دعم المهارات الإبداعية من أجل تحقيق الإستقلالية الإقتصادية
لتحقيق الفعالية والنجاعة في مشروعاتها الخيرية واسعة الإنتشار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تركّز مؤسسة دروسوس السويسرية، التي يوجد مقرّها في زيورخ، جهودها على تحقيق استراتيجيتيْن متكاملتيْن: دعم المهارات الإبداعية للأفراد من أجل تعزيز استقلاليتهم الاقتصادية.
ولتجسيم هذيْن الهدفيْن، أطلق القائمون على دروسوس مشاريع- ودعموا أخرى- من أجل التأثير بشكل مباشر على الظروف المعيشية للفئات الضعيفة والمهمّشة. وتغطي هذه المشروعات ستة بلدان عربية هي لبنان ومصر والأردن وفلسطين وتونس والمغرب، فضلا عن ألمانيا وسويسرا أوروبيا.
الفئات الفقيرة والمهمّشة هي اليوم واسعة الإنتشار في البلدان العربية، لذلك توجّه هذه المؤسسة وفقا لمديرها التنفيذي ريتشارد بروغل أولوياتها لدعم “الأطفال اليافعين المحرومين، والشبان الراشدين، بما يوفّر لهم حياة كريمة”.
وتنبع هذه الأولوية، وفقا لبروغل الذي تفضّل بالرد على أسئلة توجهت بها إليه swissinfo.ch من “المكانة المركزية التي يحتلّها الفرد في التصوّر الذي تحمله دروسوس عن المجتمعات الإنسانية عموما”.
مشاريع هادفة ومستدامة
في الأردن مثلا، تساعد مؤسسة دروسوس من خلال مشروع “الهوية والمدينة”رابط خارجي، وبالتعاون مع منظمة “المعمل للإنتاج الفني” في مساعدة فتيان وفتيات على صقل هويتهم الفنية ككتابة الروايات والقصص الأدبية، وتعلّم الإخراج المسرحي، ودعمهم في سعيهم للتأثير في الواقع من حولهم عبر تنظيم عروض مسرحية وأمسيات لرواية القصص في المناطق المحيطة بهم والمكتظة بالسكان.
وفي مصر، حيث يستخدم حوالي 31% من مجموع السكان مواقع التواصل الإجتماعية خصوصا الشباب الذين هم تحت سنّ الثلاثين، تدعم مؤسسة دروسوس السويسرية مؤسسة “بسيطة” التي تنفّذ مشروع “رابط خارجيClick”رابط خارجي أي “تصفّح”، والمتمثّل في تسجيل الفيديوهات التي تعرض المساهمات الاجتماعية المختلفة وتقوم بنشرها على الفايسبوك واليوتيوب وتويتر.
والهدف المرجو من خلال نشر هذه الفيديوهات إيقاظ الوعي، وتوجيه التمويل الذي تحصل عنه نتيجة ذلك في دعم نشاط المنظمات المحلية الشريكة.
أما في تونس، فتنظّم مؤسسة درسوس بالتعاون مع مؤسسة “”صوت الصورة” دورات متخصصةرابط خارجي في مجال التصوير وتصميم الغرافيك وتصوير الفيديو أو تصميم المواقع الإلكترونية تمتدّ لثلاث سنوات يستفيد منها أكثر من 90 شاب وشابة تتراوح أعمارهم بين 18 و25 سنة يقطنون أحياء مهملة في ضواحي العاصمة تونس. وبعد انتهاء فترة التدريب ينتظر أن يتوزّع هؤلاء على الشركات حيث يحصلون على فرص عمل، ويتجنبون بذلك البطالة والتهميش الاجتماعي ويحققون إستقلالهم المادي.
وأما في المغرب، فتشارك مؤسسة دروسوس إلى جانب جمعية الجسر في الإشراف على “مركز الفرصة الثانية”رابط خارجي، والذي يستفيد منه أزيد من 600 فتى وفتاة تتراوح أعمارهم بين 15 و30 عاما في منطقة الدار البيضاء من الإحاطة والتأطير المهني والتعليمي والإجتماعي بالمعنى الشامل للكلمة. وعن الأهداف من الانشطة المتاحة في هذا المركز مثلما، نقرأ على الموقع الإلكتروني لمؤسسة دروسوس: “تسعى هذه الجهود إلى تعزيز الثقة بالنفس وابتعاث القيم الضرورية لتنمية شخصيات المستفيدين بالإضافة إلى اكتشاف المواهب اللازمة لمواجهة بيئتهم الإجتماعية والمهنية بطريقة إيجابية لاحقا”.
مقاربة فريدة نوعا ما
القاسم المشترك بين هذه المشروعات الكثيرة والمتنوعة (أنظر القائمةرابط خارجي) هو انطلاقتها في تحقيق هذه الأهداف من قناعة راسخة بأن المهارات الحياتية، فضلا عن الكفاءات التقنية والمعرفة المهنية هي عناصر أساسية في التنمية الذاتية، وهي التي تسمح للشخص بأن يحسّن ظروف معيشته، وبأن يتفاعل بطريقة بناءة مع الأخرين عبر المساهمة بنشاط وحيوية في بناء المجتمع.
وعن هذا التوجّه يقول ريتشارد بروغل: “نحن مقتنعون بأن تعزيز الإبداع يقوي المهارات الشخصية والإجتماعية لدى الأطفال والشباب. وتبيّن أمثلة كثيرة أن التعبير الإبداعي – مثل الفنون البصرية والفنون المسرحية والفنون التطبيقية، ووسائل التواصل الجديدة، والتصوير الفوتوغرافي أو الموسيقى على سبيل المثال لا الحصر- تنمي المهارات الفردية للأجيال الصاعدة”.
ومن خلال التعلّم والتعامل مع الإبداعات الفنية، “يكتسب الأطفال والشباب وجهات نظر جديدة، ويتعلمون كيفية التصرّف بشكل مستقل ويكتشفون نقاط قوتهم”، وفقا للمدير التنفيذي. ولهذا السبب، “تشجّع مشاريعنا المبادرات الإبداعية التي تيسّر نموّ الأفراد”، على حدّ قوله.
وتتوزّع المهارات الحياتية التي تسعى دروسوس إلى غرسها في الافراد المنخرطين في مشروعاتها إلى ثلاثة أصناف هي أوّلا، المهارات الذاتية، وما يستلزمه ذلك من قدرة على تدبير الأمر الفردي بصورة إيجابية وفعالة، كالثقة في النفس والاستقلالية والإبداع والقدرة على التكيّف مع الظروف المتغيّرة، واتخاذ قرارات واعية وعقلانية.
وثانيا، مهارات التواصل، بما يقتضيه ذلك من القدرة على التعامل مع الآخرين والتفاعل معهم، على قاعدة التسامح، والتعاون، والتفاوض من اجل التوصل إلى حلول مشتركة.
وثالثا، المهارات المعرفية، كالقدرة على تحليل المعلومات ومعالجتها واستخدامها بطريقة تساعد على تحقيق الأهداف المرجوة.
ومن ضمن المهارات الأخرى التي تحظى بأولوية، وفقا لما هو منصوص عليه في الموقع الإلكتروني للمؤسسة “التفكير النقدي وحل المشكلات بطريقة مبتكرة، والقدرة على اتخاذ القرارات بإستقلالية، والتفكير الذاتي المتحرر من أي ضغوط”.
الشفافية والمساءلة خلال الإنجاز
لتحقيق أهدافها في البلدان العربية، اختارت هذه المؤسسة السويسرية التعاون المكثّف مع منظمات أهلية ومدنية محلية أغلبها غير حكومية. ولكن لضمان فعالية وجدوى هذا التعاون، ولتجنّب الآثار السلبية لمظاهر التسيّب والإخلالات المنتشرة في العديد من البلدان التي تنشط فيها، تقدّم المؤسسة السويسرية دعما مؤسسيا لتعزيز قدرات المنظمات الشريكة والمجموعات المتداخلة مع أنشطتها “والهدف هو تحسين المردود والفعالية، والارتقاء بمستوى الكفاءة والخدمات المقدّمة”. أما الهدف على المدى البعيد فهو “أن تصبح هذه المنظمات الشريكة قوية وقادرة على الحفاظ على أنشطتها حتى بعد انتهاء دعم دروسوس”، يوضّح المدير التنفيذي.
المزيد
منظمات سويسرية تضمّد جراحات الأطفال العرب
لكن هذا لوحده غير كاف. فمؤسسة دروسوس تمنح أهمية كبيرة لقيم الإنصاف والشفافية والمساءلة الشخصية. وتقوم أثناء تطوير المشروعات بتقديم المشورة للمنظمات الشريكة، وتحرص على رصد وتقييم كل الخطوات والإجراءات المتخذة لتنفيذ المشروعات المشتركة.
كما تحرص هذه المنظمة غير الحكومية على التواصل المستمر مع الرأي العام وتسليط الضوء على كل الأنشطة التي تقوم بها، وزيارة خاطفة إلى موقعها الإلكتروني سيكتشف الزائر ما يزخر به هذا الموقع من معلومات مفصّلة ودقيقة، مبوّبة بحسب المشروعات وبحسب البلدان، في العالم العربي أو خارجه، وبلغات عديدة. ويشرح بروغل خلفيات ذلك فيقول: “نحن نؤمن بالشفافية والحوكمة الرشيدة، ونرى أنه من المهم إبقاء شركائنا وأصحاب المصلحة والجمهور العريض على علم واطلاع على أولوياتنا وأنشطتنا”.
من جهة أخرى، أعلمنا المدير التنفيذي لمنظمة دروسوس أن هذه الأخيرة “تحتفظ بعلاقات جيّدة ووثيقة مع الجهات السويسرية الفاعلة في المجال الإنساني، لا سيما مع ممثلي المؤسسات الحكومية السويسرية، ومع العاملين في الوكالة السويسرية للتنمية والتعاونرابط خارجي، في البلدان التي تنشط فيها، وأن تبادل وجهات النظر يتم بشكل منتظم”. ولئن لم توجد مشاريع مشتركة بين الطرفيْن، يقول ريتشارد بروغل: “أحيانا ندعم المنظمات الشريكة نفسها، لكننا نحرص في كل الأحوال على اعلام السلطات السويسرية بجميع أنشطتنا، كما نحتفظ في نفس الوقت بعلاقات جيّدة ووثيقة مع الحكومات المحلية، ونبلغها بانتظام مشروعاتنا في بلدها”.
مؤسسة “دروسوس” أو “قطر الندى”
تسعى هذه المؤسسة إلى تمكين أشخاص يعانون أوضاعا صعبة من العيش بكرامة كما تعمل على بناء قدرات أفراد المجتمع وتوفير ظروف حياة مناسبة لهم ليتحمل كل منهم المسؤولية تجاه نفسه والآخرين وتجاه البيئة.
تأسست في أواخر عام 2003 ويوجد مقرها في مدينة زيورخ. وبدأت في ممارسة نشاطها منذ بداية عام 2005. ويرجع الفضل في تأسيسها إلى وديعة سويسرية خاصة وسخية.
دروسوس، مؤسسة خيرية غير هادفة للربح وتعمل من أجل الصالح العام، وهي مستقلة فكريا وسياسيا ودينيا.
تخطط مؤسسة دروسوس وتدعم مشاريع تهدف مباشرة لتحسين الظروف المعيشية لدى فئات اجتماعية محددة، وتتوزع المجالات التي تحظى لديها بالأولوية كالتالي:
مكافحة الفقر وآثاره: وفي هذا المجال تدعم المؤسسة الإندماج المهني والإجتماعي للأشخاص الذين يعيشون أوضاعا صعبة عبر تنظيم برامج تعليمية وتأهيلية والعمل على رفع مستوى الدخل من خلال المساعدة في إيجاد فرص عمل.
تحسين الوضع الصحي مع توفير خدمات صحية ومساعدة المرضى والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة كأن تدعم المؤسسة حملات التوعية بخصوص مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز/سيدا) والعمل للوقاية منه، كما أنها تدعم ميداني الصحة الجنسية والإنجابية، وتساعد الفئات المهمَّشة اجتماعيا من خلال تقديم الرعاية الطبية الأساسية لهم.
توفير خدمات في مجال الحصول على التعليم والمعرفة: تعمل المؤسسة على تعزيز الفرص لكي تحصل الفئات المهمَّشة على الخدمات في مجالات التعليم والثقافة كذلك توفير دورات دراسية وتأهيلية حتى تتمكن هذه الفئات من تحسين وضعها الإجتماعي والإقتصادي.
دعم الأنشطة الإبداعية للشباب: تدعم المؤسسسة المهارات الإبداعية وتتيح للأطفال والشباب الفرص للإبداع الثقافي والعمل المبتكر.
حماية البيئة: تعمل المؤسسة على حماية البيئة والحفاظ عليها، ونظرا لتغير المناخ وتزايد السكان فإنها تشجع وتدعم الإستعمال الواعي والمدروس للمصادر الطبيعية.
كما تظل المؤسسة منفتحة على العديد من المجالات الأخرى.
تمارس مؤسسة دروسوس نشاطها في سويسرا وخارجها، لكن مركز الثقل في عملها يتركز على الصعيد الدولي. ينصب اهتمام دروسوس على بلدان ومناطق ليست الأفقر في العالم ولكن احتياجاتها الإجتماعية ضخمة. وتعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا النقاط الجغرافية التي يتركز عليها اهتمام المؤسسة حاليا. ولدروسوس مكتب ثابت في القاهرة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.