في شافهاوزن.. انطلق حوار الأديان منذ عشرة أعوام
غير بعيد عن الجدل الدائر حول مسجد النور في فينترتور ومآلاته، احتفل أبناء الجاليات المسلمة في كانتون شافهاوزن مع ممثلي الطوائف الدينية الأخرى بمرور عشرة أعوام على انطلاق حوار الأديان. المؤتمر الذي أتاح الفرصة لأبناء الجالية المسلمة لكسر الحواجز النمطية لم يخل من تساؤلات حول مدى ارتباط الإسلام بالتطرف وقدرة معتنقيه على التعايش السلمي.
خطفت قاعة مؤتمر حوار الأديان في مجلس بلدية شافهاوزن أنظار زائريها من خلال الألوان المتوهجة والمشرقة لأزياء فتيات سريلانكيات، وأبناء إقليم التبت، وبتنوع البشر القادمين من كل مشارب الأرض وهم يتحدثون لغات من شتى أنحاء العالم وإن كانت اللغة الألمانية القاسم المشترك بين الحاضرين. وقد انعكس هذا التنوع الثقافي للمشاركين بوضوح في مضمون المؤتمر الذي لم يقتصر على القضايا الدينية، بل تطرق إلى السياسة وتخللته وصلات فنية.
افتتح المؤتمر برقص استعراضي لأبناء الجيل الثالث من المهاجرين التاميل في رسالة تحمل دلالات عدة، كما يوضح ماركوس زيبر، القس والأستاذ بكلية التربية في شافهاوزن الذي قال “افتتحنا الحوار برقص استعراضي لأبناء جالية التاميل، الذين فر أهلهم قبل عقود من سريلانكا، لأنهم الأمل في المستقبل ولأنهم من سيحمل راية الحوار بعدنا”.
هل الإسلام دين عنف أم سلام؟
في المقابل، استهل أبناء الجالية المسلمة خطابهم بتلاوة سورة الفاتحة، التي اعتبر ماركوس زيبر أنها “تحمل معاني كثيرة شبيهة بالصلاة الربية في المسيحية”. وعلى الرغم من محاولات الحضور البحث عن القواسم المشتركة، ظل موضوع رسالة الدين الإسلامي والتساؤل حول قدرة المسلمين في سويسرا على احترام الدستور والقانون حاضرا في ردهات المؤتمر، الذي انعقد في وقت يتصدر فيه الإسلام والمسلمون عناوين الأخبار المحلية في سويسرا بسبب بعض التطورات المتفاوتة الأهمية من بينها رفض طالب مسلم مصافحة معلمته، وإقرار حظر ارتداء النقاب في كانتون تيتشينو، واتهامات بالتحريض على العنف في مسجد النور بمدبنة فينترتور. وهي قضايا أعادت طرح التساؤلات في المجال العام عن دور الإسلام وموقف المسلمين في سويسرا.
“أي دعوة إلى العنف لا تمت إلى الإسلام بصلة”، هكذا جاء رد موسى أبو ربيعة، المسؤول في جمعية طبا الإسلامية الذي أكد أن أي جالية تعاني من الصور النمطية والأحكام المُسبقة وأنها بحاجة للقيام بدور فعال لخرق هذا التفكير، مشيرا إلى أن أبواب المسجد مفتوحة دائما بوجه أي شخص وأن تحريض أي إمام على ممارسة العنف أمر لا يُصدق. وأضاف أبو ربيعة “التاريخ يشهد على وجود متطرفين يقتلون باسم الدين المسيحي أو اليهودي أو الإسلامي والدين بريء من هؤلاء. من يرتكب جرائم باسم الإسلام هو شخص خارج عن القانون، لا علاقة له بالدين، ومكانه السجن”. وأوضح أبو ربيعة أن “أفضل طريقة لتحسين صورة المسلمين هي ممارسة الإسلام الصحيح “.
وفي ظل استمرار الجدل حول دور أئمة المساجد وضرورة فرض المزيد من الرقابة على الجمعيات والهيئات الإسلامية في سويسرا، اعتبر موسى أبو ربيعة أن أهمية هذا اللقاء تكمُن في تعرف الناس على الإسلام عبر المسلمين وليس عن طريق وسائل الإعلام “التي لا تغطي إلا الأمور السلبية وتجعلها في صدارة الأخبار، سواء تعلق الأمر بالإسلام أو بأي موضوع آخر”، على حد قوله.
بدوره، أكد أرمين جهاجه، المتحدث باسم مسجد مكة الألباني، في رده على هذه التساؤلات أن “أبواب المسجد مفتوحة دائما لكل من يريد التعرف على الإسلام والمسلمين”، وأشار إلى أنهم “يستقبلون مرة في الشهر على الأقل مجموعة من تلاميذ المدارس لتعريفهم على الدين الإسلامي”.
التطرف والأحكام المسبقة خطران يهددان العيش المشترك
من جهته، أكد كورت زوبلر، مدير مركز الإندماج في كانتون شافهاوزنرابط خارجي، أنه لا يمكن معالجة المشاكل دون التعرف على الآخر، مشيرا إلى أن المسلمين لديهم نفس المخاوف من تطرف الشباب المسلم وأنهم يعملون مع بقية الجاليات في هذا الإطار.
بيان شافهاوزن للحوار بين الأديان
هذه المرة شارك في حوار الأديان ممثلو الكنيسة الإنجيلية البروتستانتية والكاثوليكية والمسيحيون الأرثوذكس الإريتريون وثلاث جمعيات إسلامية مختلفة واليهود والهندوس التاميل والبوذيون والطائفة البهائية.
كانت ثمرة اللقاء توقيع ممثلي هذه الطوائف على بيان مشترك يتعهدون فيه باحترام القانون والدستور ومراعاة التقاليد والمشاركة في الحوار لتسهيل العيش المشترك.
كما أدان الموقعون الدعوة إلى العنف باسم أي دين وتعهدوا بالعمل بكل السبل على حفظ السلم الأهلي.
خطر الأحكام المسبقة وضرورة فهم الآخر طرح لا يتشاركه القائمون على المؤتمر فقط، بل أيضا عدد من الزائرين، الذي صرح أحدهم لـ swissinfo.ch قائلا: “الجهل بالآخر أكبر عقبة للعيش المشترك. أنا شخصيا لم أعرف من قبل أن اليهود تعرضوا للإبادة في هذه المدينة في منتصف القرون الوسطى ولا عن تقاتل الكنائس الانجيلية والكاثوليكية في سويسرا ولم أعرف أن المساجد مفتوحة لأي زائر من أي دين”. وأضاف “رغم الإختلافات الظاهرة فهناك نقاط التقاء كثيرة بيننا، ومن الجميل أن نعرف ماضينا حتى نفهم حاضرنا ونحترم بعضنا البعض”.
صلاة بوذية في الكنيسة الكاثوليكية
في الواقع، لا تقتصر مميزات حوار شافهاوزن على اكتشاف ثقافة الآخر وعلى الجهود المبذولة لرفع مستوى التفاهم من أجل تضييق الهوة بين أبناء الجاليات المختلفة. فعلى النقيض من الكانتونات والبلديات الأخرى، لم يولد الحوار كمبادرة من طرف الكنيسة أو من جانب الطوائف الدينية الأخرى، بل أطلقه مركز الإندماج التابع للكانتون على إثر مطالبات من الجاليات المسلمة بتخصيص مقابر للمسلمين، حيث ظهرت أهمية الحوار بين السياسيين وأبناء الطوائف الدينية لتسهيل حياتهم.
وانطلاقا من حلقة نقاش صغيرة أخذ اللقاء منحى جديدا وتحول إلى حدث سنوي يضم السياسيين ورجال الدين للبحث عن حلول عملية للأزمات والمشاكل الطارئة. وفي بعض الأحيان كان يكفي تكافل الطوائف الدينية مع بعضها البعض لحل المشاكل بشكل سريع بعيدا عن بيروقراطية الأجهزة الحكومية، كما يؤكد المشاركون في المؤتمر.
على سبيل المثال، تعد الطائفة البوذية واحدة من أصغر الطوائف في شافهاوزن، حيث بدأ أبناؤها قبل سنوات قليلة بالتجمع لأداء طقوسهم الدينية وقضاء أوقات الفراغ وأصبحت الكنيسة في أحيان كثيرة مركز التقاء لهم لأداء الصلاة والتعبد، حتى تمكنوا من العثور على مكان يحتضنهم. وفي أحيان أخرى كانت الجاليات هي التي تتكافل بمساعدة الحكومة المحلية في التغلب على الأزمات الطارئة، كما حدث حينما قام أبناء الجاليات المسلمة بجمع التبرعات لتقديم المساعدات لأكثر من ألف لاجئ قدموا مؤخرا إلى كانتون شافهاوزن.
رغم هذه التحركات الإيجابية، يُدرك المشاركون في المؤتمر أنهم لن يستطيعوا حل المشاكل الكبرى المطروحة في البلد، لذلك فإن الهدف من هذه اللقاءات يتلخص بالنسبة لهم في تعزيز مناخ الحوار والشفافية والعمل سويا لإيجاد حلول لمشاكل المدينة مع الإحتفاظ بالتنوع الثقافي للطوائف المختلفة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.