مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

من يتحمّل تكاليف تطوير المضادات الحيوية الجديدة؟

antibiotics
تجاوز عدد الضحايا الذين توفوا بسبب مقاومة المضادات الحيوية بمليون شخص عدد ضحايا فيروس نقص المناعة المكتسب/الإيدز في 2019،. Keystone / Chamila Karunarathne

الحاجة إلى تطوير مضادات حيوية جديدة هي اليوم أكثر إلحاحًا من أي وقتٍ مضى، ولكّن عزوف غالبية شركات الأدوية الكبرى عن ضخّ الاستثمارات يُهدد بوأد عقود من الأبحاث الطبية التي كانت تبدو يوما ما واعدة. فهل يكمن الحلّ في تقديم حوافز مالية لشركات عملاقة تحقق أرباحا طائلة؟ سؤال يثير الجدل...

يتنؤ خبراء الصحة العامة بمستقبل مظلمٍ يخّيم على الوضع الصحّي العالمي إن لم تظهر مضادات حيوية جديدة، فقد أدّى الاستخدام المفرط وغير الصحيح للمضادات الحيوية المستخدمة حاليا إلى ظهور أنواع من البكتيريا تملك آليات دفاعية تُحصّنها أمام العلاجات التي كانت في السابق ناجعة للاستشفاء من أمراض مثل السل والسيلان. وكانت مجلة نيتشر (Natureرابط خارجي) التي تصدر باللغة الإنجليزية قد نشرت مقالا في شهر يناير من هذا العام يُسلّط الضوء على عواقب هذه الظاهرة. ووفقا للمقال، فإن الأمراض المعدية التي تسببها جراثيم مقاومة للمضادات الحيوية قد أودت بحياة نحو 1.27 مليون شخص في عام 2019، وهو رقم يتجاوز بكثير الوفيات الناجمة عن أمراض مشهورة مثل فيروس نقص المناعة البشرية والملاريا.

وتتوقع دراسة أخرىرابط خارجي أن مقاومة المضادات الحيوية ستودي بحياة 10 ملايين شخص سنويا بحلول عام 2050. وتبرز خطورة التوقعات هذه عند مقارنتها بعدد الوفيات التي سببتها جائحة كوفيد-19، إذ توفي نحو 6.2 مليون شخص على مدى العامين اللذين أعقبا انتشار الوباء.

وفي مقابلة مع SWI swissinfo.ch قال جون يونغ، الذي يترأس أنشطة مجموعة روش في مجال بحوث أدوية الأمراض المعدية، ويشرف على المراحل المبكرة من التجارب السريرية في هذا المجال: “تتزايد قدرة الميكروبات على مقاومة المضادات بسرعة تفوق قدرتنا على ابتكار الأدوات اللازمة لمكافحتها… وقد واجهت بعض الشركات العاملة في هذا المجال تحدّيات مالية شائكة، وانتهى بعضها بالإفلاس بسبب غياب سوق مستدامة”.

وعلى مدى عقود من الزمن، كانت شركة روش التي تتخذ من مدينة بازل السويسرية مقرا لها لاعبا رئيسيا في مجال المضادات الحيوية، وطورت عقاقير هي الأكثر مبيعا مثل باكتريم وروسيفين، لكنها انسحبت من السوق في عام 1999 لتعود إليها في عام 2013. ويقول يونغ إن من بين الأسباب التي دفعت روش إلى العودة إلى سوق المضادات الحيوية هو الانتشار الواسع للبكتيريا التي تُبدي مقاومة شديدة للمضادات الحيوية التقليدية. وتُجري روش بازل وشركتها الفرعية في الولايات المتحدة الأمريكية بحوثا لا تزال في المرحلة السريرية لاثنين من المضادات الحيوية وتبحثان أيضا عن حلول رقمية وتشخيصية تساعد في “توفير الدواء المناسب الذي يستهدف مُمرِضات بعينها في الوقت المناسب”.

محتويات خارجية

وفي الوقت الذي تُبدي فيه شركة روش مثابرة في مواصلة أبحاثها في مجال المضادات الحيوية، تستسلم غالبية الشركات الدوائية الكبرى (كنوفارتيس وسانوفي وأسترازينيكا) وتنسحب من هذا المجال. وتُجري معظم البحوث الابتكارية في هذا المجال في شركات صغيرة ليس لديها الخبرة أو الموارد اللازمة لتحويل الاكتشافات المخبرية الجديدة إلى أدوية في متناول يد المريض.

وفي ظلّ شحّ المضادات الحيوية الجديدة، بات مسؤولو الصحة العامة العالميين في وضع يائس، وينعقد الأمل لمنع تفاقم الأزمة الصحية إلى وباء كامل على مساهمة شركات الأدوية في تطوير مضادات حيوية جديدة وإتاحتها في الأسواق. إلا أن شركات الأدوية العملاقة لا ترى جدوى مالية في هذا الاستثمار، لذا فإن حثّها على المشاركة قد يتطلب تقديم حوافز مالية لشركات تحقق أصلًا أرباحًا طائلة وهو ما يراه الكثيرون في مجال الصحة العامة خيارا غير مستساغ.

المعضلة الاقتصادية

كان استئناف روش لبحوث المضادات الحيوية بادرة تفاؤل، وعزّزت الموقف السويسري في هذا المجال. فمدينة بازل السويسرية وحدها تضم 18 مجموعة بحثية جامعية تبذل جهودا في مجال مقاومة مضادات الميكروبات. وتحتضن جامعة بازل مشاريع تعاونية مثل المراكز الوطنية للكفاءة في بحوث مقاومة المضادات الحيوية (NCCR AntiResist)، التي تلقت دعمًا بلغ 17 مليون فرنك سويسري (17.7 مليون دولار) من المؤسسة الوطنية السويسرية للعلوم التي تدعمها الحكومة السويسرية في سبيل اكتشاف منهجيات جديدة للمضادات الحيوية.

إلّا أن التحدّي يكمن في ترجمة هذه الجهود إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع خارج المؤسسات الأكاديمية. فمعظم المشاريع تُموّل بمنح تُحدّد مصيرها، فإذا توقفت المنحة  اندثر المشروع. ولذلك، فليس هناك ضمانات في أن تصل هذه البحوث مرحلة التجارب السريرية، حتى الواعدة منها، والأصعب بلوغ مرحلة صنع منتجات يمكن للمرضى الحصول عليها.

ومنذ عام 2014، لم يتجاوز عدد المضادات الحيوية التي اعتمدتها السلطات الأمريكية والأوروبية 14 مضادا حيويا جديدا، وتعتبر ثلاثة منها فقط “جديدة” بمعنى أن لها بنية كيميائية جديدة أو أنها تملك آليات دفاعية جديدة. أما البقية فهي مشتقات من المضادات الحيوية الموجودة أصلًا ويبلغ عُمر العديد منها 30 عاما فأكثر وتشهد فاعليتها العلاجية تراجعا مستمرا. والغالب أن البكتيريا القادرة على مقاومة أحد المضادات الحيوية تستطيع أيضا أن تقاوم الأنواع المماثلة من المضادات الحيوية، ولهذا السبب تبرز الحاجة إلى مضادات حيوية جديدة.

ولا يخلو تطوير المضادات الحيوية الجديدة من المخاطر والتكاليف، ويواجه 95% من العقاقير الفشل في مرحلة التجارب السريرية، وإن نجحت فإن عوائد المبيعات لا تبلغ قيمة الاستثمار الأصلي. وقدّرت مقالةرابط خارجي نُشرت باللغة الإنجليزية في عام 2017 أن تكلفة تطوير دواء جديد تبلغ نحو 1.5 مليار دولار، في الوقت الذي يرى فيه المحللون المختصون في الصناعات الدوائية أن عائدات المبيعات تُقدّر بحوالي 46 مليون دولار سنويا.

وكانت هذه المخاطر قد تجسّدت في قصة شركة بوليفور السويسرية التي تأسست عام 1996. فقد سعت هذه الشركة إلى تطوير مضاد حيوي لمكافحة البكتيريا سلبية الجرام المسببة للالتهاب الرئوي الحاد، والتي تتميّز بمقاومتها العالية للمضادات الحيوية. وفي إطار هذا السعي، تمكّنت الشركة من جمع تمويل بلغ 87.5 مليون دولار في ثماني جولات تمويلية، في اكتتاب أوليّ عام كان الأكبر في مجال التكنولوجيا الحيويةرابط خارجي في بورصة SIX في ربيع عام 2018، كما نجحت الشركة في توقيع صفقة ترخيص مع روش. وبعد مرور عام، قررت بوليفور وقف التجارب السريرية لعلاج الالتهاب الرئويرابط خارجي باستخدام العقار التجريبي للمضادات الحيوية موريبافادين (murepavadin) بسبب مخاوف تتعلق بسلامة العقار والأعراض الجانبية التي يسببها، وبسبب قرار وقف التجارب على العقار التجريبي انخفض سعر سهم الشركة، وانتهى بها المطاف بالاندماج مع شركة أخرى للتكنولوجيا الحيوية في عام 2021.

وأما من ناحية التكلفة، فإن الحوافز الاقتصادية تبدو معدومةً في عقاقير المضادات الحيوية، بخلاف العقاقير الأخرى كأدوية السرطان التي تدرّ عوائد كبيرة على الاستثمار، وهنا تُبدي شركات الأدوية الكبرى استعدادها لتحمل المخاطر.

محتويات خارجية

ويبدو تحقيق معادلة اقتصادية مربحة تحدّيا يتربصّ بشركات المضادات الحيوية، فهي لا تستطيع أن تضمن حجم المبيعات على عكس شركات إنتاج اللقاحات، ولا تستطيع التعويض عن قلّة المبيعات برفع الأسعار، إذ يسود الاعتقاد بأن أسعار الأدوية يجب أن تكون معقولة. ويبدو هذا الاعتقاد منطقيا فالبلدان منخفضة الدخل هي الأكثر تضررا بمشكلة مقاومة العقاقير الدوائية، مما يجعل السعر عاملا هاما.

وفي حديث مع موقع SWI swissinfo.ch علّق توماس هايمان من شركة HBM للاستثمار في قطاع الرعاية الصحية “يبدو واضحا أن الحاجة لا تزال ملحّة، ولكن من الصعب جدّا تحقيق عائد لائق على الاستثمار في البحث والتطوير عندما يُتناول العلاج على مدار مّدة زمنية قصيرة تتراوح من خمسة أيام إلى ثلاثين يوما، وعندما يعزف (الأطباء) عن وصف المضادات الحيوية باهظة الثمن إذا توفر دواء جنيس أرخص”. وكانت شركة HBM قد توقّفت عن ضخّ الاستثمارات في شركات إنتاج المضادات الحيوية منذ أكثر من عقد من الزمن.

تحفيز المشاركة

تركت العائدات الضعيفة المستثمرين في دوامة يصعب الخروج منها: فكلما قل عدد أصحاب رؤوس الأموال المغامرين وشركات الأدوية الكبرى الراغبة في الاستثمار في بحوث المضادات الحيوية، زاد عزوف الشركات عن هذه البحوث وقلّ عدد الشركات الواعدة التي يمكن الاستثمار فيها.

ويفيد دوغلاس هاغستروم، الذي يدير شركة INCATE إنه “يجب إعادة إعادة تحفيز المشاركة في كافة مراحل إنتاج المضادات الحيوية”. وكانت شركة INCATE  التي تستضيفها جامعة بازل قد تأسست العام الماضي كحاضنة أوروبية للعقاقير العلاجية المضادة للبكتيريا وتعد روش من بين الشركات الأربع الراعية لها. وتحاول INCATE  حل المشكلة من خلال مساعدة المراحل المبكرة من الأبحاث كي تصبح جاهزة لمرحلة التمويل التالية. وتختار INCATE كل ثلاثة أشهر شركتين إلى أربع شركات ناشئة في مجال المضادات الحيوية، وتقدّم لها الدعم في أعمالها بالإضافة إلى منحة بقيمة 10000 يورو لتطوير مشروعاتها.

ومن بين الشركات المستفيدة من تلك المساعدة، يحصل عدد قليل منها على تمويل يصل إلى 250,000 يورو لكل مشروع. وتهدف INCATE إلى دعم 50 مشروعا بحلول عام 2023. وتسعى هيئات تمويل غير ربحية أخرى مثل CARBX التي تتلقى الدعم من الحكومة الأمريكية إلى الإسهام في تسريع الابتكار في هذا المجال.

وقال هاغستروم: “الاسثمار في مجال لا يوجد فيه سوى أربع شركات ليس بالاستثمار المغري، ولكن الاختيار من بين 50 شركة قد يثير اهتمام أصحاب رؤوس المال المغامرة وشركات الأدوية … هدفنا هو جعل العملية برمّتها أكثر كفاءة.”

خطوة على طريق الألف ميل

ومع أن الاستثمار في الحاضنات يساعد في “تشحيم العجلة”، وهنا نقتبس صورة مجازية صاغها هاغستروم، إلا أن الطريق لا يزال طويلا. وتنعقد آمال كبيرة على صندوق العمل من أجل مقاومة مضادات الميكروبات “AMR Action Fund”، الذي تأسس عندما بلغت جائحة كوفيد-19 ذروتها بتمويل قيمته مليار دولار بهدف إنتاج اثنين إلى أربعة مضادات حيوية جديدة وتزويد الأسواق بها بحلول عام 2030. ويحظى صندوق العمل من أجل مقاومة مضادات الميكروبات، الذي يقع مقره الأوروبي الرئيسي في بازل، بدعم من أكبر 20 شركة أدوية. وكان الصندوق قد أعلن في الرابع من أبريل عن أول استثمار له في شركتين ناشئتين تجريان تجارب سريرية على مضادات حيوية.

ومع كل هذه الجهود لا تزال الشركات الصغيرة، حتى تلك التي تمكنت من إطلاق منتج، تكافح من أجل البقاء. وهناك دعوات متزايدة لشركات الأدوية الكبرى صاحبة الثروات الطائلة كي تُسعف الموقف وتحول دون ضياع ما استُثمر في تشجيع الابتكار.

وتقول شانتال موريل، الخبيرة الاقتصادية في مجال الصحة في جامعة جنيف والتي تزيد خبرتها في مجال المضادات الحيوية عن عقد من الزمن إن “المطلوب الآن هو حثّ الشركات الكبرى على المشاركة… ولا سبيل لذلك إلا عبر منحها حافزا واضحا.”

مثار الجدل

تم طرح العديد من الأفكار على مر السنين لحثّ عمالقة قطاع الأدوية على المشاركة في هذا المجال الحيوي بالنسبة للصحة العامة، فظلت المشكلة تكمن في إيجاد نهج سليم يفصل الحوافز المالية عن حجم المبيعات. وكان نموذج “ادفعرابط خارجي أو شارك” الذي بدأ الترويج له في عام 2016 ، يتطلب من الشركات دفع رسوم إضافية إذا قررت عدم الاستثمار في البحث والتطوير، ولكن مقاومة شركات القطاع لهذا النموذج سرعان ما أدّت إلى إلغائه.

وفي محاولة أخرى، أعلنت المملكة المتحدة في 12 أبريل الماضي عن أول برنامج اشتراك للمضادات الحيويةرابط خارجي في العالم، حيث تتلقى الشركات مبلغا محددا من هيئة الخدمات الصحية الوطنية مقابل المضادات الحيوية التي تُثبت فعاليتها بغضّ النظر عن الكمية المباعة. وتمنح هذه المبادرة التي لا تزال في مرحلتها التجريبية لكل من شركة فايتزر الأمريكية وشركة شيونوجي اليابانية عقودا لمدة تصل إلى عشر سنوات وبقيمة تصل إلى 10 ملايين جنيه إسترليني سنويا لإنتاج مضاد حيوي جديد. ولا نزال بانتظار نتائج هذه المبادرة لإثبات فعاليتها في حثّ الشركات الكبرى على المشاركة في سوق المضادات الحيوية.

وتستغرق المرحلة التجريبية من برنامج الاشتراك ست سنوات، ويرى بعض الخبراء أنه ليس سريعا بما فيه الكفاية. ومع ازدياد الحاجة ألحاحا، باتت شركات القطاع تدعم الآن اقتراحا أخر مثيرا للجدل يعرف باسم “تمديد الامتيازات الحصرية القابلة للنقل”. وبموجب هذا الاقتراح، تحصل الشركات التي تنجح في إنتاج مضاد حيوي جديد وتوفيره في السوق، على امتياز لتوسيع احتكارها لدواء أعلى سعرا تملك براءة اختراعه مثل علاج السرطان، ويمكنها أيضا أن تبيع الامتياز إلى شركة أخرى.

وتجادل جماعات الضغط في قطاع الأدوية بأن هذه طريقة أسرع وأكثر جدوى من الناحية السياسية. لكن الاقتراح يعني أن المرضى، وبشكل أكثر تحديدا شركات التأمين وأنظمة الرعاية الصحية، سيدفعون مبالغ أكبر لقاء الأدوية، لأنهم سيضطرون إلى الانتظار لفترة أطول للحصول على نسخ جنيسة أرخص لبعض الأدوية الرائجة. وقد يدرّ هذا الاقتراح أرباحا خيالية لبعض شركات الأدوية – فقد وجدت إحدى الدراساترابط خارجي أن التمديد لمدة عام واحد لدواء يحقق إيرادات إجمالية تبلغ 1 مليار دولار من شأنه أن يزيد أرباح شركة تصنيع الأدوية بحوالي 250 مليون دولار.

ومع أن هذا الاقتراح لم يلق حتّى الآن الدعم في أي دولة، لكن بعض المدافعين عن الصحة العامة الذين كانوا متشككين في الفكرة بدأو يلمحون فيه بارقة أمل. وتعلّق شانتال موريل “تبدو الفكرة سخيفة من نواح كثيرة، وهناك الكثير من التردد في إعطاء حوافز مالية لقطاع مربح بالفعل … لكننا كنا ننادي بحل لمشكلة [مقاومة مضادات الميكروبات] لسنوات ولم يُتّخذ إلا القليل من الإجراءات لحلّها. لقد أظهرت جائحة كوفيد-19 أن هذا ثمن قليل للحوافز مقارنة بما كلّفته الجائحة”.

وتضيف موريل إنه حتّى لو لقيَ هذا الحلّ القبول، يجب تقييده بشروط وأحكام واضحة تضع الحدّ الزمني للتمديد ويجب أن تُلزم الشركات بمراقبة مقاومة الميكروبات للمضاد الحيوي بمرور الوقت.

وكان خبراء الصحة العامة الذين أجرى موقع SWI swissinfo.ch مقابلات معهم قد عبّروا عن إنهم يفضلون رؤية إصلاح شامل وتغيير في العقلية بحيث يقدّر المجتمع المضادات الحيوية لفوائدها في إنقاذ الأرواح. إلا أن السباق للعثور على مضادات حيوية قبل أن تستفحل أزمة عالمية جديدة جعل صبرهم ينفذ أكثر فأكثر.

ويرى جان بيير باكو من منظمة الشراكة العالمية في البحث والتطوير في مجال المضادات الحيوية (GARDP)، وهي منظمة غير ربحية مقرها في جنيف تطور المضادات الحيوية لتلبية الاحتياجات الصحية العالمية إن “هذا الحافز قد يكون شرا لا بدّ منه لإعادة بناء الزخم … ومع أنيّ لست مقتنعا بأن هذا حلّ مستدام، لكنه الحل الأفضل في الوقت الحالي”.

المزيد
medicine

المزيد

الوباء يهز سوق المضادات الحيوية التي تعاني من الكساد أصلا

تم نشر هذا المحتوى على وجدت إحدى الدراسات الأولى للمصابين بفيروس كورونا المستجد في ووهان، مركز تفشي الفيروس، أن بعض المرضى، لا سيما من هم في حالة حرجة، عانوا من عدوى بكتيرية فرعية. وقد تم إعطاء هؤلاء المصابين المضادات الحيوية ولكن الدراسة لاحظت ارتفاع معدلات مقاومة الأدوية لبعض البكتيريا، مثل البكتيريا سلبية الجرام، مما يزيد من خطر الصدمة الإنتانية. وفي حين أن المضادات الحيوية لا تقوم بمعالجة الفيروسات مثل فيروس كورونا المستجد، لكنها تّعتبر خط دفاع مهم ضد الالتهابات البكتيرية الفرعية مثل الالتهاب الرئوي المرتبط بالتنفّس والتهابات المسالك البولية والإنتان، وهذه الالتهابات هي الأكثر شيوعاً بين حالات المرضى الذين يتوجّب عليهم البقاء لفترات طويلة في وحدات الرعاية المركزة، ولا سيّما أولئك الذين يعانون من ضعف جهاز المناعة. ومع ذلك، لم يتم التطرق إلى المضادات الحيوية، إلا بشكل خجول جداً. يقول مانيكا بالاسيجارام، وهو طبيب يرأس الشراكة العالمية للبحث والتطوير في مجال المضادات الحيوية GARDP ومقرها جنيف، والتي تركز على الفئات الضعيفة، الأكثر تضرراً من كوفيد -19: “في الوقت الحالي، ليس لدينا رؤية واضحة لحركة العرض والطلب للمضادات الحيوية، ونحن لا نعرف ما هي المضادات الحيوية التي استُخدمت في علاج مرضى فيروس كورونا وفي أية حالات أدى ذلك إلى حدوث تعقيدات”. ويضيف بالاسيجارام لموقع swissinfo.ch: “في حالات التفشي، ما زلنا بحاجة إلى الأدوية الأساسية مثل المضادات الحيوية”. وبسبب الوضع المعقد والفوضوي الناتج عن كثرة عدد الأشخاص ممن يجب وضعهم على أجهزة التنفس، وعدم وجود الوقت الكافي لدى الجهاز الطبي لتغيير القفازات بين مريض وآخر، فإن حالات العدوى في المستشفيات ستزداد بشكلٍ مضطرد. كل ذلك لم يكن ليشكّل مصدر قلق كبير، لو لم تكن سوق المضادات الحيوية تعاني أصلاً ومنذ سنوات من الإهمال. إن النقص في هذه المضادات الحيوية، ومقاومة الكائنات البشرية لها، آخذان في الازدياد، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، التي تقدر أن الأمراض المقاومة للأدوية يمكن أن تتسبب في 10 ملايين حالة وفاة كل عام، بحلول عام 2050. وبحسب تقرير صادر عن شركات تعمل في صناعة الأدوية الحيوية، نُشر في وقت سابق من هذا العام، فإن 47% من الشركات الـ 65 التي شملها البحث، عانت من اضطرابات في سلسلة توريد منتجات المضادات الحيوية. ومع إغلاق المزيد من الدول لحدودها، وقيام الهند بوضع بعض القيود التجارية، وتعطل عجلة التصنيع في الصين، هناك مخاوف متزايدة من أن تصبح تلبية الاحتياجات المتزايدة لهذه المضادات، أكثر صعوبة. ويخبر إينيا مارتينيلي، رئيس قسم الصيدلة في مستشفى FMI في إنترلاكن، swissinfo.ch أن المستشفيات في سويسرا تعيد تنظيم أوضاعها على ضوء التطورات المستجدّة، وأن الإمداد في الوقت الراهن لا يعتبر مشكلة، لكنه أعرب عن قلقه عما ستؤول إليه الأمور في غضون بضعة أشهر. ويقول مارتينيلي: “هذه [الجائحة] سيكون لها تأثير على توريد هذه المضادات، لكننا لا نعرف بعد، أي من هذه المضادات ستتأثر”. من ناحيتها، أخبرت شركة “ساندوز” Sandoz ، إحدى فروع شركة ” نوفارتيس” Novartis، وأكبر مصنع للمضادات الحيوية البديلة في العالم، موقع swissinfo.ch أنها لا تتوقع في الوقت الحالي، تعطل سلسلة التوريد للجزء الأكبر من محفظتها الاستثمارية، نظراً للإجراءات الصارمة للتخفيف من حدّة الأزمة ولمستويات المخزون الضعيفة. ومع ذلك، فإن الوضع ديناميكي ومتغيّر بشكل مستمر، وهناك جوانب خارجة عن سيطرة أي شركة مصنّعة. كما أعلنت الشركة في أواخر فبراير المنصرم، أنها ستحافظ على استقرار أسعار الأدوية الأساسية، على الرغم من التقلبات الراهنة في الأوضاع. أزمة بطيئة يحذر الخبراء منذ سنوات من أن سوق المضادات الحيوية في خطر؛ فرغم أن المضادات الحيوية تعد من أقدم الأدوية إلا أن الإفراط في استخدامها وإساءة استخدامها على مر السنين، دفع البكتيريا إلى بناء دفاعات ضدها، ونتجت عن ذلك حاجة ملحة لوجود مضادات حيوية جديدة. يقول مارك غتزيتغر، الرئيس التنفيذي لشركة “بيوفيرسيس” Bioversys السويسرية الناشئة في مجال التكنولوجيا الحيوية، إن شركته كانت تعمل على “تقديم المضادات الحيوية بسعر منخفض بسبب طلب كميات ضخمة منها، لكن هذا الأمر تغير بشكل هائل”؛ فقد أصبح الأطباء أكثر حذراً بشأن وصف المضادات الحيوية، واقتصر وصفها على الحالات التي يكون فيها إعطاؤها للمرضى ضروريّاً. وتعمل “بيوفيرسيس” على تطوير مضاد حيوي لمكافحة الالتهابات البكتيرية سلبية الجرام ذات المقاومة العالية في المستشفيات التي لديها معدل وفيات بنسبة 50 %. وكان من المقرر الدخول في تجارب سريرية في وقت لاحق من هذا العام، لكن غتزيتغر يخشى أن يتأجل هذا الأمر بسبب انشغال هيئات الموافقة على الأدوية من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في احتواء فيروس كورونا. ومع تراجع حصول المزيد من الأدوية على براءات الاختراع، ارتفع الطلب عليها في الاقتصادات الناشئة وانخفضت الأسعار؛ وقد دفع هذا الواقع العديد من الشركات، إلى الخروج من سوق الأدوية التي لم تعد بالنسبة لها تجارة مربحة. كما وجد تقييم لـ 30 شركة أن البحث في مجال المضادات الحيوية وتطويرها، أصبح يتركز أكثر فأكثر لدى عدد قليل من الشركات. وقد حذر جاي إيير، الذي يرأس مؤسسة “الوصول إلى الدواء” خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، من أننا “نعتمد على عدد قليل جداً من الشركات لضبط الإمداد العالمي بالمضادات الحيوية.” من ناحيتها، أعلنت العديد من شركات الأدوية الكبرى بما في ذلك نوفارتيس وألرغان مؤخراً عزوفها عن القيام ببحوث عن مضادات حيوية جديدة، وفي مقابل ذلك انطلقت شركتان جديدتان للمضادات الحيوية العام الماضي. أما شركة الأدوية العملاقة الأخرى روش، التي تتخذ من بازل مقراً لها، فقد انسحبت من العمل على المضادات الحيوية في تسعينيات القرن العشرين، لكنها أعادت بناء خبراتها في هذا المجال. الوقوع في مأزق ويقول مارتينيلي: “لقد حذرنا دائماً من أن هذا الأمر قد يطرح مشكلة”. حين لاحظ مارتينيلي أن تزايد الإنتاج أصبح أكثر تركيزاً في قارة آسيا، بدأ منذ أربع سنوات في تتبع النقص المتكرر في الأدوية بما فيها المضادات الحيوية، وذلك عبر موقع drugshortage.chالذي أنشأه. وقبل أربع سنوات، سجّل نقصاً متعلّقاً بحوالي 100 عبوة من الأدوية، والآن هناك نقص بأكثر من 700 عبوة. ولا تعود أسباب هذا النقص إلى جائحة الفيروس المستجد كوفيد 19. في سويسرا، هناك حوالي 70 إلى 80 % من المكونات الصيدلانية النشطة (API) التي تأتي من آسيا، حيث الإنتاج أقل كلفة. وبعض هذه المكونات يخص المضادات الحيوية. إن هذا الاعتماد على عدد أقل من مواقع الإنتاج خارج أوروبا، يعني أنه يكفي أن يعاني مصنع واحد من مشاكل ما، حتى يؤدي ذلك إلى الوقوع في مأزق كبير. فعندما أدى إغلاق المصانع الصينية، بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد، إلى تباطؤ إنتاج الأدوية في الهند، أمرت الحكومة الهندية بحظر تصدير ستة وعشرين منتجاً صيدلانياً، وشمل ذلك بعض المضادات الحيوية. ويقول توماس كويني، المدير العام رئيس الاتحاد الدولي لمُصَنّعي الأدوية: “تمتلك الشركات عادةً مخزونات تلبي حاجة السوق لفترة تتراوح بين شهرين وستة أشهر، وهي قادرة على التعامل مع انقطاع المخزونات على المدى القصير. لكن المشكلة تبدأ عندما تأخذ الدول في التخزين – فتضاعف الطلب ثلاث مرات لأنها في حالة من الذعر، وتفرض المزيد من القيود التجارية، وهذا لا يجدي نفعاً بقدر ما يزيد الأمور تعقيداً”. ويعتبر مصنع ساندوز في كوندل بالنمسا، المصنع الوحيد المتبقي في أوروبا لإنتاج المضادات، مما يجعله أقل تعرضاً للاضطرابات من غيره من المصانع، بحسب القيمين عليه. يقول مارتينيلي أنه كان في مناقشات مع العديد من مديري هذه الصناعة، ولا يشك مطلقاً في استعدادهم لمد يد العون، خلال هذه الأزمة. نداء صحوة على مدى السنوات القليلة الماضية، قامت الحكومات والمؤسسات المختلفة بتكثيف جهودها في الاستثمار في مجال أبحاث وتطوير المضادات الحيوية؛ ولكن بالرغم من تدفق الاستثمارات، يعتقد الخبراء بأن النموذج الاقتصادي الحالي لم يعد قابلاً للاستمرار. ويعتبر غتزيتغر أنه “من المستحيل أن تحافظ على سوق مستدام عندما لا يُسمح لك بالبيع بسعر مناسب”، موضحاً وجهة نظره بالقول إن هناك نوع من الحلويات في متجر شوكولاتة حصري في زيورخ، يُباع بثمن أغلى من الأموكسيسيلين، وهو مضاد حيوي يستخدم لعلاج الحالات الحرجة. ويضيف أنه من الصعب جذب المستثمرين عندما لا يكون هناك عائد، وهذا هو السبب في أن معظم شركات تطوير الأدوية لديها أقل من 100 موظف. “لدينا ظروف ملحّة ولم يتبق في هذا المجال سوى عدد قليل جداً من الخبراء الذين يمكنهم تطوير أدوية مضادة للبكتيريا. إذا لم نغير الأشياء ولم نعد إلى الاستثمار، فسوف نفقد المزيد من المهارات”. ويوافق بالاسيجارام من الشراكة العالمية للبحث والتطوير في مجال المضادات الحيوية، على أن هناك حاجة لنموذج جديد. “إذا تركنا الأمر لمزاجية السوق، فإننا سنجد أنفسنا في مأزق. نحن بحاجة إلى شركات مثل “ساندوز” للمحافظة على استمرارية العمل. ويضيف: “إذا لم نستثمر في الأبحاث المتعلقة بالصحة العامة، فسوف نواجه دائماً مشكلات كهذه”.

طالع المزيدالوباء يهز سوق المضادات الحيوية التي تعاني من الكساد أصلا

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية