“غالباً ما تكون النساء أكثر وعياً بمشاكل كوكبنا”
بينما تتواصل فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ (كوب 27) في شرم الشيخ بمصر، تتولى المنظمة غير الحكومية وغير الربحية "تحالف الأعمال التجارية من أجل المناخ" الإشراف على العديد من المنظمات الأخرى المنضوية تحتها وتعمل جنباً إلى جنب مع شركات عملاقة بغرض مكافحة تغير المناخ. وهذه مقابلة أُجريت في جنيف مع ماريا منديلوس، الرئيسة التنفيذية لهذا التحالف.
SWI swissinfo.ch: توجد منظمتكم بصفة رئيسية في جنيف. فما مزايا هذه المدينة، وما هي عيوبها؟
ماريا منديلوس: في البداية كان وجود منظمتنا في العالم الافتراضي فقط، ولكن بالنظر إلى أهمية التواصل الشخصي، شعرنا بالحاجة إلى التواجد الفعلي. لذا، فأنا مقيمة في جنيف مع مجموعة من الزملاء. وبالإضافة إلى ذلك، لدينا مكاتب في لندن، ونيويورك.
وتتميز جنيف بأنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً ببقية أنحاء العالم. وعلاوة على ذلك، فإن وجود العديد من المنظمات الدولية فيها هو من أهم مزاياها. وأخيراً، يُعد الحياد السويسري مهماً لضمان توسعنا العالمي.
اسم منظمتكم مثير للفضول. فلماذا لم تسموها «تحالف الأعمال التجارية المستدامة من أجل المناخ» أي بإضافة كلمة “المستدامة” للاسم الحالي؟
عندما تأسست منظمتنا في عام 2014، كان يُنظر إلى مكافحة تغير المناخ على أنها قضية سطحية وباهظة التكلفة بصفة رئيسية. وبهذا الاسم، أرادت منظمتنا أن تثبت للعالم أن هذا الكفاح يحمل في طياته فرصاً تجارية للشركات، وفي هذا السياق، كان هدفنا هو تمثيل الشركات بجعلها في الصدارة.
حصلت ماريا منديلوس، وهي إسبانية الجنسية، على شهادة الدكتوراه في اقتصاديات الطاقة من جامعة كوميلاس البابوية.
وهي متخصصة في التنمية المستدامة والطاقة والعمل المناخي، ولديها 25 عاماً من الخبرة في الأعمال التجارية، والمنظمات الدولية، والجامعات، والحكومات.
شغلت منديلوس مناصب مختلفة منها منصب المديرة الإدارية في “المجلس العالمي للأعمال التجارية من أجل التنمية المستدامة” في جنيف، قبل أن تتولى الإدارة العامة لمنظمة “تحالف الأعمال التجارية” منذ مايو 2020.
يتمثل هدف تحالفكم في “تحفيز عمل الشركات التجارية والسياسات العامة بغرض تخفيض الانبعاثات إلى النصف بحلول عام 2030″. فهل يسير العالم في الاتجاه الصحيح؟
في الحقيقة، المسار العام ليس على الطريق الصحيح: فالهدفان المتمثلان بتحييد أثر انبعاثات الكربون والإبقاء على مستوى الاحترار العالمي عند 1,5 درجة مئوية هما هدفان يصعب جداً تحقيقهما. ونحن نشهد حقاً زيادة في درجة الحرارة بنسبة 1,1٪. ويجب بذل كل الجهود بغرض تفادي حصول أي زيادة طفيفة في درجات الحرارة. فالوقت يُداهمنا وذلك يمثل التحدي الأكبر بالنسبة لنا.
مع ذلك، فإن معظم الشركات تسلط الضوء على جهودها المبذولة ونجاحاتها فيما يتعلق بالاستدامة. فهل بات ما يُعرف بـ “التمويه الأخضر” هو القاعدة الأساسية الجديدة؟
بصفة عامة، ألاحظ وجود ثلاث فئات من الشركات. فالفئة الأولى تتضمن الشركات التي تحاول مكافحة الاحترار العالمي بالفعل. ونحن نعمل مع تلك الشركات لابتكار أساليب موثوقة ترمي إلى قياس أثر الجهود التي تبذلها.
والفئة الثانية، تشمل الشركات التي تتخذ إجراءات بسيطة لتعزيز الاستدامة. لكن هذه الشركات تلقي الضوء بشدة على الإجراءات التي تتخذها كي تروّج لنفسها على نحو أفضل لدى زبائنها، بغض النظر عن الأثر الهزيل الذي تحدثه على المناخ. أما الفئة الثالثة، والتي تمثل المشكلة الأكبر، فتشمل عدداً لا يُحصى من الشركات التي لا تفعل شيئاً على الإطلاق وتستهين تماماً بتحديات تغير المناخ.
لا يزال هناك عدد لا يُحصى من الشركات التي لا تفعل شيئاً على الإطلاق وتستهين تماماً بتحديات تغير المناخ.
في مجال الاستدامة هل تكون وجهات نظر العلماء متقاربة؟
بالتأكيد! فأكثر من 95٪ من العلماء متوافقون في الآراء، ويندّدون بسلوك البشر على اعتباره السبب الرئيسي للاحترار العالمي. ولحسن الحظ، فإن الأساليب الجديدة لتقليل البصمة المناخية في تحسّن مستمر بفضل التقدم العلمي.
يجري تشجيع الحكومات، لاسيما من جانب الشركات، على وضع سياسات ترمي إلى تعزيز استخدام الطاقة النظيفة. فلماذا تأخرت الإجراءات الحكومية إلى هذا الحد؟
تمثل الدورات الانتخابية التي تبلغ مدتها أربع سنوات تحديًا حقيقيًا! ومن ناحية أخرى، فإن البلدان التي لديها حكومات أكثر استقراراً مثل سويسرا تجد سهولة أكبر في اتخاذ إجراءات حاسمة على المدى الطويل. وعلاوة على ذلك، حقق التخطيط الصيني نتائج جيدة: فنصف السيارات الكهربائية المباعة في العالم موجودة في الصين.
والتحدي الآخر يتمثل في البيروقراطية المتفشية، لاسيما التأخير في تخطيط المشاريع وإصدار تصاريح البناء وحيازة الأراضي والتوصيلات بشبكة الكهرباء. ناهيك عن المعارضة المحلية. وفي بعض الحالات، يستغرق الحصول على تصريح لتركيب الطاقة الشمسية ثلاث سنوات. ويستغرق إنشاء مزرعة لتوليد الطاقة من الرياح أربع سنوات!
أنت تستشهدين بمثال الصين. هل يعني ذلك أن الدول الاستبدادية أقدر على التصدي السريع لتغير المناخ من الدول الديمقراطية؟
إن البلدان التي لديها رؤية وقدرة على التخطيط على المدى البعيد، سواء كانت استبدادية أم لا، تكون أكثر قدرة على مكافحة تغيّر المناخ. فالشركات تحتاج إلى اليقين والاستقرار كي تتمكن من الاستثمار في التقنيات الجديدة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن التخطيط السليم، لاسيما فيما يتعلق بالتغييرات التنظيمية اللازمة، يُعجّل بالاستثمارات في الطاقة النظيفة.
ما هي البلدان النموذجية من حيث السياسة المتعلقة بالاستدامة؟
ما من بلد يتسم بالكمال. وبصفة عامة، تتمركز المملكة المتحدة في الطليعة بفضل أهدافها الطموحة؛ وبالإضافة إلى ذلك، يتعين على الشركات في هذا البلد وضع خطة للتحول المناخي. لكن في المقابل، حين يتعلق الأمر بعزل المباني، لا يزال أمام المملكة المتحدة الكثير من العمل.
والنرويج بلد نموذجي من حيث نسبة السيارات الكهربائية، لكن هذه الدولة تبيع الكثير من الغاز والنفط لبقية أنحاء العالم… وتحظى إسبانيا أيضاً بوضع جيد لاسيما فيما يتعلق بالهيدروجين، أما الولايات المتحدة، فقد وافقت مؤخرا على إجراء استثمارات ضخمة لصالح المناخ.
وماذا عن السياسة السويسرية المتبعة من أجل المناخ؟
بعد الرفض الشعبي للقانون الجديد فيما يتعلق بثاني أكسيد الكربون في يونيو 2021، لا شك أن بمقدور السلطات السويسرية أن تعوّل أكثر على الحوافز، على غرار ما يحدث في الولايات المتحدة.
أنتم تعملون مع سبع منظمات غير ربحية تركّز على المناخ والشركات. وعلى اعتبار أنكم منظمة راعية، ما هي القيمة المضافة الرئيسية الخاصة بكم؟
لقد صُمّم شعارنا على شكل زورق تجديف. لذا، فإن دورنا الرئيسي هو ضمان أن الكل يجدّف في نفس الاتجاه وأن تكون كل الجهود منسّقة. فبهذه الطريقة، سنبلغ أهدافنا بسرعة أكبر. وعلاوة على ذلك، بما أننا نتلقى التمويل من موسسات مختلفة، مثل مؤسستي أيكيا (Ikea) وهيولت (Hewlett)، ولا نحصل على تمويل مباشر من الشركات، فإن استقلالنا ومصداقيتنا مضمونان. لذا، فإن العديد من الشركات تحذو حذونا.
المزيد
كيف تعتزم سويسرا معالجة أزمة الطاقة في فصل الشتاء
خلال الاجتماع السنوي الأخير للمنتدى الاقتصادي العالمي، حظيت النجاحات التي حققها “تحالف الرّواد الأوائل” (First Movers Coalition) بحفاوة حارة. فكيف تسير هذه المبادرة؟
أولاً وقبل كل شيء، يُعد المنتدى الاقتصادي العالمي منصة رائعة لتحالفنا، لأن هذا المنتدى يمنحنا فرصة فريدة من نوعها للوصول إلى عدد كبير من قادة الصناعة والزعماء السياسيين. وبالإضافة إلى المنتدى الاقتصادي العالمي، فإننا نعمل مع حوالي خمسين شريكًا آخر.
وفي البداية، أطلقنا مبادرة “شراكة المهمة القابلة للتحقيق”، “Mission Possible Partnership” بالتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي بصفة خاصة حتى نثبت للقطاع الخاص أنه من الممكن إنتاج الفولاذ أو نقل البضائع، على سبيل المثال، مع مراعاة تحييد أثر انبعاثات الكربون.
وبعد ذلك، أُقيم “تحالف الروّاد الأوائل” بغية تشجيع الشركات على الأخذ بزمام المبادرة من خلال الالتزام بشراء منتجات وخدمات خالية من الكربون (الفولاذ، والنقل وما إلى ذلك). والهدف من هذه المبادرة هو إرسال إشارة قوية إلى السوق. وهي تُحرز تقدماً كبيراً، لحسن الحظ، فأكثر من 50 شركة وعشرة بلدان باتت تساند هذه القضية.
خلال الاجتماع السنوي الأخير للمنتدى الاقتصادي العالمي نفسه، جرى التأكيد مراراً وتكراراً على أن “الاستدامة مصاحبة للربح“. فهل من حقائق تثبت صحة ذلك المبدأ؟
وفقًا لدراسة أجرتها مؤسسة “يونيلي” (Unily)، فإن 65٪ من الموظفين يفضّلون العمل في شركة مراعية للبيئة. وبالإضافة إلى ذلك، تُظهر التقارير الواردة من مكتب أوليفر وايمان الاستشاري ومن منظمة “CDP” (إحدى المنظمات غير الحكومية الشريكة في تحالفنا) أن الشركات المستدامة تجني أرباحاً أكبر. وأخيراً، وفقاً لتقديراتنا، سيكون بمقدور كل أسرة أن توفّر ما متوسطه 2000 دولار سنوياً عندما يصبح التحول في مجال الطاقة في مرحلة متقدمة.
إن النساء في منظمتكم ممثلات تمثيلاً واسعا، بما في ذلك في المناصب الإدارية. فهل النساء أكثر وعياً بقضية الاستدامة؟
تشير عدة دراسات إلى أن النساء يتأثرن أكثر من الرجال بأزمة المناخ، خاصة في البلدان النامية. وبصفة عامة، فإن النساء هن من يتحملن مسؤولية إطعام أسرهن. وفي حالة وقوع أزمة مناخية، ليس من السهل عليهن النزوح مع عائلاتهن. ولذا، غالباً ما تكون النساء أكثر وعياً بمشاكل كوكبنا. وعلاوة على ذلك، فإن النساء عامةً أكثر قدرة على التعاون والتوصّل إلى توافق في الآراء.
إن النساء أكثر تأثراً من الرجال بأزمة المناخ
هل النساء أكثر قدرة على قيادة جهود التصدي للتحديات المناخية؟
أعتقد أن المزيد من النساء اللواتي يتولين مناصب قيادية في الشركات والحكومات من شأنه أن يؤثر تأثيراً إيجابياً للغاية على كوكبنا. بيد أنني ملتزمة أيضاً بالحاجة إلى التنوع داخل أفرقة العمل من حيث المهارات والعمر والجنس والجنسية، لأن ذلك يسمح لنا بتبني نُهج ابتكارية بغرض التصدي بفعالية أكبر للتحديات الحالية التي تواجه كوكبنا.
تحرير: سامويل جابيرغ
ترجمة: ليندا علي
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.