لماذا ترفض سويسرا تنفيذ عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد الصين؟
ارتأت سويسرا، بصمت، عدم تطبيق العقوبات التي أقرَّها الاتحاد الأوروبي عام 2022 على الصين. فما السبب وراء هذا الموقف؟ انبرينا في رحلة للبحث عن الأجوبة.
كان السفير الصيني قد حذَّر من عواقب انضمام سويسرا إلى العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على الصين. وبعد شهر من هذا التحذير، جاء القرار السويسري بعدم اللحاق بالركب الأوروبي. ورغم عدم وجود أدلة تربط بين التحذير الصيني والرفض السويسري، إلَّا أنَّ رالف ويبر، أستاذ الدراسات الأوروبية العامة في جامعة بازل، يرى أنَّ القرائن الظاهرية تشير إلى أن سويسرا تتجنب اتخاذ موقف واضح من الصين، وأن دافعها الحقيقي هو دافع اقتصادي.
ففي مارس 2021 فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على شخصيات وشركات صينية على إثر اتهامات بانتهاك الصين لحقوق شعب الأويغور. وسارعت جميع دول الاتحاد الأوروبي، ومعظم القوى الغربية، بما في ذلك المملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا وأيسلندا والنرويج، إلى تطبيق هذه العقوبات. وظلَّت سويسرا، التي تردَّدت في اعتماد العقوبات، ترزح تحت ضغوط لاتخاذ قرار في هذه المسألة.
سويسرا “تتورَّع” عن إثارة غضب الصين
جاء قرار الحكومة السويسرية برفض العقوبات على الصين في ديسمبر 2022. ولكن، ووفقًا لتقريررابط خارجي صدر مؤخَّرًا في صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ السويسرية، ظلَّ هذا القرار طي الكتمان، إذ لم تقدِّم الحكومة تفاصيل عنه للعامة. ويعلِّق ويبر قائلًا: “يقولون [المسؤولون الحكوميون] إنهم لن يقدموا معلومات أخرى حول هذا القرار، ولكنهم مدينون لنا بتوضيح”.
المزيد
تصاعد الدعوات للمساءلة بعد تقرير الأمم المتحدة حول أوضاع المسلمين في الصين
وجاء في تقرير نويه تسورخر تسايتونغ على لسان مسؤول من وزارة الاقتصاد السويسرية “إنَّ المجلس الفدرالي [الحكومة] وازن بين المصالح استنادًا إلى مبادئ السياسة الخارجية والمعايير القانونية المختلفة”. ويبدو ويبر غير مقتنع بهذا التصريح، إذ يرى أن المسائل القانونية ليست هي مربط الفرس في هذا القرار. حيث يقول “من الوارد أيضًا أن لدى أيسلندا والنرويج اعتبارات قانونية، ولكنهما لم تأخذا كل هذا الوقت لاتخاذ قرار”.
وحتَّى لو كان من حقِّ بلد الألب أن يلتفت إلى مصالحه الاقتصادية، فإن ويبر يؤمن بأنه “من غير العدل أن يرفض تقديم توضيح لنا. ومن الواضح أن سويسرا تُقدِّم مصالحها الاقتصادية على قضايا حقوق الإنسان”.
كيف يبدو مستقبل العلاقات السويسرية الصينية؟
وفقًا لويبر، تخشى سويسرا من أن تردَّ الصين بإجراءات انتقامية، كتلك التي اتخذتها بيجين ضدّ الاتحاد الأوروبي بعد أن فرض عليها العقوبات. وفي كل الأحول، فإن العلاقات السياسية بين سويسرا والصين لم تكن يومًا خالية من المطبات.
فعلى الصعيد الحقوقي، تجري سويسرا منذ عام 1991 محادثات منتظمة مع بيجين تتباحث فيها قضايا حقوق الإنسان. وعلى الصعيد الاقتصادي، وقّعت سويسرا في عام 2013 اتفاق تجارة حرة مع الصين، ووفَّرت مئات الملايين من الفرنكات على الشركات السويسرية التي تصدِّر منتجاتها إلى الصين. ولكنَّ الاتهامات التي وُجِّهت إلى الصين بارتكاب حملات اعتقال جماعي لشعب الأويغور المسلم قد عكرت صفوَ العلاقة بين البلدين.
وفي وقت سابق لإعلان العقوبات الأوروبية على الصين، صرَّحت سويسرا لأول مرة عن استراتيجيتها الخارجية تجاه الصين، والتي تقوم على “تعزيز التقارب” في العلاقات مع بيجين، رغم “الاختلاف الواضح بين قيم البلدين”.
6 يوليو، 2013، سويسرا توقّع اتفاق للتجارة الحرة مع الصين.
6 نوفمبر 2018، سويسرا توجه نداءً إلى الصين تدعوها فيه إلى غلق معسكرات الاعتقال الخاصة بالأيغور.
24 نوفمبر، 2019: الكشف عن وثائق تكشف خطط الصين في مجال اعتقال الايغور.
19 ديسمبر، 2019: تعليق الحوار بين سويسرا والصين بشأن ملف حقوق الإنسان.
30 يونيو، 2020: وزارة الخارجية السويسرية تعبّر عن قلقها بسبب قانون هونغ كونغ.
19 مارس، 2021: الحكومة السويسرية تعتمد أوّل استراتيجية تضع تصوّرا للعلاقة مع الصين.
3 يوليو ، 2023: استئناف الحوار بين سويسرا والصين بشان ملف حقوق الإنسان.
وهنا يُطرح سؤال عمَّا إذا كان رفض العقوبات هو خطوة تتقرب فيها سويسرا من الصين؟ يرى ويبر أن هذا التفسير ليس صحيحًا بالضرورة، إذ يقول إنَّ “سويسرا تحاول أن تبقي جميع الخيارات مفتوحة أمامها. ولكنَّ مجرد طرح هذا السؤال على أنفسنا هو بحدِّ ذاته دليل كبير على عدم إجماعنا على كيفية الموازنة بين المصالح والقيم”.
المزيد
الصّين وإعادة صياغة معايير حقوق الإنسان
ما آثار هذا القرار على الساحتين الداخلية والعالمية؟
ورد في ورقة نقاش سرّية أعدتها وزارة الخارجية السويسرية، واطّلعت عليها صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ، أنّ من أهم فوائد اعتماد العقوبات على الصين هي تعزيز مصداقية سويسرا كشريك موثوق به في الخارج. وبناءً على ذلك، يرى ويبر “أن هذا سيضر بالانطباع عن سويسرا كشريك موثوق”.
ويسترسل ويبر بالقول: “يُزعجني أنّ سويسرا تتبع سياسة براغماتية في قضايا حقوق الإنسان وسياستها الخارجية. فاتخاذ القرارات على أساس كلّ حالة على حدة ينطوي على خطر التلميح إلى أن المصالح العملية تأتي قبل القيم التي أرساها دستور البلاد، وهذه صورة ضارّة”.
وجاء في ورقة النقاش نفسها تأكيد على أن فرض العقوبات هو بمثابة إشارة إيجابية للاتحاد الأوروبي بشأن العملية التفاوضية الجارية.
ولكنّ الظاهر أن الاتحاد الأوروبي لا يبدو مستاء من القرار السويسري. ففي حديث أجرته سويس إنفو (SWI swissinfo.ch) مع المتحدث باسم لجنة الاتحاد الأوروبي، قال المتحدث إنّ “الشركاء يختارون أحيانًا ألَّا يتفقوا مع قرار معين”.
يُشار إلى العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على الصين بأنها جزاءات مواضيعية، والقصد أنها لا تُفرض على البلد بأكمله، بل تستهدف أفراداً وشركات وتتناول قضايا معينة. وتشمل هذه العقوبات حظر السفر وتجميد الأصول وتستهدف المسؤولين المتهمين بانتهاك حقوق شعب الأويغور.
والأويغور هم أقلية عرقية، أغلبيتها من المسلمين، تعيش في الغالب في مقاطعة شينجيانغ شمال غرب الصين. ووفقًا للإحصائيات الصينية، يُقدَّر عدد شعب الإيغور بحوالي 12 مليون شخص، أي ما يقارب نصف سكان شينجيانغ.
وفي عام 2018، كشفت الأمم المتحدة عن تقرير تُفيد بأن مليون شخص من الأويغور محتجزون في “مراكز مكافحة التطرف” في مقاطعة شينجيانغ. ووفقًا للتقرير، يُحتجز 2 مليون شخص في “معسكرات إعادة التعليم” منذ عام 2017.
ووصفت الولايات المتحدة الاحتجازات أنها شكل من أشكال الإبادة الجماعية. ولكنَّ الصين رفضت الاتهامات ودافعت عن سياساتها التي ترى أنها أداة ضرورية في “مواجهة التطرف”. واليوم، بعد خمس سنوات من إصدار تقرير الأمم المتحدة، لم يتحسن الوضع كثيرًا. ففي سبتمبر الماضي، جرت محاكمة سرية وصدر على إثرها حُكم بسجن العالِمة الأويغورية رحيل داوت مدى الحياةرابط خارجي بتهمة تهديد الأمن القومي.
ترجمة: ريم حسّونة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.