هل تتجه الدفاعات السويسرية المُوحّـدة في قضايا التهرب الضريبي نحو الإنهيار؟
تتركز الأنظار هذا الأسبوع على النتائج السنوية التي تستعد أكبر المصارف السويسرية للإعلان عنها، لكن الأذهان ستتجه أيضا إلى التداعيات المترتبة عن مسلسل الفضائح المتعلقة بملفات التهرب الضريبي.
ويبدو أن الإدانة الجزائية لمصرف Wegelin، أعرق المصارف الخاصة في سويسرا وتصفيته يوم الجمعة 3 فبراير 2012 (انتقلت معظم ملكيته إلى مصرف Raiffeisen) والتسريبات التي تشير إلى أن بعض المصارف تفضل القيام بمفاوضات أحادية الجانب مع الولايات المتحدة قد أدت إلى نسف الجهود المبذولة للقيام بدفاع منسق عن السرية المصرفية السويسرية.
ويأمل مصرف يو بي اس (الذي أطلق شرارة الهجوم الأمريكي المستمر) واثنين من أكبر البنوك السويسرية المشكوك فيهما (كريدي سويس ويوليوس بار) في أن يتمكنا من تهدئة مخاوف المستثمرين من خلال الإعلان عن نتائج قوية وصلبة للعام المنقضي.
في المقابل، من غير المتوقع أن يُسهم الإعـلان عن تعرض أقدم مصرف خاص سويسري (Wegelin) إلى ما يُشبه التدمير النهائي في أعقاب صدور أول إدانة أمريكية على الإطلاق بحق مصرف أجنبي ينشط في الولايات المتحدة في رفع المعنويات داخل القطاع المالي السويسري.
في الأثناء، تحدث مصرف Wegelin نفسه في شهر يناير الماضي عن احتمال تأثيرات متتالية (نظرية الدومينو) إذا ما تُـرك يواجه مصيره لوحده أمام النظام القضائي الأمريكي النهم. وللعلم، فإن مصرف Wegelin ليس إلا واحد من بين 11 مصرفا يجري التحقيق معها من طرف وزارة العدل الأمريكية ودائرة الإيرادات الداخلية بشبهة مساعدة حرفاء أمريكيين على التهرب من دفع الضرائب.
الحالة الأولى
وكان مصرف Wegelin قد حـذّر في شهر يناير الماضي من أنه “إذا سمحتم بتعليق مصرف واحد عن العمل، فإن ذلك سيُوجد سابقة لجميع المصارف الإحدى عشرة المشتبه بها وللقطاع المالي السويسري برمته”. وبعد أسابيع قليلة، أرغم المصرف على التفويت في الأغلبية الساحقة من أرصدته وأعماله عشية الإعلان عن الإجراءات الجنائية الرسمية ضده في الولايات المتحدة.
في المقابل، صرح دونالد بيير، السفير الأمريكي لدى الكنفدرالية إلى أسبوعية “سونتاغس بليك” الصادرة يوم الأحد 5 فبراير 2012 (بالألمانية في زيورخ) أن مسيري مصرف Wegelin يتحملون لوحدهم مسؤولية ما حدث.
وأشار إلى أنه “من المفترض أن يكونوا على علم بأن هذه الأنشطة غير مشروعة وأن سلطات الضرائب الأمريكية ستقوم برد الفعل”. لكنه أضاف بأنه لا يعرف سبب إقدام مصرف Wegelin على بيع معظم أعماله في حين أن أي غرامة مرتقبة لم تكن لتؤدي إلى انهيار المصرف.
وطبقا لمعلومات تحصلت عليها صحيفة سونتاغس تسايتونغ (أسبوعية تصدر بالألمانية في زيورخ) فإن كونراد هومّلر، أكبر الشركاء في مصرف Wegelin وجّـه الأسبوع الماضي مراسلة إلى العملاء “تأسّـف” فيها عما حصل، لكنه تمسك بأنه تصرف هو وشريكه أوتو بروديرر “بشكل سليم”.
وأشار هومّلر أيضا إلى أن المصرف اتبع التعليمات الصادرة عن كتابة الدولة السويسرية للمسائل المتعلقة بالمالية الدولية التي تُجري مفاوضات مع السلطات الأمريكية نيابة عن الحكومة افدرالية.
فقدان الثقة
بعض التقارير التي نشرتها وسائل إعلام سويسرية اتهمت بعض المصارف الإحدى عشر بتسليم معطيات (إلى السلطات الأمريكية) بدون علم السلطات السويسرية أو أنها تستعد على الأرجح للقيام بهذه العملية.
وفي تصريحات إلى swissinfo.ch، قال هانس غيغر، الأستاذ المُميز في المعهد السويسري للصيرفة التابع لجامعة زيورخ: “إن هذا قد يعني أن بعض المصارف فقدت الثقة في قدرة حكومتها على توفي الحماية لهات” وأضاف “يبدو أنهم يعتقدون أن بإمكانهم الحصول على نتائج أفضل من خلال التوجه مباشرة إلى الإدارة الأمريكية”.
ومع مرور الوقت، يبدو جليا أن واشنطن لن تصادق على أي اتفاق سياسي مع برن إلا بعد أن تكون تحصلت على أقصى ما تستطيع من المعلومات عن طريق الإجراءات الجنائية الذي لا يعرف أحد طول المدة التي يمكن أن يستغرقها.
ومع أن مصرفي كريدي سويس ويوليوس بار نجحا – بشكل فردي – في تسوية خلافات ضريبية مع ألمانيا في العام المنقضي من خلال دفع تعويضات مجزية إلا أن التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة سيكون أكثر تعقيدا.
بكائية الأخطاء
على مدى السنوات الثلاث الماضية، أثار دور “الإطفائي” الذي لعبته الحكومة السويسرية فيما يتعلق بملف التهرب الضريبي انتقادات شديدة. ويتفق معظم المراقبين على أنه لم يكن لدى السلطات من خيار آخر سوى التوصل إلى اتفاق بعد أن تم الإمساك بمصرف يو بي اس متلبسا من طرف السلطات الأمريكية المعنية عام 2009، إلا أن المنتقدين يحتجون بأن تسليم أسماء الآلاف من حرفاء مصرف يو بي اس إلى واشنطن فتح الباب بوجه تعرض القطاع المصرفي للمزيد من الهجمات.
وفي تصريحات أدلى بها مؤخرا إلى صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ (تصدر بالألمانية في زيورخ)، اعتبر أوزفالد غروبل، المدير التنفيذي السابق لمصرف يو بي اس أن الحكومة السويسرية بعثت أيضا برسائل خاطئة فيما يتعلق بمسائل أخرى. وقال: “إذا ما تحدث رجال السياسية فجأة عن استراتيجية “أموال نظيفة” (مثلما حصل في أعقاب فضيحة مصرف يو بي أس)، فإن ذلك أمر خطير جدا”، إذ أن “هذا يعني ضمنيا أنه كانت لدينا سياسة أموال وسخة في السابق. إن انعكاس هذه التصريحات في الخارج كان كارثيا”.
ولم يتردد غروبل في توجيه اللوم إلى السياسيين والمشرفين على تنظيم القطاع والصيارفة بسبب التباطؤ الشديد في رد الفعل على الإشارات التحذيرية، واتخاذهم لقرارات “غير معقولة” بعد ذلك. وقال إن جزءا من المشكلة يتمثل في أن المجموعة العاملة في المجال المصرفي لم تكن متماسكة بما فيه الكفاية.
وفي نفس التصريح، نوه غروبل إلى “أنهم (أي الساسة والمصارف) سيحتاجون إلى التعاون بشكل أفضل مما قاموا به في السابق” وقال: “إن قضية مصرف Wegelin مثيرة للأسى، لكن بإمكانها أن تحفز المصارف أخيرا على التحدث بصوت واحد”.
مغادرة السفينة؟
في الأثناء، يبدو أن استراتيجية الصوت الواحد أصبحت بعيدة المنال، وذلك بعد أن زعمت تقارير إعلامية أن وزارة المالية السويسرية تدخلت في الأسابيع الأخيرة من أجل إقناع بعص المصارف بعدم تسليم بيانات خام (تتعلق بعملائها في الولايات المتحدة) إلى السلطات الأمريكية.
وفي هذا السياق، قال هانس غيغر لـ swissinfo.ch “يبدو أن وضعية (يُغني فيها كل واحد على ليلاه) بصدد التبلور.. إذ ترغب المصارف في أن يختفي هذا المشكل لأن هذه العناوين السلبية (في وسائل الإعلام) تلحق الضرر بأنشطتها”.
وإلى حد الآن، يبدو أن الضرر الذي لحق بالمصارف كان محدودا حيث أعلن مصرفا كريدي سويس ويوليوس بار عن تدفق إيجابي للمزيد من الأصول المالية في العام الفائت. وتتعارض هذه النتائج مع يو بي اس الذي شهد انسحاب العديد من عملائه الأثرياء بعد خيبة الأمل التي أصابتهم جراء المشاكل التي تعرض لها المصرف.
وطبقا لتوقعات راينر سكيركا، المحلل المالي لدى مصرف سارازان، ينتظر أن تسلط النتائج الذي سيعلن عنها خلال هذا الأسبوع الضوء مجددا على هذه القضية. وقال في تصريحات لـ swissinfo.ch: “حتى الآن، لم تصدر مؤشرات عن المصارف أو عن السوق المالية تفيد بأن هذه المسألة ستؤثر بالإيجاب أم بالسلب، لكن المسألة استأثرت بالإهتمام خلال الأشهر القليلة الماضية، وخاصة مع (مصرف) Wegelin”.
وأضاف سكيركا: “لقد تحقق معظم النمو المسجل فيما يتعلق بالموارد المالية الجديدة في آسيا وأمريكا اللاتينية في حين ظل النمو قريبا من الصفر أو سجل تراجعا طفيفا في أوروبا والولايات المتحدة”.
في الوقت الحاضر، تستهدف وزارة العدل الأمريكية 11 مصرفا سويسرا أو عمليات تقوم بها مصارف أجنبية فوق الأراضي السويسرية.
ويتمثل التهديد الواضح في أنه سيتم رفع دعاوى جنائية على كل مؤسسة معنية على حدة ما لم تقدم كشوفا تدلل على عملياتها في الولايات المتحدة على مدى السنوات القليلة الماضية.
وطبقا لتقارير إعلامية، فإن خمسة من بين الإحدى عشر هي مصارف أجنبية لديها عمليات مسجلة في سويسرا. وهي تشمل الفرع السويسري لمصرف HSBC البريطاني الخاص وثلاثة بنوك إسرائيلية ومصرفا من إمارة ليختنشتاين.
وفيما يتعلق بالمصارف السويسرية المشتبه فيها، فقد تمت إدانة Wegelin وتجري حاليا عملية تفكيكه بوصفه مؤسسة تجارية.
أما مصرفNeue Zürcher، فقد أقدم على وضع حد لعملياته المصرفية الخاصة في عام 2009 بعد أن أدين موظف سابق كان يعمل لديه في الولايات المتحدة. وفي السنة المنقضية، قام بوضع حد للمزيد من أنشطته.
يتردد في أوساط إعلامية ومالية أن بقية المصارف السويسرية التي توجد حاليا في مرمى النيران الأمريكية هي كريدي سويس ويوليوس بار ومصرفا كانتوني بازل وزيورخ.
كان يو بي اس أول مصرف سويسري يتعرض للإدانة من طرف القضاء الأمريكي بعد أن فرض عليه دفع غرامة بمبلغ 780 مليون دولار في عام 2009 بسبب مساعدته وتحريضه لمتهربين أمريكيين من دفع الضرائب.
في السنة الموالية، وافقت الحكومة السويسرية على تسليم أسماء أكثر من 4500 حريف لدى مصرف يو بي اس إلى السلطات الأمريكية وفي العام الماضي، تمت المصادقة على الإتفاق من طرف البرلمان الفدرالي.
أدى عفوان جبائيان في الولايات المتحدة (بدأ عفو ثالث في يناير 2012) إلى تسوية أوضاع أكثر من 30000 متهرب من دفع الضرائب وهو ما سمح لدائرة الإيرادات الداخلية الأمريكية بتجميع المزيد من المعلومات عن المصارف السويسرية.
خلال الأشهر القليلة الماضية، تعرض بعض الصيارفة والمحامين السويسريين في الولايات المتحدة إلى التوقيف أو توجيه التهم إليهم.
من المشمولين بهذه الإجراءات ثلاثة مدراء تنفيذيين في مصرف Wegelin أدينوا يوم 3 يناير 2012 بتهم مساعدة وتحريض متهربين من دفع الضرائب. وفي 27 يناير، أعلن المصرف أنه سيقوم ببيع معظم أنشطته وأعماله إلى مجموعة Raiffeisen المصرفية.
يوم 3 فبراير، وجهت الولايات المتحدة الإتهام إلى مصرف Wegelin بمساعدة وتحريض متهربين من دفع الضرائب. وهي المرة الأولى التي تُـوجّـه فيها اتهامات رسمية بمثل هذا الأسلوب إلى مصرف أجنبي يعمل في الولايات المتحدة الأمريكية.
(ترجمه من الإنجليزية وعالجه: كمال الضيف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.