هل تستطيع سويسرا مُصادرة الأصول الروسية لإعادة إعمار أوكرانيا؟
لَجَأت العديد من الدول الغربية إلى تَجميد أصولٍ تعود لِحُكّام روس. ويُناقش البعض منها حالياً مسألة المُضي إلى أبعد من ذلك ومُصادرة هذه الأموال جُزئياً من أجل استخدامها كَمَصدر لتمويلٍ إعادة إعمار أوكرانيا. بدورها، تدرس سويسرا أفكار مُماثلة.
في كلمة ألقاها عبر الفيديو في افتتاح المنتدى الاقتصادي العالمي في مُنتجع دافوس السويسري في شهر مايو الماضي، طالب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي “ببذل الجهود الممكنة للعثور على الأصول الروسية ومُصادرتها أو تجميدها”. و”بالطبع هذا ليس بالأمر السهل. لكننا إذا فعلنا ذلك، فإن فكرة تقليد روسيا (في غزو جيرانها) ستفقد جاذبيتها لأي مُعتَد”، على حد قوله.
كلمات زيلينسكي حَظيت بتعاطف الحاضرين. في الولايات المتحدة، أقَرَّ مجلس النواب الأمريكي بأغلبية ساحقة من كلا الحزبين مَشروع قانون يَحث الرئيس جو بايدن على مُصادرة الأصول المُجمدة للقادة الروس الذين يخضعون لعقوبات غربية، واستخدام هذه الاموال لتقديم مساعدات عسكرية وإنسانية لأوكرانيا. وعلى الرغم من أن مثل هذا التشريع غير مُلزم، إلا أنه يعكس رغبة الحزبين لحث الرئيس على اتخاذ موقف أكثر عدوانية في وقت تناقش فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون مَصير الأصول الروسية المُصادَرة.
وفي الاتحاد الأوروبي، اقترحت المفوضية الأوروبية قواعد جديدة أكثر صرامة بشأن تَجميد ومُصادرة أصول الأفراد والكيانات الخاضعة للتدابير التقييدية للاتحاد الأوروبي. وهي تَعتبر إخفاء الأصول جريمة جنائية، ويسمح بمصادرتها وبيعها. ووفقًا لصحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” الصادرة بالألمانية في زيورخ، أعربَ مُفوض العَدل بالاتحاد الأوروبي ديدييه رايندرز عن توقعه انضمام سويسرا إلى هذه الخطوة أيضاً.
اقتراح في البرلمان السويسري
حتى الآن، لا يوجد موقف رسمي في سويسرا بشأن مسألة المصادرة. حول ذلك، قال الرئيس السويسري إينياتسيو كاسيس للصحفيين في المنتدى الاقتصادي العالمي الذي انعقد الشهر الماضي بدافوس: “هذا سؤال له أبعاد دولية وسوف تُقدِّم سويسرا ردَّها في الوقت المناسب”.
بَيد أنَّ كتلة الحزب الاشتراكي قدمت اقتراحاً إلى مجلس النواب (الغرفة السفلى في البرلمان) تدعو فيه الحكومة إلى وَضْع أساس قانوني يمكن بموجبه مُصادرة أموال الأشخاص الخاضعين للعقوبات.
لا ينص القانون الفدرالي بشأن إنفاذ العقوبات الدولية (قانون الحظر)، الذي يشكل أساس العقوبات السويسرية ضد روسيا، على مصادرة الأصول. ولا يعني تجميد الأصول نَقل الملكية ولكنه يحظر المعاملات التي تتعلق بها. هذا يعني أنه لا يمكن تأجير أو بيع الممتلكات، ولكن يمكن للمالك البقاء في العقار. وبإمكان المالك استخدام الأصول المجمدة بِحُرّية مرَّة أخرى بِمُجرد رَفع العقوبات أو إزالة الأصل من قائمة العقوبات.
دخل القانون الفدرالي بشأن تجميد واسترداد الأصول المكتسبة بصورة غير مشروعة للأشخاص الأجانب المعرضين سياسيارابط خارجي حيز التنفيذ في عام 2015. مع ذلك، فإنه ينص على إعادة الأصول المصادرة إلى مواطني الدولة الديكتاتورية المَعنية.
وبموجب هذا القانون ، قررت الحكومة السويسرية الشروع في إجراء إداري لمصادرة أصول الحكام الأوكرانيين المجمدة في سويسرا في أعقاب الثورة الأوكرانية في فبراير 2014. ومع ذلك، لا يسمح القانون بمصادرة أصول الأوليغارشية الروسية وتحويلها إلى أوكرانيا.
وسوف يُنظَر في هذا الاقتراح في الدورة الخريفية للبرلمان السويسري التي تنعقد في شهر سبتمبر على أقرب تقدير. ولكن حتى لو تَمَّ اعتماد هذه المبادرة، فإن العملية التشريعية الفعلية سوف تستغرق عِدّة سنوات على الأرجح.
عقبات كبيرة أمام نزع الملكية
كما أوضح فابيان تايخمانّ، المحامي المُتخصص في القانون الدولي لـ SWI swissinfo.ch، فإن مثل هذا القانون سيكون مُمكناً في ظل ظروف مُعينة؛ ذلك أن حق الفرد في الملكية الشخصية مُكرَّس في المادة 26 من الدستور الفدرالي السويسري، وأي تقييد لهذا الحق “يجب أن يَصب في المصلحة العامة المَشروعة والمُرضية”. وتجدر الإشارة إلى أنه “نظراً لاتساع نطاق المصادرة، فإن اشتراطات الأساس القانوني ستكون عالية بشكل خاص”، كما يقول.
الاحتمال الآخر هو أن يوافق المجتمع الدولي على اتفاقية دولية وأن تصدق سويسرا عليها. ووفقا لـ تايخمان، فإن هذا لن ينتهك مبدأ الحياد السويسري “بشكل أساسي”.
المزيد
إلى أي مدى تبدو سويسرا مُحايدة فعلاً؟
“سويسرا سوف تصبح جمهورية موز”
سوف يتأثر المركز المالي السويسري بشدة بِمُصادرة أصول الأوليغارشية الروسية. ويوجد جزءٌ كبير من هذه الأصول المُجَمَّدة اليوم في حسابات المصارف السويسرية.
مع ذلك، يَتَرَدَّد قطاع الخدمات المالية في التعليق. واكتفت رابطة المصارف السويسريةرابط خارجي (SBA) بالقول إنه تم أخذ الاقتراح في الاعتبار، وبأنها تلتزم التزاماً صارماً بجميع القوانين والتدابير المَعمول بها. وكتبت رابطة المصارف السويسرية الخاصة أنه “سيكون من المُستغرب إذا لم تُحتَرَم حقوق الملكية والحقوق الإجرائية في سويسرا”، وأضافت أن أي قرار برلماني لصالح مُصادرة الأصول “سيكون له بالتأكيد تأثير طويل الأجل على الثقة في سويسرا وعلى مصداقية مركزها المالي بالتالي”.
بدوره، يُحَذِّر بيتر ف. كونتس، مدير معهد قانون الأعمال بجامعة برن أيضاً من أن الأخذ بإجراءات نَزع المُلكية لن يضر المركز المالي السويسري فحسب، ولكنه سيضر سويسرا بأسرها. وكما قال: “تتمثل إحدى مزايا سويسرا الرئيسية في سيادة القانون، لكن مُقترح الحزب الاشتراكي سوف يُحول سويسرا إلى جمهورية موز”.
وكما يوضح، فإن من الأساسي في أي دولة تحكمها سيادة القانون أن يتم تعويض الشخص الذي تُصادَر ممتلكاته عن ذلك. لكن هذا بالضبط لَنْ يحدث في هذه الحالة [لو تم إقرار المقترح]. وبحسب كونتس، فإن إثبات الأنشطة غير القانونية للنُخبة الثَرية المُقربة من الكرملين سوف يستغرق سنوات عديدة أيضاً، وهذا بدوره سَيُصَعِّب استخدام الأموال المُصادَرة لصالح أوكرانيا.
ويعتقد كونتس أن الأمر سيكون سيئاً بشكل خاص لسويسرا في حال مَضَت قُدُماً في جهودها لِنَزع المُلكية دون اتفاق دولي. وهو يُذَكِر بفقدان سويسرا لمصداقيتها قبل عَقد من الزمان عندما قامت بتسليم بيانات العُملاء إلى الولايات المتحدة في سياق النزاع الضريبي معها، مُشيراً إلى اهتزاز الثقة بدولة القانون. وكما قال: “لا ينبغي تِكرار ذلك الآن”.
تتمثل إحدى مزايا سويسرا الرئيسية في سيادة القانون، لكن مُقترح الحزب الاشتراكي سوف يُحوّل سويسرا إلى جمهورية موز
ماذا يفعل الآخرون؟
بالنسبة إلى نورا ماير، المديرة الإدارية للمدرسة السويسرية للحوكمة العامة في المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ، فإن التضمين الدولي لعمليات المصادرة المُحتملة هي قضية مركزية أيضاً. وكما تقول: “يعتمد الأمر على قرارات بقية العالم بهذا الصدد، لا سيما الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة”. وإذا استجاب الجميع، وخاصة المراكز المالية الكبرى وفقاً لظروفها الوطنية الخاصة، فإن فُرص تجاوز ذلك ستكون أقل حسب رأيها.
من ناحية أخرى، سيعتمد ذلك على مدى إمكانية تعريف مُصادرة أصول الأوليغارشية الروسية الخاضعة للعقوبات لغَرَض إعادة بناء أوكرانيا على أنها حالة خاصة. وإذا أمكن القيام بذلك، “فإن المصادرة القانونية ستقتصر على هذا الوضع تحديداً، ومن شأن ذلك أن يحد من التأثير على المراكز المالية”.
تحرير: ريتو فون فارتبورغ
ترجمة ومعالجة: ياسمين كنونة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.