيجة توَصَّل إليها تقييم أجرته وكالة التوظيف DHR Internationalرابط خارجي. والمقصود بالتنوع هو تَنَوع الموظفين من حيث عوامل مختلفة، مثل الجنس، والأصل، والعِرق، والتوَجُه الجنسي، والعمر، والدين وما إلى ذلك.
رغم مرور ثمانية أشهر تقريباً على استقالته من منصبه كرئيس تنفيذي لمصرف ‘كريدي سويس’، لكن تيدجان تيام عاد إلى تَصَدُّر العناوين الرئيسية مرّة أخرى، بعد أن أثارت صحيفة نيويورك تايمز في مقال مُفصلرابط خارجي تساؤلات حول ما إذا كان إنهاء تيام لعمله في المصرف يتعلق بدوافع عنصرية أيضاً.
الصحيفة الأمريكية لم تُعطِ إجابة قاطعة. لكن المقال المنشور في بداية شهر أكتوبر الجاري لا يترك مجالًا للشك – بين السطور على الأقل: لون بشرة تيام لعب دوراً في استقالته. وكانت الصحيفة قد أشارت على سبيل المثال إلى العروض التي أقيمت في حفل عيد ميلاد رئيس مجلس إدارة ‘كريدي سويس’ أورس رونَر في نوفمبر 2019، والتي اعتبرها تيام عنصرية على ما يبدو. وقد اعتذر المصرف مؤخراً عن هذه الواقعة بناءً على طلب صحيفة الغارديانرابط خارجي البريطانية التي غطَّت الحَدَث.
وكان الرجل أصيل كوت ديفوار البالغ من العمر 58 عاماً قد غادر المصرف الكبير في شهر فبراير 2020 بعد أن تَبَين قيام المصرف بـ تَتَبُّع العديد من كبار المديرين العاملين فيه.
رغم ذلك، لم يتغير الكثير، كما تقول أنينا كريستينا هيلّه، التي تجري بحثاً حول موضوع التنوع في جامعة لوتسيرن للعلوم التطبيقية والفنونرابط خارجي. ورغم ان أرباب العمل في سويسرا، وبخاصة المصارف الكبرى ملتزمون جداً بهذا الموضوع، لكن التنوع في نهاية المطاف لا يتعلق بالاقتصاد فَحَسب، ولكن بالسياسة والمُجتمع أيضاً.
التركيز على النوع الاجتماعي
عندما يتعلق الأمر بالتنوع، تركز المصارف (وهي لا تنفرد في ذلك) حتى الآن بشدة على المساواة بين الجنسين. “عندما يتحدث الناس اليوم عن التنوع، يفكر غالبيتهم في الجنس”، تقول هيلّه. “ربما لأن الجنس [أوالنوع الاجتماعي أو الجندَر أو النوع الجنساني] كان قضية سياسية رئيسية خلال السنوات الأخيرة؛ ولأنه يمسّ نصف السكان”، كما تعتقد الباحثة.
لا عَجَب إذن أن يكون هذا هو المجال الذي أُحرِزَ فيه التقدم الأكبَر. وقد خلُصَت دراسة أجرتها شركة الاستشارات ‘أوليفر فيمان’ (Oliver Wyman) في نهاية عام 2019 إلى استنتاج مَفادَه أن الكلمات الخَيّرة والإيجابية للمصارف، وعملها الجاد والملتزم، حققت نتائج فعلية في النهاية. فعلى الأقل، نرى أن نسبة 20% من أعضاء المجالس التنفيذية اليوم هم من النساء. ورغم ان هذه النسبة جيدة، لكنها لا تزال واحدة من بين خمسة فقط، ومن الواضح أن المرأة لا تزال مُمثلة تَمثيلاً ناقصاً في المناصب القيادية، حيث تشكل النساء عموماً أكثر من نصف إجمالي القوى العاملة في المصرف.
هياكل قليلة لتعزيز الأقليات
إن تعزيز المساواة بين الجنسين أمرٌ جيّد، لكنها كما يبدو تلقي بظلالها على مسألة تعزيز [حقوق] الأقليات. ففي دراسة استقصائية أجرتها جامعة لوتسيرن للعلوم التطبيقية والفنون، ذكرت 92% من الشركات السويسرية المشمولة بالدراسة أن إدارة قضايا التنوع لديها تضمّنت موضوع الجنس. في المقابل، أشارت 49% فقط من الشركات إلى اهتمامها بالعِرق.
عند الحديث عن التدابير الملموسة، نرى أن الفجوة تصبح أكثر وضوحاً: حيث ذكرت 54% من الشركات أن لديها شبكات ومجموعات مُخَصَّصة للنهوض بالمرأة، ولكنها بالمقابل لا تتوفر إلّا على القليل جداً (9% فقط) من الهياكل المُماثلة للنهوض بالأقليات العرقية (أو الإثنية).
مكانة جيّدة لـ ‘كريدي سويس’
وماذا عن مصرف ‘كريدي سويس’ على وجه الخصوص؟ عندما يتعلق الأمر بمسألة المساواة بين الجنسين، فإنه يحتل مكانة جيدة بالمقارنة مع غيره في هذا القطاع، حيث تجلس 3 نساء من أصل 13 شخصاً في مجلس الإدارة، وهو ما يتوافق تماماً مع المتوسط في هذا القطاع. في المقابل، تزيد نسبة الإناث في المناصب الإدارية عن المتوسط، حيث تبلغ 27% في مصرف ‘كريدي سويس’ (محقِقة بذلك أداءً أفضل من المتوسط). وبشكل عام، فإن 22% من موظفي الإدارة العليا هم من النساء – في حين يقل متوسط النساء في مجمل القطاع المصرفي عن 17%، وفقاً لمسح أجرته كلية سكيما للأعمال (Skema Business School).
تبحث أنينا كريستينا هيلّه بانتظام في مسألة كيفية تعامل الشركات السويسرية المُختلفة مع المعنى الأوسع للتَنوع. وفي استطلاع للرأي أجرته الباحثة عبر الإنترنت، وشاركت فيه العديد من المؤسسات المالية، طَرَحَت هيلّه عليهم حوالي خمسين سؤالاً حول تنظيمهم العام، وإدارتهم للتنوع، وتكوين موظفيهم من حيث العمر، والجنس، والجنسية، والدين، والصحة / الإعاقة. ويعطي توليف جميع هذه البيانات مؤشر التنوع، الذي نُشر آخر مرة في عام 2018. وفي ذلك الوقت، احتل مصرف ‘كريدي سويس’ المرتبة الأولى، مُتقدما بذلك على شركة ‘إيكيا’ (IKEA) ومعهد بول شيرَر للأبحاث (Paul Scherrer).
من جانبه، شارك المصرف السويسري الكبير الآخر ‘يو بي أس’ في الاستطلاع في عام 2014. وحينها، لم يكن حتى ضمن المراكز العشرة الأولى، بينما احتل ‘كريدي سويس’ المركز الرابع.
بالنسبة إلى هيلّه، لم يكن الأداء الجيّد لـ ‘كريدي سويس’ مفاجئاً. فهي تعلم من واقع خبرتها أن الشركات الدولية الكبيرة تميل لأن تكون أكثر وَعياً بقضايا التنوع. “المساواة وحدها لا تكفي في عالم الأعمال. لكن عندما نُسلِّط الضوء على الفوائد التي يحققها التنوع – مثل حقيقة أنه يتيح استخدام إمكانات الموظفين بشكل أفضل – فإن الشركات تستجيب بشكل جيّد”.
ما زال هناك الكثير مما ينبغي القيام به
في نهاية المطاف، فإن أحداً لا يُجبِر المصارف السويسرية على تنفيذ هذه الإجراءات، كما أنها لا تتعرّض للمساءلة حول ذلك من أي طرف. على الجانب الآخر، يختلف الأمر في الولايات المتحدة، موطن نقاش مسألة التنوع وحركة “حياة السود مهمة” (Black Lives Matter). فهناك، تُلزَم الشركات الكبيرة بتزويد السلطات ببيانات حول تنوع القوى العامله لديها، وهي آلية لا تُنَفّذ في سويسرا.
في عام 2019، قامت صحيفة “الواشنطن بوست” بتحليل البيانات المُتاحة من قبل المؤسسات المالية وتوصلت إلى استنتاج لا لُبس فيه، هو أن “المصارف تجد صعوبة في زيادة عدد ذوي البشرة الداكنة في المناصب القيادية”.
وكان تقرير صادر عن لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب الأمريكي قد توصل إلى استنتاج مماثل، يرى أن المصارف الأمريكية الكبرى “لا تزال في أيدي الرجال البيض، وبأنه ما زال هناك الكثير مما ينبغي القيام به”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.