“لقد استغل معارضو ومعارضات المبادرة ظرف الجائحة بنجاح”
بعد حملة قوية، رفض الناخبون السويسريون إقرار دعم إضافي لفائدة وسائل الإعلام. وترجع الخبيرة السياسية مارتينا موسّون هذه النتيجة إلى أن الاقتراع قد أجري في جو عام يسوده الشك تجاه الصحافيين والحكومة، كما أن الحزمة المقترحة كانت شاملة للغاية.
باءت المبادرة بشأن إقرار حزمة مساعدات لدعم وسائل الإعلام بالفشل، وذلك في الاقتراع الذي أجري يوم 13 فبراير الجاري. حيث جاء الرفض بنسبة 54،6% أكثر حسماً مما كان متوقعاً. ونصت المسودة التي قدمتها السلطات الرسمية على دعم الصحف ومحطات الإذاعة والتلفزيون الخاصة، وكذلك وسائل الإعلام الإلكترونية الناشئة بمبلغ 151 مليون فرنكاً إضافياً سنوياً، وهذا لأجل ضمان تنوع وجودة المعلومات.
أما الجائحة الصحية التي شكلت كواليس المعركة الانتخابية، فقد ألقت بظلالها على هذه المسودة، مثلما تعلق مارتينا موسّون، الخبيرة في معهد gfs.bernرابط خارجي للأبحاث واستطلاعات الرأي ببرن.
swissinfo.ch: هل تعتقدين أنه كان من الممكن أن يُوافق الناخبون يوم الأحد الماضي على حزمة المساعدات المقترحة لدعم الإعلام، لو لم تكن هناك أزمة كوفيد التي واكبها قدر كبير من الريبة تجاه الصحافة؟
مارتينا موسّون: من الصعب الإجابة على هذا السؤال، ولكن الجائحة خلقت بلا ريب جواً من الشك تجاه الإعلام. وقد استغل معارضو ومعارضات المبادرة ظروف الجائحة بنجاح. كما أنهم استفادوا كثيراً من نشر الفيديو الذي ظهر فيه مارك فالدر الناشر بمؤسسة رينجيه الإعلامية، حيث اعترف هذا الناشر أنه قد طلب من الصحافيين والصحافيات عدم ممارسة نقد لاذع للحكومة أثناء أزمة كوفيد-19. إذن فلقد أضفى هذا الجدل طابعاً خاصاً على الحملة، إذ أجج مشاعر الريبة في حرية الإعلام واستقلاليته.
لقد كانت النبرة التي سادت الحملة شديدة الحدة أيضاً، حيث قامت كلا الجهتين بتبادل التهم حول التلاعب في الأرقام. فكيف وصل الأمر إلى هذا التوتر؟
إن هذا الجو المشحون أصبح ملحوظاً منذ مدة قبيل الاقتراعات. ومثل هذه التوترات تؤجج الشك بين صفوف الناخبين، وتسئ إلى مصداقية المعلومات التي تصدر عن السلطات، كما أنها تعطي للآخرين شعوراً بأنه يتم إخفاء شيء ما عنهم.
على صعيد آخر، وافقت سويسرا الروماندية (أي المتحدثة بالفرنسية) على مساعدات الإعلام. إذن فالاقتراع قد ساده هذا الصدع الشهير “روشتي غرابن” بين الأنحاء المتحدثة بالفرنسية والمناطق المتحدثة بالألمانية. فكيف تفسرين هذا؟
على عكس ما نلاحظه منذ عدة سنوات، فإن الفجوة بين المناطق الحضرية والريف لم تكن مؤثرة. إلا أن الفجوة الشهيرة بين سويسرا الناطقة بالألمانية وسويسرا الروماندية عادت للظهور مرة أخرى.
في سويسرا الروماندية لعب الخوف من فقدان المزيد من وسائل الإعلامالمحلية دوراً هاماً. أما في كانتون تيتشينو فلم يكن هذا هو الحال، لهذا رفض هذا الإقليم الناطق بالإيطالية القانون المقترح. ويمكننا من هذا الاستنتاج أن إنقاذ الصحافة المحلية لم يكن هو العامل الأهم في هذه المبادرة.
بل إن المواطنين والمواطنات قد اتخذوا قرارهم بالأحرى بناءً على سؤال أساسي يتمثل فيما إذا كان من واجب الدولة دعم الصحافة، أم أن هذا الدعم من شأنه تهديد استقلال الإعلام. ولقد واجه القرار صعوبةً إضافية تمثلت في اختلاف موقف وسائل الإعلام نفسها منه، إذ لم تكن جميعها مؤيدة للمشروع المقترح.
المزيد
السويسريون يرفضون حزمة مُساعدات حكومية لفائدة وسائل الإعلام الخاصة
هل كان الناخبون والناخبات ضد دعم الإعلام بصفة عامة، أم ضد هذه الحزمة واسعة النطاق التي طرحت للاقتراع؟
لا يعارض الناخبون والناخبات دعم الإعلام بصفة عامة. فاستطلاعات الرأي التي أجريت قبيل الاقتراع قد أسفرت عن تثمين السويسريين رجالاً ونساءً للدور الذي تلعبه وسائل الإعلام. إلا أن هذه الحزمة من إجراءات الدعم كانت زائدة عن اللزوم.
لماذا يطرح البرلمان إذن مراراً وتكراراً مثل هذه الحزم للاقتراع، طالما أنها لا تجد صدىً إيجابياً لدى المواطنين والمواطنات؟
المشكلة لا تكمن في أن الناخبين والناخبات لا يرغبون في مثل هذه الحزم، بل في أنها من ناحية تتضمن بعض الجوانب التي يسهل انتقادها، ومن ناحية أخرى فإن هذه الحزم تكون أصعب في التعامل معها. إلا أن هذه الاستراتيجية ليس محكوما عليها بالفشل، مثلما أظهرت المبادرة الإصلاحية لضرائب الشركات والتي قوبلت بالتأييد، حيث كانت مربوطة بإصلاح تمويل معاش التقاعد والأيتام القصر ـ لقد كانت بدورها حزمة هائلة.
هزيمة أخرى منيت بها عضوة الحكومة الفدرالية سيمونيتا سوماروغا، التي خسرت اقتراعاً حول قانون انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في العام الماضي. فهل أدى ذلك إلى زعزعة مركزها في الحكومة؟
يمكن القول بأن الحظ لم يحالفها في تلك المبادرات. فضلاً عن ذلك، فإنها الوزيرة الفدرالية ذات ثاني أطول مدة خدمة. وأتوقع أن يتم تداول فكرة أنها لم تعد في أفضل حالاتها. كما يمكنني التخيل أن المعارضة سوف تستغل هذه المسألة للمطالبة باستبدالها. لكن السيدة سوماروغا ليست الوحيدة التي خسرت في مثل هذه الاقتراعات ـ فهذا ينطبق أيضاً على الوزير الفدرالي أولي ماورر. في واقع الأمر، إن أثر الاقتراعات ينعكس بالأحرى على الوزارة بأكملها وكذلك على البرلمان.
بالفعل، لقد خسرت الحكومة الفدرالية حينما رُفضت المبادرات الخاصة بدعم الإعلام، وإلغاء رسوم الدمغة وبقبول المبادرة المناهضة لإعلانات التبغ الموجهة إلى المراهقين، وذلك في ثلاثة من أربع مشروعات طُرحت للاقتراع. فهل يمكن تفسير هذا على أنه من قبيل انعدام ثقة الناخبين المتزايدة في الحكومة الفدرالية؟
لا، إن المسألة لا تتعلق بنقد أساسي للحكومة أو للسياسة السويسرية بصفة عامة. بل إننا نلمس وجود الثقة في الحكومة. فهذا الأمر لا يزال لم يتأثر.
إلا أنه يسود جو من الشك الذي يظهر من حين لآخر إبان الاقتراعات. علاوةً على ذلك، فقد غيّرت الجائحة في طبيعة الجدل السياسي داخل سويسرا. فقبل الأزمة قُبل استفتاء من أصل أربعة، أما الآن فقد وصلنا إلى قبول حوالي استفتاء واحد من اثنين.
في هذا السياق، أؤكد على مواجهة الحكومة الفدرالية صعوبةً في أن تجد آذاناً صاغية، ربما لأن التفاهم إبان جائحة يصبح أكثر صعوبة. فالناس يتناقشون أقل مع بعضهم البعض؛ كما أن القدرة على تفهم موقف الآخرين، تضعف.
ختاماً، لقد أعلن حزب الشعب السويسري (يمين محافظ) مؤخراً عن مبادرته الجديدة، التي يسعى من خلالها إلى شن حملة ضد الرسوم المفروضة على البث الإذاعي والتلفزيوني العمومي بغرض تخفيضها إلى النصف تقريبا. فما هي فرص نجاح هذه المبادرة؟
من الصعب التكهن بنتائج هذه المبادرة في الوقت الراهن. وربما أصبحت معركة مشابهة لما حدث مع مبادرة “نو بيلاغ” (المبادرة التي طرحها حزب الشعب السويسري لإلغاء الرسوم على البث الإذاعي والتلفزيوني)، والتي أجريت عام 2018 وقوبلت بالرفض في نهاية المطاف. وبالتأكيد، فإن العوامل الإقليمية واللغوية سوف تلعب دوراً هاماً مجدداً.
المزيد
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.