مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“على سويسرا اظهار التزامها بالشفافية في تنفيذ العقوبات الدولية على روسيا”

صورة رمزية
Illustration: Helen James / SWI swissinfo.ch

يجب أن تمثل الحرب في أوكرانيا نقطة تحول نحو مزيدا من الشفافية بالنسبة لسويسرا وعليها أن تنتهز هذه الفرصة لتثبت للعالم التزامها بذلك، يقول الخبير في جرائم الأموال والعقوبات توم كيتنغ، رئيس مركز الجرائم المالية والدراسات الأمنية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، أقدم مركز أبحاث في مجال الدفاع والأمن في العالم.

وجمدت سويسرا 7.5 مليار  فرنك (8.1 مليار دولار أمريكي) من الأصول الروسية، والتي ادعى السفير الأمريكي في برن، سكوت ميلر، في مارس 2023، دون تقديم تفاصيل، أنها ليست سوى جزء بسيط مما يمكن حظره. بعد بضعة أسابيع، بعث سفراء مجموعة السبع في برن برسالة إلى الحكومة السويسرية، ينتقدون فيها الثغرات في النظام السويسري التي تجعل من الممكن التهرب من العقوبات. وواصلت الحكومة السويسرية رفض الانتقادات والدفاع عن سجلها في هذا المجال.

يقدم خبير العقوبات والجرائم المالية، توم كيتنغ، في هذه المقابلة أفكاره وتصوّراته حول كيفية إقناع سويسرا للعالم بأنها تنفذ العقوبات الدولية بكل شفافية وحزم. وفي ما يلي نص المقابلة.

SWI swissinfo.ch: سويسرا تتعرض لانتقادات كبيرة من قبل مجموعة الدول السبع، وغيرها من الدول التي تتهمها بالتقصير في تنفيذ العقوبات ضد روسيا. هل توافق على ذلك؟

توم كيتنغ: سويسرا في وضع مثير للاهتمام. إنها ولاية قضائية ستبقى مذنبة في أعين العالم ولن يتغيّر ذلك قبل انتهاء حقبة جيل كامل. لذلك، أعتقد أنه يجب على سويسرا فعل المزيد، وأن تقنع العالم بأنها تقف في صف الأشخاص الصالحين وأن تثبت براءتها.

تعرضت سويسرا لضغوط من مجموعة الدول السبع، ولكن البلاد في وضع صعب إلى حد ما لأنها مجبرة على احترام وتنفيذ قرارات تتخذ في بروكسل. بعبارة أخرى، سويسرا ليست طرفا محاور في بروكسل، لكنها قررت دستوريًا أنها ستنفذ أي قرار يتخذ هناك فيما يتعلق بالعقوبات. هذا يؤدي بالضرورة إلى انقطاع في التواصل لأنها قد تضطر في النهاية إلى تنفيذ إجراءات لا تتفق معها.

توم كيتنغ
توم كيتنغ هو المدير المؤسس مدير مركز دراسات جرائم الأموال والأمن في المعهد الملكي للخدمات العسكرية والأمنية، أقدم مركز أبحاث في مجال الدفاع والأمن في العالم. قبل انضمامه إلى المعهد في عام 2014، عمل كيتنغ كمصرفي استثمار لمدة 20 عامًا في بنك جيه بي مورجان. RUSI

اعترفت الحكومة السويسرية بأن صعوبة التعرّف على ملاك الشركات المستفيدين هو أمر صعب ويعيق تنفيذ العقوبات. هناك حديث الآن عن إنشاء سجل مركزي للملاك المستفيدين. هل قطع هذه الخطوة يساعد في تنفيذ العقوبات بشكل أفضل؟

توم كيتنغ: من دون سجل شركات شفاف، تتضاءل القدرة على تنفيذ العقوبات بفاعلية. كيف يمكن لبلد أن يدعي أنه لا يوجد ارتباط بين الشخص المفروض عليه العقوبات والشركة التي تعمل في اختصاصه إذا لم يكن لديه كل المعلومات المتاحة. سيكشف الصحفيون بسرعة أن هناك ارتباطًا – وهذا هو الدور القيم الذي لعبه قطاع الإعلام لعدة سنوات. أعتقد أن سجل الشركات الجيد، وفق ما قال زميل لي في لاتفيا، هو “قارب النجاة الذي تعتمد عليه إذا كنت ترغب في خلق الثقة في تنفيذ العقوبات”. إذا لم يكن لديك سجل شركات جيد، فلن تقنع الناس بأنك غير مذنب. يمكننا أن نناقش ما إذا كان ينبغي أن تكون هذه السجلات متاحة للجمهور أم لا، ولكن إذا لم تتمكن السلطات من الوصول إلى المعلومات اللازمة، فإنها لا تبذل قصارى جهدها لتنفيذ العقوبات.

لماذا تعتقد أن سويسرا كانت بطيئة في زيادة الشفافية بشأن الملاك النهائيين للشركات؟

توم كيتنغ: خضعت سويسرا لتقييم في مجال مكافحة غسل الأموال من قبل مجموعة العمل المالي (FATF) منذ وقت طويل، حتى قبل فضيحة وثائق بنما. وفي الوقت الذي مضى منذ عام 2016، تم إدخال معايير متزايدة من قبل مجموعة العمل المالي. النتيجة هي أن البلد الذي تم تقييمه في العام الماضي سيكون عليه أن يلتزم بمعايير أعلى من سويسرا.

ستواجه سويسرا اختبارًا كبيرًا عندما يتم تقييمها مرة أخرى في السنوات القادمة. ماذا تفعل سويسرا بين الآن وذلك الاختبار لضمان رفع مستوياتها وفقًا لتوقعات مجموعة العمل المالي؟ في تلك اللحظة، لن تتمكن سويسرا بعد الآن الاكتفاء بذلك، والقول إننا قد قمنا بعمل جيد في تقريرنا قبل عشر سنوات. أعتقد أن سويسرا يجب أن تنظر إلى المستقبل بدلاً من النظر إلى الوراء.

ولكن من المهم أيضًا أن نلاحظ أن معيار مجموعة العمل المالي هو معيار الحد الأدنى. إذا كنت من ضمن البلدان التي تكتفي بتلبية المعايير الدنيا، فسوف تكون تحت شبهة تسهيل تجاوز العقوبات.

هل تعتقد أن الحرب تمثّل مرحلة مهمة في مسيرة سويسرا وتوجهها لاعتماد مفهوم جديد فيما يتعلق بالشفافية؟

توم كيتنغ: بصراحة، يجب أن يكون الأمر كذلك. كما ذكرت، ما زالت سويسرا تعاني من سمعة بلد السرية المصرفية – سواء بوجه حق أم لا – ومن خلال المشاركة الفعالة في نظام العقوبات وإظهار تجميد الأصول والاستفادة من الخبرة الوطنية (مثل التجارة في المواد الأولية والخدمات المصرفية الخاصة) للضغط على الاقتصاد الروسي، سيساعد ذلك في معالجة الشكوك المتبقية التي تحيط بنزاهة النظام المالي في سويسرا.

محتويات خارجية

يبدو أن الدول متفقة إلى حد كبير بشأن العقوبات، ولكن هل هذا هو الحال نفسه فيما يتعلق بالتنفيذ؟

توم كيتنغ: تم الاتفاق على حزمة العقوبات في بروكسل، لكن ذلك يظل بمثابة الإطار العام. فلكل بلد قانون تنفيذ العقوبات الخاص به. والنتيجة هي أن هناك تعريفات مختلفة لأمور مثل الملكية والإدارة. تقول معظم الدول إنه إذا كان الشخص المُعاقَب يملك 50% بالإضافة إلى سهم واحد في شركة، فيجب أن يخضع للعقوبات، ولكن تفسير التحكم (حين يتحكم الشخص في الشركة من دون أن يكون المالك الحقيقي لها) يختلف بين الدول الأعضاء. هذا النقص في توحيد المفاهيم يؤدي إلى خلق ثغرات يمكن استغلالها لمن يريد الافلات من قبضة العقوبات

وفي حين أن البنوك كانت لفترة طويلة واعية جدًا بتنفيذ العقوبات بسبب وجود مشكلات مع السلطات الأمريكية، إلا أن الشركات في أوروبا لديها تجربة ضئيلة جدًا في تنفيذ العقوبات. شركات السلع كان عليها التفكير في العقوبات إلى حد ما في الماضي، ولكن ليس بنفس القدر كما هو الحال مع روسيا.

كيف تقوم الشركات بتنفيذ العقوبات، وفق رأيك؟

توم كيتنغ: إذا تحدثت مع المحامين أو المستشارين، سيخبرونك أنه لديهم عملاء ما زالوا يحاولون متابعة أعمالهم، دون الخضوع للعقوبات. قد يجادل الكثيرون بأن الشركات يجب أن تفعل “الشيء الصحيح”، سواء كانت هناك عقوبات أم لا، ولكن ما هي الحجة التجارية لفعل الشيء الصحيح؟

لدي تعاطف بعض الشيء مع الشركات التي تقول: “قد لا يعجبك ما نقوم به من منظور أخلاقي أو سمعة، ولكننا نعمل وفقًا للقانون. المحامون قد وافقوا على ما نفعله. إذا قمتم بتغيير القانون، سنغير كيفية تصرفنا.

محتويات خارجية

ما هو رأيك في أهداف صانعي السياسات بشأن العقوبات؟

توم كيتنغ: أود أن أسأل صانعي السياسات- ما هي نظريتكم لتغيير الأوضاع عند تنفيذ العقوبات على روسيا؟ وما هي الخطوات التي تحتاجون إلى اتخاذها لتحقيق هذا التغيير؟ قد يكون الأبسط أن نقول إن كل التجارة مع روسيا أو مع الدول الوسيطة التي تبيع لروسيا يجب أن تصل إلى الصفر. وبعد ذلك، دعونا نجري حوارًا حول السماح ببعض الاستثناءات للأدوية مثلاً.

إذًا، ما هو رأيك في نظرية التغيير التي يجب اتباعها؟

توم كيتنغ: من الثوابت التي أؤمن بها أن حلفاء أوكرانيا يجب أن يتخذوا إجراءات تمنع الكرملين من تمويل قواته العسكرية وتزويدها بالعتاد والسلاح. إذا كان هذا هو هدفنا، فعلينا ضمان فعالية العقوبات في مجالات مثل الإلكترونيات عالية التقنية.

ولكننا نعلم أيضًا أن لدى روسيا قدرة على التأثير، وبالتالي فإن الاقتصاد الروسي يتحول من اقتصاد مدني إلى اقتصاد عسكري. المصانع التي كانت تنتج الحافلات تنتج الآن الدبابات. ولذلك، يجب أن نفكر في مدى توسع الحظر التجاري. وهذا يتضمن السؤال عما إذا كان يجب علينا مواصلة بيع بعض المنتجات للدول الثالثة التي من المرجح أن تبيعها لروسيا، وهو أمر يحدث بوضوح.

لكن كيف يمكن تنفيذ ذلك؟

توم كيتنغ: هناك شركات في سويسرا والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا، شهدت زيادة في المبيعات إلى دول غير متحالفة في العام الماضي. يجب أن تتساءل هذه الشركات لماذا ارتفعت هذه المبيعات، وهل قد تكون مرتبطة بعملية التفاف عن العقوبات على روسيا – فمن الساذج أن نعتقد أنها غير مرتبطة.

علينا أن نجعل القطاع الخاص أكثر ذكاءً في التفكير فيما يفعلونه بدلاً من الاكتفاء بالنظر إلى القوانين.

واجهت سويسرا الكثير من الانتقادات لعدم الانضمام إلى فريق عمل ريبو “REPO” التابع لمجموعة الدول السبع (الدول المصنعة الكبرى)، الذي يهدف إلى تجميد وحجز أصول روسية. هل تعتقد أنها يجب أن تنضم؟

توم كيتنغ: إذا لم تنضم، فإنها تلحق ضررًا أكبر بسمعتها. لماذا لا تنضم سويسرا؟ سيعتقد المتشككون أنها تخفي شيئًا ما.

ما الذي يجب على سويسرا القيام به لإقناع العالم بتنفيذها الفعّال للعقوبات؟

توم كيتنغ: لو كنت في موقف سويسرا الآن، فسأبحث عن مجال معروف بقوتها فيها، وأحاول أن أن أكون رائدة عالميا في تنفيذ العقوبات على روسيا في ذلك المجال.

إذا كان قطاع تجارة السلع هو المجال، فسأبذل قصارى جهدي للتعاون مع شركات مثل غلنكور وترافيغورا لمساعدتها على فهم العقوبات وتقديم الاستشارة لها حول التغييرات التي قد تجدها مفيدة لتحقيق نظريتنا للتغيير.

سأجعل ذلك ميزةً. سأعقد مؤتمرًا حول تنفيذ العقوبات ضد روسيا في قطاع تجارة السلع برعاية غلنكور وترافيغورا وأدعو الشركاء المتحالفين للتفكير في كيفية تشديد هذا الجانب المحدد من شبكة العقوبات.

هل تقوم سويسرا بكل ما يمكنها لتنفيذ العقوبات؟

توم كيتنغ: أتمنى ذلك، ولكن من الواضح أن الحلفاء الرئيسيين لا يرون ذلك. يجب على سويسرا أن تأخذ بجدية المخاوف التي أبدتها مجموعة الدول السبع وغيرها من الدول. في نظر الكثيرين، ستظل سويسرا مذنبة حتى تثبت بشكل قاطع براءتها.

(خضعت هذه المقابلة لعملية تحرير واختصار)

تحرير: فيرجيني مانجان

ترجمة: مي المهدي

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية