هل تخلفت سويسرا عن اللحاق بركب تنظيم الذكاء الاصطناعي؟
يهدف القانون الأوروبي للذكاء الاصطناعي إلى تطوير هذه التقنيات الحديثة مع احترام حقوق الإنسان. والآن تتحرّك سويسرا بسرعة للحاق بالقطار الأوروبي. فهل تأخرت هذه الخطوة كثيرا؟
قام الاتحاد الأوروبي بصياغة أول مشروع قانون في العالم ينظم الذكاء الاصطناعي (AI). فأين تقف سويسرا الدولة غير العضو في الاتحاد من هذه التطورات، وهي التي لم تكن حاضرة على طاولة النقاشات الأوروبية؟
توصّل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق على المسودة النهائية لقانون الذكاء الاصطناعي، الذي يعتبر أول تشريع في العالم يهدف إلى الحد من القوة المتنامية لأنظمة الذكاء الاصطناعي والشركات التي تطورها. وقال براندو بينيفي، عضو البرلمان الأوروبي ومفاوض قانون الذكاء الاصطناعي، في بيان بعد الموافقة على التشريع المقترحرابط خارجي، إن هذا القانون “سوف يفي بالوعد الأوروبي، ويضمن أن تكون الحقوق والحريات في قلب تطوير هذه التكنولوجيا الثورية”.
Dopo centinaia di riunioni e un’ultima maratona di 36 ore di negoziati abbiamo raggiunto uno storico accordo fra Parlamento Europeo e Governi sulla prima legge al mondo sull’Intelligenza Artificiale, il Regolamento Ai Act.
— Brando Benifei (@brandobenifei) December 9, 2023رابط خارجي
Con queste regole i sistemi che verranno usati in ambito… pic.twitter.com/nQXBW6TkJdرابط خارجي
ينص القانون الجديد على حظر أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تشكل خطراً “غير مقبول” على المواطنة والديمقراطية، كالتقنيات التي تستخدم البيانات الشخصية الحساسة للتلاعب النفسي والتصنيف الاجتماعي والتنميط العنصري والجنسي والديني.
وركز المشرّعون والمشرعات أيضًا على برامج الذكاء الاصطناعي التوليدية، مثل تشات جي بي تي ومحاولات استخدام التكنولوجيا لإنشاء صور متلاعب بها، مما يتطلب الشفافية حول البيانات والملكية الفكرية.
كما يجب على أي تطبيق للذكاء الاصطناعي يُعتبر “ذو مخاطر عالية” أن يلتزم بمتطلبات صارمة، وإلا فسيتم فرض غرامة على الشركة المنتجة تصل إلى 7٪ من الإيرادات العالمية.
وإذا تم إقرار القانون عبر تصويت في البرلمان الأوروبي ومجلس الاتحاد الأوروبي هذا الربيع، فسيدخل القانون حيز التنفيذ في جميع البلدان الأعضاء. ولكن ماذا سيعني ذلك بالنسبة لسويسرا، الدولة غير العضو في الاتحاد الأوروبي، والنشطة للغاية في مجال أبحاث الذكاء الاصطناعي، والتي تُعد موطناً للمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة؟
بعد مفاوضات طويلة ومرهقة، اتفق أعضاء وعضوات الاتحاد الأوروبي على النقاط الأكثر إثارة للجدل.
لن يتم حظر استخدام برامج التعرف على الوجه في الأماكن العامة من قبل الشرطة والحكومات تمامًا، كما طالب البرلمان الأوروبي في مسودته الأولى للقانون. إلا أنها ستقتصر على الحالات الاستثنائية لأسباب تتعلق بالأمن القومي وإنفاذ القانون.
يجب على الشركات التي تستخدم برامج الذكاء الاصطناعي التوليدية، مثل تشات جي بي تي أو برامج معالجة الصور أو التزييف العميق “Deepfakes”، أن تعلن أنها محتوى تم إنشاؤه بشكل مصطنع، وأن تكون شفافة بشأن البيانات المستخدمة لتدريب الأنظمة، مع احترام حقوق الطبع والنشر والملكية الفكرية. وكانت دول مثل إيطاليا وفرنسا وألمانيا من بين أشد المعارضين لهذه التدابير، خوفا من أنها قد تخنق روح ابتكار شركات الذكاء الاصطناعي فيها.
وتشمل ما يسمى “الأنظمة عالية المخاطر” قائمة طويلة من التطبيقات، مثل تحديد الهوية البيومترية والوصول إلى سوق العمل والجامعات، واستخدام الخدمات العمومية والخاصة. ومع ذلك، فإن تعريف ما يشكل “عالية المخاطر” ما يزال غامضًا وفقًا للعديد من الخبراء.
نص القانون ليس نهائيا وسيتم الانتهاء من التفاصيل الفنية للاتفاقية في الأسابيع المقبلة.
سويسرا تنضم إلى السباق العالمي
منذ أن ظهر برنامج تشات جي بي تي ، أقوى برنامج دردشة آلي في التاريخ طورته شركة أوبن آيه أي ( OpenAI) الأمريكية، في السوق في نوفمبر 2022، تحركت العديد من البلدان لتنظيم الذكاء الاصطناعي أو الحد من مخاطره بطريقة ما. ويتعرض الاتحاد الأوروبي، الذي يسعى إلى هذا الأمر منذ عام 2021، لضغوط لوضع اللمسات الأخيرة على قانونه وإقراره في أقرب وقت ممكن.
في أكتوبر 2023، أطلقت الصين آلية حوكمة الذكاء الاصطناعي العالميةرابط خارجي، وهي متاحة لجميع البلدان التي تشكل جزءًا من مبادرة طريق الحرير الجديد التي أطلقتها حكومة بكين. وفي الشهر نفسه، أصدرت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مرسوما بشأن تنظيم الذكاء الاصطناعيرابط خارجي. وبعد ذلك بوقت قصير، اجتمعت 29 دولة في بلتشلي بارك في المملكة المتحدة ووقعت على إعلان رابط خارجييدعو إلى التطوير الآمن والمسؤول للذكاء الاصطناعي. وكانت سويسرا من بين هذه البلدان. وتاريخيًا، كانت دولة جبال الألب تؤيد دائمًا اتباع نهج مريح وغير منظم في التعامل مع الذكاء الاصطناعي.
“بالنسبة لسويسرا، عدم وجود لوائح قانونية أفضل من تنظيم سيئ”، هذا ما قالته ليفيا فالبن، مستشارة السياسات للعلاقات الدولية في المكتب الفدرالي للاتصالات (OFCOM)، في شهر سبتمبر خلال حلقة نقاش في معهد ادياب (Idiap) لأبحاث الذكاء الاصطناعي ومقره سويسرا.
لكن فالبن أكدت أن الضغوط من أجل التنظيم كانت قوية أيضًا في سويسرارابط خارجي، خاصة بعد وصول تشات جي بي تي قبل عام إلى الأسواق السويسرية. والواقع أن سويسرا غيرت نهجها مؤخرا. وفي نهاية شهر نوفمبر، انضمت الحكومة السويسرية إلى القائمة المتزايدة من البلدان المهتمة بتنظيم الذكاء الاصطناعي، وذكرت برن أنها ترغب في استكشاف الأساليب التنظيمية التي تتماشى مع القانون الأوروبي واتفاقية الذكاء الاصطناعي الصادرة عن مجلس أوروبا، والتي تساهم سويسرا فيها. وسيتم اتخاذ القرار بشأن المضي قدمًا بحلول نهاية عام 2024.
سويسرا “فوّتت قطار” تنظيم الذكاء الاصطناعي
بحلول عام 2024، من المرجح أن يكون الاتحاد الأوروبي قد أقر القانون الجديد، والذي من المحتمل أن يدخل حيز التنفيذ بحلول نهاية عام 2025. فهل يعني هذا أنه قد فات الأوان بالنسبة لسويسرا لإيجاد آليتها الخاصة بتنظيم الذكاء الاصطناعي؟
“في الواقع، نعم”، كما يقول بوريس إنديربيتزين، المحامي والمتخصص في سياسات التكنولوجيا في زيورخ، ومن وجهة نظره، فإن تأثير القانون الأوروبي لا يترك لسويسرا خيارا سوى تبنيه بشكل سلبي.
“لقد فات سويسرا قطار تنظيم الذكاء الاصطناعي”، يقول إنديربيتزين، الذي يرى أن غياب سويسرا عن المفاوضات الأوروبية هو بمثابة نقطة ضعف، حتى لو كانت البلاد نشطة في المحافل الدولية الأخرى، مثل مجلس أوروبا.
وباعتبارها دولة ديمقراطية قوية ومركزًا للابتكار والبحث في مجال التكنولوجيات الجديدة، كان بوسع سويسرا أن تقدم مساهمة مهمة في قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي. يقول الخبير: “الآن لا يمكن لسويسرا إلا أن تتماشى مع التغيير، دون أن يكون لديها ما تقوله حول كيفية صياغة الاتحاد الأوروبي له”.
الشركات السويسرية ملزمة بالامتثال
لمواصلة ممارسة الأعمال التجارية في السوق الأوروبية، سيتعين على الشركات السويسرية الالتزام بالقانون الجديد. وقد بدأ العديد من هذه الشركات بالفعل في الاستعداد لهذا التغيير القانوني، مع الأخذ في الاعتبار تجربتها مع لائحة حماية البيانات (RGPD)، التي تم تقديمها في الاتحاد الأوروبي في عام 2018. وتساعد شركة ناشئة مقرها زيورخ الشركات على تطوير منتجات متوافقة مع لوائح الذكاء الاصطناعي. “لقد أدركت الشركات أنه كلما طال انتظارها، أصبح الالتزام بالقانون الأوروبي أكثر صعوبة وتكلفة.”
ووفقا لدراسة أجرتها شركة انتليرا (Intellera) الاستشارية، ستواجه الشركات تكاليف سنوية تتراوح بين 230 ألف يورو و4 ملايين يورو (218 ألف – 3.7 مليون فرنك سويسري) لضمان عدالة وموثوقية أنظمة الذكاء الاصطناعي عالية المخاطر. وهذا سيتطلب منها أيضًا تشغيل موظفات وموظفين متخصصين. وفي سويسرا، ستقع هذه التكاليف على عاتق حوالي 30% من الشركات، كما يقول شافينسكي. لكنها ستلقي بثقلها الأكبر على الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، التي تشكل جزءًا كبيرا من النسيج الاقتصادي السويسري.
يقول فيليب جيليرون، أستاذ القانون في جامعة لوزان ومحامي الملكية الفكرية والتكنولوجيا: “لقد وضع الاتحاد الأوروبي معايير عالية للغاية”.
سويسرا، مركز الحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعي؟
من جانبه، يعتقد شاوينسكي أن مشروع قانون الاتحاد الأوروبي يمكن أن يوفر ميزة تجارية للشركات الأوروبية التي تقدم أنظمة ذكاء اصطناعي، يعتبرها الجمهور جديرة بالثقة، لأن القانون هو الأول من نوعه الذي يهدف إلى ضمان تطوير ذكاء اصطناعي آمن.
فهل ينبغي على سويسرا أن تقوم بنسخ القانون الأوروبي ولصقه؟ لكن إندربيتزن يرى أن أن بإمكان سويسرا أن تفعل ما هو أفضل، نظرا لخبرتها ونهجها العملي في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وموقعها كدولة تشجّع التعددية وحقوق الإنسان.
ولكنه يستدرك قائلا: “لإطلاق العنان لإمكاناتنا وإحداث تأثير عالمي، يتعين علينا تعزيز علاقتنا مع الاتحاد الأوروبي”.
وفي الوقت نفسه، تهدف الجامعات التقنية الرائدة في البلاد إلى جعل سويسرا مركزًا رائدًا للذكاء الاصطناعي يركز على الشفافية والموثوقيةرابط خارجي. ويرى العديد من الباحثات والباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي أن هناك طريقًا للمضي قدمًا، وذلك إذا نجحت سويسرا في ترسيخ نفسها كموقع محايد لحوكمة التقنيات الجديدة، والبحث عن حلول عالمية.
ويرى خبيرا الأخلاق والاقتصاد الرقمي نينيان بايفجن وسالومي إيغلر فرصا جيدة في اتباع هذا النهج، كما أوضحا في تقرير حديث حول حوكمة الذكاء الاصطناعي في سويسرا.
وكتب الخبيران رابط خارجي: “يمكن للبلاد الاستفادة من نقاط قوتها بشكل أكثر استراتيجية لخلق ظروف إطارية عالمية للذكاء الاصطناعي”.
تحرير: فيرونيكا دي فور
ترجمة: مي المهدي
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.