إلغاء القيود المفروضة على الطلاب الوافدين من خارج المنطقة الاقتصادية الأوروبية
تسعى سويسرا لتحسين فرصها في الاستحواذ على أفضل الكفاءات المتخصصة في العالم. أما ما يحول بينها وبين تحقيق ذلك فهو تلك القيود المفروضة على هجرة أبناء الدول الواقعة خارج الاتحاد الأوروبي أو دول رابطة التجارة الحرة الأوروبية إلى الكنفدرالية. إلا أن البرلمان يسعى حالياً إلى التخفيف من حدة هذه القيود. أما عدد هؤلاء الخريجين المطلوبين الذين يغادرون سويسرا، وسبب هذه المغادرة، فهو ما لا يعُرف على وجه التحديد.
منذ سنوات، لم يمر أي إلتماسرابط خارجي في البرلمان الفدرالي بغرفتيه (العليا والسفلى) بمثل هذه السهولة التي شهدها ذلك الطلب الذي تقدم به السياسي الليبرالي مارسيل دوبلر بشأن التخفيف من القيود المفروضة على إقامة الطلاب القادمين من خارج المنطقة الاقتصادية الأوروبية. حيث كانت أغلبية البرلمانيين من يسار الوسط وحتى المعسكر البورجوازي متفقين على أمر واحد، هو أن قانون الأجانب يجب أن يُعَدَّل بصورة تجعل خريجي الجامعات الوافدين من خارج المنطقة الاقتصادية الأوروبية ـ خاصة الحاصلين على شهادات في مجالات تعاني من شح القوى العاملة المتخصصة ـ غير مضطرين لمغادرة سويسرا، “بل أن يتمكنوا من البقاء فيها بصورة سهلة وغير معقدة”. ويقع على عاتق الحكومة السويسرية حالياً إجراء التعديل المطلوب في لوائح السّماح بالهجرة، والإقامة والعمل.
ما هو الهدف من هذا التعديل؟
تضم الجامعات السويسرية حالياً حوالي 13000 طالباً مسجلاً بها من أبناء الدول الواقعة خارج المنطقة الاقتصادية الأوروبية. وقد حصل حوالي 3000 طالب من أبناء هذه الدول عام 2017 على درجات البكالوريوس أو الماجستير أو الدكتوراه في سويسرا. ولكن بعد إنهاء دراستهم ـ وبحسب بيانات رابطة الشركات السويسرية “إكونومي سويس” ـ فلم يعمل سوى ما بين 10 إلى 15% منهم في الكنفدرالية، وهذا بالرغم من معاناة سوق العمل المحلية من قلة أعداد المختصين في الرياضيات وفي تكنولوجيا المعلومات والعلوم الطبيعية والمجالات التقنية. وجدير بالذكر أن الجامعات السويسريةرابط خارجي تشهد إقبالاً مرتفعاً نسبياً على دراسة هذه المواد الرياضية والعلمية من قِبل الطلاب الوافدين من خارج الاتحاد الأوروبي أو رابطة التجارة الحرة الأوروبية، بينما تكلف هذه الدراسات دافعي الضرائب السويسريين حوالي 180 مليون فرنك سنوياً، بحسب تقديرات رابطة الشركات السويسرية.رابط خارجي
يضيع على الاقتصاد المحلي كل عام حوالي 3000 من هذه القوى العاملة المتخصصة التي يتهافت عليها سوق العمل”. (رودولف مينش)
على الرغم من ذلك، فلا يتم إصدار سوى ما بين 150 إلى 200 تصريح عمل لهؤلاء الخريجين سنوياً. “بذلك يضيع على الاقتصاد المحلي كل عام حوالي 3000 من هذه القوى العاملة المتخصصة التي يتهافت عليها سوق العمل”، يقول السيد رودلف مينش كبير الاقتصاديين في رابطة “إيكونومي سويس” متحسراً. أما السبب الرئيسي في هذا الوضع المؤسف، فإنه يكمن في قانون الأجانب، بحسب رأيّ هذه الرابطة الاقتصادية.
لماذا لا يعمل سوى عدد قليل منهم هنا؟
بخلاف خريجي الجامعات من أبناء الاتحاد الأوروبي ودول الرابطة الأوروبية للتبادل التجاري الحر الذين يستفيدون من اتفاقية حرية تنقل الأشخاص، فإن الخريجين من أبناء دول تقع خارج هذه المنطقة، يخضعون لقانون الأجانب المتشدد، الذي يحدد لهم حصصاً بعينها. “وبينما يتاح لخريجي الجامعات في الدول الأخرى مدة تصل إلى ثلاثة سنوات للبحث عن عمل، فإن على الأجانب من خارج المنطقة الاقتصادية الأوروبية التقدم بطلب، حتى يُسمح لهم بالبقاء لمدة ستة أشهر إضافية في سويسرا لهذا الغرض”، هكذا تصرح رابطة “إيكونومي سويس” بنبرة ناقدة. وإذا لم يجد الخريجون صاحب عمل، يوفّر لهم تصريح عمل، فإنه يتحتم عليهم مغادرة الكنفدرالية.
فبعد حصولها على درجة الماجستير في العلوم الطبيعية بالمعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ، وجدت آريل فاكرياه من فيلاديلفيا وظيفة في فرع إحدى الشركات. لكن مشكلات الحصول على تصريح عمل واجهتها حينما اضطرت إلى تغيير وظيفتها.
المزيد
العثور على وظيفة في سويسرا
كذلك استطاع كين تساي من تايوان الحصول على وظيفة في إحدى الشركات السويسرية الخاصة، بعد حصوله على درجة الماجستير في “تكنولوجيا المعلومات” من المعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ. إلا أن طلبه للحصول على تصريح عمل قوبل بالرفض، مثلما يوضح لـ swissinfo.ch. “بسبب مشكلات الحصول على تصريح العمل، انتقلت إلى ألمانيا، والذي اتضح أنها تعامل المغتربين بمزيد من الود”.
ولا يمثل تساي حالة فريدة من نوعها. “لدينا طاقات من الشباب، الذين يتهافت عليهم سوق العمل، إلا أنهم نادراً ما يجدون فرصة لوضع أقدامهم به”، يقول السيد مينش منتقداً.
لماذا ترفض الحكومة هذا الطلب؟
ثلاثة نواب من الحزب الليبرالي في مجلس النواب
رفض ثلاثة نواب من إجمالي إثني عشر نائباً من الحزب الليبرالي بمجلس النواب (الغرفة السفلى بالبرلمان الفدرالي) الطلبرابط خارجي الذي تقدم به زميلهم بنفس الحزب مارسيل دوبلر. فلقد اقتنعوا بثلاثة أسباب ساقتها الوزيرة الفدرالية كيلر ـ زوتر، هكذا جاء ردهم. بل أن النائب أندريا كاروني رابط خارجييرى أن هذا الطلب يعد انتهاكاً للدستور الفدرالي، والذي يقتضي تحديد نسباً معينة للأجانب بكافة فئاتهم. “للأسف، فإن هذا الطلب يسعى صراحةً إلى إلغاء تلك النسب”، هكذا كتب هذا النائب بمجلس النواب والمحامي. أما ما يتماشى مع الدستور في رأيّ السيد كاروني فهو وضع نسباً خاصة، أو رفع تلك النسب بصفة عامة.
لقد حاولت وزيرة العدل المنوطة بها هذه المهمة كارين كيلر ـ سوتر، المحسوبة على الحزب الليبرالي الراديكالي، مقاومة ذلك الطلب الذي تقدم به زميلها بالحزب السيد دوبلر، لكن جهودها باءت بالفشل.
فلقد حاولت أن تبرهن أمام البرلمان أن أبناء الدول الواقعة خارج المنطقة الاقتصادية الأوروبية والذين يحملون شهادات عليا سويسرية، تتاح لهم حالياً بالفعل فرصة الحصول على وظائف بصورة ميسّرة، وذلك إذا ما كانت مهنتهم ذات أهمية اقتصادية أو علمية كبرى.
كما أشارت إلى أنه لم يسبق حتى الآن ورُفضت أية تصاريح لخريجي الجامعات السويسرية الوافدين من خارج المنطقة الاقتصادية الأوروبية بسبب نقص الحصص المخصصة لهم، فقد كانت هناك دائماً حصص كافية لمثل هؤلاء الخريجين.
أين تكمن المشكلة إذن؟ “من الصعب على هؤلاء الشباب إيجاد فرصة في سوق العمل، لأنه لم تتوفر لهم أية خبرات عملية”، على حد قول كبير الاقتصاديين في رابطة الشركات السويسرية “إيكونومي سويس”. حيث تمنعهم إحدى اللوائحرابط خارجي التي تستند إلى قانون الأجانبرابط خارجي من العمل أكثر من خمسة عشرة ساعة أسبوعياً أثناء الدراسة. وهذا القيد يجعل تدربهم شبه مستحيل، يقول السيد مينش. فأية شركة تسعى إلى شغل إحدى وظائفها، لا تستطيع تحديد مدى مناسبة شخص ما لهذه الوظيفة، إلا بعد أن يتدرب بها لفترة.
لماذا يُمنع هؤلاء الطلاب من العمل لمدة تزيد عن خمسة عشرة ساعة أسبوعياً؟
يجيب مكتب الاقتصاد والعمل بكانتون زيورخ على هذا قائلاً: “إن هؤلاء الأشخاص قد مُنِحوا تصريح إقامة في سويسرا بهدف التعليم والتدريب، وليس بهدف العمل والتكسب”. لهذا يجب أيضاً ضمان عدم تمديد فترة الدراسة بدون مبرر، على حد قول المسؤولين في هذا المكتب.
أما أن يكون معنى هذا عملياً منع هؤلاء الطلاب من التدريب، فإنه أمر لا يقره مكتب الاقتصاد والعمل بزيورخ. “فمن الممكن الحصول على تصريح للتدرب، إذا ما شهدت تلك المؤسسة الجامعية بأن الأمر يتعلق بتدريب إجباري، وأنه جزء لا يتجزء من الدراسة. ففي هذه الحالة لا يعتبر التدريب عملاً إضافياً”.
ماذا يقول مثلاً المعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ في هذا الشأن؟
إن القول بأن الدّارسين الوافدين من خارج المنطقة الاقتصادية الأوروبية ليس في إمكانهم التدرب بسبب لائحة الخمسة عشرة ساعة، لا ينطبق على المعهد التقني الفدرالي العالي، هكذا أجاب مكتبه الإعلامي: “ففي بعض المقررات الدراسية يكون التدريب إجبارياً، بينما هو مستحب في مقررات أخرى. وهذا من شأنه السماح بوضع خطة مكثفة للدراسة والدخول سريعاً إلى الحياة العملية”.
“لا يتعلق الأمر بنقص الخبرة العملية، بل بنقص إتقان اللغة” (المكتب الإعلامي بالمعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ)
إلا أن المعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ يذكر أسباباً أخرى تحول دول توظيف الأجانب، غير تلك التي ذكرتها رابطة الشركات: “لا يتعلق الأمر بنقص الخبرة العملية، بل بنقص اللغة. فبينما يمكن أن تجري الدراسة كلها باللغة الإنجليزية، فإن الشركات السويسرية، الصغيرة والمتوسطة على الأقل، تشترط الإلمام باللغة الألمانية للتوظيف بها”.
ويرى المعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ، وهو أحد أشهر المؤسسات التعليمية على مستوى العالم، أن أغلبية واضحة من خريجيه الوافدين من خارج المنطقة الاقتصادية الأوروبية، لن يجدوا صعوبة في الحصول على وظيفة في سويسرا: “فثلثا خريجي المعهد من الأجانب يحصلون على أول وظيفة لهم في سويسرا، ويظل كلهم تقريباً مقيمين هنا، حتى بعد مرور خمس سنوات على إنهاء دراستهم. إلا أن نسبة هؤلاء بين أبناء الدول الواقعة خارج المنطقة الاقتصادية الأوروبية تظل أقل مقارنة برعايا الاتحاد الأوربي”، هكذا كتب المكتب الإعلامي للمعهد مشيراً إلى استطلاعات رأي الخريجين التي قام بها المكتب الفدرالي للإحصاء.
ما هو إذن القول الفصل؟ ما هي النسبة الحقيقية لخريجي الجامعات السويسرية الوافدين من خارج المنطقة الاقتصادية الأوروبية الذين يحصلون على وظيفة في سويسرا؟
أجاب المكتب الفدرالي للإحصاء على ذلك مُهَوِناً من نتائج استطلاعاته للرأي، ووصفها بأنها تقديرية. فمن الصعوبة بمكان الوصول إلى الخريجين الوافدين من خارج المنطقة الاقتصادية الأوروبية بهدف استطلاع رأيهم، خاصة إذا كان هؤلاء قد غادروا سويسرا بالفعل. وهناك سبب آخر لهذا التباين في أقوال كل من المعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ ورابطة الشركات السويسرية، ألا وهو سلوك الخريجين فيما يتعلق بمواصلة التعليم: فحوالي 90% من حملة درجة البكالوريوس من أبناء دول تقع خارج المنطقة الاقتصادية الأوروبية يواصلون دراساتهم العليا في سويسرا، مما يجعلهم غير واقعين ضمن هذه الشريحة من الخريجين التي تناولتها الإحصائيات، على حد قول المكتب الفدرالي للإحصاء.
كذلك فحتى تلك الدراسة الوطنية التي موّلها الصندوق الوطني السويسري للبحث العلمي لعام 2018 والتي حملت عنوان “On the move”رابط خارجي (أو “بين حلٍ وترحال”)، والتي تناولت دمج خريجي الجامعات من الأجانب في سوق العمل السويسرية، فإنها لا تتيح بيانات دقيقة حول النسب المخصصة للأجانب في شغل الوظائف. إلا أن كاتبة هذه الدراسة آنيك لومبار تصل إلى نتيجة مفادها أن حوالي نصف الخريجين الأجانب من حملة درجة الماجستير يظلون مقيمين في سويسرا. أما بالنسبة للخريجين الوافدين من خارج المنطقة الاقتصادية الأوروبية، فإن حوالي 44% منهم يظلون مقيمين في سويسرا لمدة تصل إلى ثلاث سنوات بعد إتمام دراستهم.
ما الذي سيترتب على إلغاء النسب المخصصة للأجانب؟
وفي دراسة أخرىرابط خارجي أجرتها آنيك لومبار مع زميلها يوناثان زوفيري في مارس 2019، يرى كل منهما أن إلغاء هذه النسب المحددة سوف يؤدي إلى فتح المجال أمام الخريجين الوافدين من خارج المنطقة الاقتصادية الأوروبية، كي ينضموا إلى سوق العمل السويسرية بكل يسر. ذلك أنه كان يتعين على أصحاب العمل حتى الآن التقدم بطلب للحصول على تصريح عمل لهؤلاء الخريجين.
“أبناء الدول الواقعة خارج المنطقة الاقتصادية الأوروبية يُواجهون العديد من المشاكل غير الاعتيادية أثناء بحثهم عن عمل” (آنيك لومبار)
ويتحاشى الكثيرون هذا العبء الإضافي، خاصة وأنه ليس من السهل الحصول على المعلومات الخاصة به: “أما اتخاذ بعض الإجراءات لتوفير قاعدة معلومات أفضل حول الأسس القانونية ـ سواء كان ذلك في الجامعات أو في المصالح الحكومية أو في منصات المعلومات الرئيسية ـ فقد يكون ذا أثر إيجابي على توظيف تلك القوى العاملة المتخصصة والمطلوبة في سوق العمل السويسري”.
كما تستند لومبار إلى إستطلاعات للرأي، حينما تذكر أسباباً أخرى لمغادرة الكثيرين لسويسرا. فأبناء الدول الواقعة خارج المنطقة الاقتصادية الأوروبية يواجهون العديد من المشاكل غير الاعتيادية أثناء بحثهم عن عمل. “ويرون أن السبب في تلك المشاكل يعود في أغلب الأحوال إلى جنسياتهم وإلى اختيارهم لمجال دراستهم”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.