مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل تحتاج سويسرا بالفعل إلى النهج الثنائي مع الإتحاد الأوروبي؟

تحولت سويسرا إلى وجهة مُفضلة للعمل والإقامة بالنسبة للعديد من الأوروبيين. في المقابل، يُريد نصف مواطنيها الحد من عدد المهاجرين إليها. Keystone
ما الذي يتعيّن على سويسرا أن تفعله لتضييق الخِناق على هجرة العمَالة الأجنبية، دون الإضرار بسير اقتصادها؟ بعد مضي عشرة أشهر ونصف على اعتماد مبادرة “ضد الهجرة المكثفة”، التي أطلقها حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي)، لم يتّضح بعدُ كيف يمكن للحكومة السويسرية الخروج من هذا المأزق، كما لا تُساهم نصائح رئيس تحرير مجلة “فيلتفوخه”Weltwoche الأسبوعية، أو مطالب رابطة الشركات السويسرية، كثيراً في تسهيل هذه المهمة العسيرة.

“ينبغي أن تكون لسويسرا إمكانية التحكم بالهجرة مرة أخرى”. هذا المطلب الذي تقدم به حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) للحَدّ من عدد المُهاجرين من رعايا دول الإتحاد الأوروبي، حاز على موافقة أغلبية محدودة جداً من الناخبين في اقتراع يوم 9 فبراير 2014. ومنذ ذلك الحين، تواصل الحكومة السويسريةرابط خارجي تأكيد نيَّتها في تطبي+ق أصوات الإرادة الشعبية على أرض الواقع.

استراتيجية الحكومة الفدرالية

بحلول يوم 9 فبراير من عام 2017، سوف ينتهي الموعد النهائي المحدّد لتنفيذ ما تضمنته مبادرة الحد من الهجرة المكثفة. وحتى ذلك الحين، ينبغي أن تكون لسويسرا القدرة على إدارة الهجرة الوافدة إليها مرة أخرى، من خلال أعداد وحِصص سنوية قُصوى لجميع الفئات الأجنبية (باستثناء الإقامات القصيرة الأجل).

ويرتكز المشروع المقترح للمجلس الفدرالي بقوة على مقتضيات الأحكام الدستورية لتنفيذ نص المبادرة. وهو يرى ضرورة الحفاظ على حق جمع شمل الأسْرة، كما يرى ضرورة منح الأولوية للسويسريين عند التشغيل في المستقبل. ولم تحدّد الحكومة إلى الوقت الراهن – كما لم تفعل المبادرة أيضاً – أي سقف أعلى أو قيمة مستهدفة.

ومن الواضح بالنسبة للمجلس الفدرالي، أن نظام الحصص لا يتوافق مع حرية تنقّل الأشخاص (التي تُـعتبر من الركائز السياسية بالنسبة للاتحاد الأوروبي). وفي شهر يناير 2015، تود الحكومة الفدرالية تقديم تفويض محدّد للتفاوض مع الاتحاد الأوروبي. بيد أن من غير الواضح إن كانت بروكسل ستنزل عند هذه الرغبة. ويحتاج مثل هذا التفويض إلى موافقة كافة الدول الـ 28 الأعضاء في الاتحاد.

بَيد أن نتيجة هذا التصويت ونظام الحصص الذي تدعو المبادرة إلى انتهاجه، تتعارض مع اتفاقية حرية تنقل الأشخاصرابط خارجي المُبرَمة بين سويسرا والإتحاد الأوروبي، الشريك التجاري الأهم للكنفدرالية. ومن جهتها، لم تترك بروكسل مجالاً للشك حول رفضها لأية مفاوضات لتعديل هذه الإتفاقية. وبالتالي، قد تفقد سويسرا ميزة الوصول المضمون والسهل إلى الأسواق الأوروبية الداخلية، بسبب ما يسمّى بـ “بند المقصلة” المُقترن بهذه الإتفاقيات [لضمان دخولها حيز التنفيذ كحزمة واحدة]، والذي يُسقط جميع الإتفاقيات المُبرمة المُتبقية في حال إلغاء أو عدم تمديد إحداها.

رفض مطلق لمبدإ الحصص

من جهته، يستند يان أتّيسلاندَ، من رابطة أرباب العمل السويسريةرابط خارجي Economiesuisse على نص المبادرة الذي يدعو إلى أن تكون الحصص مرهونة بمصالح سويسرا الإقتصادية. وهو يعتبر أن الوصول إلى الأسواق الداخلية للإتحاد الأوروبي، أمر بالغ الأهمية بالنسبة للإقتصاد السويسري. “إن سويسرا دولة مصدّرة قائمة على الإبتكار، وهي تعتمد على الوصول إلى الأسواق الداخلية الأوروبية، التي تمثل أكبر مشتر بنسبة 56% من الصادرات” السويسرية.

بيْد أنَّ المبادرة تُطالب في نفس الوقت، بتضييق الخناق على الهجرة، من خلال إعادة العمل بنظام الحِصص بالنسبة للأجانب الذين يُسمَح لهم بالعمل والعيش في الكنفدرالية، الأمر الذي يرفضه الاتحاد الأوروبي جُملة وتفصيلاً. “لقد أبلَغَنا الاتحاد الأوروبي بوضوح منذ أكثر من عام، ومرّة ثانية في شهر يوليو المنصرم، بأنه لن يتفاوض بشأن نظام الحِصص”، كما يتذكّر أتّيسلاندَر. ولكن أصحاب المبادرة لم يَصدروا بدورهم أي مؤشر يدلل على تخلّيهم عن هذا النظام. فهل تناقض مبادرة “الحد من الهجرة المكثفة” نفسها، أو أن بالإمكان الحَد من الهجرة، دون إلحاق أضرار بالإقتصاد؟

بهذا الخصوص، تبقى مهمّة المجلس الفدرالي (الحكومة السويسرية) “صعبة للغاية”، كما يقول ممثل رابطة أرباب العمل السويسرية.

على صعيد آخر، يرى روجير كوبّيل، رئيس تحرير مجلة “فيلتفوخه” السياسية الأسبوعية الصادرة في زيورخ، والذي يتّهمه بعض المراقبين في وسائل الإعلام بالإنحياز إلى معسكر حزب الشعب، أن المسألة ليست بذلك السوء. وكما يقول “إن لدى الاتحاد الأوروبيرابط خارجي نفسه مصلحة كبيرة في ضمان عدم التخلّي عن الإتفاقيات الثنائية”. مشيراً إلى اتفاقيات النقل البري والكهرباء مثلاً، التي تحمل أهمية فائقة لألمانيا وإيطاليا.

“عرض لا محدود من العمالة الرخيصة”

ووفقاً لكوبّيل، لن تحدث هناك كارثة، حتى في حالة وضع حدٍّ للنهج الثنائي: “إن 95% من تعاملاتنا التجارية مع الاتحاد الأوروبي، مرتبطة باتفاقيات الغات (الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة) / منظمة التجارة العالمية. ولو ألغِيت الاتفاقيات الثنائية في أسوإ الحالات، تحمي قواعد منظمة التجارة العالميةرابط خارجي سويسرا من عقوبات مُحتملة قد يفرضها الاتحاد الأوروبي”. ثم يردف بنبرة خطابية “ليأتي أحد ويخبرني أين تكمن هذه الفوائد الرهيبة للنهج الثنائي بالنسبة لسويسرا”؟

على هذا التساؤل، يجيب يان أتيسلاندَر بالقول: “على المدى الطويل، تعتمِد مئات الآلاف من فرص العمل على ولوج الأسواق الداخلية الأوروبية، حتى أن التقديرات المستقلّة تشير إلى نسبة تتراوح بين 20 و30% من ناتجنا المحلي الإجمالي”. وكما يضيف: “نحن نتعامل وِفق معايير منظمة التجارة العالمية مع روسيا والهند أيضاً، ولكن دخول الأسواق هناك، ليس بجودة الاتحاد الأوروبي على الإطلاق. إن اتفاقية التسهيلات والأمن الجُمركي على سبيل المثال، مهمّة جداً للتصدير”. ويستطرد ممثل مجتمع الأعمال قائلاً: “بدون حرية تنقل الأشخاص، ستكون لسويسرا مشكلة مع اتفاق شنغن / دبلن، التي يسمح لنا – ضمن أمور أخرى – بالسفر في منطقة الاتحاد الأوروبي بحرية تامة، دون الحاجة إلى تأشيرة دخول”.

محتويات خارجية

وبوسع روجير كوبّيل أن يتفهم عدم رغبة قطاع الإقتصاد بالتضحية باتفاقية حرية تنقل الأشخاص، إذ أنها “تكفل لأصحاب المشاريع إمدادات لا محدودة من العمالة الرخيصة. ولكن ماذا سيحدث لهذه الأيدي العاملة لو ساءت الظروف الإقتصادية وفُصلوا من أعمالهم؟ كما يتساءل رئيس تحرير مجلة “فيلتفوخه”، مُجيباً في نفس الوقت “آنذاك سوف يشكلون عبءً على النظام الإجتماعي.”

وعلى مدى الأعوام الخمسة الماضية، بلغ صافي الهجرة إلى سويسرا نحو 80,000 شخص سنوياً، فهل يتعيّن أن يستمر هذا التدفّق إلى الأبد لكي لا يتضرّر الاقتصاد؟

“بالنسبة لهذا العدد، لا يتعلّق الأمر بأيدي عاملة من قطاع الإقتصاد”، كما يقول يان أتّيسلاندَر، الذي يُضيف موضحاً “لقد إستحدثت الحكومة والشركات المرتبطة بها أيضاً على مدى الأعوام القليلة الماضية، العديد من فرص العمل. وفي الأعوام الممتدة بين 2009 و2013، تم توفير حوالي 120,000 وظيفة في قطاعات الإدارة العامة والصحة والتعليم وما إلى ذلك”.

وكما يقول ممثل رابطة الشركات السويسرية، فإن الإرتقاء بالكفاءات في هذه القطاعات، مسألة ضرورية، ولكنها صعبة أيضاً: “ففي نفس الوقت، يتحتم على قطاع الإقتصاد بالطبع، إتخاذ تدابير من أجل الاستفادة من الإمكانات الوطنية – مثل النساء – بشكل أفضل”. وحسب أتّيسلاندَر، لا يمكن الحفاظ على الأداء الاقتصادي، دون العمالة الأجنبية. بَيد أن بالإمكان كبْح عدد العاملين بواسطة تدابير موجهة.

مَن هم العمّال المهرة؟

بالنسبة للموقع الإقتصادي، ولاسيما في المجالات التي تتطلّب مستويات رفيعة من الأداء، وموظفين متخصّصين من ذوي المؤهّلات العالية، يشكل وجود الكوادر الأجنبية المتخصّصة، ضرورة حتمية. “لو أننا انحرفنا عن هذا النموذج الناجح، سوف تفقد سويسرا جاذبيتها كموقع للابتكار”. (أنظر الحاشية)

تراجع الإهتمام بالموقع “سويسرا”

هل فقد الموقع “سويسرا” جاذبيته أمام الشركات الأجنبية منذ يوم 9 فبراير؟ وِفقاً لبيانات وكالات التنمية الإقتصادية الإقليمية، تنامت حاجة الشركات للمزيد من التوضيح بشكل كبير. وتريد هذه الشركات أن تكون على بينة من توفرها على ما يكفي من الأيدي العاملة الماهرة في المستقبل. وترى وكالات التنمية الإقتصادية، أن المشكلة الأساسية تكمُن في صياغة مستقبل العلاقة مع الاتحاد الأوروبي. وبالنسبة لها، فإن الدخول إلى السوق المتميزة للإتحاد الأوروبي، هو عامل أساسي للجاذبية في المستقبل. وتُعتَبَر سويسرا مثيرة للإهتمام بالنسبة للعديد من الشركات الدولية، لأن بوسعها تطوير حضورها داخل سوق الإتحاد الأوروبي، إنطلاقاً من موقعها في الكنفدرالية.

(المصدر: صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ NZZ)

وبهذا الصدد، يرد روجر كوبَّل بأن سويسرا شهدت منذ عام 2009، وعلى نطاق واسع، توافد أيدي عاملة – معظمها من البرتغال – تفتقر إلى المؤهل التعليمي الجيّد. “هذا خطير جداً بالنسبة لسويسرا. فعند حدوث ركود اقتصادي، سوف يكون هؤلاء أكثر عُرضة لأن يصبحوا عاطلين عن العمل، كما أنهم لا يتوفرون على حافز للعودة إلى ديارهم، لأن نظام الرعاية الإجتماعية في دولهم الأصلية، ليس بجودة النظام الإجتماعي السويسري”.

ويزداد الطلب على العمّال القادمين من البرتغال في مجال الزراعة وفي قطاع البناء بشكل خاص. “تشهد سويسرا كما في السابق، الكثير من أعمال البناء، كما أنها نفّذت العديد من المشاريع الكبيرة المتعلّقة بالبنى التحتية. وفي هذا المجال، كان للعمّال البرتغاليين مساهمة قيِّمة منذ مدّة طويلة”. وغالباً ما يكون هناك نقص في العمالة المناسبة في الداخل. وليس من الضرورة أن يعني ‘التأهل لنوع معيّن من الوظائف’ التوفّر على ‘دبلوم جامعي’ فقط. ففي قطاع البناء بشكل خاص، تبرز الحاجة إلى نوع معيّن من المهارات والخِبرات، علاوة على الشروط الجسدية.

وسواء تعلَّق الأمر بالتجارة أو السياحة، ما من أحد يرغب بالتنازل عن الأيدي العاملة الأجنبية طوعاً، طالما دعت الحاجة إليها. وقد بدأت المعركة بشأن الحِصص الكبيرة الكافية بالفعل، حتى قبل أن يتم تحديد عدد الأجانب الذين سوف يسمح لهم بالتوافد إلى سويسرا في المستقبل. وحتى الوقت الراهن، رفض حتى أصحاب المبادرة أنفسهم، تحديد حجم الهجرة المقبولة، ولو من قريب، كما يجهل روجر كوبل ذلك بدوره. بيْد أنه يلاحظ في محيطه بكل بساطة أن “مخاوف الناس بدأت بالإزدياد مع التدفّق المتواصل للمزيد من المهاجرين الجُدد”.

سيناريوهات تنفيذ مبادرة “الحد من الهجرة المكثفة”

السيناريو 1: التنفيذ الحرفي للمادة 121a من الدستور الفدرالي (التي تنص على إعادة إدخال نظام الحصص بالنسبة الهجرة): يتعارض تنفيذ المبادرة بهذا الشكل مع اتفاقية حرية تنقل الأشخاصرابط خارجي. ولا تلوح في الأفق مؤشرات كثيرة حول رغبة الإتحاد الأوروبي في الدخول إلى مفاوضات جديدة. ومن المتوقّع إلغاء جزء من الإتفاقيات الثنائية على الأقل على المدى المتوسط.

السيناريو 2 : التفسير المرِن للمادة 121a من الدستور الفدرالي: في هذه الحالة سوف تُنَفَّذ مبادرة الحدّ من الهجرة المكثفة بشكل مرن (بدون فرض حصص أو تحديد سقف أقصى) ودون المساس بالنهج الثنائي في العلاقات مع بروكسل. ومن المحتمل في هذا السيناريو (إعادة) إدخال “بنود الحماية”. ومن المعروف أن حرية التنقّل دون قيود موجودة بالنسبة لمواطني الدول الـ 15 الأعضاء في الإتحاد الأوروبي القديم ودول منطقة التجارة الحرّة الأوروبية، بما فيها قبرص ومالطا (التي تُعرف مجتمعة بـ UE-17) منذ عام 2007.

وحتى عام 2014، جرى العمل ببند حماية، يسمح لسويسرا بإعادة العمل بنظام الحِصص بعد عام2007 ، فيما لو تحوّلت الهجرة إلى شكل مفرط (لو زادت بنسبة 10% على الأقل مما كانت عليه في الأعوام الثلاثة السابقة). وبالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي الثمانية (التوسّع الشرقي) التي دخلت إلى الاتحاد الأوروبي في مايو 2004، جرى العمل بالتقييد من خلال الحِصص ومنح الأولوية للسويسريين حتى عام 2011، فضلاً عن بند حماية حتى عام 2014. ومنذ عام 2009، تطبّق اتفاقية حرية تنقل الأشخاص مع رومانيا وبلغاريا. وبالنسبة لرعايا هذه الدول، ستظل القيود التي فرضتها سويسرا قائمة حتى عام 2016، فضلاً عن بند حماية حتى عام 2019.

السيناريو 3: تعديل المادة 121a من الدستور الفدرالي: كبديل لنظام الحصص الذي لا يتوافق مع مبادئ الاتحاد الأوروبي، قد يُقترح على الناخبين إجراء تغيير أو حذف مادة من مواد الدستور. وكان نادي “راسا” Rasaرابط خارجي (وهي الأحرف الأولى باللغة الألمانية لعبارة “الخروج من الطريق المسدود”)، قد تقدم في موفى شهر ديسمبر بمبادرته الشعبية، التي يدعو من خلالها إلى إلغاء استفتاء يوم 9 فبراير 2014.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية