175 عامًا على الدستور الفدرالي: هل يحتاج الدستور السويسري إلى تحديث؟
بشكلٍ مختلف عن أي دولة أخرى تفتح سويسرا دستورها أمام الشعب لإجراء تعديلات عليه. والآن، في الذكرى السنوية الخامسة والسبعين بعد المئة، يجري النقاش حول مراجعةٍ شاملة له. لماذا المراجعة الشاملة أصلًا، وماذا لدى مجموعات المصالح في سويسرا على جدول الأعمال؟
منذ مئة وخمسة وسبعين عامًا ومع صدور دستورها الحديث ولدت الدولة الفدرالية في سويسرا. إنه عيدٌ كبير بالنسبة للبلاد.
الدستور السويسري هو قاعدة، لكنه في حالة تغير مستمر. الكثير من الاقتراعات الشعبية تقود إلى مواد دستورية جديدة. والقاعدة أيضًا ليست جامدة: آخر مرة وافق فيها السويسريون والسويسريات على مراجعة شاملة كانت في العام 1999، والآن قُدِّمت مبادرة شعبية لمراجعة جديدة.
إن الدستور هو قاعدة الدولة التي هي كيان المجتمع، وهو في الوقت نفسه في تغيّرٍ دائم، فما الذي ينبغي أن يتغير، وما الذي يجب الحفاظ عليه؟ swissinfo.ch SWI طرحت هذه الأسئلة على منظمات مختلفة من منظمات المجتمع المدني.
نعرض هنا أجوبة كل من مؤسسة الديموقراطية “Pro Futuris”، واتحاد “المواطنين والمواطنات” CH++ ذو التوجه المستقبلي، ومعهد سويسرا الجديدة المعني بأوضاع ما بعد الهجرة (INES)، والجمعية اليمينية المحافظة “Pro Schweiz”.
مع خمسة وعشرين ألفًا من المنتسبين والمنتسبات تريد “بروشفايتس” أن تصد بنجاح التهديدات ضد استقلال سويسرا وسيادتها وحيادها وأمنها، وعلى وجه الخصوص لا تريد “بروشفايتس” دخول سويسرا إلى الاتحاد الأوروبي أو إلى حلف الناتو.
ماذا تتمنون للاتحاد السويسري في عيد ميلاده الخامس والسبعين بعد المئة؟
تقابل “بروشفايتس” هذه الذكرى “اليوبيلية” بالكثير من الامتنان والاحترام. لقد أقام الجيل المؤسس في العام 1848 قاعدة تُمكّن الاتحاد السويسري من بلوغ الحرية والاستقرار والسلام والديموقراطية والرفاهية، حتى يومنا هذا. نتمنى أن تُقاد الدولة الفدرالية إلى المستقبل، من قبل الأجيال التي تضطلع بالمسؤولية، باحترامٍ وتواضعٍ وبعد نظر.
هل هنالك مادة دستورية قريبة بشكلٍ خاص على قلبكم؟
المادة الثانية، مادة الهدف، وبشكلٍ خاص المقطع الأول، بالنسبة لنا مركزية: “الاتحاد السويسري يحمي الحرية وحقوق الشعب ويصون استقلال وأمن البلاد”.
وأي مادة دستورية لا تلقى إلا القليل من الاهتمام؟
حاليًّا من الواضح أنها بالضبط المادة الثانية، المقطع الأول. الحرية وحقوق الشعب. استقلال البلاد وأمنها يتعرضان لضغوط. الديموقراطية المباشرة يجري إضعافها بشكلٍ متزايد. بكلمات مختصرة: قانون الطوارئ وانعدام التطبيق لقرارات الشعب. أما التشريعات والولاية القضائية لسويسرا فيجري التخلي عنهما، أو على نحوٍ أدق، مهددتان بالتراجع كثيرًا أمام مؤسسات الاتحاد الأوروبي.
من وجهة نظركم ما هي أهم التحديثات التي شهدها الدستور منذ تطبيق حق المرأة في التصويت؟
المادة 121a، التي دخلت إلى الدستور بقبول مبادرة “الهجرة الجماعية”: مرة أخرى تدير سويسرا هجرة الأجنبيات والأجانب بشكلٍ مستقل. للأسف هذه المادة لم تُطبق، والعواقب التي تلحق بسويسرا ذات التسعة ملايين نسمة، تصبح ملموسة بشكلٍ يومي.
ما الذي ينقص الدستور الفدرالي لمواجهة تحديات الثلاثين سنة القادمة؟
تحديدٌ دقيق للمحتوى الأساسي للحياد الدائم، المسلح والشامل.
هل ما زال اسم الرب شيئًا من الدستور؟
نعم، هذا أمرٌ لا يحتاج إلى نقاش.
هل هنالك مادة في الدستور تعتقد “بروشفايتس” بوجوب حذفها؟
مبدئيًّا لا. الدستور الفدرالي تم قبوله من الشعب والكانتونات بشكلٍ ديموقراطي، ويتم استكماله باستمرار. حق المبادرة يمكّننا عند الضرورة من تصحيح ما يحدث من أخطاء.
هل أنتم سعداء بالنقاش الذي تثيره المبادرة لتعديل الدستور بشكلٍ شامل؟
كلّا، فذلك سيضع مقوّمات البلاد الأساسية والضرروية مرةً أخرى في موضع شك.
إلى هذه اللحظة، كيف ترون ترسيخ الحياد في الدستور السويسري بالنسبة للتحديات العالمية الحالية؟
جوهر الحياد يجب أن يترسخ بدقة، ذلك يعني أن سويسرا لا تشارك في نزاعات مسلحة في الخارج، ولا حتى بتوريد غير مباشر للأسلحة. هي تقدم مساعدة إنسانية وتعرض مساعيها الحميدة وتبقى مثالًا لبلاد تؤمن بالحرية والديموقراطية. بنظرة على التطورات السياسية المحكومة بعوامل جغرافية فإن دور سويسرا سيكتسب أهمية.
أن تنعكس وقائع الهجرة إلى سويسرا بشكلٍ مناسب في الدستور السويسري.
ماذا تتمنون للاتحاد السويسري في عيد ميلاده الخامس والسبعين بعد المئة؟
أن يتمكن من مواصلة تطوير ديموقراطيتنا فيما يتعلق بتحديات الحاضر -على الأخص تحديات الهجرة – بشكلٍ تكون فيه دائمًا مهيئة للمستقبل.
هل هنالك مادة دستورية قريبة بشكلٍ خاص على قلبكم؟
من المؤكد أن عمل “معهد سويسرا الجديد” يقوم بشكلٍ أساسي على المادة الثامنة بالاقتران مع المادة الخامسة والثلاثين من الدستور الفدرالي، والتي تجعل من تطبيق الحق الأساسي في عدم التمييز في كل مجالات الحياة مهمة من مهمات الدولة. كذلك، بالنسبة لنا أمرٌ أساسي الأهداف الاجتماعية في المادة الحادية والأربعين، والمساهمة في احترام حقوق الإنسان في العالم، والمنصوص عليها في المادة الرابعة والخمسين.
وأي مادة دستورية لا تلقى إلا القليل من الاهتمام؟
في مقدمة الدستور ورد شيءٌ طالما يذهب طي النسيان: “رفاهية الجميع يجب أن تقاس برفاهية الضعفاء”.
من وجهة نظركم ما هي أهم التحديثات التي شهدها الدستور منذ تطبيق حق المرأة في التصويت؟
المادة الثامنة، وتحديدًا الفقرات من الثانية حتى الرابعة: منع التمييز، المساواة في الحقوق وشمول مَن يعانون من الإعاقة بذلك.
ما الذي ينقص الدستور الفدرالي لمواجهة تحديات الثلاثين سنة القادمة؟
تحديث حق المواطنة. في مجتمع مفتوح للهجرة يجب أن يكون الحق الأساسي في التجنيس مُقَرًّا في الدستور. بالإضافة إلى ذلك فإنه يحتاج إلى أحكام تُلزم السلطات بمدّ مبدأ عدم التمييز الوارد في المادة الثامنة، إلى جميع المجالات: “القوانين تنص على إجراءات لمكافحة أي نوع من التمييز في جميع مجالات الحياة”.
هل ما زال اسم الرب شيئًا من الدستور؟
يجب تنظيم الدولة علمانيًّا. الدولة والدين منفصلان. كما يجب ضمان حرية المعتقد والضمير.
هل هنالك مادة في الدستور يعتقد “معهد سويسرا الجديد” بوجوب حذفها؟
عند إجراء مراجعة شاملة فإن الأمر يتعلق أيضًا بإلغاء جميع المواد التي يمكن أن تُفسرها الحكومة انطلاقًا من موقعها الرسمي، بشكل غير ملائم للحقوق الأساسية ولحقوق الإنسان.
هل أنتم سعداء بالنقاش الذي تثيره المبادرة لتعديل الدستور بشكلٍ شامل؟
نعم، نجد أن ذلك في الصميم. الدستور هو االقانون الأساسي لقيَمنا ونظامنا الذي يجب صيانته، لكن يجب أيضًا تعديله باستمرار ليلائم الوقائع الاجتماعية. مبدأ “الوحدة في التنوع” الراسخ في مقدمة الدستور هو الخط الأساسي الذي ينبغي أن يقودنا جميعًا.
إلى هذه اللحظة، كيف ترون ترسيخ الحياد في الدستور السويسري بالنسبة للتحديات العالمية الحالية؟
تاريخيًّا، فإن مسألة “ماذا يمكن أن يعني بالضبط الحياد في الواقع”، كانت تجري مناقشتها والتفاوض عليها باستمرار. إذا كان مكان هذه الأداة التي تخص السياسة الخارجية هو الدستور -وذلك أمر مختَلفٌ عليه- فإنه قد يكون من اللازم أن تصاغ على نحو تتوفر فيه الحرية لمواصلة تطوير فهمنا للحياد.
المزيد
سويسرا القادرة على التصرف والفعل، سويسرا التي تتخذ القرارات بناءً على العلم وتطبقها بالتقنيات بشكلٍ فعّال ومتين.
ماذا تتمنون للاتحاد السويسري في عيد ميلاده الخامس والسبعين بعد المئة؟
المزيد من الشجاعة. على سويسرا أن تتعلم مرّة أخرى كيف تتخذ قرارات رؤيوية بعيدة المدى. هكذا فقط يمكن أن تسيطر على التحديات الحالية والمستقبلية.
هل هنالك مادة دستورية قريبة بشكلٍ خاص على قلبكم؟
المادة الرابعة والستون، البحث: تُظهر التخفيضات المخطط لها في الموازنة بأن سويسرا كمكان للبحث والابتكار ليس أمرًا بديهيًّا، ويحتاج إلى التزام وجهد سياسي.
وأي مادة دستورية لا تلقى إلا القليل من الاهتمام؟
المادة الثانية بعد المئة: إمدادات البلاد. لقد وضعت جائحة كوفيد أمام أنظارنا كم هي كلفة الاستعدادات غير الكافية وقت الأزمات.
من وجهة نظركم ما هي أهم التحديثات التي شهدها الدستور منذ تطبيق حق المرأة في التصويت؟
قبول مبادرة الألب في العام 1994: وضَعت حجر الأساس لاعتراف المؤسسات بالاستدامة كهدف سياسي مركزي.
ما الذي ينقص الدستور الفدرالي لمواجهة تحديات الثلاثين سنة القادمة؟
الرقمنة. باستطاعتنا مثلًا تثبيت المبادئ الأساسية لرقمنة مسؤولة: الانفتاح والاقتصاد في البيانات واللامركزية.
هل ما زال اسم الرب شيئًا من الدستور؟
كلّا. يحتاج الأمر إلى فصل شديد بين الكنيسة والدولة.
هل هنالك مادة في الدستور يعتقد اتحاد “المواطنين والمواطنات” بوجوب حذفها؟
لا تُحذَف، بل تُغيَّر. الفقرة الأولى من المادة الخامسة والسبعين بعد المئة تنص حاليًّا على أن الحكومة تتكون من سبعة أشخاص فقط. هذا العدد بالنسبة لتحديات اليوم منخفض جدًّا، لذلك نطالب برفعه إلى تسعة، كما نطالب بإيجاد مكتب فدرالي للتقنية.
هل أنتم سعداء بالنقاش الذي تثيره المبادرة لتعديل الدستور بشكلٍ شامل؟
نريد أن يدرك أخيرًا كل من البرلمان والحكومة بأن الأمور لن تسير هكذا، مثلما هي عليه حتى الآن. سواءٌ أكان ذلك أزمة مناخ أو أزمة تنوع بيولوجي أو مسألة تطور سريع لأنظمة الخوارزميات القائمة على البيانات، فإن الكثير من التطورات الحالية يُظهر بأن “المراقبة والانتظار” ليست سياسة بعيدة المدى قادرة على الثبات والصمود.
إلى هذه اللحظة، كيف ترون ترسيخ الحياد في الدستور السويسري بالنسبة للتحديات العالمية الحالية؟
اتحاد “المواطنين والمواطنات” يعمل من أجل سويسرا قادرة على التصرف والفعل علميًّا وتقنيًّا. إذا لم نُصبح قادرين على التصرف والفعل، فسنكون غير مهمين. عندها لا يهم أيضًا ما إذا سنكون محايدين أم لا.
تعمل مؤسسة “بروفوتوريس” البحثية التي أسستها جمعية الصالح العام السويسرية (SGG) على تعزيز ثقافة سويسرا الديموقراطية. نحن نُعِد مساحات تجريبية لديموقراطية الغد.
ماذا تتمنون للاتحاد السويسري في عيد ميلاده الخامس والسبعين بعد المئة؟
في الذكرى “اليوبيلية” نحتفل بتنوع الديموقراطية وننظر إلى الأمام: مَن ينبغي ويجوز أن يشارك في سويسرا بالقرار حول القوانين والدستور في المستقبل؟ وكيف سنتعامل كديموقراطية مع أزمات عصرنا؟
هل هنالك مادة دستورية قريبة بشكلٍ خاص على قلبكم؟
الأحكام المحددة في المادة الثانية من الدستور. هذه تنص على أن الاتحاد السويسري ينبغي أن يعزز “الرفاهية المشتركة” و”التمنية المستدامة” و”التماسك الداخلي” و”التنوع الثقافي للبلاد”، وهي القيم الأساسية التي تعمل من أجلها لـ”Pro Futuris” و “SGG”، بقّوة.
وأي مادة دستورية لا تلقى إلا القليل من الاهتمام؟
من أجل المستقبل يجب علينا أن نهتم كثيرًا بمقدمة الدستور كمرشد، فهي تنص على أن نجاحنا يقاس “برفاهية الضعفاء” وأننا يجب أن نعي “مسؤوليتنا إزاء الأجيال القادمة”.
من وجهة نظركم ما هي أهم التحديثات التي شهدها الدستور منذ تطبيق حق المرأة في التصويت؟
تحديث المساواة أمام القانون بإضافة مادة المساواة بين الجنسين، ومادة مساواة الأشخاص ذوي الإعاقة، وهما مكتسبان هامّان، كذلك الأخذ بـالسنة الثامنة عشرة من العمر كعتبة لحق التصويت، وعندما وجد القانون الدولي مدخلًا إلى الدستور السويسري في العام 1999.
ما الذي ينقص الدستور الفدرالي لمواجهة تحديات الثلاثين سنة القادمة؟
إننا نسأل أنفسنا من يحق له في الثلاثين عامًا القادمة أن يشاركنا القرار وكيف يمكننا أن نحل الأزمات الجماعية بشكلٍ مشترك. الاستقطاب العاطفي القوي، وإدارة الظهر للمؤسسات الديموقراطية بشكلٍ متزايد، والتشاؤم العام بصدد المستقبل، أمورٌ تقلقنا، وتهدد قدرتنا على التفاهم حول المشاكل المشتركة والحلول. استكمال الدستور بـ”مادة ابتكارية” تسمح للاتحاد بتجريب صيغ جديدة للديموقراطية، قد يكون بداية حل.
هل ما زال اسم الرب شيئًا من الدستور؟
هذا ليس من المواضيع التي تدخل في مجالنا. مهمتنا تعزيز الثقافة الديموقراطية في سويسرا.
هل هنالك مادة في الدستور تعتقد مؤسسة “بروفوتوريس” البحثية بوجوب حذفها؟
في فهمنا، فإن الأحكام التي تتنافى مع تماسك مجتمع متنوع ليست من الدستور بشيء.
هل أنتم سعداء بالنقاش الذي تثيره المبادرة لتعديل الدستور بشكلٍ شامل؟
أمرٌ مثير للاهتمام: إن أداة المراجعة الشاملة قديمة قِدم الدستور الفدرالي نفسه. النقاش حول مباديء ديموقراطيتنا ونظامنا الاجتماعي مرحبٌ به، ذلك لأن دفقة تحديث فيما يتعلق بالتحديات الكبيرة في عصرنا، وشيكة. السؤال الوحيد المفتوح، هو ما إذا كانت المراجعة الشاملة تتيح الإطار الحقيقي لمثل هذا النقاش.
مقومات الثقة والاستقرار
دولة مستقرة، وعملة قوية، ومشروعات قابلة للتحقق في المستقبل: فبالمقارنة عالمياً، تسير كثير من الأمور في سويسرا على ما يرام.
في هذه السلسلة، تبحث SWI swissinfo.ch في الثقة في المؤسسات، وهي أساس الديمقراطيات الفاعلة.
كما نستكشف الأسباب التاريخية التي تجعل الملل أكبر مشكلة للبعض في سويسرا، وننظر في حالة الثقة السائدة في الوقت الحاضر، وفي العقبات التي تنتظر سويسرا.
تحرير: مارك لوتينيغر
ترجمة: جواد الساعدي
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.