يالها من مفارقة.. إحياء أسبوع السلام في هذا الوقت!
ربما لاحظ البعض منكم أن جنيف استضافت أسبوع السلام في وقت سابق من هذا الشهر - أطلق عليه اسم "محادثة عالمية حول السلام والأمن". يُنظّم هذا الملتقى كل عام. وبالنسبة للكثيرين منا نحن الصحفيات والصحفيون الذين يتابعون الأحداث من جنيف، بدت هذه التظاهرة هذا العام مثيرةً للسخرية بشكل مأساوي تقريبًا، نظرًا للأوضاع غير السلمية على الإطلاق السائدة حاليا في العالم.
في أوكرانيا، في السودان، والآن، بوحشية، في الشرق الأوسط، هناك صراعات لا يبدو فيها أي طرف مهتما بالتوقّف عن القتال إطلاقا. ويبدو أن ما يطلق عليه “المجتمع الدولي” عاجز عن التدخل.
لماذا نحن جيدون في بدء الحروب، وسيئون جدًا في منعها أو حلّها؟ لماذا لا تستطيع الأمم المتحدة أن تفعل ما صُمّمت من أجل القيام به والتوسط فيه؟ لماذا، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضية الشرق الأوسط، تتخبط الدول الفردية في ابتكار موقف دبلوماسي مناسب؟ هذا ما نناقشه في بودكاست “من داخل جنيف” هذا الأسبوع.
هنا، يُمكنكم الاستماع إلى هذا العدد من بودكاست “من داخل جنيف” كاملا (بالانجليزية)، والذي هو بعنوان: الأمم المتحدة، وأسبوع السلام، والشرق الأوسط.
هل الأمم المتحدة عاجزة؟
عندما شاركت في أسبوع السلام، كنت محظوظةً إلى حد كبير بلقاء مفوض الأمم المتحدة السامي السابق لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين. اشتهر رعد بكونه صريحًا خلال فترة توليه منصبه، وقدم الآن دعمًا كاملاً لتصريحات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش “التي أدان فيها بلا تحفظ هجوم حماس على إسرائيل، لكنه تحدث أيضًا عن عقود من اضطهاد الشعب الفلسطيني، وحذر إسرائيل من “العقاب الجماعي”.
أثارت هذه التصريحات غضب إسرائيل، لدرجة أن جلعاد إردان، سفير الدولة العبرية في الأمم المتحدة دعا غوتيريش إلى الاستقالة، لكن زيد، الذي أدان أيضًا هجمات حماس بلا تحفظ، يدعم أمين عام الأمم المتحدة. وتحدث إليّ ىّقائلا: «كيف يكون هناك شك في وجود عقاب جماعي؟» مضيفا: “عندما تُقطع المياه والأدوية والمواد الغذائية الرئيسية عن 2.2 مليون شخص، كيف يمكن أن يكون الأمر بخلاف ذلك ؟ كان الأمين العام محقًا في قول ما قاله… على الأمم المتحدة أن تقول الأشياء كما تراها. “
لكن المشكلة هي أنه في صراع طويل الأمد ومرير، مثل الصراع في الشرق الأوسط، نتطلع الأمم المتحدة لبذل جهود نحومن أجل احلال السلام. وبدلاً من ذلك، يبدو أن إسرائيل رفضت أي مساهمة من الأمين العام، ولم يتمكن مجلس الأمن من الموافقة على صياغة قرار لتهدئة الأمور. يقول زيد: «تبدو المنظمة عاجزة تمامًا».
يؤثر هذا العجز على الذراع الإنسانية للأمم المتحدة هنا في جنيف، حيث تبدو وكالات الإغاثة محبطة بشكل متزايد، ويائسة حتى، وهي تتوسل للوصول إلى غزة، لحماية المستشفيات، وبعض الوقود لتشغيل الحاضنات وآلات غسيل الكلى، أو بعض المياه الصالحة للشرب لآلاف الأطفال النازحين عن ديارهم بسبب الحرب المدمّرة.
العمل الإنساني للتغطية عن العجز
في نيويورك، يوافق ريتشارد غوان من مجموعة الأزمات الدولية على أن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني هو الصراع الذي أصيبت فيه الجهود السياسية والدبلوماسية للأمم المتحدة بالشلل بشكل خاص. وقال غوان لبودكاست “من داخل جنيف”: «أعتقد أن القيادة العليا للأمم المتحدة من ناحية، والإسرائيليين من ناحية أخرى، قرروا للتو أنه على مستوى الخطاب “لا إمكانية للتوافق”. «وهم يتراشقون بين بعضهم البعض بلغة حازمة للغاية».
لكن وراء هذه اللغة الحازمة، اكتشف غوان براغماتية ساخرة إلى حد ما. “في نهاية المطاف، عندما ينجلي غبار الحرب، ستكون الأمم المتحدة هناك للمساعدة في جبر الأضرار. هذا هو الدور الذي تلعبه الأمم المتحدة على الدوام في الشرق الأوسط… محاولة استعادة الحياة الطبيعية، ومحاولة الإشراف على عملية إعادة الإعمار. “
بالنظر إلى الأوضاع في غزة الآن، ستكون هذه العملية ضخمة، وستكلّف مليارات الدولارات، وكما يشير محللنا دانيال فارنر إلى ما يسميه «نهج لصق الجس لجبر الكسر»، حيث تقوم الأمم المتحدة، المشلولة من القمة بسبب عدم فعالية مجلس الأمن التابع لها، بفسح المجال لوكالاتها الإنسانية برفع الأنقاض، وإزالة بقع الدماء، ودفن موتى الحروب التي فشلت في منعها.
التموضع من اجل المستقبل
بالفعل، هناك حديث عما قد تبدو عليه إسرائيل وفلسطين «في اليوم التالي». لسوء الحظ، لا أحد لديه فكرة واضحة، والعديد من البلدان تبدو مرتبكة، وهي تحاول العثور على الكلمات المناسبة لوصف ما يحدث، ناهيك عن صياغة موقف دبلوماسي متماسك.
دخلت بريطانيا على سبيل المثال، في خلاف سخيف حول الحق في الاحتجاج تأييدا لسكان غزة، وجعلت عمل الشرطة أكثر صعوبة. أما ألمانيا، وفي سياق جهودها لإظهار الدعم لإسرائيل (أو على الأقل تصريحات بعض سياسييها) انحرفت نحو الإسلامافوبيا الموجهة ضد سكانها المسلمين.
هنا في سويسرا، تعهدت الحكومة مؤخرًا بتقديم أموال إضافية لوكالات الإغاثة الكبيرة للمساعدة، على ما يبدو، في عملها في غزة. لكن قبل أيام فقط من ذلك، أعلنت أنها ستعلق تمويل 11 منظمة غير حكومية صغيرة (ست منظمات فلسطينية وخمس إسرائيلية). ويعمل جميعها في مجال تعزيز حقوق الإنسان. وجاء في بيان سويسرا أنه بالنظر إلى السياق المتغير في الشرق الأوسط، فإنها تريد «إجراء تحليل معمق جديد لجميع التدفقات المالية» من أجل تقييم «أهمية وجدوى البرامج». وانتهى القرار إلى استئناف المساعدات، باستثناء إلى ثلاث منظمات فلسطينية.
من المفهوم أن الدول، خاصة عندما يسود غبار الحرب، تريد التأكد تمامًا من أن أموال دافعي الضرائب تذهب إلى حيث من المفترض أن تذهب، لكن إيرين كيلبرايد من هيومن رايتس ووتش تنتقد القرار السويسري. مشيرة إلى أنه نظرًا لأن جميع المنظمات الـ 11 طويلة الأمد ومعروفة جيدًا وتم تقييمها آخر مرة من قبل السويسريين هذا الصيف فقط، فقد أخبرت بودكاست “من داخل جنيف” أن “القرار السويسري بتعليق التمويل في هذه الظروف خطأ”.
وبالنسبة لمنظمة هيومن رايتس ووتش: “الآن ببساطة ليس الوقت المناسب لمزيد من خنق مجتمع حقوق الإنسان في إسرائيل وفلسطين. إن وجود الصراع المسلح يجعل المدافعين عن حقوق الإنسان يعملون بشكل أكبر وليس أقل أهمية. هذه هي اللحظة الخاطئة بالضبط للتوقف عن دعم المجتمع المدني. “
لسماع المزيد من هذه المناقشة الرائعة، بما في ذلك أفكار زيد حول مرونة القانون الدولي، وعدم قدرتنا على رؤية ما وراء آلامنا، استمع إلى “من داخل جنيف” – إنه بودكاست جدير بالاستماع!
ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.