هل تخلّى أوباما عن هدف تغيير النظام الإيراني؟
هل تخلّت واشنطن بالفعل عن خيار تغيير النظام الإيراني؟ وهل من المحتمل أن يؤدّي ذلك، تاليا، إلى شكل من أشكال تقاسم النفوذ بين الطرفيْن في منطقة الشرق الأوسط؟
قبل محاولة الإجابة على هذا السؤال، تجدر الإشارة إلى أن ثمّة شبحاً يحوم هذه الأيام بكثافة فوق الشرق الأوسط، يُشبِه ذلك الذي تحدّث عنه كارل ماركس في البيان الشيوعي حين أشار إلى “ذلك الشبح الذي يُلاحق أوروبا”، لكنه (أي الشبح) ليس الشيوعية كما كان الأمر عام 1848، بل هو لُعبة تغيير النظام بقيادة الرأسمالية أو بالأحرى العولمة الرأسمالية.
من اليمن إلى سوريا، مروراً بالعراق ومصر وتونس، تعتمل مسألة تغيير النظام بقوة الآن، وهي تمزِّق بعُنف النسيج الإجتماعي والثقافي في هذه الدول. لكن، هل باتت إيران بمنأى عن هذه اللعبة بعد أن وقّعت “الإتفاق – الإطار” النووي مع الولايات المتحدة؟ أو بوضوح أكثر: هل قدّمت واشنطن ضمانات لطهران بأنها تخلّت بالفعل عن هدف تغيير النظام، الذي كانت إدارة بوش تطرحه بقوة، كما أوضحت هذا في إستراتيجية الأمن القومي في سبتمبر 2002، التي شدّدت على أن “مبدأ تغيير النظام، يوفّر الضمانة الوحيدة لإزالة أي أخطار وجودية تتعرض إليها الولايات المتحدة في العالم”، أو كما أعلن نائب الرئيس الأمريكي السابق ديك تشيني: “نحن لا نتفاوض مع الشر. نحن نهزمه”.
شروط أوباما
الرئيس أوباما أوحى في مقابلته الأخيرة مع توماس فريدمان في “نيويورك تايمز” أنه مستعد للتخلي عن هدف تغيير النظام الإيراني. ليس ذلك وحسب، بل هو وعد الملالي بأن إيران بعد الإتفاق “قد تكون ناجحة جداً كدولة إقليمية.. بحكم حجمها ومواردها وشعبها”.
لكن، مع هذه “التطمينات” و”الوعود”، أرفق أوباما سلسلة شروط حاسمة وواضحة، تتمحور كلها حول “ضرورة التغيير” في إيران. نقرأ لأوباما في المقابلة نفسها: “إذا ما أراد آية الله خامنئي أن يرى إيران تدخل ثانية إلى أسْرة الأمم، فيتعين أن تحدث تغييرات”. وأضاف:” على الإيرانيين أن يغيِّروا سلوكياتهم بشكل أوسع.. إذا ما أرادوا أن يكونوا جزءاً من الإقتصاد العالمي”.
تعبير “التغيير” تكرّر أكثر من عشر مرات في هذه المقابلة. وبالطبع، التغيير هنا، الذي يشمل الإقتصاد والإستراتيجيا والسياسات الإقليمية، يعني أن تغيّر إيران الثورية الإسلامية جلْد نظامها بنفسها، بدل أن يُفرض عليها تغييره من الخارج بقوة الحصار الدبلوماسي والخنق الإقتصادي والإستنزاف المالي في سباقات التسلّح والنفوذ الإقليمي. المقايضة هنا واضحة: الإقتصاد (أي دمج إيران في مؤسسات العولمة وأسواقها) مقابل التخلي عن سياساتها الخارجية (الإرهاب وضرب الاستقرار الإقليمي) والنووية
نيكسون وماو
هذه هي المقايضة التي يريدها أوباما. وهذه هي المقايضة نفسها التي عرضها الرئيس نيكسون على الزعيم ماوتسي تونغ عام 1972، والتي قايضت فيها الصين سياستها الخارجية الثورية والشيوعية بدولارات منظمة التجارة الدولية وسندات الخزينة الأمريكية.
البعض أطلق على هذا التوجّه اسم “مبدأ أوباما” الجديد، المستند إلى “الانخِراط مع الدول المارقة” Rogue states (مثل كوبا وبورما إضافة إلى إيران)، مع الحفاظ على المصالح الإستراتيجية الأمريكية الأساسية.
لكن الواقع أن هذا المبدأ الجديد ليس جديداً قط، وهو لا يعني البتّة التخلّي عن هدف “تغيير الأنظمة”، تماماً كما أن الولايات المتحدة لم تتخلَّ عن هدف تغيير نظامي دولتين كبريين كالاتحاد السوفييتي والصين. وهذا ما أوضحه الكتاب المهِم للغاية لروبرت أس. ليتواك Robert s. Litwak حول كيفية مقاربة الولايات المتحدة لمسألة الدول المارقة. فسواء استخدمت واشنطن القوة العسكرية (كما في العراق) أو التهديد بها (كما في ليبيا القذافي) أو سياسة الاحتواء والرّدع (مع كوبا وكوريا الشمالية وإيران)، فإن الهدف الإستراتيجي واحد، وإن تعدّدت التكتيكات: حمل الدول الإقليمية “المارقة” على الالتزام بقواعد وقوانين النظام الدولي الراهن، في السياسة كما الاقتصاد كما في الأمن. وهذا النظام له إسم محدد الآن: العولمة الرأسمالية. وكما قال توماس بارنيت Thomas P.M. Barnett في دراسته الشهيرة “خريطة البنتاغون الجديدة: “أي دولة تتحدّى شروط العولمة، ستجِد القوات الأمريكية عاجلاً أم آجلاً فوق أراضيها”.
لقد استطاع “الشيطان الأكبر”، عبر الاتفاق – الإطار النووي، أن يدخل إلى أرض “الملاك” الإيراني من النافذة بعد أن طُـرِد من الباب طيلة 35 سنة. وهو ينوي الآن أن يحقق في السلم ما تجنّب القيام به بالحرب: تغيير النظام الإيراني عبر بدء تغيير سلوكياته.
يبقى الإنتظار لمعرفة ما إذا كان الصقور الإيرانيون سيتنصّلون في اللحظة الأخيرة من كأس التغيير المُرّة هذه، أو يتجرّعون سُمّها، كما فعل قبل ذلك الخميني حين وافق في أغسطس 1988 على وقف القتال مع عراق صدّام، خوفاً من الإنهيار الاقتصادي للنظام، أو يختنقون بأنفاسهم الداخلية ويُفجّرون حرباً أهلية في ما بينهم.
لكن، وأياً كانت خيارات طهران، يمكن الآن مشاهدة “الشيطان الأكبر” وهو يرسم نِصف ابتسامة على وجهه، وهو يقرأ في كتاب عنوانه “أفضل السبل لتغيير النظام”.
وزير الخزانة الأمريكي يدعو الى توقيع اتفاق نووي مع ايران
دعا وزير الخزانة الامريكي جاكوب لو يوم الاحد 7 يونيو 2015 امام جمعية تدعم اسرائيل في نيويورك الى توقيع اتفاق نووي مع ايران، وقوبلت دعوته باستهجان الحاضرين.
وقال الوزير امام نحو 1500 مشارك في المؤتمر السنوي لصحيفة جيروزاليم بوست في احد فنادق نيويورك “تفصلنا بضعة اسابيع فقط عن مهلة (التوصل) الى اتفاق نهائي” يضمن الطبيعة السلمية للبرنامج النووي الايراني. واضاف على وقع هتافات استهجان ان “مخرجا دبلوماسيا هو الحل الافضل”. واذ تطرق الى المفاوضات مع ايران ورفع العقوبات، اكد ان طهران “اوقفت وقلصت عناصر رئيسية في برنامجها النووي”.
وتابع على وقع صفير بعض الحاضرين ما اضطر منظم المؤتمر الى ان يطلب منهم الاستماع الى الوزير، “قال البعض ان ايران ستمارس الخداع وان عقوباتنا ستنهار خلال الإتفاق المرحلي وان هذه العملية ستتيح لايران ان تمتلك القنبلة النووية قريبا. لكن شيئا من ذلك لم يحصل”. وقال ايضا امام جمهور يضم خصوصا مسؤولين وعسكريين اسرائيليين سابقين وفق موقع جيروزاليم بوست “اطلب فقط ان تصغوا الي كما نحن نصغي اليكم”.
وشدد على انه لن يتم الاستغناء عن بنية العقوبات “بحيث يكون من الممكن العودة اليها سريعا اذا انتهكت ايران الاتفاق”، مذكرا بان هذه العقوبات حرمت طهران من 160 مليار دولار من عائدات النفط وساهمت في تراجع اجمالي الناتج المحلي الايراني بنسبة تسعة في المئة بين 2012 و2014. وذكر لو ايضا بالصداقة بين الولايات المتحدة واسرائيل، مؤكدا ان ادارة باراك اوباما “فعلت لامن اسرائيل ما لم تفعله اي ادارة” اخرى.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 7 يونيو 2015)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.