هل تساعد التجارة الحرة على إطفاء ظمإ الصين للألبان؟
يُضفي اتفاق التجارة الحرة الجديد بين الصين وسويسرا جاذبية أكبر على عملية التصدير إلى الصين بالنسبة لمنتجي الألبان السويسريين. لكن الأطراف المعنيّة تقول إن الحصول على موطئ قدم في هذه السوق الضخمة "أصعبُ مما هو متصوّر".
المزارع
في مزرعته الممتدة على التلال الخضراء بمنطقة أبّنزل السويسرية، يتذكّر روبارت بيشوفبرغر البداية الأولى للتغيير الكبير الذي حصل: كان ذلك عام 2002، عندما انتقل أحد المنافسين للإستقرار في المنطقة ما جعل مشتري الحليب من هذه المزرعة ومن 700 من المنتجين الآخرين يتوقّف عن عمله بين عشية وضحاها. وفجأة، لم تعد أمامهم أي طريقة لترويج منتجاتهم من الألبان ومشتقاتها.
في جميع أنحاء العالم، تتجاوز نسبة الطلب على الألبان بكثير الكميات المنتجة منها، ولذلك يبدو الحل بالنسبة للمراقب الخارجي واضحا وبديهيا: إذا كان إنتاج المزارعين السويسريين يتجاوز ما يحتاجه الإستهلاك المحلي بنسبة 30%، فلماذا لا يحذون حذو بلدان مثل هولندا ونيوزيلندا، ويبيعون الفائض من هذا الإنتاج إلى أسواق أخرى مثل الصين التي التي تضاعف استهلاك الألبان فيها أربع مرات منذ عام 2000.
تدخل اتفاقية التجارة الحرةرابط خارجي الموقعة بين سويسرا والصين حيز النفاذ في الأول من يوليو 2014 وهو ما يمهّد الطريق لذلك. إذ أنه من المنتظر أن تختفي الرسوم الجمركية المفروضة على معظم منتجات الحليب المصدرة إلى الصين تماما في غضون عشرة أعوام.
اتفاقية التجارة الحرة بين سويسرا والصين
تخفّض اتفاقية التجارة الحرة السويسرية الصينية، التي تدخل حيّز النفاذ في الأول من شهر يوليو 2014 من الرسوم الجمركية التي على الصين أو سويسرا دفعها عند تصدير البضائع بينهما.
في ما يخص صناعة الألبان، من المنتظر أن تتراجع نسبة التعريفة الجمركية على الألبان الطازجة التي تبلغ حاليا 15% إلى 0% خلال السنوات العشر القادمة. في حين أن الرسوم الجمركية المفروضة على مشتقات الحليب الصلبة (بما في ذلك الحليب المسحوق) ستتراجع من 10% إلى 0% خلال السنوات الخمس القادمة.
أما بقية الصناعات السويسرية التي سوف تتأثّر بهذا الإتفاق، فهي على التوالي:
صناعة الساعات، حيث تتراجع التعريفة الجمركية بنسبة 60% على مدى العشر سنوات القادمة.
المنسوجات، مع تراجع التعريفة من 99% حاليا إلى 0% خلال عشر سنوات.
الصناعات الميكانيكية والكهربائية، التي من المنتظر أن تتراجع نسبة الضريبة المفروضة عليها بمعدل 30% على مدى العشرية القادمة.
لكن الأمر بحسب بيشوفبرغر ليس على هذه الدرجة من السهولة. فقبل عدة أشهر، وكجزء من إعداد بروتوكول اتفاقية التجارة الحرة، قامت مجموعة من مفتشي الحكومة الصينية بزيارات خاطفة إلى مزارع ومراعي جبال الألب السويسرية، بما في ذلك مزرعة روبارت بيشوفبرغر للتأكّد من أن عمليات الإنتاج تتطابق مع الشروط المطلوبة في إنتاج الألبان في الصين. ولكن ما هي أبرز النقاط التي توقّفوا عندها؟ يجيب هذا المزارع الذي هو من الجيل الثاني في هذه المنشأة، ويعمل جنبا إلى جنب مع ابنه وزوجة ابنه وحفيده الأكبر: إنهم يسألون عن جودة الهواء والمياه في هذه المنطقة.
ويقول هم يهتمون بهذيْن العنصريْن لأن مرشحّات الهواء والمياه مُلزمة في المزارع الصينية لمواجهة نسبة التلوّث العالية. هذه الشروط الدقيقة وهذه القواعد المحددة بالنسبة للبيئة يمكن أن تثقل بسرعة كاهل المزارع الفرد الذي يعتزم تصدير منتجاته إلى الصين.
هذا هو السبب الذي دفع بيشوفبرغر وزملائه من المزارعين إلى توحيد جهودهم. بعد فترة وجيزة من مساعدته في تشكيل تكتّل مزرعة Nordostmilch في أعقاب إفلاس رجل الأعمال الذي كان يشتري الألبان من المنتجين (أنظر المعلومات المرافقة)، انخفضت أسعار المنتوج بسبب وجود فائض ضخم، وأدرك بيشوفبرغر و شركة Nordostmilch أنه لابد من بذل المزيد من الجهود للحفاظ على سلسلة التوريد بأكملها في أيدي المزارعين، ليكون بإمكانهم حسن استثمار الفرص وقياس المخاطر المحدقة بهم.
ويقول المزارع: “في ظل النظام الحالي، عندما يتم استلام الإنتاج من المُزارع، يمثل ذلك نهاية تدخله في سلسلة التوريد. وخلال المفاوضات حول إمكانية توسيع نطاق السيطرة، أردنا معالجة مشكلة فائض الحليب، وكيفية التوصل إلى تصديره. ثم لاحقا إيجاد حل لتصدير المنتجات الأصلية”. ثم يضيف: “كانت آسيا على رأس أولويات خطة عملنا، للإستفادة من هذه السوق النامية حيث تكتسب منتجات الألبان أهمية كبيرة وتحوّلت إلى منتجات غذائية رئيسية”.
من هنا أُسّست Swissmooh AGرابط خارجي، وهي شركة شقيقة لمؤسسة Nordostmilchرابط خارجي، وكان الهدف من هذه العلامة التجارية الجديدة تسويق صورة سويسرا – وخاصة منتجاتها من الألبان ومشتقاتها – لدى الحرفاء الصينيين من جيل الشباب الحديث الذي أضحى مستعدا لدفع أسعار عالية مقابل الجودة. ويشرف المزارعون على كل مراحل العملية التجارية، من الإنتاج وحتى البيع النهائي.
لكن ليس هناك إجماع على أن هذه هي الطريقة الأسلم التي يجب أن تنتهج في إدارة مجموعة كهذه. و يقول بيشوفبرغر، الذي يتولى حاليا رئاسة إدارة مؤسسة Swissmooh إن الكثيرين في سويسرا يطرحون العديد من الأسئلة المحرجة “وهم في أغلب الأحيان يصعب عليهم قبول حقيقة أن منظمة مزارعين تقوم بعمل جبّار مثل هذا”.
ويضيف: “معظم المزارعين ينظرون إلى هذا المشروع بإيجابية، ولكنهم أيضا لا يخفون انتقاداتهم. واحتمال حدوث خسارة مالية، أو عدم القدرة على الوصول إلى الأسواق المنشودة من الأشياء التي تظل ممكنة. وليس بمقدورنا أن نعد المزارعين بالحصول على المزيد من الأموال إذا ما التحقوا بنا، ولكن علينا كسب ثقتهم، وأن نظهر لهم أننا نفعل الأشياء بطريقة صحيحة، ونأمل عندئذ أن ينظموا إلينا”.
كسب هذه الثقة تتطلب سنوات من بناء علاقات تواصل بعناية من خلال كتابة الدولة السويسرية للشؤون الاقتصادية، ومن التعاون مع إحدى الجامعات في مجال دراسات التسويق، والعمل بشكل فردي والسعي للإمتثال للمتطلبات الصينية المعقدة في مجال التوريد. ولقد بلغ بنا الأمر إلى حد إنشاء شركة Swissmooh China كشقيقة للشركة الأصلية، وهي تعمل كذراع محلية لها في الصين لتذليل المشكلات اللوجستية المعقدة.
وسوف تواصل Swissmooh الإشراف بنفسها على العديد من العمليات اللوجستية حتى بعد دخول اتفاقية التجارة الحرة بين سويسرا والصين حيز النفاذ. أما الفائدة الأهم التي يراها بيشوفبرغر من هذا الإتفاق هو أن عملية مراقبة المزارع قد خرجت من الدائرة الحكومية، وأصبحت أيسر من ذي قبل، ولم تعد هناك حاجة لكي تنظم Swissmooh هذه العملية من تلقاء نفسها. فضلا عن ذلك، فإن وضع الحكومة الصينية لختم موافقتها على منتجات الألبان السويسرية يمكن أن يمنح الشركة ومنتجاتها سبقا وأفضلية في أعين الحرفاء الصينيين المميزين.
لكنه يستدرك محذّرا: “بعض الحواجز التجارية التي عانيْنا منها حتى الآن سوف تظل قائمة. ولا يمكن أن نجزم بأن هذه الإتفاقية سوف تعطينا دفعة قوية وسوف تجعل كل الأمور أيسر من ذي قبل، لكنها بلا شك ستجعل عددا قليلا من الأشياء أكثر سهولة”.
شركة إيمّي
شركة Emmi AG هي المسؤولة التي تهيمن على حصة الأسد من صادرات منتجات الألبان السويسرية إلى الصين، التي تضاعفت منذ عام 2003.
وعلى غرار بيشوفبرغر، تتوقّع شركة Emmi AG أن تستمر العراقيل أمام التبادل التجاري مع الصين حتى بعد دخول الإتفاقية حيّز النفاذ، وفق ما أشارت إليه إيشتر غيرستر، مسؤولة الإتصال بهذه الشركة. على سبيل المثال، تظل تسود حالة من عدم اليقين حول المدة التي سوف تستغرقها السلطات الصينية في فحص الشحنات في موانئ البلاد، وهذا الأمر يعد مصدر قلق كبير بالنسبة لشحنات منتجات الألبان التي لها مدد صلاحية قصيرة نسبيا.
إضافة إلى ذلك، تظل القواعد المعتمدة في تغيّر مستمر. ففي شهر مايو الماضي، مثلا، شدّدت الصين من جديد القيود على الشركات الأجنبية الراغبة في إرسال منتجات الألبان ومشتقاتها إليها، وطالبتها بتسجيل جميع منتجاتها، والشركات المصنعة أو المخزّنة لدى مكاتب الحكومة الصينية. وقبل شهر من ذلك، طُلِب من المنتجين الأجانب وضع علامة تجارية على منتجاتهم باللغة الصينية. وإجمالا، لا تتوقّع شركة Emmi AG أن تشهد مبيعاتها في الصين دفعة كبيرة بعد دخول اتفاقية التجارة الحرة حيّز التنفيذ.، وفي حديث مع swissinfo.ch، أوضحت إيشتر غيرستر أن “أسعار منتجات إيمي ستظّل دوما أعلى من أسعار الألبان المنتجة محليا، ومدّة تخفيض التعريفة الجمركية المتراوحة بين 5 أعوام و12 عاما هي فترة طويلة جدا”، وأضافت: “على سبيل المثال، سينخفض سعر الزبادي الذي تنتجه شركة إيمي بنسبة 0.9% سنويا”.
ويعلم كل من بيشوفبرغر وغيرستر أن منتجاتهم من الألبان لا يمكن أن تنافس الأسعار المعتمدة في الصين، سواء قبل اعتماد اتفاقية التجارة الحرة أو بعد اعتمادها، لذلك يراهن كل من المزارع والشركة على عنصر الجودة من أجل كسب موطئ قدم في هذه السوق الضخمة على المدى البعيد، وعلى صورة سويسرا “المشرقة التي ارتبطت دوما بالنظافة، والجودة، والدقة في العمل”، كما يقول بيشوفبرغر.
ومن دون شك، فليس كل شخص مهيأ لخوض غمار هذه التجربة!
شركة Swissmooh AG
هي الشركة الشقيقة لشركة Nordostmilch التي أنشأت في عام 2005 بعد إدماج مؤسستيْن منتجتيْن للحليب لتصبح شركة ينضوي تحتها 3000 مزارع يبيعون منتوجهم إلى معامل الألبان والأجبان في مناطق سويسرا المختلفة.
تشغّل شركة Swissmooh حاليا متجريْن في كنغداو وفي الصين حيث تروج مجموعة من أصناف الحليب المعبأة والمنتجة في سويسرا بما في ذلك مسحوق الحليب، والحليب المعقّم، والفوندو الممزوج، والجبن، والشكولاطة.
(نقله من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.