مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سويسرا في مواجهة تحدي تحسين العُملة المشفرة

ملصق ضخم لشخص يرتدي نظارات رُسمت عليها العلامة المميزة للبيتكوين
تَنظر العديد من البُلدان إلى العُملات المُشفرة بعين الشَكّ باعتبارها الطفل الجامِح أو الابن الضّال في عالم المال الذي يجتذب المُجرمين إليه. Keystone / Jerome Favre

تَجذُب سويسرا - التي يصفها البعض بـ "أمة العملات المشفرة" - اهتماماً عالمياً من خلال اعتمادها مجموعة من الإصلاحات القانونية وإصدارها تراخيص رسمية للتداول بتقنية الـ "بلوكتشاين".

البلوكتشين (أو سلسلة الكتل) هي أنظمة رقمية تُخزن وتَنقل العُملات المُشَفَّرة. وقد تَمّ الترحيب بهذه التكنولوجيا في بعض الأوساط باعتبارها تَحَسُناً في النظام المالي الحالي.

في هذا العام، قامت سويسرا بتحديث مجموعة من قوانين الشركات والقوانين المالية من أجل توفير أساس قانوني متين لتجارة الـ “بلوكتشاين”. وعلى مَدار العاميْن الماضيَين، قامت الهيئة الفدرالية لمراقبة الأسواق المالية (فينمارابط خارجي) بترخيص بنكيْ تشفير وبورصة للعملات المُشفرة، كما أعطَت الضوء الأخضر لأول صندوق استثماري يتعامل بشكل أساسي مع الأصول المُشفّرة في سويسرا.

الهدف من هذه العملية هو استبدال صورة “الغرب المتوحش” (في إشارة إلى الأوضاع المضطربة في غرب الولايات المتحدة في القرنين الثامن والتاسع عشر) القديمة من خلال إنعاش العملات المشفرة،  وتنقية مثيري الشغب المُزعجين مثل الـ”بيتكوين” وجعلها مناسبة للاستهلاك من قبل المصارف.

المزيد
Cut-out paper model of a blockchain

المزيد

التكنولوجيا الكامنة وراء “البيتكوين” و”الـبلوكتشاين”

تم نشر هذا المحتوى على منذ بدايتها كأساس للعملات المشفرة مثل البيتكوين، خطت تقنية الدفاتر الموزعة خطوات مهمة نحو الامام خلال العقد الماضي، لتشمل مجموعة كاملة من التطبيقات الأخرى. أما “البلوكتشاين” (سلسلة الكتل) – المثال الاشهر لتقنية الدفاتر الموزعة – فقد احتُفي بها من قبل البعض بوصفها تكنولوجيا المستقبل، بينما ذمها آخرون مُعتبرين إيّاها أداة للاحتيال وتبييض الأموال. السبب في…

طالع المزيدالتكنولوجيا الكامنة وراء “البيتكوين” و”الـبلوكتشاين”

تقول كاتي ريتشاردزرابط خارجي، الرئيسة السابقة لوِحدة التَشفير في بنك فالكون الخاص: “لقد وصل السوق إلى مرحلة النُضوج، الإطار القانوني جاهز، التراخيص في طور الاصدار، كما يتم إنشاء عدد من المنتجات المالية الجديدة”. وتعمل ريتشاردز حالياً على إنشاء المكاتب السويسرية لشركة Cyber Capital للاستثمار في العملات المشفرة، التي يقع مقرها في هولندا.

“أصبحت سويسرا أكثر ابتكاراً وأكثر قدرة على المنافسة، ونحن نجتذب شركات جديدة من بلدان أخرى باستمرار”.

ظهرت أولى شركات التشفير في سويسرا حوالي عام 2013، لكن هذه الصناعة لم تنمو حقاً حتى الصعود القياسي في قيمة البيتكوين في عام 2017.

توجد في سويسرا بالفِعل مؤَسَّسات غير رِبحية لإيواء مِئات الملايين من الدولارات التي تُمولها مشاريع الـ”بلوكتشاين”. وقد حَوَّلَت البلاد مخابئ عسكرية في جبال الألب إلى مرافق تخزين للعملات المُشفرة. والآن تريد الدولة سَد الفَجوة القائمة بين عالم الاقتصاد التقليدي وعالم الـ “بلوكتشاين” الغامض.

هذا اليقين القانوني والتنظيمي [الذي قامت سويسرا بتوفيره] يُعَد نَعمة لصناعة الـ”بلوكتشين” الناشئة، والتي يُنظر إليها بالكثير من الشك في أجزاء كثيرة من العالم. وهذا ما نراه بشكل خاص في الولايات المتحدة، حيث تتخذ سلطة الإشراف المالي إجراءات صارمة ضد بعض لاعبي العُملات المشفرة.

الملاذ الآمن الأخير

مؤخراً، اختار المواطن البريطاني-الإيراني أمير تقيرابط خارجي سويسرا كموقعٍ لمشروع التمويل اللامركزي الخاص به الذي يحمل اسم DarkFi. ورغم أنه ليس من مشجعي تدخل الدولة، إلّا أنه يرى أن الموقف التنظيمي لسويسرا أكثر ملاءمة بكثير من قوانين العملات المشفرة المقترحة، التي تتم صياغتها حالياً في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وكما يقول، “تشن الحكومات حَرباً على النَقد والمُجتمع والاقتصاد. لقد أصبحت الصين قدوة للدول الغربية، وسويسرا هي الملاذ الآمن الأخير”. وهو يشير بذلك إلى الضوابط الصارمة التي تفرضها الحكومة الصينية على التجارة والتمويل، وزيادة مراقبتها لمواطنيها.

كانت سويسرا ستكون موقعاً مِثالياً أيضاً للعملة المُشَفَّرة المُثيرة للجَدَل “ديم” (Diem)، التي حاولت شركة فيسبوك وشركاؤها طرحها للتداول [والتي كان من المُفتَرض أن تُدار من طرف مؤسسة ديم، التي كان يُفترض أن تتخذ من جنيف مقرا لها] – ولكن ذلك كان قبل سحب مؤسسة “ديم” طلبها ليتم نقل عملياتها ثانية إلى الولايات المتحدة، حتى تتمكن السلطات هناك من مراقبة المشروع المثير للشكوك عن كثب.

في السياق ذاته، تتوجه شركات تمويل الـ “بلوكتشاين” مثل Fireblocks في الولايات المتحدة و AllianceBlock التي تتخذ من هولندا مقراً لها الآن إلى سويسرا. كذلك استحوذت شركة “دويتشي بورسي” (Deutsche Börse) ، التي تدير بورصة فرانكفورت للأوراق المالية، على حصة الأغلبية في شركة Crypto Finance لإدارة الأصول المُشفرة الخاضعة للتنظيم السويسري.

أحد أسباب وراء ذلك هو أن مَعرفة ما يُسمح لك القيام به – وما لا يُسمح، يوفر أساساً قوياً لتطوير أي مشروع تجاري. هذا ينطبق أيضاً على الترميز – أي عملية إنشاء أوراق مالية متوافقة مع الـ”بلوكتشاين”، مثل أسهم الشركات، أو حقوق ملكية الأعمال الفنية والمُقتنيات. واليوم، تعد العملات المُشفرة مُجرد جزء من عالم أكبر من الأصول الرقمية التي يتم إنشاؤها وتداولها على سلاسل الكتل.

على سبيل المثال، قام بنك “سيغنوم” Sygnum السويسري المُرَخَص المَتخَصِّص في الأصول الرقمية بترميز أسهم في لوحة تعود للفنان الاسباني بيكاسو. وتعتبر “سيغنوم” واحدة من عدد متزايد من مِنصات الترميز السويسرية الجديدة التي ظهرت في أعقاب الإصلاحات القانونية. وتَسمح هذه المنصات للشركات بإصدار أسهم رقمية أيضاً.

مع ذلك، يجب وضع هذه الطفرة الجديدة في نمو صناعة الـ”بلوكتشاين” في منظورها الصحيح. فبدءاً من مَعقله الأصلي في كانتون تسوغ في مركز سويسرا (التي يطلق عليها تسمية ‘وادي الكريبتو’)، يضم القطاع الآن قرابة 1,000 شركة توظف حوالي 5,000 عامل عَبر أجزاء سويسرا الناطقة بالألمانية والفرنسية والإيطالية.

وعلى سبيل المقارنة، يوظف القطاع المالي التقليدي في سويسري 220,000 شخص. ويُوجد لدى “يو بي أس”، أكبر مصرف في البلاد، أكثر من 70,000 موظف في جميع أنحاء العالم. بدورها، قامت شركة “بتكوين سويس” (Bitcoin Suisse) وهي واحدة من أقدم شركات التشفير السويسرية بزيادة عدد موظفيها من 120 إلى 260 شخص على مدار الأشهر الثمانية عشر الماضية.

الشكوك لا تزال قائمة

بدأت بعض المصارف في التعامل مع خدمات العملات المُشفرة. مع ذلك، لا يزال القطّاع المالي يَتَوَخى الحَذَر الشديد في التعامل معها، حيث تخشى المصارف من التَعَرُّض لمشاكل تبييض الأموال. وهذا هو السبب في أن العديد من الشركات الناشئة في مجال التشفير لا تزال تواجه صعوبات في افتتاح حساب مصرفي لها في سويسرا.

على الجانب الآخر، يحتج دُعاة اللامركزية على التدخلات التنظيمية المُتزايدة. وهم يُجادلون بأن تغليف عملة الـ”بيتكوين” ببدلةٍ وربطة عُنق قد يجعلها تبدو أكثر جاذبية، ولكنه سيقوّض صفاتها الأساسية أيضاً.

وبدلاً من محاولة إدماجها في البُنية التحتية التقليدية، من المفترض أن تَحُل العملات المشفرة و والـ”بلوكتشاين” محل المصارف والقواعد الصارمة، من خلال تقنية ذكية تمنح الجماهير العريضة القدرة على التحكم بالعمليات.

للوهلة الأولى، لا تبدو سويسرا المكان المثالي لاعتماد استراتيجية مصرفية لقتل المصارف، لكن أمير تقي يعتقد أن كلا العالميْن يُمكن أن يتعايشا معاً في الدولة التي تشقها سلسلة جبال الألب، وإن كان ذلك بصعوبة.

“سوف ينقسم عالم العملات المشفرة إلى منطقة شديدة التنظيم دون المزيد من الابتكارات، وإلى عالم مالي لامركزي سيبقى تحت الأرض. ويبدو أن هذين العالميْن لن يتفاعلا مع بعضهما البعض على الأرجح”.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية