هل يستطيع مجلس حقوق الإنسان رفع الظلم وتحقيق العدل؟
تنعقد دورة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة كل عام ما بين شهري فبراير ومارس، ويتوافد على قصر الأمم في جنيف وزراء ودبلوماسيون ونشطاء حقوق الإنسان من كل صوب وحدب إما لتسليط الضوء على انتهاكات مروعة أو للدفاع عن حكوماتهم من تهم ارتكبتها أنظمتها.
أما نحن الصحفيون فنواجه كل عام معضلة اختيار المواضيع التي يجب تغطيتها إخباريا، حيث يتم مناقشة مئات القضايا. تستمر جلسة المجلس أربعة أسابيع، تتخللها تقارير خاصة بكل بلد من المقررين الخاصين التابعين للأمم المتحدة ومناقشات حول الأطفال في النزاعات المسلحة وحقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة وحرية ممارسة الأديان والكثير من القضايا العالمية الأخرى.
بالطبع، يحرص محررو الأخبار على ربط أجندة أعمال المجلس بالأخبار الحالية، والكل يبحث عن تقارير عن الأوضاع في فنزويلا، فيما أصبحت المملكة العربية السعودية تحت مجهر الإعلام بعد القتل المروع لجمال خاشقجي.
قضايا منسية
أفكر أحيانا في الأشخاص، الذي شدوا رحالهم إلى جنيف، ليكتشفوا أنهم ليسوا الوحيدين ممن لديهم مظلمة وأن هناك المئات غيرهم. ولو حالفهم الحظ، فإن قضيتهم ستكون محل الاهتمام لمدة دقيقتين، يعبر فيها المجلس عن قلقه. وفي أحسن الأحوال قد يأتي عشرون شخص في إحدى الغرف الجانبية للاستماع إلى تقريرهم، الذي أعدوا له شهوراً طويلة.
ورغم ذلك يحج الناس كل عام إلى جنيف، لأن المجلس هو ببساطة المكان الوحيد الذي يتيح مناقشة ممارسات القمع والتمييز والقهر وجميع الانتهاكات الأخرى المستمرة.
هذا العام وللسنة الثانية على التوالي، وصل صحفيون من خدمة بي بي سي فارسي إلى جنيف على أمل لفت الانتباه إلى المضايقات المتهم النظام الإيراني بممارستها تجاه عائلات الصحفيين.
رنا هي واحدة من الصحفيين المقيمين في لندن، لكن والديها ما يزالان في إيران. في كلمة لها أمام مجلس حقوق الإنسان، أوضحت رنا كيف تم مصادرة جوازات سفر والديها ومنعهم من السفر، في الوقت الذي كانوا يخططون فيه لزيارة بريطانيا لرؤية حفيدهم حديث الولادة.
وهذه ليست حالة فردية، حيث تعرض زملاؤها وعائلاتهم لممارسات مماثلة: من قبيل تهديدات بالطرد من الوظيفة أو فقدان المعاشات التقاعدية إذا لم يحث الأهالي أبنائهم على ترك مهنتهم في مجال الصحافة، فيما يخضع بعض الصحفيين والصحفيات لتحقيقات في تهمة ” التآمر ضد الأمن القومي” وتستخدم هذه التهمة بسهولة في تجميد الأموال.
انحسار مساحة الحريات
رنا وزملاؤها مجرد مجموعة صغيرة من الناحية العددية، لكن تجربتهم في المضايقة والترهيب يتقاسمها معهم بشكل متزايد الصحفيون في العديد من البلدان. لم يكن المقرر الخاص المعني بوضع حقوق الإنسان في إيران، جافيد رحمن، هو الوحيد الذي أعرب عن قلقه إزاء تقلص مساحة الحريات للصحفيين. فالصحفيون في تركيا ومصر والولايات المتحدة يعيشون نفس المعاناة ويواجهون تهديدات متزايدة أثناء القيام بعملهم الصحفي.
هذه الأسباب دفعت جيريمي دير، نائب الأمين العام للاتحاد الدولي للصحفيين والسكرتير العام السابق للاتحاد الوطني للصحفيين، للمشاركة ولتأييد حملة الصحفيين. أتى جيرمي في المقام الأول إلى جنيف لدعم فريق BBC الفارسي، لكنه يعتقد أن حضور مجلس حقوق الإنسان هي فرصة إيجابية لمواجهة كل أشكال الظلم والاضطهاد.
“هذا اللقاء يعطينا أفضل فرصة لتسليط الضوء على ما يجري في العالم والتحدث مباشرة إلى ممثلي الدول في الأمم المتحدة”.
يرى جيرمي أن وجود كل من الدول المتهمة بممارسة القمع والدول ذات القوى الناعمة تحت سقف واحد في نفس مبنى الأمم المتحدة وفي ذات الوقت، يمثل فرصة فريدة، وقد لا يؤدي إلى إيجاد حل فوري، ولكنه هذا الالتقاء يشكل بداية لعملية التفاوض لإيجاد حل، حسب قوله.
ويضيف دير “لن يغير أي اجتماع كل شيء، إنه جزء من عملية أوسع، جزء من حملةوفرصة لبناء تحالفات والتحدث مباشرة إلى ممثلي الحكومة الإيرانية ومطالبة الحكومات بإثارة القضية في محادثاتهم الثنائية مع إيران “.
الحصانة
هناك مؤشرات على أن حملة كهذه قد يكون لها تأثير على السلطات الإيرانية. وهذه الحالة تدلل على أن مجلس حقوق الإنسان الأممي لا يقتصر عمله فقط على الشجب والتنديد، وإن كان هذا الحال بالطبع أيضًا في بعض الأوقات.
العديد من نجاحات المجلس نابعة من سنوات من المثابرة والدبلوماسية الهادئة والتحقيقات الدقيقة في الأحداث. وحتى البلدان التي تعد قوية جدًا أو لديها الكثير من الحلفاء الأقوياء، لدرجة أن المجلس لا يمكنه ببساطة المساس بهم، ليست محصنة.
في هذا السياق يؤكد الحقوقي فيل لينش، مدير الخدمة الدولية لحقوق الإنسان أن روسيا والصين والمملكة العربية السعودية خير مثال على ذلك. ففي هذه الدول الثلاثة، وفي العديد من البلدان الأخرى “يتم تقويض المؤسسات الديمقراطية، ويتجه المدافعون عن حقوق الإنسان وضحايا الانتهاكات بشكل متزايد إلى المجلس لطلب المحاسبة … بالنسبة للكثيرين، فإن المجلس هو الملاذ الأخير”.
وعلى الرغم من قوة هذه الدول وحلفائها، يحاول المجلس الارتقاء إلى مستوى التوقعات. ويضيف لينش “حتى الصين وروسيا لم تسلم من الانتقادات في السنوات الثلاثة الماضية”.
المملكة العربية السعودية تحت المجهر
بفضل مثابرة أشخاص مثل لينش، تم تسليط الضوء هذا العام على المملكة العربية السعودية. ويوضح لينش “عقدت اجتماعات لا تعد ولا تحصى مع عديد الحكومات على مدار السنوات الستة الماضي وكانت النتيجة هي أن المملكة العربية السعودية ذات أهمية على المستوى السياسي والاقتصادي والاستراتيجي لدرجة لا تسمح بفرض عقوبات عليها”.
ورغم ذلك اتفقت 36 دولة، بما في ذلك جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 28 دولة، على إدانة المملكة العربية السعودية علنًا لقمعها المحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين وطالبت الدول المنددة بالإفراج الفوري عن الناشطات السعوديات وبضرورة التعاون دون قيد أو شرط مع المحققين الدوليين لكشف ملابسات مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
أيسلندا قادت هذه الحملة، حيث عمل سفيرها بلا كلل أو ملل وراء الكواليس لحشد تأييد الدول الأعضاء الأخرى (لكنه فشل في ضم سويسرا إلى هذه الحملة وهو ما شجبته منظمات حقوق الإنسان السويسرية). كما تمكنت بعض الناشطات السعوديات من الوصول إلى جنيف والإدلاء بشهادتهن أمام المجلس.
من يراقب مجلس حقوق الإنسان الأممي ويتساءل عن نجاعة عمله وأهدافه وإنجازاته، إليه إجابة من فيل لينش، مدير الخدمة الدولية لحقوق الإنسان، وهي إجابة نابعة من أداء المجلس ونتائج الحملة على السعودية ” يستطيع الأفراد والتحالفات الدولية تحدي الاستبداد والظلم، إذا قدموا المبادئ على المنافع السياسية. الخير سيسود. لن تكلل الجهود مباشرة بالنجاح، ستكون هناك تحديات ونكسات. ولكن هناك تقدم والتاريخ يصنعه أولئك الذين يقدرون العدالة والمساواة والحرية على التمييز والخوف والقمع”.
(ترجمته من الإنجليزية: مي المهدي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.