هدوء واستياء يخيّمان على منتجع “لاوشرن آلب” الجبلي
أحبَطت المُبادرة الشعبية المُناهضة لـ "البناء اللامحدود للمساكن الثانوية، المُخصصة لقضاء العطل"، مخططات قطاع البناء في المناطق السياحية الجبلية في سويسرا. وليس من الصعب، استشعار المزاج السيِّئ السائد في هذه المناطق عقب نجاح الإستفتاء.
ولكن، وكما يتّضح في المنتجع الجبلي “لاوشرن آلب”، لا يبدو النموذج الاقتصادي الذي تمثله “المساكن الثانوية” (المساكن المخصصة فقط لقضاء الإجازات)، مُقنعاً للجميع.
في فصل الشتاء، لا يمكن الوصول إلى قرية “لاوشرن آلب”، التي ترتفع بنحو 2000 متر فوق وادي “لوتشينتال” في كانتون فالي، إلا بواسطة التلفريك أو سيراً على الأقدام. كما أن الطريق الجبلي الضيِّق المتوفِّر، مُغلَق أمام حركة مرور السيارات الخاصة في فصل الصيف أيضاً. وللصعود بسيارتهم إلى منازل العطلة الصيفية، يحتاج الضيوف إلى تصريح من بلدية “فيلَر”.
وفي يوم العمل المُشمس هذا، في نهاية شهر يونيو، لا تبدو هناك الكثير من الحركة على هذه البُقعة من جبال الألب، عدا شاحِنة تُغادِر موقع العمل إلى الوادي، وعمال كهرباء يُديرون ظهورهم لموقع البناء الذي يُغادرونه على عُجالة إلى سيارة العمل، لعدم وجود الوقت (أو الرغبة) لديهم للإجابة على أسئلة المُراسل الصحفي.
وخلافاً للأعوام السابقة، عندما كانت أعمال البناء تجري على قدم وساق منذ أوائل فصل الصيف في خمسة أو ستة مواقِع عمل، لا تقف اليوم في هذا المنتجع الجبلي، سوى رافعة واحدة. ويتبادر السؤال حول ما إذا أصبح قرار المحكمة الفدرالية ملحوظاً بالفعل، بعد القرار الذي أصدره القُضاة في لوزان في شهر مايو 2013، والخاص بالتطبيق الفوري للنصّ الدستوري الدّاعي إلى “وقف البناء اللامحدود للمساكن المخصصة لقضاء الإجازات”، الذي اعتمده الناخبون السويسريون في مارس 2012. وقد أثَّـر هذا القرار على المناطق السياحية التي تتوفّر فيها أكثر من 20% من المساكن الثانية.
أحد هذه المناطق، هو منتجع “لاوشرن آلب” الواقع ببلدية “فيلَر” في وادي “لوتشينتال”. في هذه البقعة، التي كانت تأوي الرّعاة ومواشيهم في بضعة إسطبلات قبل خمسين عاماً، ينتشِر اليوم على جميع أنحاء الألب نحو مائتي (200) شاليه ومجمّع مساكن مخصَّصة لقضاء العطل وفندق ومطعمين أو ثلاثة ومُنشأة للتليفريك.
“الوضع مشابه لكارثة الحريق”
هكذا شبَّه هانز جاكوب ريدر، رئيس البلدية وصاحب متجر للتدفئة والسباكة والسقوف، القرار السياسي الدّاعي إلى تجميد عمليات البناء على جبل الألب، مُذكِّراً بحريق قرية “فيلَر” الكارثي في شهر يونيو من عام 1900، الذي أدّى إلى تدمير أجزاءً كبيرة منها. وحينئذٍ، كان على أهالي القرية بدء حياتهم من الصفر.
ومع خيْبة الأمل البادية على وجهه، إلا أن ريدر رفض الإدلاء بحديث إلى وسائل الإعلام التابعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية مرّة أخرى، بسبب ما أسماه بـ “معلومات كاذبة” كان أحد مقدِّمي البرامج التلفزيونية قد أدلى بها حول وادي “لوتشينتال”. وقبل وصول وسائل الإعلام، أعرب ريدر في رسالة إلكترونية بعث بها إلى swissinfo.ch عن “عدم استعداد بلدية فيلَر للإدلاء بمعلومات لمزيد من المقالات”. ولم تُفلِح زيارتنا بثنْيِه عن التمسّك بموقفه.
المزيد
استفتاء شعبي يوقف أشغال البناء في قرية لوتشنتال الجبلية
ضربة قاضية
على عكسِ ريدر، كان سميَهُ بيات ريدر، أكثر إستعداداً للحديث. وأرجع رئيس مجلس الوادي – وهي هيئة تهتمّ بالقضايا الرئيسية للمجتمع – وصول عمليات البناء إلى طريق مسدود منذ الآن، إلى عدم اليقين الذي يشعر به المسؤولين عن تنفيذ مشاريع البناء حيال المستقبل. وكما قال: “لقد ضاع اليقين القانوني في هذا المجال تماماً”.
ووفقاً لريدر، فالأمر حاسم، وهو مسألة تتعلّق بالوجود أصلا. حيث “جاءت هذه المبادرة مشابِهة للضّربة القاضية في بعض مناطق كانتون فالي”. وأضاف بأن العامين القادمين “ستكشِفان عن عدد الوظائف التي ستُفقد في الوادي وإمكانية قدرة الاقتصاد المحلي على الاستمرار في الوجود”، وهو يصف المساكن الثانوية ومسارات ممارسة الأنشطة الرياضية في “لاوخَرنالب” بالمحرّك الإقتصادي للمنطقة.
ومن المعروف بأن الكِيان الاقتصادي للوادي، يعتمد على السياحة الشتوية التي ترتكِز على هذه المنطقة من جبال الألب بشكل حصري تقريباً، والتي لا تدوم سوى أسابيع قليلة. كما تقع 90% من إجمالي المنطقة ضِمن المناطق الطبيعية المحمِية، “وهو أمرٌ يصبّ في صالح سكّان سويسرا، إلّا أن هؤلاء لا يعتمدون في معيشتهم على هذه الأنشطة”، كما يقول ريدر.
ويعلم ريدَر بأن بعض الأشخاص في الوادي لم يُصابوا بالخيْبة فحَسب، بل إنّهم يشعرون بالغضَب كذلك. وكما يقول: “الأرض التي تُشَيَّد عليها هذه المساكن، ليست ملكاً لمصرف يو بي إس أو كريدي سويس أو لأحد أصحاب الملايين في تسوغ أو زيورخ أو جنيف”. ويضيف قائلاً: “إنها ملك للعائلات المحلية على وجْه الحصْر تقريباً، وهي تقوم بإدارتها واستثمارها بشكل اقتصادي مستدام”.
في مشروع القانون الهادِف الى تنفيذ مبادرة “مناهضة البناء اللامحدود للمساكن الثانية”، تحاول الحكومة الفدرالية النزول عند رغبة الكانتونات الجبلية، وهي تقترح عدّة استثناءات تهدِف إلى السماح ببناء مساكن ثانية في البلديات، التي وصلت بالفعل إلى حدود 20%. (حيث تطالب المُبادرة بِفرض سقْف بنسبة 20% لعدد المنازل الثانوية في كافة البلديات الجبلية).
وينصّ مشروع القرار، على السماح ببناء المساكن التي تُدار لأغراض السياحة والتي تحتوي ما يسمى بـ “الأسِرّة الدافئة” (المشغولة). وبالإمكان، إنشاء هذه المساكن في إطار “الإيواء السياحي المُنظَّم”، على غِرار مفهوم تشغيل الفنادق. ويسمح باستخدام هذه المساكن حصراً، لإيواء الضيوف لفترة مؤقتة، وليس للإيجار الدائم.
يمكن للحكومة الفدرالية أيضاً تصوّر بناء مساكن ثانيوية مُنفردة لأصحاب المساكن الشخصية في أحد أدوار عمارة سكنية. ولكن ينبغي أن تُعرَض هذه للإيجار من خلال منصّة تسويق تجارية، ذات توجه دولي.
ويدعو الاستثناء الثالث إلى السماح للسكان المحليين ببناء مسكن ثانٍ في نفس المبنى، عند بناء مسكن جديد للاستخدام الشخصي، بهدف الحصول على دخل.
في حين، رحّبت الكانتونات الجبلية عموماً باقتراح الحكومة السويسرية، أعرب المسؤولون عن المبادرة عن خيْبة أملِهم، مُشبِّهين مشروع القانون بـ “الحاجز العاجز عن الصمود لما ما يحتويه من ثُـقوب كثيرة”، كما قالت فيرا فيبر، ابنة فرانس فيبر، المعروف بدِفاعه عن البيئة، وصاحب المبادرة الشعبية المناهِضة للبناء اللامحدود للمساكن الثانوية.
(المصدر: وكالة الأنباء السويسرية)
تضخم البنية التحتية
مع ذلك، لا يحظى النموذج الاقتصادي، الذي يمثله “المسكن الثاني”، بإعجاب الجميع في هذه المنطقة الجبلية. ففي وادي “لوتشينتال”، حيث صوَّت تسعة أشخاص من أصل عشرة ضدّ المبادرة، عبَّر بعض الضيوف على وجه الخصوص عن انتقادهم، كما يقول كارل ماير، رئيس جمعية حماية مصالح المجتمع في “لاوخَرنالب”، المُقيم في وادي “لوتشينتال” منذ ولادته، والذي يمتلِك وكالة للعقارات، بالإضافة إلى إقامة صيفية (شاليه) في جبال الألب.
وأوضح مايَر بأن المساكن الثانية، التي لا تؤَجّر بعد إستكمال بنائها، لا تُـولِّد سوى القليل جداً من العائدات. وكما يقول: “إذا سارت الأمور بشكل جيِّد، يتوفّر لدى أصحاب الشاليهات اشتراك موسمي للمصعد الآلي (التلفريك)، وقد يستهلكون من حين لآخر بعض المُنتجات الطازجة من المنطقة. أما المُعلّبات والمنتجات المجمدة، فيأتون بها بأنفسهم من محلاّت ألدي” ويضيف: “البعض يأتي لأسبوع واحد فقط أو لأسبوعين في السنة، وبالذّات في عيد الميلاد الذي يُمثِّل موسم الذروة”.
لذا، توجد في هذه المنطقة من جبال الألب – باستثناء أيام قليلة في السنة – بُنية تحتية متضخّمة إلى حد كبير. “وحدها إمدادات المياه – ولاسيما في الأوقات التي تُستهلَك فيها بكثرة لأكساء مسارات التزلّج بالثلج الصناعي – تشكِّل نفقات وجهود عملاقة. وتُضاف إلى ذلك عمليات بناء وصيانة محطّات معالجة مياه الصّرف الصحي والكهرباء والطرق والشوارع ومواقف السيارات”.
مساكن مهجورة
لا يعود الصّمت الحالي السائد في القرية الجبلية إلى الشلل الذي أصاب عمليات البناء فحسب، ولكنه مردود أيضاً إلى نَقص النزلاء، حيث يرفض العديد من أصحاب الإقامات الثانوية، القيام بتأجيرها. وقد أثار وجود المئات من “الأسِرّة الباردة” هنا وفي العديد من المناطق السياحية الأخرى، الاستياء حول البناء المُبالَغ فيه للمنازل المخصصة للعطل، مما سارع بإطلاق المبادرة الشعبية المُناهِضة لإنشائها.
ويشير السيد شنايدر وزوجته المنحدران من بلدية “أوستَر” في كانتون زيورخ، ويقع منزلهما على تلّة تطُلّ على مجرى للنّهر على حافة المستوطنة إلى قِلّة الساكنة في هذه المنطقة. ويقضي الزوجان أوقات عطلتهم في “لاوخَرنالب” منذ 45 عاماً لفترة قد تمتَد “إلى ثلاثة أشهر في فصل الصيف”. وتنتمي أسرة السيد شنايدر إلى أوائل “السويسريين الذين يأتون من خارج المنطقة”، في إشارة من سكان كانتون فالي إلى مواطني الكانتونات السويسرية الخمسة والعشرين (25) الأخرى.
ويقدِّر الزّوجان المتقاعدان عمليات تطوير البنية التحتية في القرية المُخصّصة لقضاء أيام العطلة، والتي كانت الحياة من دونها ستصبِح مُرهقة للغاية للضيوف المُسنّين، كما يثنِيان على التخطيط العِمراني وحماية المناظر الطبيعية للبلديات.
على الجانب الآخر، وصلت مالكة شاليه “بيرخلييست” من شرق سويسرا، لِجَز العشب من حول منزل العطلة الواسع. وعند سؤالها، تُجيب بأن المنزل ليس للإيجار، إذ تستخدِمه بصفة شخصية حصراً، بمعدّل بضعة أيام في الشهر.
وعن رأيها بشأن المُبادرة الشعبية المُناهضة لإنشاء مساكن ثانوية لقضاء العطلة، تُجيب بعد تردّد قصير، بأنها قد صوّتت “في الواقع” بـ “لا” في الإستفتاء الذي جرى العام الماضي – على الرغم من وجود مساحة كافية بالتأكيد أمام منزلها لبناء شاليه آخر، لن يمنع عنها الشمس، ولكنه قد يحجب شيئاً من الطبيعة. وكما تقول: “لا يُمكِنك أن تقتني منزلاً خاصا بك، ثم تصوِّت لمنع بناء منازل أخرى”.
“هذا يكفي”!
هذا الرأي لا يُشاطره جميع أصحاب الشاليهات، ومن بينهم السيد هافنر ورفيقته من “مونسيغن” في كانتون برن، اللّذين يقضيان بعض الوقت في الاسترخاء والاستمتاع بأشعّة الشمس ومشهد جبل بيتشهورن، الذي يصل ارتفاعه لنحو 4000 متر، والمسجّل ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، من على شُرفة منزلهما، بعد الانتهاء من العمل في الحديقة. وقد إعتمد الزوجان المبادرة الداعية إلى الحد من المساكن الثانية في عام 2012، مبرِّرين خيارهما بالقول “لأن هذا يكفي”.
ويُقيم الزوجان في الشاليه مع أبنائهم وأحفادهم من 4 إلى 6 أشهر في السّنة. وعندما اشترت العائلة هذا المنزل، منذ ما يقرب من ثلاثين (30) عاماً، “لم يكن هناك كهرباء أو طرق معبّدة”، وبالكاد دزينة من الجيران، كما يقول الزوجان هافنر، مع نبرة حزن لا يمكن إغفالها. وفي الأعوام اللاحقة، ظهرت المساكن الثانية على السطح، مثل نبات الفِطر، “واليوم، أصبحت لاوخَرنالب قرية، غالباً ما تكون مهجورة خارج موسِم الشتاء”.
وِفقاً لكريستوف كليفاس، الأستاذ في معهد جامعة كورت بوش في سيون، في مقابلة له مع swissinfo.ch، لا تُوَلِّد المساكن الثانية، سوى القليل من العوائد الاقتصادية، ولكنها تؤدّي في المقابل، إلى الارتفاع المتواصل في التكاليف التي يتكبَّدها المجتمع لبناء وصِيانة المنشآت الكهربائية، وإمدادات المياه والتخلص من النفايات وشبكة الطرق… الخ. وكما يقول: “هناك مناطق كانتون فالي، تزداد فيها أرقام المبيعات في قطاع البناء بالفعل عن تلك التي تُـوَلِّدها السياحة “.
في نفس السياق، كانت بعض الدراسات قد أظهرت تواضُع الإمكانات الاقتصادية للمساكن الثانية، بالنسبة للسياحة. وعلى سبيل المثال، لا تولد أسِرّة النزلاء التي تزيد عن 40,000 سرير في الوجهة السياحية الشهيرة كرانس مونتانا، سوى نحو 20 مليون فرنك سويسري لعربات التلفريك. وكشفت دراسة أخرى عن بقاء نحو 2000 مسكن فارغ على مدار العام.
وأوضحت الدراسات كذلك، بأن المبادرة المُناهضة للبناء اللامحدود للمساكن الثانية، لم تكن صدمة للقطاع السياحي، ولكنها كانت كذلك بالنِّسبة لبعض الشركات في قطاع البناء والعقارات.
من جهة أخرى، يضع كليفاس إمكانات كبيرة في صناعات الترميم والتحديث وتوسيع مستويات الراحة والكفاءة في استخدام الطاقة. كما يقترح خلق حوافز مالية لعمليات الترميم، شريطة تأجير المساكن خلال أدنى فترة زمنية. وكما يقول: “مع ما يقرب من 70,000 مسكن ثانٍ في كانتون فالي، سوف تتوافق زيادة الأسِرّة الدافئة بنسبة 10% مع العرض الكامل للصناعة الفندقة تقريباً”.
أسِرّة باردة ودافئة في وادي “لوتشينتال”
من مجموع 11 فندق و175 مسكن ثانٍ ومنتجع لقضاء العطلة و15 منزلاً جبلياً وأماكن للإقامة الجماعية في وادي “لوتشينتال” في كانتون فالي، يتوفّر ما مجموعه 2220 “سريرا دافئا”، منها 784 سرير في مُنتجع “لاوخَرنالب”. ومن بين نحو 200 شاليه في جبال الألب، تم تسجيل 75 منها كمساكِن ثانية لقضاء العطلة. ولا تستطيع – أو ترغب – البلدية إعطاء معلومات حول عدد الأسِرّة “الباردة” في الشُّقق التي لا يتم استئجارها.
بعد اعتماد “المبادرة الشعبية المناهضة للبناء اللامحدود للمساكن الثانية”، تلقّى كانتون فالي 50 شكوى تتعلَّق بتراخيص البناء في بلدية فيلَر، تقدّمت بها مؤسسة “هلفيتيا نوسترا”، التي أسّسها فرانتس فيبر.
(المصدر: مكتب لوتشينتال للسياحة)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.