مشروع عفو جبائي أوروبي قد يتحول إلى تهديد لسويسرا
دفعت الأزمة الاقتصادية والجهود الرامية لقطع الطريق على الجنان الضريبية دولا أوروبية كبرى للتفكير في مشروع عفو جبائي مُـشترك، وهي بادرة قد تُـضفي مزيدا من الهشاشة على الساحة المالية السويسرية، إلا أنها قد تُـطلق مجدّدا احتمال إقرار عفوٍ جبائي في الكنفدرالية.
هذا التوجّـه الذي طرحه رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلوسكوني على الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في ختام القمة الأوروبية الأخيرة في بروكسل، يُـمكن أن يتعزّز أكثر مع اقتراب موعد قمة مجموعة الـ 20.
ويُـمكن القول أن إيطاليا وفرنسا وألمانيا تعتزم إصدار عفوٍ جبائي مشترك، وهي عملية تُـوفِّـر فائدتين على الأقل لكل من روما وباريس وبرلين، تتمثل في توجيه ضربة لـ “الدول الملجأ” واستعادة كميّـة من رؤوس الأموال الهاربة، تمكِّـن من الحصول على مداخيل جبائية جديدة وسيولة إضافية، تساعدها على تعزيز اقتصادياتها الوطنية المترنِّـحة.
وإذا ما صحّ هذا التوجّـه، فإن سويسرا قد تحتاج قريبا إلى البحث عن درعٍ تحتمي به من هجوم من هذا القبيل، حيث تُـشير آخر التقديرات إلى أن حجم الرساميل الأجنبية المودعة في الحسابات المصرفية السويسرية، يناهز 2000 مليار من الفرنكات. وبالتأكيد، فإن جزءً من هذه الثروة الهائلة، يعسر ضبطه بدقّـة في الوقت الحاضر، يقدُم تحديدا من هذه الدول الكبرى الثلاث في الاتحاد الأوروبي.
هجوم جديد ضدّ سويسرا
في الوقت الحاضر، لا زالت الفكرة في مرحلة جنينية، كما يبقى من العسير تقييم الانعكاسات المترتِّـبة عن غقرار عفوٍ جبائي شامل من هذا القبيل على الساحة المالية السويسرية.
وفي تصريح لسويس انفو يقول طوماس سوتّـر، المتحدث باسم الرابطة السويسرية للصيارفة: “إنه من المبكِّـر جدا الإجابة عن ذلك، نظرا لأننا نجهل الشروط التي ستكون هذه الدول مستعدّة للقبول بها لاستعادة رساميلها”.
هذا الرأي يشاطره ميشال دوروبير، الأمين العام لرابطة الصيارفة الخواص السويسريين، ويوضِّـح أن نتائج عفوٍ جبائي شامل مُـحتمل لهذه البلدان الثلاث، تتوقّـف إلى حدٍّ كبير على الطريقة التي ستنتهجها هذه الحكومات.
ويضيف طوماس سوتّـر “لقد رأينا في حالة إيطاليا، أن عفوا شاملا كريما جدا، يسمح بتحقيق نتائج. وفيما يتعلق بالبلدين الآخرين، فهما يواجهان خيارات سياسية دقيقة، لذلك، فإن عفوا شاملا سيكون، حسب رأيي، في مصلحتهما”.
من جهته، لا يتردّد هُـنري بيتر، أستاذ القانون التجاري الدولي في جامعة جنيف والمحامي في لوغانو في القول، بأن إجراءً من هذا القبيل، قد يسمح لهذه الدول بتحقيق ما يُـمكن وصفه بـ “الإنتهاء من تربيع الدائرة، أي استعادة أموال ترقُـد في سويسرا وضخِّ أموال طازجة في اقتصاديات تحتاجها بشدة”.
ويلاحظ الخبير والأستاذ الجامعي، أن “الاستنتاج نفسه ينطبق أيضا على نيكولا ساركوزي، الذي انهارت شعبيته في فرنسا في الآونة الأخيرة. فلعِـلمه بأن سويسرا ستكون مُـرغمة على التفاوض بشأن اتفاقيتها الخاصة بالازدواج الضريبي مع كل دولة عضو في الإتحاد الأوروبي، فإن الوقت ملائم جدا لتحرّك من هذا القبيل”.
تجربة التيتشينو
في كانتون التيتشينو، جنوب سويسرا، يُـثير مبدأ العفو الجبائي العام ذكريات سيئة في ساحة لوغانو المالية (الثالثة على مستوى البلاد)، التي تُـدير ثروات تتراوح قيمتها ما بين 350 و400 مليار فرنك، تقدُم 80% من رساميلها من إيطاليا. وبالفعل، سبق لحكومة سيلفيو بيرلوسكوني أن قرّرت السماح لرؤوس أموال هُـرِّبت من البلاد بالعودة في عامي 2001 – 2002، ثم سنة 2003 في مرحلة ثانية.
وطِـبقا لتقديرات مختلفة قامت بها العديد من المؤسسات المالية في الساحة المصرفية بكانتون تيتشينو، فإن نسبة تتراوح ما بين 10 و15% من الودائع الإيطالية قد أخذت طريق العودة. ومع ذلك، أمكن للمصارف السويسرية العاملة في إيطاليا، أن “تستعيد” جزءً من هذه المبالغ، بعد أن فتحت فروعا غير مقيمة لها في الجارة الجنوبية للكنفدرالية.
واليوم، لا يُـثير الإعلان عن عفو جبائي محتمل، قد تُـقدِم عليه الدول الأوروبية الكبرى، الإرتياح في ساحة لوغانو، التي تشعُـر بأن وضعها ازداد هشاشة في أعقاب قرار الحكومة الفدرالية تخفيف القيود عن السر المصرفي. وتشاطر العديد من المكاتب الاستشارية والعاملة في مجال الخدمات المالية هذه المشاعر، خصوصا وأن نشاط معظمها يكاد يقتصر على التعامل مع الحرفاء الأثرياء الإيطاليين.
ويوضِّـح أحد الخبراء المحاسبين الذي “لا يتوقّـف هاتفه الجوال عن الرنين”، أن “حرفاءنا أخافتهم قضية مصرف يو بي إس في الولايات المتحدة، وهم يخشون الآن من تسليم (معطياتهم المصرفية) إلى سلطات بلادهم”.
عفو جبائي سويسري؟
في هذه الحالة، هل آن الأوان لكي تلعب سويسرا بدورها ورقة العفو الجبائي الشامل؟
فيليبو لومباردي، عضو مجلس الشيوخ السويسري (عن الحزب الديمقراطي المسيحي – وسط يمين)، مقتنع تماما بالفوائد التي يُـمكن أن تترتّـب عن إجراء من هذا القبيل للإقتصاد السويسري في السياق الحالي، ويلاحظ رجل الأعمال أنه سيكون “من العدل منح دافعي الضرائب السويسريين، نفس (الإجراء) الذي يُـمكن أن يستفيد منه جيرانهم، في الحالة المقابلة في بلدانهم”. في المقابل، يرى ميشال دوروبير أنه “ليس هناك مبرّر للقيام بعفو جبائي، طالما لم يحدُث تغيير جوهري في القانون الجبائي السويسري”.
في الوقت نفسه، تُـطرح تساؤلات حول الحجم الحقيقي للمبالغ التي يُـخفيها دافعو الضرائب السويسريين عن أنظار مصالح الجباية، لكن الإجابة تبدو مستحيلة، نظرا للإفتقار التام حاليا إلى دراسات جديدة وموثّقة حول هذه المسألة.
مع ذلك، يبدو أن البروفيسور هنري بيتر لديه فكرة محدّدة بخصوص هذه المسألة، ويقول: “إنني مقتنع بأن مبلغا يتراوح ما بين 100 و300 مليار فرنك، يُـمكن أن يُـستعاد إذا ما اقترحت السلطات عفوا جبائيا شاملا على دافعي الضرائب السويسريين. وهنا، لابد من الإعتراف بأن خطّـة الإنعاش (حوالي 700 مليون فرنك)، التي طرحتها وزارة الاقتصاد، تُـثير الضحك مقابل رقم من هذا القبيل”.
في انتظار ذلك، يبدو أن إمارة الليختنشتاين قد تسبق الكنفدرالية في الإقدام على هذه الخطوة. وبعد أن سبِـق هذا البلد الصغير سويسرا ببضعة أيام في اتخاذ قرار تخفيف القيود عن السر المصرفي، بادر ولي العهد الأمير Alois بالإعلان عن اقتراح ملموس، يتمثل في عفو شامل لفائدة “لاجئي الجباية”.
سويس انفو – نيكول ديلا بييرا – لوغانو
يتمثل الهدف من العفو الجبائي في مكافحة التهرب الضريبي، عبر محاولة استعادة رؤوس الأموال المهرّبة إلى البلد الأصلي لدافعي الضرائب الأثرياء.
يُـتيح هذا الإجراء فرصة التجاوز عن عمليات تهريب رؤوس الأموال، وعادة ما يقترح فرض رسوم زهيدة أو محدودة على المبالغ المهرّبة حال عودتها إلى البلاد.
يهدف هذا الإجراء أيضا، إلى استعادة كميات من الأموال الطازجة. فعندما تُـفرض رسوم على الرساميل المهاجرة، توفِّـر المبالغ المستخلصة موارد جبائية جديدة للدولة، وهي أموال يُـمكن أن تُـستخدم أيضا في تنشيط الدورة الاقتصادية الوطنية، في حالة اشتراط السلطات (مقابل الحصول على العفو)، ضخّ رؤوس الأموال في القطاع الصناعي مثلا.
تطرّق البرلمان في سويسرا بشكل دوري إلى مسألة العفو الجبائي العام، لكن الحكومة ظلّـت معارضة لهذه الخطوة إلى حد الآن.
في عام 1998، طالب كانتون تيتشينو إقرار عفو جبائي شامل للضرائب الفدرالية والمحلية (أي في الكانتونات)، لكن اللجنة الاستشارية المتابعة للموضوع، قررت في عام 2004 وقف أشغالها في انتظار بلورة مشروع مشابه من طرف وزارة المالية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.