مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

السوق السويسرية لـ “عروض العملات الأولية” ليست “غابة بلا ضوابط”

صورة بالأسود والأبيض من الأرشيف لمطاعم وحانات في الغرب الأمريكي
هل تسير الأمور هذه الأيام كما كانت عليه في أيام الرواد الأمريكيين؟ المسؤول السويسري على وضع اللوائح الخاصة بـ "البلوك تشين" blockchain و"عروض العملات الأولية" ICO وتنظيم عملها، يبذل أقصى جهده للإبقاء على أقدام العاملين في هذا القطاع التكنولوجي المالي الجديد فوق الأرض. akg-images

هـوّن مسؤول حكومي سويسري رفيع المستوى من المخاوف المُثارة بشأن طريقة جديدة لتمويل الشركات الناشئة المتخصّصة في إطلاق العُمُلات الرقمية الجديدة (التي تعتمد نظام "البلوكشين") انتشرت على نطاق واسع ويُخشى أن تخرج عن نطاق السيطرة. ففي العام الماضي، تحصلت هذه الشركات على مبلغ يُناهز 850 مليون فرنك في سويسرا لوحدها من خلال اللجوء إلى استخدام شكل جديد من أشكال الترفيع في رأس المال المعروف باسم "عروض العملات الأولية" الذي يُرمز إليه بـICO  بالإنجليزية.

يورغ غاسّررابط خارجي، رئيس أمانة (أو كتابة) الدولة للمسائل المالية الدوليةرابط خارجي، نفى أن تكون صناعة “عروض العملات الأولية” (وهي عبارة عن وسيلة غير منظمة يتم من خلالها جمع الأموال لمشروع عُملة رقمية جديدة تتأسس على البلوكشين) قد انزلقت بعدُ إلى نظام مجاني مُتاح بوجه الجميع، وأعرب عن اقتناعه بأن من شأن التعديلات التنظيمية المستمرة أن تحمي سُمعة الصناعة المالية السويسرية.

للعلم، يترأس غاسّر مجموعة عمل تابعة للحكومة الفدرالية حول “البلوك تشين” و”عروض العملات الأولية”رابط خارجي، تضم في صفوفها هيئة الرقابة على الأسواق المالية السويسرية “فينما” (FINMA)، والمكتب الفدرالي للعدل وممثلين عن القطاع الخاص من أجل التدقيق في المشهد العام لعروض العملات الأولية ومتابعة تطوراته. ومن المقرر أن تقدم المجموعة تقريرا إلى الحكومة بحلول نهاية العام الجاري.

يورغ غاسر يتحدث خلال ندوة صحفية في برن
بعد فترات من العمل في اللجنة الدولية للصليب الأحمر وتقلد مهام في وزارتي العدل والمالية السويسريتين وأمانة الدولة للهجرة، تولى يورغ غاسر (الصورة) في يوليو 2016 رئاسة أمانة (أو كتابة) الدولة للمسائل المالية الدولية. Keystone

swissinfo.ch: يصف بعض المراقبين سوق “عروض العملات الأولية” ICO في سويسرا بـ “الغرب المتوحش” (Wild West). ما هي المخاطر التي تستهدف المستهلكين وسمعةَ سويسرا والتي لا تزال بحاجة إلى المُعالجة؟

يورغ غاسّر: “الغرب المتوحش”؟ هذا ليس صحيحا. أولاً، أصدرت هيئة الرقابة على الأسواق المالية السويسرية “فينما” توجيهات بشأن كيفية تطبيق تشريعات السوق الحالية، لا سيما فيما يتعلق بمنع غسل الأموال وتمويل الإرهاب. كما ﺗﻘﻮم “فينما” أﻳﻀﺎ ﺑﺘﻄﺒﻴﻖ صارم للقانون تُجاه أي ﻣﺸﺎرﻳﻊ “عروض العملات الأولية” ذات طابع احتيالي ﺗنتهك اﻟﻘﻮاﻧﻴﻦ واﻟﻠﻮاﺋﺢ اﻟمعمول بها.

ثانياً، يقوم فريق عملنا الحكومي (حول “البلوك تشين” و”عروض العملات الأولية”) بالنظر في الإطار القانوني لتحديد أي حاجة محتملة للتحرك. وبحكم أن منظومتنا قائمة على المبادئ، فإن العديد من قوانيننا وقواعدنا تطبق اليوم على أصول التشفير وعلى “عروض العملات الأولية” ICO. وهذا صحيح على وجه الخصوص فيما يتعلق بالتصدي لعمليات غسل الأموال ومتطلبات مكافحة الإرهاب.

ما هي تقنية الـ بلوكشين #BLOCKCHAIN؟ 

في يناير 2009 و بناءً على بحث ظهر في نوفمبر 2008 نُشر لشخص مجهول حمل إسما مستعارا (ساتوشي ناكاموتو) عملة ألكترونية سميت بالبيتكوين Bitcoin مشفرة كليا و مبنية في أساسها على تقنيات البلوكشين في أول تطبيق لها كتكنولوجيا ستغير أسلوب عمل البنوك و القطاع المالي حول العالم. البيتكوين لا تحكمها أي سلطة مركزية ولا تخضع لأي قوانين مركزية فتبادل العملة يتم بشكل مباشر بين المتعاملين دون وجود وسيط يقوم بالعملية مما يلغي قطاع البنوك كليا من التعاملات التجارية وتحويل الأموال.

البلوكشين هي تقنية لتخزين والتحقق من صحة وترخيص التعاملات الرقمية في الأنترنت عبر توزيع قواعد البيانات على المتعاملين بشكل مشفر بشكل لامركزي و بدرجة أمان عالية ودرجة تشفير فد يكون من المستحيل كسرها في ظل التقنيات المتوفرة اليوم.

يعتمد أسلوب إدارة الأعمال التقليدي على المركزية في معظم الأحيان وحتمية وجود “طرف ثالث” في أي تعامل يقوم بترخيص المعاملة أو ضمان حدوثها. مثلا البنوك هي من يتحكم في قطاع تحويل الأموال لقاء رسوم محددة، فالبنك في هذه الحالة هو من يقوم بدور الطرف الثالث في المعاملة لضمان حدوثها وانتقال الأموال من المرسل إلى المرسل إليه.

إختصارا، يُمكن إعتبار البلوكشين نوعا جديدا من قواعد البيانات، فبدل أن تكون قواعد البيانات مركزية في الطرف الثالث من التعامل ومخزنة في خادم واحد أو عدة خوادم يديرها الطرف الثالث فإن قواعد بيانات البلوكشين تكون كلها مخزنة بشكل متكرر في كل الأجهازة المتصلة والتي تتعامل مع بعضها البعض أو في أجهزة الأشخاص المتعاملين مع بعضهم اللذين يستخدمون هذه القواعد البيانية المخزنة في أجهزتهم بشكل مكرر في التحقق من صحة أي معاملة.

(المصدر: نقلا عن موقع المهندس العُماني أحمد الحجريرابط خارجي بتصرف، بتاريخ 23 سبتمبر 2017) 

swissinfo.ch: دعا وزير الإقتصاد السويسري يوهان شنايدر أمّـان مؤخرا إلى أن تصبح سويسرا معروفة باسم “أمّة التشفير” (Crypto Nation). هل هذا الأمر مُمكن التحقيق، وهل يُصبح أمرا واقعا في غضون عشر سنوات مثلا؟

يورغ غاسّر: إنها عبارة رائعة، ولكن مُصطلح “التشفير” يُعتبر اختزالا إلى حد ما ويُمكن أن يكون مُضللاً. إن التحدث عن “أمة بلوك تشاين” (Blockchain nation) أو “أمة التكنولوجيا المالية” (Fintech Nation) سيكون أكثر دقة.

ما الذي ستبدو عليه الأمور في سويسرا – أو في العالم بخصوص هذه المسألة – في غضون عشر سنوات هي تخمينات أيّ شخص، والمسألة تعتمد على التطورات التكنولوجية والإقتصادية والقانونية. مع ذلك، إذا وضعنا الشروط الإطارية الصحيحة موضع التنفيذ، فسوف نكون قادرين على المدى الطويل على اجتذاب الشركات المُبتكرة، التي ستخلق الوظائف وتدفع الضرائب.

هدفنا هو التأكد من أن سويسرا تحتفظ بميزة تنافسية في مجال تكنولوجيا “بلوك تشاين” بشكل عام دون المساس بسلامة القطاع المالي السويسري.

swissinfo.ch: هذه الشركات الناشئة التي تُحدث اضطرابا في الوضع القائم تعدُ بإحداث تغيير كامل في بعض مجالات النظام الاقتصادي والمالي. ما هو حجم الإضطراب الذي من المحتمل أن يجلبه هذا التطور إلى سويسرا؟

يورغ غاسّر: التكنولوجيات الجديدة ستجد دائما طريقها إلى النظام المالي وستقوم بالتشويش على هياكل السوق الحالية. لقد كان هذا هو الحال على الدوام وهو أمر لا يُمكن التوقي منه من طرف قبل أيّ من المتعاملين والشركات القائمة أو من خلال الأنظمة واللوائح.

مع ذلك، فإن هذه التقنيات الجديدة تمثل تحديًا للاعبين التقليديين. لا شك في أنهم بحاجة إلى تبني هذه التقنيات الجديدة لتبقى قادرة على المنافسة. لكنني مقتنع بأن الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا المالية (Fintech) ستكون مُتواجدة في المستقبل المنظور إلى جوار الشركات المالية التقليدية.

swissinfo.ch: تُعرف سويسرا بكونها دولة محافظة حيث تتحرك الأمور فيها ببطء. هل هي حقا المكان المناسب لتكون في طليعة ثورة الـ “بلوك تشاين”؟

يورغ غاسّر: يتعيّن على المرء أن يتذكر أن سويسرا تحتل المرتبة الأولى عالمياً فيما يتعلق بالتجديد والإبتكار. لقد كانت بلادنا منفتحة على الدوام على الإبتكار في مجال الأعمال. أضف إلى ذلك أن سويسرا توفر نظاماً سياسياً مستقراً وبيئة اقتصادية متحررة وقوة عاملة عالية الكفاءة ونظام ضرائب تنافسي.

اللوائح الخاصة بنا مبنية على المبادئ وهي مُحايدة فيما يتعلق بالتكنولوجيا. كل هذه العوامل تفسر لماذا توفر سويسرا حقا البيئة الملائمة والمنظومة المناسبة والصديقة للإبتكار للشركات العاملة في مجال التكنولوجيا المالية (Financial Technology).

swissinfo.ch: يُقال إن العملات المشفرة (cryptocurrencies ) ستقوم بضخ عنفوان تنافسي جديد في شرايين النظام المالي السويسري، بما يُعوّض الميزة التي كانت تجلبها السرية المصرفية سابقا. ما هو رأيك في وجهة النظر هذه؟

يورغ غاسّر: بادئ ذي بدء، لا يزال القطاع المالي السويسري متمتعا بقدرة تنافسية كبيرة للغاية. نحن لا نزال رقم واحد في العالم في إدارة الثروات الخاصة عبر الحدود. بعد قولي هذا، فإن الحقيقة تتمثل في أن تقنية “بلوك تشين” blockchain ، التي تستند إليها معظم العملات المشفرة (Cryptocurrencies)، تؤدي إلى حصول تغييرات هيكلية وحدوث اضطرابات.

لكن الإبتكار الرقمي يُمكن أن يجعل النظام المالي أكثر كفاءة. وباعتبارها اقتصادًا صغيراً ومنفتحا، فإنه ليس بإمكان سويسرا أن تكون ناجحة إلا إذا ما ابتكرت باستمرار. وهنا يُمكن أن تساعدنا نقاط قوتنا الرئيسية – كالأمان على المستوى السياسي واليقين القانوني والخدمات عالية الجودة – على التعامل بنجاح مع تلك التحديات.

ما المقصود بـ “العرض الأولي للعُملة الرقمية المشفرة” (ICO)؟

يُمثل “العرض الأوليّ للعُملة الرقميّة المشفرة” (Initial Coin Offering أو ICO) – المعروفة أيضا بـ Token Gathering Events (TGEs) طريقة جديدة نسبيا لجمع رأس المال المبتدئ لفائدة الشركات. إذ تقوم الشركات الناشئة بالتفويت في عملات رمزية أوToken  مقابل حصولها على “مساهمات” (تكون عادة في شكل عُملات مُشفّرة مثل البيتكوين  Bitcoin) لتمويل مشاريعها. وفي العادة، يتم إطلاق حملة بيع العملات الرمزية من طرف الشركات الناشئة بُغية تجاوز عملية جمع رأس المال الصارمة والمنظمة التي يحرص عليها عادة أصحاب رؤوس الأموال أو المصارف. وعوضا عن منح أسهم الشركات أو أرباح الأسهم للمُساهمين، تسمح هذه العملات الرمزية ببساطة في العديد من الحالات للمعنيين باستخدام التكنولوجيا الجديدة، والتي غالبا لم يتم ابتكارها بعدُ.

في عام 2017، شهدت العروض الأولية للعملة الرقمية المشفرة ICOs انطلاقة قوية، حيث تمكنت من تجميع حوالي 4 مليارات دولار في العالم لفائدة شركات ناشئة تتأسس على سلسلة الكتل أو حرفيا “بلوكشين” (بالإنجليزية: Blockchain)، وهي قاعدة بيانات موزعة تمتاز بقدرتها على إدارة قائمة متزايدة باستمرار من السجلات المسماة (كتل أو “بلوك”). تحتوي كل كتلة على الطابع الزمني ورابط إلى الكتلة السابقة. وقد صُمّمت سلسلة الكتل بحيث يمكنها المحافظة على البيانات المُخزنة ضمنها والحؤول دون تعديلها، أي أنه عندما تُخزّن معلومة ما في سلسلة الكتلة لا يمكن لاحقاً القيام بتعديل هذه المعلومة).

هذا المعدل الفائق السرعة للنمو دفع الجهات المسؤولة عن تنظيم الأسواق المالية في عدد من بلدان العالم للجلوس مع بعضهم البعض والتشاور بشأن الأخطار المُحتملة. ذلك أن العروض الأولية للعملة الرقمية المشفرة (ICOs) تثير القلق في ثلاثة مجالات رئيسية مُحتملة: احتمال أن يُستخدم نظام التمويل الجماعي (Crowdfunding) في بعض الحالات لغسل الأصول غير المشروعة، أو أن يتم تفادي احترام اللوائح المالية كالقواعد المنظمة لتداول الأوراق المالية أو تعرّض مُراوغة المستهلكين غير الحذرين عن طريق الغش والإحتيال.

(ترجمه من الإنجليزية وعالجه: كمال الضيف)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية