“سنواصل العمل من أجل تعزيز السلم الإجتماعي والديني”
في الوقت الذي لم تتوقّف فيه فدرالية المنظمات الإسلامية في سويسرا عن التعبير عن رفضها القاطع لأي شكل من أشكال العنف والإرهاب خاصة بعد هجمات باريس، أطلقت هذه الأخيرة مؤخرا دعوة لتعزيز الروابط بين مختلف القوى الفاعلة في المجتمع، ولمواصلة الحوار مع السلطات الكانتونية والفدرالية، وفي إطار المجلس السويسري للأديان.
ولتسليط الضوء على رؤية الفدرالية بشأن الجدل الحالي حول وضع الإسلام والمسلمين في سويسرا، وعلى برنامج عملها الحالي والمستقبلي، حاورت swissinfo.ch الدكتور منتصر بن مراد، الذي هو في نفس الوقت رئيس فدرالية المنظمات الإسلامية في سويسرا رابط خارجيونائب رئيس المجلس السويسري للأديانرابط خارجي. وكان سؤالنا الاوّل له التالي:
swissinfo.ch: تركت وفاة سلفكم الدكتور هشام ميزر يوم 14 مايو 2015 رحمة الله عليه حسرة وجزنا عميقيْن لدى الكثير من أبناء الجالية المسلمة في سويسرا. ما الذي يمكن الاحتفاظ به من تراث هذه الشخصية الفذّة؟
منتصر بن مراد: بصفته رئيسا لفدرالية المنظمات الإسلامية في سويسرا (FIDS)، انخرط الدكتور هشام ميزر بقوة من أجل الإستجابة للعديد من مطالب الجالية المسلمة. فقد عمل بجد أوّلا من أجل إنشاء وتأسيس الفدرالية كأكبر اتحاد للمنظمات الإسلامية على المستوى الوطني، يضمّ في نفس الوقت المنظمات الكانتونية والمنظمات الممثلة للأعراق في مختلف الجهات اللغوية في سويسرا.
كذلك عمل على تعزيز الصوت المعبّر عن الجالية المسلمة على مستوى وسائل الإعلام، وتلبية انتظارات الغالبية الصامتة من المسلمين.
كما ساهم على نطاق واسع في جعل فدرالية المنظمات الإسلامية في سويسرا شريكا رئيسيا بالنسبة للقوى السويسرية الفاعلة الرئيسية على المستويات السياسية والاجتماعية والدينية على النطاق الوطني. فهو مثلا كان مؤسسا مشاركا للمجلس السويسري للأديان، وساهم في انجاز مشروع “مركز الإسلام والمجتمع” الذي تحتضنه جامعة فريبورغ، وعمّق الحوار مع السلطات الفدرالية والكانتونية.
swissinfo.ch: ما هي أولويات فدرالية المنظمات الإسلامية حاليا؟ وما هي الملفات التي تحظى باهتمام خاص لديكم؟
منتصر بن مراد: انكبّ اهتمام القيادة الجديدة بداية على ترسيخ وتوطيد أوجه التعاون مع الإتحادات الكانتونية والعرقية الأعضاء في الفدرالية نفسها، وكذلك على تعزيز الروابط مع المنظمات الشريكة المنخرطة على المستوى الكانتوني.
ثم عملنا ثانيا على تطوير المشروعات التي كانت الفدرالية منخرطة فيها أصلا. لقد طُرحت بعض الأسئلة حول التوجّه المستقبلي لمنظّمتنا، فعملنا بسرعة من أجل طمأنة مختلف محاورينا وشركائنا مؤكّدين على استمرارنا في الوفاء بجميع الإلتزامات التي قطعناها على أنفسنا، والتأكيد على استمرار تعاطينا وتعاوننا مع جميع الفاعلين الرئيسيين على المستوى الديني في سويسرا. فمن الضروري جدا مواصلة العمل المشترك من أجل ضمان السلم الإجتماعي والديني.
ونحن الآن بصدد تطوير عدد من المشروعات من أجل إضفاء المهنية والإحترافية تدريجيا على عمل الفدرالية، والإنشغال بمعالجة ملفات متنوعة، مثل التكوين والتكوين المستمر، والأمن، والوقاية من التمييز والعنصرية.
swissinfo.ch: انخرطت منظمتكم في سلسلة من اللقاءات والحوارات مع السلطات الفدرالية مباشرة بعد الإستفتاء الشعبي الذي أقرّ حظر المآذن. ماذا كانت حصيلة تلك الحوارات؟
منتصر بن مراد: حظر المآذن أصبح جزءً من الماضي، وقد تسبب في وقته في كثير من التوتّرات التي لا فائدة منها، والتي لم تخدم السلم الإجتماعي الذي نطمح له جميعا.
الحوار مع السلطات تطوّر بشكل كبير على مستوى الإتحادات الكانتونية التي هي أعضاء في الفدرالية، لأن القضايا ذات الطابع الديني تعالج في أغلب الأحيان على المستوى المحلّي. أما على المستوى الفدرالي، فقد انحصر الحوار حول بعض القضايا الحينية مثل خدمة الإرشاد الديني بالنسبة للمؤسسة العسكرية. كذلك تطوّر الحوار وتوسّع بشكل تدريجي خلال السنوات الاخيرة في إطار المجلس السويسري للأديان.
في شهر مارس 2015 مثلا، ألتقى الدكتور هشام ميزر رحمه الله عليه، وكان آنذاك رئيس المجلس السويسري للأديان، وفي نفس اليوم، كل من السيد آلان بيرسيه، وزير الشؤون الداخلية (الصحة والتعليم والبحث العلمي والتأمينات الإجتماعية والثقافة)، والسيد كلود هيش، رئيس مجلس الشيوخ حينها. وكان من المهم التأكيد على أن مختلف الأديان تتحاور فيما بينها، ولكن أيضا تتحاور مع السلطات الفدرالية.
swissinfo.ch: شاركتم في الأسبوع الماضي في دورة عادية للمجلس السويسري للأديان، الذي تتولى فيه مسؤولية نائب الرئيس. هل تطرقتم خلال تلك الدورة إلى الهجمات الإرهابية التي شهدتها باريس مؤخرا؟
منتصر بن مراد: كان هذا أحد الموضوعات التي تطرّقنا. وعبّر المجلس عن إدانته القاطعة لتلك الأعمال الجبانة والإجرامية، وعن تعازيه الحارة لعائلات الضحايا. والمجلس السويسري للأديان يعارض توظيف اسم الله او أي دين من الاديان في أعمال إجرامية وإرهابية، وهو يدعو إلى التعايش المشترك بسلام بين مختلف التقاليد والأديان سواء في سويسرا او في أي بلد آخر. ولابدّ أن ينعم أي شخص يعيش في مجتمع مثل مجتمعنا بإمكانية ممارسة تقاليده وطقوسه الدينية دون خوف أو رهبة من تعرضه للعنف او الإكراه. وطبعا هذه الإدانة تسري كذلك على الأعمال الإرهابية التي شهدتها أنقرة، وبيروت، وتونس، وأماكن أخرى.
الموقف من هجمات باريس
أصدرت فدرالية المنظمات الإسلامية بسويسرا يوم 14 نوفمبر 2015 بيانا عبّرت فيه عن “رفضها القاطع وحزنها العميق للهجمات الإرهابية التي استهدفت العاصمة الفرنسية باريس، ومن ورائها كل المجتمعات الاوروبية”. وندّد البيان بشكل صارم وحاسم “بالهجمات الجبانة والعمياء، وهذه الجريمة الشنعاء التي ارتكبت بحق الأبرياء”.
الفدرالية، والعديد من الاتحادات المتعاونة معها، والتي تمثّل أزيد من 250 مركز وجمعية إسلامية عبّرت أيضا عن “تعازيها الصادقة لعائلات الضحايا الأبرياء وإلى جميع المصابين”. وأشار البيان إلى أنه “بعد الأحداث الأخيرة، توسّعت دائرة الخوف والغضب”، لكننا يضيف البيان: “لن نسمح لأحد بتهديد السلميْن الاجتماعي والديني اللذيْن أصبحا مكسبيْن في سويسرا بعد جهد كبير”.
وللرد على هذه الهجمات الإرهابية، يؤكّد البيان على “ضرورة تعزيز الحوار مع الجميع، والعمل من أجل حماية الامن الجماعي، والانفتاح على التعاون مع جميع الشركاء ومع السلطات السياسية والدينية، من اجل مكافحة آفة الإرهاب”.
ويوم الجمعة 20 نوفمبر، أدان المجلس السويسري للأديان (SCR) في بيان أصدره لنفس الغرض بشدّة ما وصفه ب”الهجمات الإرهابية الجبانة والقاتلة التي شهدتها باريس مساء 13 نوفمبر”، وقدّم تعازيه في الضحايا الأبرياء الذين قتلوا غدرا”.
وذكر بيان المجلس أن هذا الأخير “شعر بالصدمة لوحشية المذبحة في باريس” وأن “قتل هذا العدد الكبير من الأبرياء لا يُطاق”، ودعا المجلس المسيحيين والمسلمين واليهود إلى العمل معا واتخاذ إجراءات ضد القتلة المتطرّفين”، كما دعا الجميع من ذوي الإرادة الصالحة “للوقوف جنبا إلى جنب من أجل تعزيز السلام”.
swissinfo.ch: بصفتك ممثلا للفئة المسلمة في سويسرا في إطار هذا المجلس. ماذا تقول للمسلمين الذين يشعرون بالحرج بسبب هذه الهجمات؟
منتصر بن مراد: الفئة المسلمة تنبذ وتنأى بنفسها عن هذه الأعمال الإجرامية، وتعتبرها مخالفة لأصول الدين الإسلامي. والكثير من البيانات سبق ان أُصدرت للتأكيد على المعنى السابق، ولذلك تتساءل المجموعة المسلمة لماذا تكون في كل مرة في حاجة إلى تبرير نفسها من هذه الجرائم كما لو أن هناك انعدام ثقة تجاهها. ويبدو الامر كما لو أنه عليها أن تبرّر نفسها بشكل منهجي من اعمال ليست مسؤولة عنها.
الحجّة الثانية التي أسمعها أحيانا تتعلّق بالتنديد وفقا لقاعدة الكيل بمكياليْن، ويتساءل البعض: لماذا تتناقل وسائل الإعلام على نطاق واسع جدا التنديد بالاعتداءات عندما تقع في باريس؟ ولماذا نلتزم جميعنا الصمت في وقت تشهد فيه سوريا مقتل مائة شخص كل يوم؟
لتجنّب الشكوك التي لا داعي لها، في الوقت الذي لدينا قناعة قوية بضرورة إدانة هذه الأعمال الوحشية، يكون من السهل إدانتها بشكل واضح. هذا هو السبب الذي دفع فدرالية المنظمات الإسلامية في سويسرا إلى تعبئة العديد من الإتحادات ممثلة لما يزيد عن 250 جمعية في سويسرا لتندّد بشدّة بما حدث في باريس.
لابدّ أن ينعم أي شخص يعيش في مجتمع مثل مجتمعنا بإمكانية ممارسة تقاليده وطقوسه الدينية دون خوف أو رهبة من تعرضه للعنف او الإكراه. منتصر بن مراد
بعد الإدانة، لابد أن نتجه إلى المستقبل. المجموعة الإسلامية هي جزء من المجتمع السويسري، تريد أن تستمرّ في تعزيز السلم الإجتماعي والديني. ويظل التوظيف السياسي دائما خطرا قائما بعد أحداث من هذا القبيل، ما يعزّز مشاعر الخوف، وينال من قيم العيش المشترك، وتتولّد عنه آثار تمييزية.
swissinfo.ch: بعض السياسيين ورجال الفكر في سويسرا يدعون المجموعة الإسلامية إلى “القطع مع الأصوليين”، وأن “لا يكتفوا بإدانة الاعتداءات”. كيف تردّ على هذا النوع من النداءات؟
منتصر بن مراد: أوّلا، هناك فرق دلالي مهم بين مصطلحي “الأصولية” و”الإرهاب”. ولكن غالبا ما يتم الخلط بين المعنيْن في مثل هذه الظروف.
إذا كان الامر يتعلّق ب “القطع مع الإرهابيين”، فالجواب من البداهة بما كان. فالمجموعة المسلمة في سويسرا لا تريد الإختلاط أو أن تكون قريبة من هؤلاء الأشخاص او الجماعات. إنه واجب المواطنة، وليس قضية مسلم او غير مسلم. كل فرد في المجتمع معني بالأمن الجماعي.
ولكن عندما يتعلّق الأمر بالحديث عن “الأصولية”، تقدّم عادة تقديرات شخصية وذاتية لما يعنيه هذا المصطلح. بالنسبة للبعض، الذي يمارس صلواته خمس مرّات في اليوم أو التي مجرّد كونها تضع غطاء على رأسها، هما أصوليان، وهذه مبالغة واضحة. في هذه الحالة يجب أن نتفق على تعريفات ومعايير واضحة، وموضوعية ومقبولة لدى الجميع.
لقد بذلت الكنائس المسيحية في سويسرا خلال العقديْن الاخيريْن جهدا كبيرا للحوار مع بعض المجموعات التي توصف بالأصولية، من أجل تقريب بعض وجهات النظر، ومن أجل التمكّن من العيش المشترك في سلام بدلا من وجود جماعات متنازعة ومتنافرة. وربما تكون هناك حاجة للقيام بجهد نظري وفتح حوار من داخل المجموعة الإسلامية مع بعض الجماعات التي تبدو متشدّدة نوعا ما. قطع الحوار مرة واحدة قد يزيد في مخاطر النزعات الراديكالية.
swissinfo.ch: بعد الأحداث الدامية التي شهدتها باريس، ما هو الدور الذي بالإمكان أن يقوم به مختلف الفاعلين الاجتماعيين في سويسرا من اجل تعزيز السلم الإجتماعي؟
منتصر بن مراد: على المجموعة الإسلامية أن تواصل عملها في تطوير ما بدأته فعلا منذ عقود، بما في ذلك العمل الجمعياتي، والأنشطة الطوعية التي تبذلها في مجال الإرشاد الديني بالنسبة للشباب، والتكوين المستمر للكبار، وفي مجال الحوار بين الأديان، ومع مختلف المحاورين على المستويْين الكانتوني والفدرالي.
وبالنسبة للقضايا المتعلّقة بالأمن، يجب التعامل معها بطريقة وقائية، كما يحدث الآن فعلا من خلال التعاون مع الإتحادات الكانتونية. وقد يكون من الضروري إطلاق بعض المشروعات الخاصة من أجل تعزيز الإجراءات الوقائية، وأيضا من أجل تحديد إطار واضح بالنسبة للأنشطة ذات الصلة بهذا البعد.
الرسائل السياسية ودور وسائل الإعلام مهمّان أيضا خلال هذا النوع من الأزمات. فبعد اعتداءات شارلي إيبدو، كان لتصريح أنجيلا ميركل الذي أشارت فيه إلى أن “الإسلام هو جزء من ألمانيا” وقع حسن لدى الفئات المسلمة. وهو ما أدّى مباشرة إلى التقليص من مخاطر التوتّرات، وإلى تجنّب التوظيف السياسي من طرف بعض المجموعات السياسية الصغيرة مثل بيغيدا. كما سمح هذا الموقف الحكيم أيضا بالتوقّي من بعض أنواع التمييز والخلط الذي يجب أن نبقى حذرين منها.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.