فيروس كورونا: ما الذي يُعتبر “ضروريا” في سويسرا؟
في الوقت الذي لم تذهب فيه سويسرا بعيدا في القرارات التي اتخذتها على غرار جارتها إيطاليا، إلا أنها حظرت جميع الفعاليات والأنشطة التي اعتُبرت "غير ضرورية" (أو غير أساسية) لمواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد. في هذا الصدد، يرى الخبير الاقتصادي سيرجيو روسي أنها فرصة تُتاح للتفكير فيما هو مهم حقًا للمجتمع.
المتاجر والأسواق والمطاعم والحانات والمتاحف والمكتبات ودور السينما وقاعات الحفلات الموسيقية والمسارح والمراكز الرياضية والمسابح وقاعات الحلاقة وصالونات التجميل ومنتجعات التزلج: من 17 مارس إلى 19 أبريل، تقرر أن تظل جميع هذه المحلات التجارية مغلقة في سويسرا. وبحسب السلطات، فإن الأمر يتعلق بأنشطة “غير ضرورية” تعيّن تعليقها – لصفتها تلك – من أجل حماية الصحة العامة للسكان.
إذا ما تركنا جانباً العواقب التي تترتب على قرار من هذا القبيل بالنسبة للعمال المستقلين وأصحاب المشاريع الحرة، فإن قائمة الأنشطة المحظورة لا تثير إشكالات كبيرة. لكن كيف يُمكن لمركز رياضي أو مسرح أن يضمن سلامة الأشخاص الذين يترددون عليه، بالنظر إلى المستوى المرتفع جدا لانتقال العدوى لفيروس كورونا؟
المثير للمفاجأة – على الأقل للوهلة الأولى – هي الأنشطة التي لا زال مسموحًا بها، التي اعتبرت بالتالي ضمنيًا “ضرورية” للمجتمع. وفيما لا يشكك أحد في الحاجة إلى الإبقاء على متاجر البقالة أو الصيدليات مفتوحة، يمكن للمرء أن يتساءل عن محلات الوجبات السريعة والمرائب والأكشاك، التي يُمكنها الاستمرار في ممارسة أنشطتها شريطة احترام قواعد النظافة والتقيد بمسافة الأمان الاجتماعي.
هذه الاستثناءات تدهش جزئياً سيرجيو روسي، أستاذ الاقتصاد الكلي في جامعة فريبورغ الذي أوضح في تصريحات لـ swissinfo.ch أن “تعريف ما هو ضروري مسألة ذاتية وهو يعتمد على كيفية تصنيف الاحتياجات البشرية الأساسية منها أو الاختيارية”.
كما يُلاحظ الخبير الاقتصادي أن “التعليم خدمة أساسية أيضًا، ولكن تم إغلاق المدارس”، ويضيف بأن “الخيارات السياسية الحالية أخذت بعين الاعتبار في المقام الأول الصحة الجسدية للأشخاص، وغضت الطرف، على سبيل المثال، عن الأكشاك والسجائر”. وإذا ما ذهبنا بالتفسير إلى أقصاه، فمن المحتمل أن يرى المرء أيضًا أن التبغ يُعتبر سلعة أساسية، يلاحظ سيرجيو روسي.
ويُضيف أنه من وجهة النظر الاقتصادية، فإن الأنشطة الضرورية الوحيدة هي تلك التي تلبي الاحتياجات الأساسية والحيوية للبشر، أي الإنتاج الغذائي، من المُزارع إلى محل البيع بالتجزئة، والأنشطة المرتبطة بالرعاية الصحية.
بحث عن التوازن
بشكل عام، يعتمد تعريف الأنشطة الضرورية (أو الأساسية) – كما يوضح روسّي – على درجة تطور مجتمع ما في الزمان والمكان، ويقول: “المجتمع السويسري اليوم ليس نفس المجتمع الذي كان قائما قبل قرن من الآن. كما أنه ليس مجتمع بلد أفريقي. ومع ظهور النيوليبرالية، والتوسع المالي للاقتصاد وللعولمة ابتداء من ثمانينيات القرن الماضي، فإن الاحتياجات التي تعتبر ضرورية تغيّرت وهي اليوم أكثر عددا. فمن يستطيع الاستغناء (اليوم) عن الإنترنت؟”.
ويضيف روسي أنه عند التفكير فيما هو ضروري أم لا، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار تركيبة السكان أيضا. “هناك صغار وكبار، رجال ونساء، أشخاص أثرياء وفئات محدودة الدخل. فالرعاية الصحية أكثر أهمية في سن متقدم، بينما التعليم أكثر فائدة للأطفال والشباب. وفي مجتمع معقد ويتطور، نحن بحاجة للعثور على توازن صحيح”.
في لحظة اختيار التدابير الرامية لاحتواء فيروس كورونا المستجد، لم يتم إجراء هذه الفوارق كما يُلاحظ روسي “ولكنهم مُحقّون في ذلك، نظرا لأن الفيروس يُمكن أن يُصيب الجميع”، ويؤكد على أن الأمر المهم هو أن يعرف المجتمع وكل فرد فيه ما هو مهم حقًا، بعد أن تنتهي الأزمة.
“هذا هو الدرس الذي يجب أن نستخلصه: فهمُ ما هو مهم حقًا وما هو ثانوي في حياة الفرد والمجتمع ككل. يتعيّن علينا أن نفكر في حقيقة أن الكائن البشري بحاجة للعيش ضمن مجتمع. كل شخص يحتاج إلى الآخر. علاوة على ذلك، تُعلّمنا الأزمة الحالية أن الدولة فاعل اجتماعي واقتصادي أساسي. فالمجتمع يحتاج إلى دولة قوية قادرة على الاستجابة للاحتياجات البشرية على المستويات المالية والصحية والثقافية والعلائقية”، كما يؤكد سيرجيو روسي.
ما الذي ظل مفتوحا؟ وما الذي توقّف عن النشاط؟
قررت الحكومة السويسرية أن المرافق التالية، بالإضافة إلى مؤسسات الرعاية الصحية، يمكن أن تظل مفتوحة: متاجر بيع المواد الغذائية والأكشاك ومحلات بيع الأطعمة الجاهزة، ومطاعم الشركات وخدمات توصيل الوجبات والصيدليات ومحطات الوقود ومحطات السكك الحديدية والمصارف ومكاتب البريد والفنادق والمرائب ونقاط البيع التابعة لموفري خدمات الاتصالات.
يمكن للشركات التجارية أيضًا مواصلة أنشطتها، ولكن يجب عليها اتخاذ تدابير لحماية الموظفين والعملاء (إجراءات تتعلق بالنظافة وتوفّـر مسافة الأمان الاجتماعي).
اتخذت سلطات كانتون تيتشينو الجنوبي، الذي سجّل أكبر عدد من الوفيات حتى الآن، إجراءات أكثر تقييدًا، حيث أغلقت جميع الأنشطة التجارية والإنتاجية الخاصة، بما فيها ورشات البناء، التي اعتبرتها غير ضرورية.
في إيطاليا المجاورة، قررت الحكومة إغلاق جميع الأنشطة الإنتاجية حتى يوم 3 أبريل المقبل، باستثناء الأنشطة ذات الأهمية الاستراتيجية للبلاد كقطاعات الغذاء والصحة والنظافة، على سبيل المثال.
(ترجمه من الإيطالية وعالجه: كمال الضيف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.